أبو عبيدة.. ورسائله المفخخة لإسرائيل
تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT
تزامنًا مع تزايد واشتداد ضربات المقاومة الفلسطينيّة النوعيّة- التي أوقعت- ولا تزال- مئات القتلى وآلاف الجرحى في "جيش الاحتلال"، ودمَّرت آلياته المدرعة (500 آلية على الأقل)، في قطاع غزة (شمالًا، وجنوبًا)، منذ انزلاقه إلى العملية البرية (27 أكتوبر/ تشرين الأول)، وبعد 17 يومًا من الغياب؛ وطول انتظار الملايين في أرجاء الدنيا، لهذه الإطلالة- أعاد الناطق باسم كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس) المُلثم "أبوعبيدة" التأكيدَ على إصرار المقاومة، وعزمها على هزيمة "الكيان الصهيوني"، مُبَشرًا إياه بالخيبة والفشل، في العملية البرية، ومتوعدًا باستمرار إخفاقه فيما هو قادم.
"أبوعبيدة"، بعد استعراضه الإنجازات القتالية لكتائب القسام (الموثقة في غالبيتها بالفيديو)، ختم بتوجيه "رسالتين"؛ إلى "الاحتلال" شعبًا وحكومة، وداعميه (الولايات المتحدة الأميركية وغيرها).
الرسالة الأولى- وهي نارية مفخّخة للداخل الإسرائيلي- بأنه لا إسرائيل ولا داعموها يستطيعون تحرير جندي واحد دون التبادل المشروط، الذي أعلنته المقاومة الفلسطينية، منذ بداية معركة "طوفان الأقصى". وهو ما أكّده القيادي بحركة حماس أسامة حمدان، في مداخلة مع قناة الجزيرة مساء الاثنين، مُشترطًا، وقفًا كاملًا لإطلاق النار، لإنجاز التبادل، وليس مجرد هدنة مؤقتة.
ظهور "أبو عبيدة"، أعقب "العملية الفاشلة" التي نفَّذتها قوة خاصة من جيش الاحتلال (يوم 8/12) لتحرير الجندي الأسير لدى القسّام ساعر باروخ، رغم مرور 60 يومًا على بدء العدوان الصهيوني على القطاع، الهادف- حسبما أعلن نتنياهو- لمحو حماس، وتحرير الأسرى لدى المقاومة دون قيد أو شرط.
جنرالات كاذبونرئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، وجنرالاته، يكذبون، وشأن كل كاذب، فهو يُصدق ويخدع نفسه، فهم يزعمون أن عملية التبادل والهدنة السابقة (24- 30 نوفمبر/ تشرين الثاني)، أنجزها جيش الاحتلال، وأن الصفقة، تمت إذعانًا من حماس للضغط العسكري.
كما يرفضون الاستماع لنصائح غيرهم من الجنرالات القدامى. إذ أكد الرئيس الأسبق للموساد الإسرائيلي تامير باردو- في استضافة له على القناة "12" العبرية قبل أيام- رفضَه مزاعم نتنياهو وجنرالاته، ناصحًا، بأن صفقة لتبادل "الأسرى" مع حماس، هي السبيل الوحيد لاستعادتهم.
كما حذّر "باردو"، من الثمن الباهظ للصفقة، كلما تأخرت.. واصفًا مسلك الحكومة الإسرائيلية بالخيانة للأسرى المحتجزين في غزة أحياءً وأمواتًا.
أوهام "نتنياهو""باردو"، ربما حاول إفاقة نتنياهو من أكاذيبه وأوهامه، على غرار "كذبة" استسلام 500 مقاتل من حماس لجيش الاحتلال في غزة.. بينما هم مجموعة من المدنيين العُزّل تم اعتقالهم، وتجريدهم من ملابسهم، في مشهد جبان وفاقد للأخلاق.
"نتنياهو"، صدّق كذبته هذه، وراح يدعو مقاتلي حماس للاستسلام الآن، وألا يموتوا من أجل يحيى السنوار (قائد حماس في القطاع، والمُخطِط لعملية طوفان الأقصى).
هذا ينقلنا إلى الرسالة الثانية في بيان "أبوعبيدة" الأخير مساء الأحد، الذي جاء ردًا على هذه الدعوة من نتنياهو لمقاتلي حماس كي يستسلموا.
فقد أكّد "أبو عبيدة"، أنه لا خيارَ أمام المقاومة؛ إلا القتال لدحر العدوان وكسره، وأن الآلاف من مجاهدي المقاومة، ينتظرون دورهم في القتال، واصفًا تكرار إعلان قادة الكيان الصهيوني استهداف إبادة المقاومة، بأنه: "كلام للاستهلاك المحلي الإسرائيلي، وإرضاء لليمين المتعطش إلى الدماء".
لا استسلامكأنّ نتنياهو، "يتوهم"، أن مقاتلي المقاومة يمكن أن يستسلموا، غير مدرك أنهم مُجاهدون، عن عقيدة، وإرادة وثبات، غايتهم النصر أو الاستشهاد.
يبدو، كذلك عدم فهم نتنياهو لمعنى الكلمات التي يختم بها "أبوعبيدة" جميع بياناته: (إنه لجهاد.. نصر أو استشهاد).. إنها كلمات الشيخ الأزهري الشهيد عزالدين القسام، المقاوم للاحتلال البريطاني لفلسطين، التي نطق بها رافضًا الاستسلام مع رفاقه، عندما حوصر في الضفة الغربية، وظلوا يقاتلون حتى استشهدوا (19 نوفمبر/تشرين الثاني 1935م).
كما تأتي هذه الرسالة، ردًا على وعيد نتنياهو، المتكرر بـ "تصفية حركة حماس"، ومحوها، وإبادتها، وتفكيك قدراتها العسكرية؛ تعبيرًا عن أوهامه وأمانيه التي لا يسندها الأداء المتواضع والمتردي لـ "جيش الاحتلال" على الأرض في مواجهة أسود المقاومة الشجعان، رغم الفارق الهائل في العتاد، والتجهيز، والتكنولوجيا، لصالحه، مقابل أسلحة أقل تطورًا أبدعتها عقول رجال المقاومة.
تفكيك الأفكار بالحوار"الحرب" لا تزال مستمرة.. وتصفية حماس- لا قدر الله- وما بعدها لا يقرّرها نتنياهو، ولا أميركا شريكته في العدوان على الشعب الفلسطيني. الواقع الميداني للمعركة هو الذي يرسم تفاصيل اليوم التالي، ويُظهر الطرف الذي يصرخ أولًا، وهذا الأخير عليه قبول شروط الطرف الآخر.
مع ذلك، ومهما كانت نتيجة المعركة، فالمقاومة، مرتبطة وجودًا وعدمًا، بـ "الاحتلال البغيض"، وهو زائل حتمًا، ليسترد الشعب الفلسطيني، استقلاله وحقوقه.
من التكرار، التذكير؛ بأن "حركة حماس"، هي فكرة، يستحيل القضاء عليها بقوة السلاح، فالأفكار بالعموم، يمكن تفكيكها بالفكر والنقاش والحوار وبيان العوار الذي يعتريها، وهو أمر شاقّ وبالغ الصعوبة في كل الأحوال.
القادم أعظمكما أن "نتنياهو"، بكلماته الأقرب للهذيان عن "السنوار".. يختزل المقاومة بفصائلها العديدة، في شخص السنوار.. بينما الكل يجمعهم هدف تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني المستمر على مدار 75 عامًا.
نتنياهو وقادة الكيان، يعلمون جيدًا، أنَّ "المقاومة"، لا تموت مع شخص أيًا كان. وإلا لماتت "حركة حماس" وتلاشت، باغتيال الكيان الصهيوني مؤسّسَها الشيخَ أحمد ياسين (عام 2004)، وخليفتَه الدكتورَ عبد العزيز الرنتيسي، بعد شهر واحد فقط من توليه قيادة حماس في العام نفسه، وغيرهما مما لا يتّسع المجال لحصرهم.
نختم بوعيد "أبوعبيدة" لجيش الاحتلال بأن "القادم أعظم".
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الکیان الصهیونی جیش الاحتلال
إقرأ أيضاً:
الطريق إلى وقف الحرب على غزة
منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، رفعت إسرائيل والولايات المتحدة شعار "تفكيك حماس" كهدف مركزي للعملية العسكرية. لكن بعد مرور عشرين شهرا من حرب طاحنة، بدأ الخطاب الأمريكي ينحرف تدريجيا نحو مقولة "تأجيل تفكيك حماس"، وهو ما يعكس تحولا تكتيكيا مهما يستحق التوقف والتحليل لفهم خلفياته ودلالاته.
الموقف الأمريكي الجديد.. تأجيل لا تراجع
عند التدقيق في طبيعة التحول، يتبين أن واشنطن لم تتخلَّ عن هدفها المُعلن بتفكيك حماس، لكنها بدأت تفصل بين الأهداف العسكرية والسياسية، وراحت تُقدّم أولوية لـ"التهدئة الإنسانية" و"استعادة الرهائن"، بل وبدأت تتحدث عن "مراحل انتقالية" و"ترتيبات مؤقتة" في غزة لا تشترط تفكيك الحركة فورا.
يعود هذا التحول إلى عدة عوامل، أبرزها:
- تصاعد الكلفة الإنسانية للحرب، وتدهور صورة الولايات المتحدة عالميا بسبب دعمها غير المشروط لإسرائيل.
- فشل الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق نصر حاسم، رغم الدعم العسكري والاستخباراتي الأمريكي.
- الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة لاستعادة الأسرى الإسرائيليين وإعادتهم إلى عائلاتهم.
فشل إسرائيل في تفكيك حماس
رغم التفوق الناري والتكنولوجي الساحق، عجز الاحتلال عن كسر المقاومة الفلسطينية، وذلك لأسباب جوهرية:
- البيئة العملياتية المعقدة: حيث وفرت شبكة الأنفاق بُنية متاهية تجعل من المعركة تحت الأرض تحديا عسكريا بالغ الصعوبة، فيما نجحت المقاومة في إدارة حرب غير متماثلة أربكت التكتيكات العسكرية التقليدية للجيش الإسرائيلي.
- صمود المقاومة: الذي تجلّى في الحفاظ على هيكل القيادة والسيطرة رغم موجات الاغتيالات، واستمرار إطلاق الصواريخ وتنفيذ العمليات النوعية.
- غياب البديل السياسي: فلا السلطة الفلسطينية جاهزة لاستلام زمام الأمور، ولا توجد قوى محلية بديلة تحظى بشرعية حقيقية داخل غزة. وهكذا، وقعت إسرائيل في مأزق: "إما حماس.. أو الفوضى".
كل هذه المعطيات دفعت واشنطن للاعتراف الضمني بأن حماس باتت واقعا لا يمكن تجاوزه، وبأن الحل العسكري الكامل غير واقعي في هذه المرحلة. وهو ما يؤكد وجود ارتباك استراتيجي، وفجوة واضحة بين الطموحات الإسرائيلية والقدرات الميدانية الفعلية، إلى جانب تصاعد التباينات بين واشنطن وتل أبيب، خاصة مع تعنّت نتنياهو وتصعيده لخطابات التحدي ضد الرؤية الأمريكية.
المخاوف الأمريكية والإسرائيلية من بقاء حماس
- أمريكيا: بقاء حماس يُحبط مشروع "تطبيع ما بعد غزة" الذي كانت السعودية محورا فيه. كما أن وجود حركة مقاومة قوية، خارج الهيمنة الغربية، يُهدد مشروع الأمن الإقليمي وقد يعيد رسم المعادلات الإقليمية.
- إسرائيليا: عدم القضاء على حماس يُشكّل ضربة قاصمة لهيبة الجيش الإسرائيلي، ويُضعف "نظرية الردع"، ويُعمق اهتزاز ثقة الجمهور في منظومة الأمن والسيادة.
سيناريوهات المرحلة المقبلة
أمام هذا التعقيد، تُطرح عدة سيناريوهات محتملة:
- تهدئة طويلة الأمد دون حسم: تبقى حماس فاعلا مركزيا، ولكن تحت قيود سياسية أو مالية.
- إدارة هجينة لغزة: بمشاركة ضمنية من حماس إلى جانب قوى محلية أو تحت غطاء دولي، في محاولة لتجاوز العقبة السياسية.
- تصعيد مؤجل: قد يُعاد فتح ملف الحرب لاحقا، مع استمرار استهداف الحركة أمنيا واستخباراتيا، دون معركة مباشرة في الوقت الراهن.
- فرصة أمام المقاومة: لترسيخ شرعيتها الواقعية، وفرض حلول ميدانية تُراكم منجزاتها، مستفيدة من التباين الأمريكي– الإسرائيلي ومن تآكل خيارات العدو.
خلاصة:
إن تأجيل تفكيك حماس لا يعني القبول بها، بل يُجسّد عجزا عن هزيمتها ميدانيا، ومحاولة لإعادة ترتيب الأولويات السياسية والعسكرية في ضوء الفشل العسكري المتكرر.
إنه انتصار تكتيكي للمقاومة، يفتح الباب أمام تكريس وجودها السياسي والعملي، في وقت يعيش فيه المشروع الصهيوني أزمة عميقة على صعيد الردع والهيبة والتماسك الداخلي.
وكما أكدنا سابقا، نعيد التأكيد: أعظم ما أنجزته فصائل المقاومة لم يكن مجرد التخطيط أو التصنيع أو الجاهزية القتالية، بل نجاحها في صناعة الإنسان الفلسطيني المقاوم، الذي يجمع بين العقيدة الإسلامية والعقيدة التدريبية والعسكرية.
إنه الإنسان المجاهد القادر على التطوير والمبادرة والتضحية، دفاعا عن الأرض والحقوق والمقدسات.. ذاك الإنسان الذي تعجز عن مواجهته جيوش الأرض، مهما بلغ عتادها وتقدمت تقنياتها، ومهما طال الزمن أو قصر.