فيها ثلاثة أقوال.. هل حلق اللحية حلال أم حرام؟ الإفتاء تجيب
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
أجاب الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بـدار الإفتاء المصرية، على سؤال متصل يدعى عبد الله حول حكم حلق اللحية حرام أم حلال؟
حلق اللحية حلال أم حرام؟وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، اليوم الأربعاء: "اللحية مسألة من ضمن مليون و200 مسألة فقهية حولها خلاف، والفقهاء لهم فيها ثلاث أقوال".
وتابع: "بعض الفقهاء قالوا إنها واجبة هل هى قصيرة ام طويلة، هناك خلاف كبير، وبعضهم قال إنها من قبل السنن الموكدة وبعضهم قال هى من قبيل العادات، والأمر على السعة ما دام هناك خلاف الامر يختار ما يناسبه".
من المقرر شرعًا أن إعفاء اللحية مأثورٌ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان يهذبها ويأخذ من أطرافها وأعلاها بما يحسنها بحيث تكون متناسبة مع تقاسيم الوجه والهيئة العامة، كما كان صلى الله عليه وآله وسلم يعتني بتنظيفها بغسلها بالماء وتخليلها وتمشيطها، وقد تابع الصحابة رضوان الله عليهم الرسول عليه الصلاة والسلام فيما كان يفعله وما يختاره، وقد وردت أحاديث نبوية شريفة ترغب في الإبقاء على اللحية والعناية بنظافتها، ومنها ما رواه البخاري ومسلم -واللفظ له- عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ؛ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى».
وروى مسلم أيضًا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ، وَالسِّوَاكُ، وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ، وَنَتْفُ الْإِبِطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ» أي: الاستنجاء، قال مصعب -أحد رواة الحديث-: "وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ".
وقد اختلف الفقهاء في حكم إطلاق اللحية للرجال قديمًا وحديثًا؛ بناءً على اختلافهم في المراد من الأمر النبوي في هذه الأحاديث:
- فذهب فريقٌ مِن الفقهاء؛ كالكاساني وابن الهمام والحصكفي مِن الحنفية، والقرطبي والنفراوي من المالكية، ونسب إلى الحليمي واختاره بعض الشافعية كابن الرفعة والأذرعي وغيرهما، وإن كان غير معتمَدٍ عند الشافعية، وهو قول الشيخ ابن تيمية ومَن وافقه مِن متأخري الحنابلة: إلى حمل الأمرِ في هذه الأحاديث على الوجوب؛ بناءً على أن الأصل في الأمر الوجوب، ولأن الأمر معلَّل بمخالفة المشركين، والتشبه بهم حرام؛ لما رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» رواه أبو داود وغيره، وذلك على اختلافٍ بينهم في تفصيل ذلك.
- بينما ذهب الفريق الآخر مِن العلماء إلى أن الأمر في هذه الأحاديث ليس للإيجاب، بل هو إما للإرشاد وإما للاستحباب؛ وعليه فلا يكون هناك إثمٌ في حلق اللحية، وهو مذهب أكثر العلماء كما يقول العلامة محمد رشيد رضا في "مجلة المنار" (22/ 440)، ونقله الحافظ زين الدين العراقي عن الجمهور وأنه مذهب الشافعي وأصحابه، ونقله الإمام النووي عن العلماء، بل نقل الإمام القاضي ابن جُزَيٍّ المالكي الاتفاقَ عليه، وهو قول الإمام الحافظ علاء الدين مغلطاي وبدر الدين العيني من الحنفية، ومُقتضَى قول الإمام مالك رحمه الله بأن حلقَها من العبد ليس مُثلةً، وقول الأئمة القضاة الفقهاء: أبي الوليد الباجي، وعياض اليحصبي، وأبي بكر بن العربي، وأبي الوليد بن رشد، وأبي القاسم بن جُزَيٍّ، والعلامة الأُبِّي، والعلامة الزرقاني، وغيرهم من المالكية، وهو مذهب الشافعية اعتمادًا وإفتاءً؛ كما نص عليه الإمام الخطَّابي، والرُّوياني، وحجة الإسلام الغزالي، ومحيي السنة البغوي، والحافظ أبو شامة المقدسي، والشيخان المتقدِّمان: الرافعي والنووي، والمتأخران: ابن حجر والرملي، وهو قولُ الإمام أحمد رحمه الله المعروف عند أصحاب مذهبه، ونص عليه الإمامان الموفَّقُ وأبو الفرج ابنا قدامة المقدسي، وابنُ عبد القوي، وابنُ مفلح، وابنُ البهاء البغدادي وغيرُهم من الحنابلة، وهو قول الإمام أبي طالب المكي، والعلامة الشوكاني.
ومما يؤيد أن الأمر بإعفاء اللحية للإرشاد والندب لا للوجوب: أنه ليس أمرًا مطلقًا، بل هو مُعَلَّلٌ بمخالفة المشركين والبعد عن مشابهتهم، وهذا التعليل مقتضٍ للقول بعدم الوجوب من حيث إن مخالفة الكفار ليست واجبة إلا في خصوص ما يتعلق بعقائدهم وخصوصياتهم الدينية، والأمر في الأحاديث الواردة عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم كما يكون للوجوب يكون لمجرد الإرشاد إلى الأفضل.
ويؤيد ذلك أيضًا: أنه جاء في سياق الأمر بخصال الفطرة، وكلها أمورٌ مستحبة، كما نص على ذلك الكثير من العلماء؛ لتَعَلُّق الأمر فيها بالعادات، وتحسين الهيئات، والجمال والنظافة، ومصلحة البدن ونفي الأوساخ عنه؛ حيث لم يجعلها الشرع على الوجوب؛ اكتفاءً فيها بداعية الطبع عن إيجاب الشرع، ونص العلماء على أن تعلق الأمر بواحد من هذه الأغراض هو قرينة تصرفه عن الوجوب إلى الندب أو الإرشاد:
قال ابن العربي في "القبس" (3/ 1110): [والنكتة التي تعتمدونها في الفرق بين المكروه والحرام: أنه إذا جاء النهي مقرونًا بالوعيد دل على تحريمه، وإذا جاء مطلقًا كان أدبًا، إلا أن تقترن به قرينة تدل على أنه مصلحة في البدن أو في المال على الاختصاص بالمرء فإنه يكون مكروهًا على حاله ولا يرتقي إلى التحريم، فإن كان لمصلحة تعم الناس صار حرامًا، والدليل على ذلك: أن للمرء أن يتحمل الضرر في نفسه إن كان يسيرًا، وليس له أن يلحقه بغيره يسيرًا كان أو كثيرًا] اهـ.
وقال الحافظ أبو شامة المقدسي في رسالته "السواك وما أشبه ذاك" (ص: 94): [مثل هذه الأشياء التي مقصودها مطلوب للخلق وهي النظافة لا يحتاج إلى ورود أمر إيجاب الشارع فيها؛ اكتفاءً بدواعي الأنفس، فمجرد الندب إليها كافٍ، وهذا ظاهر وله نظائر كثيرة، والله أعلم] اهـ.
وقال الإمام القاضي أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" (1/ 56، ط. دار الكتب العلمية): [فأمَّا قصُّ الشارب وإعفاءُ اللحية: فمخالفةٌ للأعاجم؛ فإنهم يقصون لحاهم ويوفرون شواربهم، أو يوفرونهما معًا، وذلك عكس الجمال والنظافة] اهـ.
والحق الذي ترشد إليه السنة الشريفة وآداب الإسلام في الجملة أن أمر الملبس والمأكل وهيئة الإنسان الشخصية لا تدخل في العبادات التي يجب على المسلم وجوبًا شرعيًّا الالتزامُ بما ورد في شأنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، بل للمسلم أن يتبع فيها ما تستحسنه بيئته ويألفه الناس ويعتادونه، ما لم يخالف نصًّا أو حكمًا غير مختلف فيه، وإعفاء اللحية أو حلقها من الأمور المختلف على حكم الأمر الوارد فيها بالإعفاء على ما تقدم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: اللحية حلق اللحية دار الإفتاء صلى الله علیه وآله وسلم
إقرأ أيضاً:
هل المصافحة عقب الصلاة بين المصلين بدعة؟.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا بقول صاحبه: هل المصافحة عقب الصلاة بين المصلين من تمام الصلاة؟ أم هي مكروهة؟ أم هي بدعة؟.
وأجابت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي عن السؤال قائلة: إن المصافحة عقب الصلاة بين المصلين جائزةٌ شرعًا ولا حرج فيها، مع ملاحظة عدم الاعتقاد بأنها من تمام الصلاة أو من سُنَنِها التي نُقِل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المداومةُ عليها.
حكم المصافحة عقب الصلاة
وأشارت الى ان المصافحة عقب الصلاة دائرة بين الإباحة والاستحباب، ولكن لا ينبغي أن يَعتَقِدَ فاعلُها أنها من تمام الصلاة أو سُنَنِها المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والقائلون بالاستحباب يستأنسون بما رواه البخـاري في "صحيحه" عن أَبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنـه قَـالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ،... وَقَـامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ، قَـالَ -أَبـُو جُحَيْفَةَ رضي الله عنه-: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ".
قال المحب الطبري (ت: 694هـ): ويُسْتَأْنَسُ بذلك لما تطابق عليه الناس من المصافحة بعد الصلوات في الجماعات، لا سيَّما في العصر والمغرب، إذا اقترن به قصدٌ صالحٌ؛ من تبركٍ أو تودُّدٍ أو نحوه. اهـ.
واختار الإمام النووي (ت: 676هـ) في "المجموع" أن مصافحة من كان معه قبل الصلاة مباحة، ومصافحة من لم يكن معه قبل الصلاة سُنَّة. وقال في "الأذكار": [واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به؛ فإن أصل المصافحة سُنَّة، وكونُهم حافظوا عليها في بعض الأحوال وفرَّطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يُخْرِجُ ذلك البعضَ عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها] اهـ. ثم نقل عن الإمام العز ابن عبد السلام (ت: 660هـ) أن المصافحة عقيب الصبح والعصر من البدع المباحة.
الرد على من قال بأن المصافحة عقب الصلاة مكروة
أما ما ذهب إليه بعض العلماء من القول بكراهة المصافحة عقب الصلاة فإنهم نظروا فيه إلى أن المواظبة عليها قد تُؤَدِّي بالجاهل إلى اعتقاد أنها من تمام الصلاة أو سننها المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومع قولهم بكراهتها فإنهم نَصُّوا -كما نقل ابن علان عن "المرقاة"- على أنه إذا مَدَّ مسلمٌ يدَه إليه ليصافحه فلا ينبغي الإعراض عنه بجذب اليد؛ لما يترتب عليه من أذًى بكسر خواطر المسلمين وجرح مشاعرهم، ودفعُ ذلك مقدَّمٌ على مراعاة الأدب بتجنب الشيء المكروه عندهم؛ إذ من المقرر شرعًا أن "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".
وبناء على ذلك: فإن المصافحة مشروعة بأصلها في الشرع الشريف، وإيقاعُها عقب الصلاة لا يُخْرِجُها من هذه المشروعيَّة؛ فهي مباحة أو مندوب إليها -على أحد قولي العلماء، أو على التفصيل الوارد عن الإمام النووي في ذلك- مع ملاحظة أنها ليست من تمام الصلاة ولا من سُنَنِها التي نُقِل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المداومةُ عليها، وهذا هو الذي لاحظه من نُقِل عنه القولُ بالكراهة؛ فتكون الكراهة عنده حينئذٍ في هذا الاعتقاد لا في أصل المصافحة، فعلى من قلَّد القول بالكراهة أن يُراعيَ هذا المعنى وأن يُراعي أدب الخلاف في هذه المسألة ويتجنب إثارة الفتنة وبَثَّ الفُرقة والشحناء بين المسلمين بامتناعه مِنْ مصافحة مَنْ مَدَّ إليه يده من المصلين عقب الصلاة، ولْيَعْلَمْ أن جبر الخواطر وبَثَّ الألفة وجَمْعَ الشمل أحبُّ إلى الله تعالى من مراعاة تجنب فعلٍ نُقِلَتْ كراهتُه عن بعض العلماء في حين أن المحققين منهم قالوا بإباحته أو استحبابه.