يعتقد خبراء ومحللون سياسيون أن تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة بشأن فقدان إسرائيل الدعم الدولي وضرورة تغيير حكومة بنيامين نتنياهو، تعكس تحولا كبيرا في موقف الولايات المتحدة من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وأنها ربما تكون بداية تسويات كبرى.

وجاءت تصريحات بايدن بعد مكالمة أجراها مع نتنياهو يوم الاثنين ويبدو أنها وسّعت الفجوة بين موقفي الرجلين من الحرب ومن مستقبل القضية الفلسطينية، حيث خرج كل منها بتصريحات تناقض الآخر.

ففي حين أكد الرئيس الأميركي أن "وجود اليهود بات على المحك حرفيا" وفق تعبيره، خرج نتنياهو قائلا إن الشخص الوحيد الذي يصلح لرئاسة الحكومة الإسرائيلية حاليا هو الشخص الذي يمكنه معارضة الضغوط الأميركية.

وتعليقا على تصريحات بايدن، قال أستاذ العلاقات الدولية الدكتور خليل العناني إنها تمثل تحولا كبيرا في الموقف الأميركي، وإنها تنم عن فقدان واشنطن الصبر إزاء الحرب المتواصلة على غزة منذ أكثر من شهرين.

وخلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"، عزا العناني هذه التصريحات إلى فشل إسرائيل في تحقيق أي إنجاز عسكري حتى اللحظة، سواء فيما يتعلق بالقضاء على المقاومة أو تحرير الأسرى والمحتجزين، مع عدم وجود أفق عسكري للحرب.

وبالتالي، فإن تصريحات بايدن -برأي العناني- تمثل فقدان الثقة الأميركية إلى حد كبير في قدرة إسرائيل على تحقيق إنجاز عسكري، كما أنها تؤكد تزايد عزلة تل أبيب دوليا وتراجع الدعم الدولي لها بسبب الكلفة الإنسانية الكبيرة التي يدفعها أهل غزة.

وبالتزامن مع هذه التصريحات، أصدرت حكومات كندا وأستراليا ونيوزيلندا بيانا مشتركا دعمت فيه حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم ورفض التهجير القسري ووجود أي احتلال جديد بالمنطقة، وأعربوا عن أملهم في استعادة وقف القتال بشكل دائم.

لكن التحدي الحالي -كما يقول العناني- هو أن تتحول الأقوال الأميركية إلى أفعال؛ لأن البيت الأبيض سبق وأن تراجع عن تصريحات لبايدن وقال إنها فسرت بطريقة خاطئة.

إلى جانب ذلك، فإن الرهان حاليا يتمثل في ممارسة واشنطن ضغوطا فعلية -معلنة أو غير معلنة- على تل أبيب من أجل وضع حد لهذه الحرب، وهذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة، حسب العناني.

ضربة لإسرائيل

أما الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور محمد هلسة فيرى أن هذه التصريحات تمثل ضربة لإسرائيل التي ملأت العالم بحديث ينم عن الغرور خصوصا فيما يتعلق بموقف نتنياهو من السلطة الفلسطينية، والذي يناقض موقف واشنطن بشكل كامل.

ويعتقد هلسة أن واشنطن منحت تل أبيب وقتا كافيا للنزول من فوق الشجرة، ولكنها أدركت الآن أن إسرائيل ستجرها لمزيد من المعارك والخسارات الداخلية والخارجية، وفق هلسة.

كما أن الحديث الأميركي عن ضرورة تغيير الحكومة الإسرائيلية -كما يقول هلسة- يتماشى مع موقف بايدن من نتنياهو وحكومته المتطرفة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وخصوصا فيما يتعلق بعمليات القتل والاستيطان في الضفة الغربية.

وعن تعامل إسرائيل مع هذا التحول الأميركي، قال هلسة إن تل أبيب "تدرك أنه لا وزن لها دون غطاء أميركي، وبالتالي ربما نجد تصدعا سياسيا في داخل إسرائيل".

تصريحات متوقعة لكنها مبكرة

أما الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي، فقال إن تصريحات بايدن متوقعة لكنها جاءت مبكرة، معربا عن قناعته بأن دعوة بايدن "ليست لتغيير الحكومة وإنما لتغيير نتنياهو".

ويرى مكي أن المطلوب حاليا من وجهة النظر الأميركية "هو حكومة تنهي الحرب ولا تتحدث عن محو حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وتسعى لتحقيق المقاربة الأميركية"، مضيفا أن "نتنياهو وصل لمرحلة الجنون وبدأ يقفز للأمام مخالفا مقاربات وشروط واشنطن".

ورغم أن تغيير الحكومة في ظل الحرب يحمل قدرا كبيرا من الخطر فإنه ممكن إذا كانت هناك ضغوط أميركية، كما يقول مكي، الذي شدد على خطورة حديث بايدن عن مصير الشعب اليهودي.

وقال مكي إن هذه الحرب أصبحت تهدد بزوال إسرائيل فعليا وليس مجازا، مؤكدا أن حديث بايدن عن هذا الأمر مقصود وأن الأمور وصلت إلى مرحلة التسويات الكبرى، على ما يبدو.

الرأي نفسه ذهب إليه العناني بالقول إن بايدن "يحاول إنقاذ إسرائيل واليهود عموما من نتنياهو خصوصا في ظل حالة الإجماع الدولي على وقف الحرب والذي تجلى في جلسة مجلس الأمن الدولي الأخيرة".

لكن العناني جدد التأكيد على أن الأمور بحاجة لأفعال أميركية وليس كلاما؛ لأن واشنطن ما تزال تزوّد تل أبيب بأسلحة فتاكة وتستخدم حق النقض (الفيتو) ضد أي قرار لوقف الحرب.

ويرى العناني أن تصريحات بايدن "هي بداية مرحلة جديدة من الحرب"، لكنه يرى أيضا أن التحدي حاليا هو عدم وجود خطة أميركية لما بعد الحرب، مؤكدا أن واشنطن دخلت الحرب دون خطة وكانت تريد فقط استعادة الهيبة الإسرائيلية والأميركية.

وفي ظل هذه التغيرات، يقول هلسة إن نتنياهو سيواجه مزيدا من الغضب الداخلي والتحديات السياسية، في ظل تراجع الغطاء الأميركي الذي كان يتحرك تحته ليس فقط بسبب غزة وإنما أيضا بسبب سلوكه المناقض لرؤية واشنطن في الضفة الغربية التي باتت مرشحة للانفجار هي الأخرى، حسب قوله.

وعن مستقبل الحرب في ظل هذه التحولات، قال مكي إن إسرائيل فقدت هيبتها وسرديتها وصورتها الأسطورية بسبب صمود المقاومة والشعب الفلسطيني، معربا عن قناعته بأن هذه الحرب "لن تنهي إسرائيل لكنها قد تكون خطوة في هذه الطريق".

وأضاف مكي "الولايات المتحدة دولة براغماتية في النهاية وما يقوم به نتنياهو حاليا في غزة والضفة الغربية ليس إلا محاولة لتوريط أميركا في حرب أوسع بالمنطقة من أجل البقاء في منصبه، وبالتالي فإن واشنطن ستحاول الخروج من أزمة الطلبات المستحيلة التي دخلتها".

وخلص مكي إلى أن ما قاله بايدن "ليس مجرد تصريحات وإنما هو موقف تم اتخاذه بالفعل، لأنه جاء بعد تصريحات مشابهة لمسؤولين أميركيين وبعض تحد واضح من نتنياهو لما تريده واشنطن سواء في غزة أو الضفة".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: تصریحات بایدن تل أبیب

إقرأ أيضاً:

الكرملين يهاجم أمين عام الناتو.. تصريحات "غير مسؤولة"

وصف الكرملين تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته بشأن الاستعداد لحرب محتملة مع روسيا بأنها "غير مسؤولة"، معتبراً أنها تعكس عدم إدراك لحجم الدمار الذي خلفته الحروب الكبرى، وعلى رأسها الحرب العالمية الثانية.

وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، في تصريحات للتلفزيون الروسي الرسمي، إن حديث روته "يبدو وكأنه صادر عن ممثل لجيل نسي حقيقة ما كانت عليه الحرب العالمية الثانية"، مضيفا أن مثل هذه التصريحات تدل على غياب الوعي بتبعات الحروب وآثارها الكارثية.

وكان روته قد قال، في كلمة ألقاها في العاصمة الألمانية برلين يوم الخميس، إن على حلف شمال الأطلسي أن يكون "مستعدا لحجم الحرب التي خاضها أجدادنا وأجداد أجدادنا"، مضيفا أن "روسيا هي الهدف المقبل للحلف".

وفي المقابل، جدد الكرملين نفيه المتكرر لاتهامات الناتو وعدد من القادة الأوروبيين بأن موسكو تخطط لمهاجمة إحدى الدول الأعضاء في الحلف، واصفا هذه الاتهامات بأنها "هراء" يهدف إلى تأجيج المشاعر المعادية لروسيا داخل أوروبا.

وأكد بيسكوف أن إطلاق مثل هذه التصريحات لا يسهم في خفض التوتر، بل يزيد من حدة الاستقطاب السياسي والعسكري في القارة الأوروبية، محذراً من خطورة التلويح بالحرب في ظل الظروف الدولية الراهنة.

مقالات مشابهة

  • الكرملين يهاجم أمين عام الناتو.. تصريحات "غير مسؤولة"
  • إستراتيجية الأمن القومي الأميركي 2025.. بداية نظام عالمي جديد
  • الرئاسة الفلسطينية ترد على تصريحات السفير الأميركي لدى إسرائيل
  • السيسي سيلتقي ترامب لبحث تعديل معاهدة السلام مع إسرائيل وطلب تدخل عاجل لحل الخلاف مع إثيوبيا
  • غولان: كان بالإمكان إعادة محتجزين بغزة أحياء لولا تعنت حكومة نتنياهو
  • رويترز: أميركا حجبت معلومات استخباراتية عن إسرائيل خلال حرب غزة
  • مصادر لرويترز: أميركا حجبت معلومات مخابرات عن إسرائيل خلال عهد بايدن
  • أميركا حجبت معلومات مخابراتية عن إسرائيل خلال عهد بايدن
  • إدارة بايدن تجمد التعاون الاستخباراتي مع إسرائيل بسبب جرائم حرب في غزة
  • الحاج حسن: تصريحات رجي تبرّير لاستمرار إسرائيل في عدوانها