حكم الدعاء بالمغفرة عند نهاية كل عام وبالإعانة فى العام الجديد
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمية مضمونة:" ما حكم الدعاء بالمغفرة عند نهاية كل عام والدعاء بالإعانة مع بداية العام الجديد؟".
وقالت دار الإفتاء موضحة: إن الدعاءُ في آخر العام بالمغفرة وفي أوَّلِه بالإعانة جائزٌ شرعًا؛ لجواز تخصيص بعض الأيام والأوقات ببعض القرب والعبادات، وليحرص المسلم على أن يكون في دعائه من الأدعية الواردة في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية ودعاء الصالحين أو ما يفتح الله له من سائر الدعوات الصالحة ليحصل له تمام الفائدة.
مشروعية الدعاء وحكمه
الدعاء عبادة مشروعة ومستحبة؛ لِما فيه من التضرع والتذلّل والافتقار إلى الله تعالى، وقد حثَّنا الله تعالى عليه وأوصانا به؛ حيث قال سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186]، وقال أيضًا عزَّ وجلَّ: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55].
فضل الدعاء في السنة النبوية
قد ورد في السنة النبوية المطهرة فضل الدُّعاء؛ فجاء عن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ» ، ثم قرأ: «﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60]» رواه أصحاب "السنن".
قال الإمام المناوي في "فيض القدير" (3/ 542، ط. المكتبة التجارية): [قال الطيبي:.. فالزموا عباد الله الدعاء، وحافظوا عليه، وخصَّ عباد الله بالذكر؛ تحريضًا على الدعاء وإشارةً إلى أن الدعاء هو العبادة؛ فالزموا واجتهدوا وألحوا فيه وداوموا عليه؛ لأن به يُحاز الثواب ويحصل ما هو الصواب، وكفى به شرفًا أن تدعوه فيجيبك ويختار لك ما هو الأصلح في العاجل والآجل] اهـ.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الدُّعَاءِ» أخرجه الترمذي وابن ماجه في "سننيهما".
حكم الدعاء بالمغفرة عند نهاية كل عام والدعاء بالإعانة مع بداية عام جديد
الدعاءُ في آخر العام بالمغفرة وفي أولِه بالإعانة من جملة الدعاء المشروع؛ إذ إنَّ تخصيص يوم معيَّن في السَّنَة للعبادة -ومنه الدعاء- جائزٌ شرعًا، وهو -أي: التخصيص المذكور- أمرٌ جرى عليه المسلمون سلفًا وخلفًا، ونص أهل العلم على مشروعيته؛ وذلك لما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ، مَاشِيًا وَرَاكِبًا" وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يفعله. أخرجه الشيخان في "صحيحيهما".
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (3/ 69، ط. دار المعرفة): [وفي هذا الحديث على اختلاف طرقه دلالةٌ على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة، والمداومة على ذلك] اهـ.
وقال الإمام أبو العباس القرطبي في "المفْهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (3/ 510، ط. دار ابن كثير): [وفي إتيانه صلى الله عليه وآله وسلم قباء كلَّ سبتٍ: دليلٌ على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة، والمداومة على ذلك] اهـ.
وقال الحافظ بدر الدين العيني في "عمدة القاري" (7/ 259، ط. دار إحياء التراث العربي): [وفيه دليل على جواز تخصيص بعض الأيام بنوع من القُرب، وهو كذلك إلا في الأوقات المنهي عنها؛ كالنهي عن تخصيص ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي أو تخصيص يوم الجمعة بصيام من بين الأيام] اهـ.
والمقرر في علم الأصول أنَّ الأمر المطلق يقتضي العموم البدلي في الأشخاص والأحوال والأزمنة والأمكنة؛ ينظر: "البحر المحيط في أصول الفقه" للزركشي (4/ 174، ط. دار الكتبي)، و"الأشباه والنظائر" لابن السبكي (2/ 121، ط. دار الكتب العلمية)؛ فإذا شرع الله تعالى أمرًا على جهة العموم أو الإطلاق فإنه يؤخذ على عمومه المطلق أو البدلي، ولا يصح تخصيصه ولا تقييده بوجه دون وجه إلا بدليل.
ما ورد عن العلماء من تخصيص آخر يوم في السنة وأول يوم في السنة الجديدة بالدعاء
وقد تواردت الأدعية المنقولة عن جمهرة كبيرة من علماء الأمة وأوليائها؛ حيث خصُّوا بها بعض الأوقات والأيام في سائر شهور العام، ومنها: آخر يوم في السنة، وأول يوم في السنة الجديدة.
يقول أبو المظفر سبط ابن الجوزي في "مرآة الزمان" (22/ 181، ط. دار الرسالة العالمية) في ترجمة "الإمام ابن قدامة الحنبلي": [وعَلَّمني دُعاء السَّنَة، فقال: ما زال مشايخنا يواظبون على هذا الدُّعاء في أوَّل كلِّ سنة وآخرها، وما فاتني طول عمري، وأما أوَّل السنة فإنَّك تقول: اللهم أنتَ الأبدي القديم، وهذه سَنَةٌ جديدة، أسألك فيها العصمة من الشيطان وأوليائه، والعَوْنَ على هذه النَّفْس الأمَّارة بالسُّوء، والاشتغال بما يقرِّبُني إليك يا ذا الجلال والإكرام..
وأما دعاءُ آخر السنة، فإنَّه يقول في آخر يوم من أيام السَّنة: اللهم ما عَمِلْتُ في هذه السنة مما نهيتني عنه، ولم تَرْضَه ولم تنسه، وحَلُمْتَ عني بعد قُدْرتك على عقوبتي، ودعوتني إلى التَّوبة من بعد جرأتي على معصيتك، فإني أستغفرك منه، فاغفرْ لي، وما عملتُ فيها ممَّا ترضاه، ووعدتني عليه الثَّواب، فأسألك أن تتقبَّلَه مني، ولا تقطع رجائي منك يا كريم] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: یوم فی السنة رضی الله الله ع
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: السنة النبوية أرست مبدأ المساواة واحترام الكرامة الإنسانية دون تمييز طبقي
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان من حسن معاملة الخادم وإقرار مساواته بغيره إنسانيا، جاءت السنة الشريفة تدعم هذا المعنى، عن المعرور قال لقيت أبا ذر بالربذة ، وعليه حلة ، وعلى غلامه حلة ، فسألته عن ذلك ، فقال إنى ساببت رجلا ، فعيرته بأمه ، فقال لى النبى - ﷺ - : « يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية ، إخوانكم خولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم » (البخاري).
وأضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، ان فيه نبذ لكل قول أو فعل فيه إشارة إلى عدم احترام كرامة الإنسان، مهما دنت منزلته، ويبدو أن الذي دفع التابعي لسؤال الصحابي أن ملابس أبي ذر وملابس غلامه قد تطابقت في المنظر والهيئة، مما يعكس مدى تشرب الصحابة للقيم الأخلاقية العالية التي دربهم عليها رسول الله ﷺ.
وعن أبي سعيد قال: كانت سوداء تقم المسجد، فتوفيت ليلا، فلما أصبح رسول الله ﷺ أخبر بموتها، فقال: «ألا آذنتموني بها». فخرج بأصحابه فوقف علي قبرها فكبر عليها والناس من خلفه، ودعا لها، ثم انصرف. (سنن ابن ماجة). وفيه بيان النبي ﷺ لأهمية أن يعرف المسلم من يقومون على خدمته ويحترمهم ويقدر فعلهم، فقد كان النبي ﷺ يسأل عن أصحابه جميعا سواء منهم من كان شريفا أو ضعيفا، سأل عن منظفة المسجد، وشعر بفقدها، وحزن لموتها، وأنب أصحابه ولامهم على تصغيرهم شأنها وكتمان موتها عنه، ثم أخذ أصحابه وخرج إلى المقابر فاستدل على مكانها فأوقفهم وراءه وصلوا عليها، وفيه تدريب عملي للصحابة على احترام الآخر مهما صغرت مكانته الاجتماعية، وهذه المرأة التي كانت تنظف المسجد، لم يثبت لها التاريخ صفة غير تنظيف المسجد، ولكنهم بعد فعل النبي ﷺ رسخ في نفوسهم معنى المساواة بين الآدميين، وأنه ليس في منهج الإسلام فرق بين أفراد أمته، فكلهم لآدم، وكلهم من تراب.