عربي21:
2025-05-31@03:54:59 GMT

كيسنجر سوريّاً

تاريخ النشر: 4th, December 2023 GMT

ستظل ذاكرة السوريين تجاه مسيرة وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنجر الذي رحل عن عالمنا بعد حياة امتدت لمائة عام وبضعه أشهر؛ مرتبطة بكلمات مفتاحية وهي سياسة الخطوة خطوة، ولقائه مع المجرم المؤسس حافظ الأسد لساعات طويلة، والحركات الدرامية التي كان يحرص عليها الأسد خلال لقائه بكيسنجر؛ من إبراز صورة صلاح الدين الأيوبي خلفه وكأنه خليفته، ومعها سيتذكر السوريون دوره في تثبيت حكم آل الأسد في سوريا، بل وتمدد دوره إلى لبنان مع طرد المقاومة الفلسطينية وتمكين الحلف الأقلوي الشيعي فيه.



كان الأسد يحرص على لقاء كيسنجر بمفرده، وحتى المترجم بينهما كان من الطرف الأمريكي، ليضمن بذلك عدم تسرّب أي شيء مما سيتم تداوله، وبعد اللقاء الأساسي معه، يقوم بدعوة بعض العسكريين من جماعته مفلترا اللقاء ليطلعهم بحضوره على بعض جوانب اللقاء الذي يريدهم أن يعرفوها فقط، ثم يقوم بفلترة ثانية حين كان يدعو بعض السياسيين من أمثال عبد الحليم خدام ليطلعهم على ما يريد لهم أن يطلعوا عليه أيضا، بعيدا كل البعد عن جوهر اللقاءات وعمقها.

كان الأسد يحرص على لقاء كيسنجر بمفرده، وحتى المترجم بينهما كان من الطرف الأمريكي، ليضمن بذلك عدم تسرّب أي شيء مما سيتم تداوله، وبعد اللقاء الأساسي معه، يقوم بدعوة بعض العسكريين من جماعته مفلترا اللقاء ليطلعهم بحضوره على بعض جوانب اللقاء الذي يريدهم أن يعرفوها فقط، ثم يقوم بفلترة ثانية حين كان يدعو بعض السياسيين من أمثال عبد الحليم خدام
بعد نجاحه في فتح كوّة بالجدار المصمت بين الأمريكيين والصينيين فيما أطلق عليه لاحقا ديبلوماسية البينغ بونغ عبر البوابة الباكستانية، التفت كيسنجر إلى جبهة جديدة، وهي الجبهة العربية في أعقاب حرب أكتوبر 1973 التي وجد فيها فرصة لتحريك السلام بين الكيان الصهيوني والأنظمة العربية، فكانت محطته في سوريا ولقاءاته مع الأسد من أجل ضمان فصل سوريا عن مصر، فتم فصل القوات بينها وبين الكيان الصهيوني، وأبعد مصر وسوريا عن بعضهما بعضا، فكان الثمن بقاء حكم آل الأسد ودفاعه المستميت عنه. وتجلى ذلك بوضوح حين توفي حافظ الأسد، فقد هرعت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت لدعم بشار الأسد.

وقد حصل كيسنجر خلال لقاءاته مع الأسد الأب بعد حرب 1973 على تأمين جبهة الصهاينة، وعدم إطلاق طلقة واحدة من الجبهة السورية لخمسين عاما مقبلة، وقبض الأسد ثمن ذلك أيضا ضوءا أخضر أمريكيا وإسرائيليا كما تحدث عن ذلك قادة أمريكيون وصهاينة عاصروا تلك المرحلة، فكان دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976 وضرب المقاومة الفلسطينية، وارتكابها مجازر بحق الفلسطينيين الذين تكفل الأسد بضربهم نيابة عن الصهاينة، وهو ما دفع ياسر عرفات إلى وصفه بشارون العرب.

ويشير كيسنجر في مذكراته إلى أن حافظ الأسد اكتفى بالمعارضة الكلامية الشكلية لاتفاقية كامب ديفيد الذي وقعها أنور السادات، بعد أن قبض ثمن ذلك بدخوله (الأسد) إلى لبنان، وهي الخاصرة التي لطالما أقلقته تاريخيا لكونها منبع كل التمردات والانقلابات السورية بعد الاستقلال، وحقق كيسنجر بذلك هدفه الأهم وهو فصل المسارات المصرية والسورية والاستفراد بكل واحد منهما على حدة.

يبدو أن ما اتهم به كيسنجر الأسدَ كان ذاته أسيرا له، فقد ظل أسير بيئته الألمانية وتفكيره القائم على نظرية بسمارك من الاعتماد على القوة الباطشة، كما ظل الأسد أسير بيئته الطائفية الأقلوية إن كان باعتماده عليها، أو بتوسعة مشروعه الأقلوي إلى لبنان والعراق وما بعدهما
في مقابلة يستذكرها كاتب في مجلة الفورين بوليسي معه يقول: بعد وفاة الدكتاتور السوري حافظ الأسد، كان كيسنجر يميل إلى التغاضي عن التاريخ الدموي للديكتاتور السوري، لكنه قام بتقييم نقاط قوته وضعفه بصراحة ووضوح. فقال حينها: "كان نجاحه هو البقاء في منصبه لمدة 30 عاما، وهو ما لم يكن إنجازا بسيطا". لقد كان رجل البقاء والزيادات الصغيرة، لم يكن رجلا ذا رحلات كبيرة.. ما كان ينقصه هو تجاوز البيئة التي نشأ فيها.

ويبدو أن ما اتهم به كيسنجر الأسدَ كان ذاته أسيرا له، فقد ظل أسير بيئته الألمانية وتفكيره القائم على نظرية بسمارك من الاعتماد على القوة الباطشة، كما ظل الأسد أسير بيئته الطائفية الأقلوية إن كان باعتماده عليها، أو بتوسعة مشروعه الأقلوي إلى لبنان والعراق وما بعدهما.

وينقل الكاتب الفرنسي ميشال سورا صاحب كتاب: "الدولة المتوحشة" عن الأسد قوله بعد مجزرة حماة 1982 والتي راح ضحيتها 40 ألف مدني، بأن الأسد سعى إلى حلف أقلوي ممتد من دمشق إلى بيروت فبغداد وطهران وإسلام أباد وكابول، وهو ما تحقق وتأكد خلال الثورة السورية حين رأينا هذه المليشيات الطائفية تهرع من الدول التي ذكرها ميشال سورا لدعم ابنه بشار الأسد في مواجهة الثورة الشعبية.. ذلك هو الإرث الكيسنجري والأسدي الذي نعيشه حتى اليوم ودفعنا ثمنه غاليا، وسندفع ثمنه لفترة ربما ليست قصيرة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه كيسنجر الأسد سوريا سوريا الأسد امريكا كيسنجر مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة رياضة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حافظ الأسد إلى لبنان

إقرأ أيضاً:

نعم الوضع في السودان ليس ذلك الوضع الذي يصل حد الرفاهية

نعم الوضع في السودان ليس ذلك الوضع الذي يصل حد الرفاهية ولا هو بذلك الوضع الذي هو فوق الكفاف،لا نقول ذلك ولا ندعي ذلك،وإن قلنا ذلك فسيكون كذبا منا ولن يصدقنا عاقل،فالحقيقة أن هناك تحديات في صور متعددة تواجه الشعب السوداني، لكن بالمقابل هناك آلة إعلامية مأجورة تضخم لك الوضع على أنه وضع لا يطاق و أن الحياة في السودان تكاد تكون منعدمة،وأنه ليس في السودان إلا قلة قليلة هي على أعتاب الهلاك،والحقيقة غير ذلك، فالسودان ممتليء بأهله،و الناس يعيشون ويكابدون ومع ذلك هم فرحون غاية الفرح بعودة بلدهم إليهم ومتمسكون بها حد الموت،تلك الحياة البسيطة التي يعيشونها الآن، هي عندهم أجمل وأحلى من حياة أمراء يعيشون في قصورهم،فقد عرفوا نعمة المأوى بعد فقدها حتى و إن كان هذا المأوى بلا وسائل الترفيه بل حتى و إن كام بلا مقومات الحياة الأساسية،دعك من ضوضاء الإعلام وتغبيشه،

وهاتف الناس في أي ولاية يسيطر عليها الجيش واسأله كيف الحياة وكيف الناس، وستدرك بإجابته لك أن هناك من يتعمد تخويف الناس أنا كنت في الخرطوم قبل شهور وما كان محررا منها وقتها لا يتعدى الثلث من مساحتها الكلية، ولكن مع ذلك كانت الحياة على الواقع فوق ما كنت أتصور،والناس يزعمون أني متفائل وأرى بمثالية زائدة ولكن مع ذلك كان الواقع فوق تصوراتي تلك؛فكأنما البلاد ليست بها حرب و كأن الناس ما تعرضوا لأكبر مؤامرة إفقار وتجويع رأيت شعبا يخلق من العدم حياة و من الموت أملا.

نحن الآن وضعنا أشبه برجل كان في عملية جراحية عصيبة واستغرقت ساعات طوال وقد خرج منها وقد نجحت العملية،هل يا ترى سيخرج هذا الرجل مباشرة ويباشر حياته الطبيعية أم أنه سيمر بمراحل تعافي متدرجة ومتنوعة إلى أن يبلغ كمال عافيته؟،هذا أشبه بواقعنا في السودان فإننا والله قد خرجنا من عملية عسيرة جدا وما زلنا في بداية طور العافية وما زالت آثار العملية باقية،فلا مجال للشكوى و لا للنقد،المجال للعمل قدم لبلدك ما يمكنك أن تقدمه،فليس الناس في حاجة إلى كلامك أكثر من حاجتهم إلى فعالك ومبادراتك.
نصر من الله وفتح قريب

مصطفى ميرغني

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حول عودة اللاجئين من لبنان والدول المجاورة.. ماذا كشف مصدر حكومي سوري؟
  • سماء الجزائر على موعد مع ظاهرة فلكية ساحرة
  • دبلوماسي سوري: زيارة المبعوث الأميركي لدمشق تشير إلى مساعي واشنطن للمصالحة مع العالم السني
  • مقتل ضابط سوري في اشتباك مع مهربين بريف دمشق
  • داعش يتبنى أول هجوم ضد القوات السورية الجديدة منذ سقوط الأسد
  • نعم الوضع في السودان ليس ذلك الوضع الذي يصل حد الرفاهية
  • خالد الأحمد .. العلوي الذي ساعد الشرع وكتب نهاية الأسد - فيديو
  • مدير الحج السوري نور أعرج لـ سانا: وصول ما يقارب أربعة عشر ألف حاج سوري حتى اليوم من الحجاج السوريين إلى مكة المكرمة، وسيستمر وصول الحجاج حتى تاريخ الـ 2 من حزيران من الشهر القادم، وعدد حجاج سوريا لهذا العام 22,500 حاجاً
  • كيف ساهم تطبيق تجسس في إسقاط نظام الأسد؟
  • ما علاقة أسماء الأسد بانهيار النظام؟ .. تطبيق كشف جنودا وضباطا