هل الاحتفال بالسنة الميلادية بتعليق الزينة حرام شرعًا؟.. دار الإفتاء ترد
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول: (هل الاحتفال ببداية السنة الميلادية، بما يتضمنه من مظاهر الاحتفال كتعليق الزينة يُعدُّ حرامًا شرعًا؟
وقالت دار الإفتاء، إن الاحتفال برأس السنة الميلادية مناسبة تتناولها مقاصد: اجتماعية، ودينية، ووطنية؛ فإنَّ الناس يودِّعون عامًا ماضيًا ويستقبلون عامًا آتيًا حسب التقويم الميلادي الـمُؤَرَّخ بميلاد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، والاختلاف في تحديد مولده عليه السلام لا يُنَافي صحَّة الاحتفال به؛ فإنَّ المقصودَ إظهار الفرح بمضي عام وحلول عام، وإحياء ذكرى المولد المعجز لسيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، مع ما في ذلك من إظهار التعايش والمواطنة وحسن المعاملة بين المسلمين وغيرهم من أبناء الوطن الواحد، ومن هنا كان للاحتفال بالسنة الميلادية الجديدة عدة مقاصد، وكلُّها غيرُ بعيد عن قوانين الشريعة وأحكامها.
فأما المقصد الاجتماعي: فهو استشعار نعمة الله في تداول الأيام والسنين؛ ذلك أنَّ تجدُّد الأيام وتداولها على الناس هو من النعم التي تستلزم الشكر عليها؛ فإن الحياة نعمة من نعم الله تعالى على البشر، ومرور الأعوام وتجددها شاهد على هذه النعمة، وذلك مما يشترك فيه المجتمع الإنساني ككلّ، فكان ذلك داعيًا لإبراز معاني التهنئة والسرور بين الناس، ولا يخفى أن التهنئة إنما تكون بما هو محلّ للسرور؛ وقد نص الفقهاء على استحباب التهنئة بقدوم الأعوام والشهور؛ قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي في "أسنى المطالب" (1/ 283، ط. دار الكتاب الإسلامي): [قال القمولي: لم أر لأحد من أصحابنا كلامًا في التهنئة بالعيد والأعوام والأشهر كما يفعله الناس، لكن نقل الحافظ المنذري عن الحافظ المقدسي أنه أجاب عن ذلك: بأن الناس لم يزالوا مختلفين فيه، والذي أراه: أنه مباح لا سنة فيه ولا بدعة. انتهى] اهـ.
وأما المقصد الديني: فهو يوافق مولد نبي من أنبياء الله تعالى وهو سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام، ولمولده منزلة وقدسية خاصة في الإسلام؛ فإنه المولد المعجز الذي لا مثيل له في البشر؛ حيث خُلِقَ من أم بلا أب، قال تعالى: ﴿إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: 59]، وقد صاحب مولدَه من الآيات الكونية والمعجزات الإلهية ما لم يتكرر في غيره؛ حتى ذكروا أن الله تعالى أجرى النهر في المحراب للسيدة البتول مريم عليها السلام، وأوجد لها التمر في الحال من جذعٍ يابس في الشتاء في غير وقت بدوِّ ثمره؛ كي يطمئن قلبها وتطيب نفسها وتَقَرَّ عينها، بعد ما ألجأها ألم الولادة والطلق إلى جذع النخلة تستند إليه وتستتر به، وبهذا يُرَدُّ على منكري الاحتفال بمولد سيدنا عيسى عليه السلام متعلِّلين بأنه في غير وقته؛ لأن بدوَّ التمر إنما يكون في الصيف وهو وقت تأبير النخل، لا في الشتاء، متناسين أن الإعجاز الإلهي قد احتف بهذا المولد المبارك المجيد في زمانه وأوانه، كما حف به في ملابساته وأحواله.
وأوضحت دار الإفتاء، أن الفرح بيوم مولده المعجز هو أمر مندوب إليه؛ فإن القرآن الكريم قد خلّد ذِكْرَه بتفاصيله في سورة مريم، وأمر حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم بتذكُّرِه فقال: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 16-33]، والمسلمون يؤمنون بأنبياء الله تعالى ورسله كلهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، وهم كما يفرحون بمولد النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم يفرحون بأيام ولادة الأنبياء والرسل أجمعين، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرًا لله تعالى على نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورًا ورحمة، فإنهم أكبر نِعم الله تعالى على البشر، والأيام التي وُلِدَ فيها الأنبياء والرسل أيامُ سلام وبركة على العالمين، وقد نص الله تعالى على ذلك؛ فقال عن سيدنا يحيى عليه السلام: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 15]، وقال على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33].
كما أن في الاحتفال به امتثالًا للأمر القرآني بالتذكير بأيام الله تعالى وما فيها من نعم وعبر وآيات؛ قال تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ﴾ [إبراهيم: 5].
وقالت إنّ مِن أيام الله التي تستلزم الشكر عليها ويُشرَع التذكير بها: أيامَ ميلاد الأنبياء عليهم السلام، وفي هذا ردٌّ واضح وبرهان لائح على من يمنع الاحتفال بذكرى يوم المولد تحت دعوى أنه يوم لا يتكرّر، وهذا باطل؛ لأنه يستلزم تعطيل الأمر الإلهي بالتذكير بأيام الله؛ إذ الأمر بالتذكير بها هو في حقيقته أمرٌ بتجديد تذكرها، ومن بداهة العقول أن تجدد الذكرى التي مضت لن يكون في ذات يومها، بل في يوم لاحق عليها؛ ضرورة أن المعنى الشخصي لا يبقى زمانين ولا يقوم بمحلين، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصوم يوم الاثنين من كل أسبوع شكرًا لله تعالى على نعمة إيجاده صلى الله عليه وآله وسلم واحتفالًا بيوم ميلاده الشريف؛ فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سُئل عن صوم يوم الاثنين فقال: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ» رواه مسلم.
وأما المقصد الوطني: فهو عيدٌ لشركاء الوطن من غير المسلمين، وقد أقرّ الإسلام أصحاب الديانات السماوية على أعيادهم؛ كما جاء في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا اليَوْمُ».
وذكرت أن الشركة في الوطن تستلزم التلاحم والتشارك بين أفراده حتى لو اختلفت أديانهم ومعتقداتهم، وقد جاء الشرع بعوامل استقرار الأوطان؛ فإن الوطنية معنًى كليٌّ جامع يحوي العديد من حلقات الترابط الإنساني؛ كالجوار، والصحبة، والأخوة، والمعاملة، ولكل رابطة حقٌّ تصب مراعاتُه في صالح استقرار الأوطان والتلاحم بين أهل الأديان، وقد حثت الشريعة على كل حق منفردًا، وكلما زادت الروابط والعلاقات كلما تأكدت الحقوق والواجبات، فإذا اجتمعت هذه الروابط كلها في المواطنة كانت حقوقها أأكد وتبعاتها أوجب.
وبناءً على ذلك: فالاحتفال برأس السنة الميلادية الـمُؤَرَّخ بيوم ميلاد سيدنا عيسى ابن مريم عليهما السلام بما يتضمنه من مظاهر الاحتفال جائز شرعًا، ولا حرمة فيه ما دام أنّ ذلك لا يُلزِم المسلمين بطقوسٍ دينيةٍ أو ممارسات عبادية تخالف عقائد الإسلام.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء السنة الميلادية الاحتفال التهنئة صلى الله علیه وآله وسلم السنة المیلادیة علیه السلام دار الإفتاء الله تعالى تعالى على
إقرأ أيضاً:
بين فرحة العيد والتضامن مع غزة.. ما التوازن المطلوب في الاحتفال؟
وضرب الداعية الدكتور عمر عبد الكافي مثالا بملك عادل قرر أن يمنح رعاياه 10 أيام يعفو فيها عن كل مخطئ معترف بذنبه، فأرسل المنادي ينادي بهذا العفو العام، فاستجاب ناس كثيرون وفازوا بالعفو، إلا عبدا واحدا استعظم ذنبه وظن أنه لن يُغفر له، فأضاع فرصة عمره.
وقد استخدم هذا المثال للتأكيد على أن رحمة الله أوسع، وأن أبوابها مفتوحة دائما للتائبين.
وفيما يتعلق بفضائل الأيام المباركة والحث على استثمارها، أكد الداعية على أن الله -سبحانه وتعالى- يعلم ضعف بني آدم وكثرة نسيانهم، ولذلك جعل لهم مناسبات روحانية متعددة لتجديد الإيمان وتطهير النفس، ومن أعظمها العشر الأوائل من ذي الحجة.
وفي هذا السياق، استضافت حلقة (2025/5/27) من برنامج "حكم وحكمة" مجموعة من المختصين والدعاة لمناقشة أفضل الطرق لاستثمار هذه الأيام المباركة، حيث أجمعوا على أن أحب الأعمال هو كف الأذى عن الآخرين، ثم الصبر والتصبر على أفعالهم، وأخيرا الإحسان إليهم حتى وإن أساؤوا.
وطرح مقارنة بين شهر رمضان وشهر ذي الحجة، حيث صور حوارا تخيليا بين الشهرين أمام الناس، يقول خلاله رمضان: "أنا خير الشهور، خصني الله بالصيام والقرآن وعندي ليلة هي خير ليالي الدهر"، بينما يقول ذو الحجة: "أنا شهر الحج الأعظم، ما من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيامي".
إعلانوقدم عبد الكافي توجيهات عملية ليوم عرفة والابتعاد عن "المشتتات"، تبدأ بوضع الهاتف المحمول داخل الخزانة وإغلاق الباب عليه، مشبهين ذلك بتصفيد الشياطين في رمضان.
وأكد أن يوم عرفة هو أفضل يوم طلعت عليه الشمس، وأن صيامه يكفر ذنوب سنة ماضية وسنة باقية، داعيا إلى التفرغ للذكر والدعاء وقراءة القرآن والاستغفار.
كما تناول الداعية مع ضيوفه كيفية التوازن بين فرحة العيد والأوضاع المؤلمة في غزة وغيرها من البلدان المنكوبة. وأجمعوا على أن الفرح في العيد مشروع ومطلوب، وهو فرح بنعمة الله وبالطاعة، استنادا لقوله تعالى "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا".
وأكدوا أن "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، داعين إلى مشاركة الأشقاء في غزة معاناتهم عبر الدعاء والتضامن العملي.
وأشاروا إلى قصة مؤثرة لطبيبة في غزة فقدت 9 من أبنائها، ولم تتعرف عليهم من شدة التشويه، واكتشفت أن أحد المرضى الذين تعالجهم هو ابنها.
كما استشهدوا بقول امرأة غزاوية "عندنا من الثياب البيضاء ما يكفي لتكفين شهدائنا، لكن ليس عندنا ثياب بيضاء لرفع راية التسليم".
تذكير الأمة
وفي الجزء الثاني من الحلقة، قدم الدكتور عبد الحي يوسف نصائح تذكر الأمة بوصايا الرسول صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
وأكد يوسف على أن هذه الأيام "غنيمة عظيمة أيامها معدودة وساعاتها محدودة"، داعيا المسلمين إلى أن يكونوا كالتاجر الذي يحرص على استثمار كل لحظة فيما يقربه إلى الله.
وقدم برنامجا عمليا يشمل قراءة 3 أجزاء من القرآن يوميا، والمواظبة على الصلوات الخمس مع الجماعة، والسنن الرواتب، وصلاة الضحى، والإكثار من ذكر الله.
كما قدم الشيخ يوسف شرحا عميقا لعلاقة الحج بالجهاد، موضحا أن الله سبحانه وتعالى قرن بينهما في القرآن الكريم.
إعلانففي سورة البقرة، جاء الحديث عن الحج متبوعا مباشرة بآيات الجهاد "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم". وفي سورة الحج، بعد تفصيل أحكام الحج والأضاحي، جاء قوله تعالى "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير".
وأشار إلى أن هذا الفهم العميق دفع الأئمة الأولين مثل الإمام مالك والإمام البخاري إلى وضع باب الجهاد مباشرة بعد أبواب العبادات الأساسية، معتبرين أن الجهاد هو الذي يحرس هذه الأركان ويحميها. وذهب بعض العلماء إلى عد الجهاد الركن السادس من أركان الإسلام، لأنه لا يتم الدين إلا به.
وشدد ضيوف الحلقة على أهمية تذكر نعم الله عليهم، وأنهم في أمن وأمان، يجدون ما يأكلون ويشربون ويتنفسون هواء نقيا، بينما إخوانهم في غزة لا يجدون ما يأكلون ولا ماء نقيا يشربون ولا هواء نقيا من كثرة ما أُمطر عليهم من الحمم والنيران.
وحذروا من أن يتعلق هؤلاء المظلومون برقاب المسلمين يوم القيامة قائلين: "يا ربي أنصفني من هذا الذي رآني ضعيفا فما نصرني ورآني ضائعا فما آواني".
لذلك أكدوا على أهمية الدعاء في هذه الأيام المباركة، ليس فقط للنفس وأمور الدنيا، بل للإخوان المسلمين في كل مكان، لأن "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله".
الصادق البديري27/5/2025