‌ قال تعالى: (وَالَّذِينَ ‌كَفَرُوا ‌بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ)[الأنفال: 73].

إنّ ما قلناه ونقوله اليوم وغدا، ونقوله ما حيينا، ونوصي به أولادنا وإخواننا ومن يسمع قولنا أن يقوله ويردده ولا يمل من قوله وترديده، هو أن فلسطين هي أرضنا وأرض الإسلام والمسلمين، وأن شعبها هو شعبنا؛ له علينا من حقوق الدين والرحم وروابط اللغة والتاريخ ما يقوي إيماننا بأن قضيته هي قضيتنا، وحياته حياتنا وعزه عزنا، وانتصاره في معاركه لتحرير أرضه هو انتصارنا، وانكساره لا سمح الله هو انكسارنا، وأن له في أعناقنا حقوقا واجبة الآداء، فرضها علينا الإسلام، وأوجبها العرق والنسب واقتضتها المصالح العليا المشتركة بيننا وبينه، فلا يقبل السكوت عن المآسي التي يعيشها منذ عقود من الزمن، والتي اشتدت وطأتها في الأسابيع الأخيرة.



ألا يرى قادة العالم العربي والإسلامي ما تفعله دولة الكيان الصهيوني وبدعم كامل مادي ومعنوي من أمريكا وحلفائها بإخواننا في فلسطين المحتلة عامة وغزة خاصة: من حصار غاشم قلّ مثيله في تاريخ البشرية.. ومن حرب إبادة بقصف جنوني جوي وبري وبحري لغزة دون تمييز بين عمارة للسكن ومستشفى للعلاج ومدرسة للتعليم مستمر بالليل والنهار لأكثر من شهر؟ .

ألا يرى معظم قادة العرب والمسلمين الأساطيل الحربية التي حشدتها أمريكا وحلفاؤها في شرق المتوسط نصرة للكيان الصهيوني وتهديدا لغيرهم حتى لا يرتفع صوت منهم يدعو لنصرة غزة، ويضغط ليتوقف القصف ويفتح معبر رفح المصري لإسعاف قومنا وإخواننا في غزة، فكيف يصمت القادة عن كل ما تفعله دولة الكيان الصهيوني وحلفاؤها بغزة والضفة من إبادة جماعية بكل ما أوتيت من قوة وملكت من أسلحة فتاكة وقنابل مدمرة، وكلها جرائم تترفع عنها الوحوش الكاسرة الموكولة إلى غرائزها، وإذا تحدثوا لا يتجاوز قولهم حدود المناشدة والشجب !!.

ألم يقرؤوا قوله عليه الصلاة والسلام: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى ههنا: ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".. وقوله صلى الله عليه وسلم : "ما من امرئ يخذل مسلما في موطن ‌ينتقص ‌فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موطن ‌ينتقص ‌فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته".

ألم يحن الوقت الذي يوقن فيه القادة بأن الشر أصيل في دولة الكيان الصهيوني وأمريكا وحلفاءها، وأن الحديث عن حقوق الإنسان وعن الديمقراطية وعن مكافحة الإرهاب وحماية المدنيين ومسألة الدولتين في فلسطين: حديث خرافة، وأن المناشدات والتنديدات اللفظية: لغو لا يلتفتون إليه، وقد بات أمرهم مفضوحا لدى الرأي العام عامة والرأي العام العربي والإسلامي خاصة .

إن السكوت عن جرائم هؤلاء خيانة لدين الأمة، وأن موالاتهم والتعاون معهم وهم على الحال التي ذكرت والتي يعرفها العالم كله ردّة عن الإسلام ومروق عن العروبة، وقطع لكل الحبال التي تربط العلائق بين أقطار العالم العربي وشعوبه: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ).

إنه لا تجتمع الموالاة والمعاداة، ولا يجتمع الحب في الله والبغض في الله تعالى، فإما موالاة وإما معاداة، وإما حب في الله وإما بغض في الله تعالى، وللقادة الخيار .

فإن أرادوا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والدار الآخرة فعليهم بموالاة أهلنا في غزة والضفة وفلسطين المحتلة، وهذا واجب عليهم يؤدى بنصرتهم بكل ما هو مستطاع، وإن أرادوا أمريكا والصهاينة وحلفائهم وما يتوهموه مصلحة فليظلوا على ما هم عليه من موالاة الأعداء ولا يلوموا في النهاية إلا أنفسهم.

إنّ الصهيونية وحلفاءها من الأمريكان وغيرهم أعداء الله تعالى وأعداء رسوله صلى الله عليه وسلم وأعداء الإسلام والمسلمين، إنهم لا يرقبون في المؤمنين إلا ولا ذمة، فاحذروهم واتعظوا بتاريخهم المر مع أمتنا في العراق وأفغانستان، وبواقعهم المر اليوم في غزة والضفة وفلسطين المحتلة.

إن الاستدمار الصهيوني الذي رأينا استئثاره بثروات بلادنا، واستعلاءه على أمتنا وأنظمة حكمها، واستغلاله لكل ما عنده من نفوذ وقوة لإلحاق بالغ الضرر والأذى بنا: يريد محو الإسلام من ديارنا ومن الأرض جميعا لشدة خوفه من قوة تأثيره في أتباعه والدارسين له، وخشيته من أن تستيقظ أمته فتعود إليه عودة صادقة فيعيد فيها سيرته الأولى .

قد يتشكك البعض في هذه الحقائق التي يشهد لها التاريخ ويؤكدها الواقع، وعلى المشككين أن يقرؤوا ما جاء في كتاب الله تعالى بيانا لشدة عداوتهم للدين والمسلمين.

ومنها قوله تعالى: (‌‌لَتَجِدَنَّ ‌أَشَدَّ ‌النَّاسِ ‌عَداوَةً ‌لِلَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة : 82].

‌وقوله تعالى: (وَلا ‌يَزالُونَ ‌يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) [البقرة : 217].

وقوله تعالى:( ‌يَا ‌أَيُّهَا ‌الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌لَا ‌تَتَّخِذُوا ‌عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) [الممتحنة : 01].

إن تجريد السياسة من الخلق يجعل منها قوة هدامة لهدمها قوة الخلق في الفرد والمجتمع وتقويضها لأصل الالتزام والمسؤولية في الحرية، وانعدام المسؤولية في الحرية وانعدام هيمنة الخلق عليها لا يأتي إّلا بالشر والفساد.وعليهم أن ينظروا إلى أعمالهم الكثيرة في تشويه الإسلام والحد من انتشاره، وفتنة المسلمين في عقيدتهم وأخلاقهم، وهي أعمال تسندها قوانين وتوجهها سياسات موضوعة من مراكز دراسات غربية، وتنفذها في أوطاننا أنظمة علمانية جثمت على صدر الأمة عقودا طويلة من الزمن، ومن أعمالهم:

ـ تعطيل العمل بشرع الله تعالى والضغط من أجل إتباع القوانين الوضعية التي هي من وضعهم وتدبيرهم.

ـ تشجيع الأنظمة الحاكمة في بلادنا على تبني العلمانية بمظاهرها المختلفة، وتشجيع الأفراد والأحزاب والجمعيات ذات التوجه العلماني ماديا ومعنويا مع توفير نوع من الحماية لهم .

ـ احتضان الحركات التبشيرية وتشجيعها وإمدادها بكل الوسائل والإمكانيات مع حمايتها والدفاع عنها .

ـ تسويق المفاهيم الخاطئة لمعنى القوة والمصلحة وأن الدولة يجب أن تسعى وراء القوة وتضطهد الضعفاء.

ـ تشجيع الدول على العمل بالمعيار التقريري في تقييم الواقع والابتعاد عن المعيار التقويمي بحجة أن السياسة لا تتقيد بالأخلاق والقيم وإنما تسعى وراء ا امتلاك القوة وتحقيق المصالح .

ـ زرع بذور الشقاق والفرقة بين الشعوب وبين تنظيماتها الحزبية والجمعوية من أجل إضعافها واستنزاف قواها ليسهل السيطرة عليها .

ـ ترويج فكرة تبعية الحق للقوة، وأن الأقوى إنّما هو الأحق!! وأن مصلحته يجب أن تقدم على مصلحة الغير.

ـ تشجيع أتباع أمراض الهوى والعصبية والأنانية والشره المادي ونزعة استعلاء العنصر: وهي جميعا من مظاهر الضعف في الإيمان بالقيم والأخلاق والافتقار إلى الهداية الإلهية.

ـ تشجيع الأحزاب والجمعيات والإعلام الذين لا يلتزمون بالإسلام !! بل يحاربونه بأقوالهم وسلوكاتهم .

ـ محاربة ما يسمونه ظلما: "الإسلام السياسي"!؟ ومحاربة أهله وأنصاره والتضييق عليهم في حقوقهم وحرياتهم، وتشجيع الأنظمة على اضطهادهم والتضييق عليهم !!

ـ نشر كل أنواع الفساد العقدي والفكري والسلوكي! وتشجيع القائمين بذلك من المسؤولين والساسة والمفكرين والإعلاميين وغيرهم !!

ـ الضغط على الأنظمة والحكومات لتسمح بشيوع الفواحش!! وحماية أصحابها تحت شعار احترام الحقوق والحريات!! .

ـ تشجيع فكرة فصل التشريع عن الفطرة!! فأضحت السياسات المتبعة منحرفة عن الفطرة الإنسانية ومضادة لها .

ـ الترويج لفكرة تجريد السياسة من الخلق، وفتح الباب أمام انتشار الإباحية والفساد الخلقي .

إن تجريد السياسة من الخلق يجعل منها قوة هدامة لهدمها قوة الخلق في الفرد والمجتمع وتقويضها لأصل الالتزام والمسؤولية في الحرية، وانعدام المسؤولية في الحرية وانعدام هيمنة الخلق عليها لا يأتي إّلا بالشر والفساد.

*رئيس جبهة العدالة والتنمية

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير فلسطين غزة الرأي فلسطين غزة عدوان رأي أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الله تعالى فی الحریة فی موطن فی الله ـ تشجیع فیه من

إقرأ أيضاً:

لماذا أنا من بين الملايين؟

لماذا أنا من بين الملايين؟

#ماجد_دودين 

أعلمُ يا ابنَ آدم أنّ القلق والهمّ والغمّ ومرادفاتها ثقيلة على قلبك، وأنت الذي لا تملك من تدبير الأمر شيء…

أعلمُ أنّ هذه المشاعر تحرمك راحة البال، تذكّر فقط تلك الأيام التي ظننت أنها لن تمضي وتنقضي… ومع ذلك مضت وانقضت وانتهت بسلام بفضل الله تعالى، أرجو أن تستبشر خيرًا وأن تتفاءل.

مقالات ذات صلة أقذر كيان محتل في العالم 2024/05/16

وقد يخطر في بالك السؤال الذي تهمس به لنفسك مع إيمانك بالقضاء والقدر: لماذا أنا يا رب من بين ملايين البشر؟

والجواب عن هذا السؤال قول الحبيب صلى الله عليه وسلّم:

(إنَّ عِظمَ الجزاءِ مع عِظمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ)

مِن حِكمةِ اللهِ تعالى أنَّه يَبتلِي عِبادَه ويختبرُهم؛ ليَعلمَ المؤمِنَ المطيع الراضي من العاصي الساخط، والبلاءُ يَكونُ بالسَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، وفي هذا الحَديثِ يقولُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: “إنَّ عِظَمَ الجَزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ”، أي: كلَّما كَثُر وزاد البلاءُ زادَتِ الحسَناتُ في مُقابِلِ ذلك، ثمَّ بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أسبابَ البَلاءِ، وأنَّها دَليلُ خيرٍ، إنْ قُوبِلَت بالرِّضا، فقال: “وإنَّ اللهَ إذا أحَبَّ قومًا ابتَلاهم”، أي: اختَبرهم بالمِحَنِ والمصائبِ، “فمَن رَضِي فله الرِّضا”، أي: مَن قابَل هذه البلايا بالرِّضا، فسيَرْضى اللهُ سبحانه وتعالى عنه، ويَجْزيه الخيرَ والأجْرَ في الآخِرَةِ، وقد يُفهَمُ منه أنَّ رِضا اللهِ تعالى مَسبوقٌ برِضا العبدِ، ومُحالٌ أن يَرضى العبدُ عن اللهِ إلَّا بعد رِضا اللهِ عنه، كما قال: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة: 119]، ومحالٌ أن يَحصُلَ رِضا اللهِ ولا يَحصُلَ رِضا العبدِ في الآخِرةِ، كما قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27، 28]؛ فعَن اللهِ الرِّضا أزَلًا وأبدًا، سابقًا ولاحقًا.

“ومَن سَخِط فله السُّخطُ”، أي: مَن قابَل هذه البلايا بعَدَمِ الرِّضا؛ مِن كُرهٍ لوُقوعِها وسَخَطٍ، فإنَّه يُقابَلُ بمِثلِ ذلك، وهو أن يَغضَبَ اللهُ عليه، فلا يَرضَى عنه، وله العِقابُ في الآخرةِ؛ وذلك أنَّ المصائِبَ والعِللَ والأمراضَ كفَّاراتٌ لأهلِ الإيمانِ، وعُقوباتٌ يُمحِّصُ اللهُ بها مَن شاء مِنهم في الدُّنيا؛ لِيَلقَوْه مُطهَّرين مِن دنَسِ الذُّنوبِ في الآخرةِ، وهي لأهلِ العِصْيانِ كُروبٌ وشَدائِدُ وعذابٌ في الدُّنيا، ومع عدَمِ رِضَاهُم وتَسليمِهم لقضاءِ اللهِ فلا يكونُ لهم أجرٌ في الآخرةِ.

وفي حديث آخر يقول الحبيب صلى الله عليه وسلّم:( مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُصِبْ منه.) رواه البخاري

تفَضَّل اللهُ سُبحانَه على عبادِه المؤمِنين بأسبابٍ كثيرةٍ لتكفيرِ الذُّنوبِ ورَفعِ الدَّرَجاتِ.

وفي هذا الحَديثِ بُشرَى عَظيمةٌ لكلِّ مَؤمنٍ، وتَعزيةٌ له فيما أصابَه؛ فقدْ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا، يُصِبْ مِنْهُ»، وقولُه: «يُصِب» رُوِي بوجْهَينِ: بكسر الصَّاد «يُصِب»، وفتْحِها «يُصَب»، وكلاهما صَحيحٌ، ومعنَى «يُصِب» بالكَسرِ: أنَّ اللهَ تعالَى يُقدِّرُ عليه المصائبَ حتَّى يَبتليَه بها؛ أيْصبِرُ أمْ يَضجَرُ؟ ومعنَى «يُصَب منه» بالفَتْحِ: أنَّه يُنالُ منه ولم يُسمَّ الفاعِلُ هنا مِن بابِ مراعاةِ الأدبِ مع الله تعالَى؛ كما في قولِه تعالَى عن خَليلِه إبراهيمَ عليه السَّلامُ أنَّه قالَ: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينَ} [الشعراء: 80]، حيث لم يَنسُبْ المَرضَ إلى اللهِ تعالَى بينما نسَب الشِّفاءَ إليه، مع أنَّه هو سُبحانَه الذي يُقدِّر الكُلَّ.

والمصيبةُ: اسمٌ لكُلِّ مكروهٍ يصيبُ أحدًا، وإنَّما كانتِ المُصيبةُ خَيرًا؛ لِما فيها مِن اللُّجوء إلى المَولى عزَّ وجلَّ، ولِما فيها مِن تَكفيرِ السيِّئات أو تَحصيلِ الحَسناتِ، أو هما جميعًا. وقد قال تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]، ومعناه أنَّ المسلِمَ يُجزى بمصائِبِ الدُّنيا، فتكونُ له كَفَّارةً؛ فعلى المسلِمِ أن يصبرَ على المصائِبِ ولا يجزَعَ؛ حتى ينالَ الفَضْلَ من اللهِ برَفعِ دَرَجاتِه وتكفيرِ ذُنوبِه.

لماذا أنا؟ 

لأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه، وإذا أحب عبداً اختبره فإن صبر فاز بحب الله وأفرحه الله برضاه، وما يبتلي الله عبدًا مؤمنًا إلا ليكفر عنه سيئاته أو ليقربه منه، لعل الله يريدك أن تتلذذ بالمناجاة، أن تستعين به دائماً، أن تربط قلبك بالخالق لا بالمخلوق، أن تعتاد الشكوى له لا لغيره، لعل الله يريد أن يرفعك منازلاً في الجنة لا تستطيع أن تصل إليها بعملك ولو كنت تصوم النهار وتقوم الليل، وتطعم الفقراء والمساكين، لعل الله يريد أن يرحمك غدًا عندما تشتد أهوال يوم القيامة، تبحث عن الحسنة الواحدة من أمك وأبيك فإذا بصحيفتك بيضاء بسبب ابتلاءات، قد مرت عليك في الدنيا فنسيتها ولكن الله لم ينسها لك، لعل الله يبتليك لأنه يحبك. 

وقد يسأل سائل: ما هي الحكمة من الابتلاء؟

والجواب أنّ للابتلاء حكم عظيمة منها:

تحقيق العبودية لله رب العالمين

فإن كثيراً من الناس عبدٌ لهواه وليس عبداً لله، يعلن أنه عبد لله، ولكن إذا ابتلي نكص على عقبيه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ، قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج/11 .

الابتلاء إعداد للمؤمنين للتمكين في الأرض

قيل للإمام الشافعي رحمه الله: أَيّهما أَفضل: الصَّبر أو المِحنة أو التَّمكين؟ فقال: التَّمكين درجة الأنبياء، ولا يكون التَّمكين إلا بعد المحنة، فإذا امتحن صبر، وإذا صبر مكن.

كفارة للذنوب

روى الترمذي (2399) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) رواه الترمذي (2399) وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” (2280).

وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). رواه الترمذي (2396) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1220).

حصول الأجر ورفعة الدرجات

روى مسلم (2572) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً).

الابتلاء فرصة للتفكير في العيوب، عيوب النفس وأخطاء المرحلة الماضية

لأنه إن كان عقوبة فأين الخطأ؟

البلاء درسٌ من دروس التوحيد والإيمان والتوكل

يطلعك عمليّاً على حقيقة نفسك لتعلم أنك عبد ضعيف، لا حول لك ولا قوة إلا بربك، فتتوكل عليه حق التوكل، وتلجأ إليه حق اللجوء، حينها يسقط الجاه والتيه والخيلاء، والعجب والغرور والغفلة، وتفهم أنك مسكين يلوذ بمولاه، وضعيف يلجأ إلى القوي العزيز سبحانه.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

” فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن والابتلاء لطغوا وبغوا وعتوا ، والله سبحانه إذا أراد بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء والامتحان على قدر حاله ، يستفرغ به من الأدواء المهلكة ، حتى إذا هذبه ونقاه وصفاه: أهَّله لأشرف مراتب الدنيا ، وهي عبوديته ، وأرفع ثواب الآخرة وهو رؤيته وقربه “. زاد المعاد ” (4 / 195).

الابتلاء يخرج العجب من النفوس ويجعلها أقرب إلى الله.

قال ابن حجر: ” قَوْله: (وَيَوْم حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتكُمْ) عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس قَالَ: قَالَ رَجُل يَوْم حُنَيْنٍ: لَنْ نُغْلَب الْيَوْم مِنْ قِلَّة، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ الْهَزِيمَة.. “

قال ابن القيم زاد المعاد (3/477):”واقتضت حكمته سبحانه أن أذاق المسلمين أولاً مرارة الهزيمة والكسرة مع كثرة عَدَدِهم وعُدَدِهم وقوة شوكتهم ليضع رؤوسا رفعت بالفتح ولم تدخل بلده وحرمه كما دخله رسول الله واضعا رأسه منحنيا على فرسه حتى إن ذقنه تكاد تمس سرجه تواضعا لربه وخضوعا لعظمته واستكانة لعزته “.

وقال الله تعالى: (وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) آل عمران/141 .

قال القاسمي (4/239):

” أي لينقّيهم ويخلّصهم من الذنوب ، ومن آفات النفوس. وأيضاً فإنه خلصهم ومحصهم من المنافقين، فتميزوا منهم. ………ثم ذكر حكمة أخرى وهي (ويمحق الكافرين) أي يهلكهم، فإنهم إذا ظفروا بَغَوا وبطروا، فيكون ذلك سبب دمارهم وهلاكهم، إذ جرت سنّة الله تعالى إذا أراد أن يهلك أعداءه ويمحقهم قيّض لهم الأسباب التي يستوجبون بها هلاكهم ومحقهم، ومن أعظمها بعد كفرهم بغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه ومحاربتهم وقتالهم والتسليط عليهم … وقد محق الله الذي حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأصروا على الكفر جميعاً “.

إظهار حقائق الناس ومعادنهم. فهناك ناس لا يعرف فضلهم إلا في المحن.

قال الفضيل بن عياض: ” الناس ما داموا في عافية مستورون، فإذا نزل بهم بلاء صاروا إلى حقائقهم؛ فصار المؤمن إلى إيمانه، وصار المنافق إلى نفاقه “.

ورَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي “الدَّلائِل” عَنْ أَبِي سَلَمَة قَالَ: اُفْتُتِنَ نَاس كَثِير – يَعْنِي عَقِب الإِسْرَاء – فَجَاءَ نَاس إِلَى أَبِي بَكْر فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ: أَشْهَد أَنَّهُ صَادِق. فَقَالُوا: وَتُصَدِّقهُ بِأَنَّهُ أَتَى الشَّام فِي لَيْلَة وَاحِدَة ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة؟ قَالَ نَعَمْ، إِنِّي أُصَدِّقهُ بِأَبْعَد مِنْ ذَلِكَ، أُصَدِّقهُ بِخَبَرِ السَّمَاء، قَالَ: فَسُمِّيَ بِذَلِكَ الصِّدِّيق.

الابتلاء يربي الرجال ويعدهم

لقد اختار الله لنبيه صلى الله عليه وسلم العيش الشديد الذي تتخلله الشدائد، منذ صغره ليعده للمهمة العظمى التي تنتظره والتي لا يمكن أن يصبر عليها إلا أشداء الرجال، الذين عركتهم الشدائد فصمدوا لها، وابتلوا بالمصائب فصبروا عليها.

نشأ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتيماً ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى ماتت أمه أيضاً.

والله سبحانه وتعالى يُذكّر النبي صلّى اللّه عليه وآله بهذا فيقول: (ألم يجدك يتيماً فآوى).

فكأن الله تعالى أرد إعداد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تحمل المسئولية ومعاناة الشدائد من صغره.

10- ومن حكم هذه الابتلاءات والشدائد: أن الإنسان يميز بين الأصدقاء الحقيقيين وأصدقاء المصلحة

كما قال الشاعر:

جزى الله الشدائد كل خير وإن كانت تغصصني بريقـي

وما شكري لها إلا لأني عرفت بها عدوي من صديقي

11-                     الابتلاء يذكرك بذنوبك لتتوب منها: والله عز وجل يقول: (وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيئَةٍ فَمِن نفسِكَ) النساء/79، ويقول سبحانه: (وَمَا أَصابَكُم من مصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُوا عَن كَثِيرٍ) الشورى/30 .

فالبلاء فرصة للتوبة قبل أن يحل العذاب الأكبر يوم القيامة؛ فإنَّ الله تعالى يقول: (وَلَنُذِيقَنهُم منَ العَذَابِ الأدنَى دُونَ العَذَابِ الأكبَرِ لَعَلهُم يَرجِعُونَ) السجدة/21، والعذاب الأدنى هو نكد الدنيا ونغصها وما يصيب الإنسان من سوء وشر.

وإذا استمرت الحياة هانئة، فسوف يصل الإنسان إلى مرحلة الغرور والكبر ويظن نفسه مستغنياً عن الله، فمن رحمته سبحانه أن يبتلي الإنسان حتى يعود إليه.

12-                    الابتلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وأنها متاع الغرور

وأن الحياة الصحيحة الكاملة وراء هذه الدنيا، في حياة لا مرض فيها ولا تعب (وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ) العنكبوت/64، أما هذه الدنيا فنكد وتعب وهمٌّ: (لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ) البلد/4 .

13-                     الابتلاء يذكرك بفضل نعمة الله عليك بالصحة والعافية

فإنَّ هذه المصيبة تشرح لك بأبلغ بيان معنى الصحة والعافية التي كنت تمتعت بهما سنين طويلة، ولم تتذوق حلاوتهما، ولم تقدِّرهما حق قدرهما.

المصائب تذكرك بالمنعِم والنعم، فتكون سبباً في شكر الله سبحانه على نعمته وحمده.

14-                     الشوق إلى الجنة: لن تشتاق إلى الجنة إلا إذا ذقت مرارة الدنيا، فكيف تشتاق للجنة وأنت هانئ في الدنيا؟

فهذه بعض الحكم والمصالح المترتبة على حصول الابتلاء وحكمة الله تعالى أعظم وأجل.

اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

مقالات مشابهة

  • فوائد التفكر في خلق الله
  • مفهوم التفكر في خلق الله
  • ماذا يعني اسقاط طائرة MQ9 ؟واي مستوى متطور وصلت له الدفاعات الجوية اليمنية؟
  • سياسي أنصار الله: ندعو الأمة للتحرك والضغط على العدو لوقف العدوان ورفع الحصار عن غزة
  • إن الدين عند الله الإسلام.. ساويرس يثير جدلا واسعا (شاهد)
  • لماذا أنا من بين الملايين؟
  • بالمسيرات والصواريخ.. حزب الله يهاجم عدة مواقع للاحتلال شمال فلسطين
  • حملة المقاطعة بفلسطين تستهجن رفض لجنة برام الله مقاومة الاحتلال بكل السبل
  • أستاذ علوم سياسية: مصر قدمت توثيقًا لكل جرائم الاحتلال في فلسطين لمحكمة العدل الدولية
  • تضحيات يمن الإيمان على طريق القدس: شخصيات: العدوان الذي تعرضت له اليمن وفلسطين مصدره واحد