جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-14@18:24:36 GMT

زهرة الجود

تاريخ النشر: 13th, December 2023 GMT

زهرة الجود

 

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

يقولون إنِّه من رحم المُعاناة يولد الإبداع، ومن المحن تتفتق وتأتي المنح، وإذا كانت دنيانا خلقت سهلة وميسرة، لما كان الصبر فيها وعليها أحد أبواب الجنان، وإذا كان هنالك بتر لحياة ما ومنع لعطاء آخر، فإنه حينما يأتي العوض من إله الكون وسيده وخالقه، يكون مدهشا، والصبر على مر الحاجة وما ابتلي به الإنسان من شظف العيش والفاقة والفقر والمرض ونحو ذلك، أمر يبعث على رضا الرحمن، ويأتي بالفرج بعد الشدة وتعاظم الأحوال والأهوال.

وعليه فإنَّ كثيرا من الخلق يؤمن بأنه لا حياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة، فيأنف الضيم ويأبى الذل والهوان ويتمتع بالشيم، وإذا لم يكن عَوْنٌ من الله للفتى، فأوَّلُ ما يجني عليه اجتهادُهُ‏، وإن كان عونُ الله للعبدِ واصلا، تأَتَّى له من كُلِّ شيءٍ مِدادُهُ.

إن التفاؤل يهزم الانكسار، ويلوح ببريق الأمل ونور العمل في حال رغبتنا التغلب على الهزيمة والفشل والانحدار، وإذا كان اليأس شعوراً يصاب به الإنسان بعد تكرر عدة محاولات ومراحل فاشلة، وبعد التعرض لتجارب قاسية حاصلة، وعدم تحقق إنجازات مواسية.

فحينها يشعر الإنسان بخيبة آمال محبطة، وببلاء عظيم يكسر القيد ويحطم الجسد ويقتل الروح ويستأصل الأربطة، ويمكن رماح العدو والنفس والشيطان من الاستيلاء على الخطط والأفكار أن لا تكون مجتمعة ومرتبطة، ألا قاتَل اللَّهُ المنايا ورَمْيَها، أصاب حِمَامُ الموتِ أباها.

عزيزي القاريء إذا ما أردنا التبحر في سبر أغوار محيطاتها لنصطاد لآلئ همتها النفيسة، وطرق عوالمها السميكةُ، لنتوقف عند أهم مراحل حياتها وبطولاتها، وأبرز إنجازاتها وجولاتها، ومجاديف جهودها وطرق سيرها.

المضيبي مجتمعا وولاية وأرضا ومكانا، كانت منشأها ومسقط رأسها، فنشأت في ربوعها يتيمة، وترعرعت في فيافيها وظلالها قوية وعصامية حكيمة، وشبت عن الطوق وهي متسلحة بالإيمان، ومتدرعة بالنضج والفهم أزماناً، ومتوهجة بالعطاء وحب الخدمة والعمل فكسبت أثمانا.

اسمها زكية وعندئذ زكاها الحظ وصاحبها التوفيق وساندتها عناية القوي المنان، فمنذ صغرها شغفها مستقبلها حبًا، فنظرت إليه أنه آت، وأنه يحمل لها بشارات وخيرًا كثيرا ومسرات.

إن صاحبة قصتنا ومقالنا لهذا الأسبوع المرأة الطموحة المزدانة، والفتاة العصامية، والبنت القوية والأمضى سلاحًا وعزيمة وقدرة وهمة والمصانة. حملت منذ الصغر مع أشقائها ومن كان معها حصيلة جهدها بعد أن جاءت إلى الدنيا ولم ترَ والدها، إذ توفاه الله تعالى وعمرها وقتذاك شهرا.

سهرت الليالي طلبًا للعفاف والعزة والمجد، فتقاسمت معهم النفحات، ونفضت عنها العجز والكسل وغبار المثبطات وحديث المعصرات في الحارات، فأرادت أن يكون رزقها يأتيها رغدا من كدها وعرق جبينها وتعبها، فما كان إلا أن يتحقق لها ذلك.

حديثنا اليوم في هذه السانحة والسطور عن رائدة الأعمال زكية بنت حميد الفرعية، التي نجد ما صنعته وتصنعه وتنتجه من منتوجات غذائية منذ سنوات طويلة، عفها عن السؤال، وكفاها عن المذلة وسوء المآل، فكانت البنت الوفية والأخت الصفية الندية والزوجة الصالحة المخلصة البهية.

أختنا زكية الفرعية رغم أن القدر جعلها أمام صراع حياة صعب حينما فقدت عائلها وزوجها وأب عيالها مبكرا، فانبرت تغرس في أبنائها حسن الخصال، وتربيهم على العادات العمانية والتقاليد الاجتماعية والإسلامية، ليكونوا رجالا على كل حال.

فمن أجل ذلك نظرت ثم فكرت فعملت، وها هي اليوم تكسب الرهان، فصار لديها مشروع تجاري يدر لها اليسير، ويدرأ عنها التبرم ويدفع بالعسير، فانطلقت في خط الحصول على رزقها معتمدة على نفسها وما تجود به صنع أياديها وتنوع مهاراتها ومنتجاتها؛ فعملت جاهدة بعد معاناة وجهد جهيد في عام 2015 بتأسيس مشروع صغير، تم تداوله بين الأهل والمحيط المجاور.

ولما كان الطموح والإرادة أقوى بأن يتوسع مشروعها بشكل أكبر وينمو بسرعة أكثر، فإنه أتيحت لها الفرصة للمشاركة في كثير من المعارض والفعاليات داخل السلطنة، فاكتسبت الخبرة وتمكنت من دراسة السوق وقراءة الموقف والأوضاع، لتتمكن بعد ذلك من اختيار الأنواع الجيدة، والأصناف الممتازة من خيرات الأرض، ومن ثم الشروع في إنتاجها وتعليبها وتصنيعها.

فخطوة بعد خطوة، توسعت لديها المعرفة بما يحتاجه المجتمع والسوق المحلي، فاستطاعت ولله الحمد أن تجعل مشروعها ينمو بشكل كبير، ويكون ما تقدمه للمستهلك ولزبائنها ذا جودة عالية.

فعلى مدار الأيام ظهر مشروعها للعالم الخارجي باسم وعلامة تجارية ممتازة.

ومن المأكولات والأنواع الغذائية التي صنعتها وتصنعها، التمر بعدة أشكال وبطريقة مذاقية رائعة، منه التمر بالسمن البلدي، والتمر المجفف، وكانت هذه طريقة جديدة ابتكرتها، واختراع حديث يعد الأول من نوعه وتصنيعة.

كذلك تمكنت رائدة الأعمال زكية بنت حميد الفرعية من صنع التمر بالعسل، والتمر بالطحينة والسمن العماني، وخلطة الهيل والزعفران، والقهوة العربية والعمانية بنكهات غاية في الروعة وبمذاق عال وراق.

وعن إشهار علامتها التجارية باسم زهرة الجود، فإن هذا الاسم يطلق على النخلة القوية البازغة الشامخة في عنان السماء.

هكذا هي الفرعية، حق لها أن تفخر وتفاخر بما أنجزته واجتهدت من أجله، وحريٌّ بالجهات المعنية وهيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمجتمع بأسره، مساعدتها والوقوف معها ودعمها، لتمضي قدما في الثبات والاستمرار في رفد السوق داخل السلطنة وخارجها بمنتجاتها العمانية الأصيلة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نور على نور

#نور_على_نور

د. #هاشم_غرايبه

لعل ما أحاق بالأمة في العصر الحديث، يفوق كثيرا ما لاقته عبر تاريخ صراعها الطويل مع المتربصين بها والطامعين بقهرها، فقد غزاها المغول واستباحوا حماها زمنا ثم زالوا، وهاجمها الأوروبيون في حملات صليبية متعددة ثم ارتدوا عنها خائبين في كل مرة.
لكن ما حصل منذ أواخر القرن العشرين من تحالف عالمي لكل قوى الشر المعادية، واستهداف المسلمين علانية في سلسلة حروب متتالية، وبذرائع واهية بدءا من الحفاظ على حق تعليم الفتيات في أفغانستان، ثم تحرير الكويت، ثم منع العراق من تصنيع أسلحة الدمار الشامل، ثم محاربة الإرهاب، وآخرها التي تجري الآن على ساحة القطاع لاجتثاث فكرة المقاومة الجهادية.
ذلك كله جعل المتمسكين بجمر الصبر على الشدائد التي أحاقت بالأمة طوال القرن الماضي، وهم ينتظرون النصر الموعود، جعلهم يتساءلون بقلق: ما الذي أخر وعد الله الحق بنصره أمته؟
لا شك أن الله ما أنزل هذا الدين لكي يهزمه الضالون، ولا كرّم هذه الأمة بحمله وتقديمه الى الناس جميعا، ليجعل النيل منها متاحا للغزاة، وديارها مباحة لكل طامع، إنما هنالك سنن كونية عامة وضعها الله لتحقيق النصر، لا محاباة فيها لمن أطاعه ولا لمن عصاه وهي الغلبة للأقوى، ولكنه حماية لدينه أوجد سننا خاصة بمن اتبعه، إن أوفى بها المؤمنون تلغي ذلك الشرط.
إن نزول الدين للبشر أصلا كان تنفيذا لكلمة الله يوم أن أخرج آدم وذريته من الجنة وأسكنهم الأرض: “قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” [البقرة:38]، فقد وعد بني آدم أن يهديهم سبيل الرشاد، وهو معرفته واتباع منهجه، فمن تبع هذا الهدى واتبع ما جاء به المرسلون نجا، وكان جزاؤه الجنة، ومن تبع هواه (إبليس) وانقضت مدة حياته على الضلال، فقد اختار سوء العاقبة التي بينها الله: “قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا” [الإسراء:63].
وأكمل الله نعمته على البشر بإنزاله آخر الرسالات السماوية مكملا بذلك الدين، ومبينا أركانه وتشريعاته في القرآن، ليبقى مرجعا مرشدا لمن ابتغى الفلاح واستعد للقاء ربه وفق ما يرضيه: “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ” [التوبة:33].
إن الله يعلم أن المتمسكين بدينه سينالهم الضيم، ولن يتركهم الظالمون من جند الشيطان حتى يردوهم عن دينهم: “يُرِيدُونَ لِيُطْفِئوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهم وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ” [الصف:8]، لكنه أرشد المؤمنين الى سبيل النجاة من كيد هؤلاء الضالين المضلين: “وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ” [المائدة:56]، كما طمأنهم الى أنهم إن صدقوا عهدهم مع الله فإنه ناصرهم: “وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ” [الروم:47]، ولا قوة في الكون يمكنها أن تبطل وعد الله، فقد جعل سنة النصر لصراع بين باطلين تحققه القوة والغلبة فقط والتي هي بيد البشر، لكنه حماية لمن يتبعون منهجه جعل النصر خارج هذه المعادلة، ويحققه لهم مهما كانت قوة الباطل المعادية: “وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” [الأنفال:10]، ويقدر الله هذا النصر وفق سننه وحسب تحقق متطلباته: “وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” [الحج:40].
كانت مرحلة إنشاء الدولة الإسلامية، تطبيقا عمليا لتلك السنن والأسباب، وقد أراد الله تصريف أحداثها والصراعات العسكرية فيها لتكون دروسا وعبراً للمسلمين لكل الأزمنة القادمة.
وأهمها كان هزيمة المسلمين في موقعتي أحد وحنين، رغم أن المعركتين كانتا بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون متمسكين بدين الله وموالاة الله ورسوله وعدم موالاة من يحادون الله ورسوله، فلماذا لم ينصرهم الله؟.
نلاحظ أنه في “أحد” كانت هنالك مخالفة لأمر القائد، وفي “حنين” كان هنالك اغترار بالكثرة واعتقاد بأن التفوق العددي هو أساس النصر.
لذلك فكان رفع الله النصر عنهم مؤقتا، ليتعلموا أن نصر الله لا يمنح إلا باكتمال كل متطلباته.
ولعل ذلك يجيب على السؤال: لماذا تأخر نصر الله لأمته الآن، فهو موقوف الى حين الإيفاء بثلاث متطلبات أساسية: الحكم العادل بما أنزل الله، وإخلاص النية لدين الله، وعدم موالاة أعدائه.

مقالات ذات صلة الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية.. معانٍ للفرادة المؤسسية والاعتزاز بالوطن 2025/05/11

مقالات مشابهة

  • وجع.. وجع!
  • اليوم.. اجتماع مجلس نقابة المحامين والنقابات الفرعية بشأن رسوم التقاضي الجديدة
  • من كلّ بستان زهرة -100-
  • اللجنة الفرعية تتابع مناقشة قانون إصلاح المصارف
  • إبراهيم نصر في ذكرى وفاته.. صاحب “زكية زكريا” الذي أسعد القلوب ورحل بهدوء (تقرير)
  • أخبار الفن| شمس البارودى تكشف عن رأيها فى مسلسل زهرة وأزواجها الخمسة.. القصة الكاملة لأزمة جوري بكر وطليقها
  • شمس البارودى تكشف عن رأيها فى مسلسل زوجها زهرة وأزواجها الخمسة
  • »فن الحرب«
  • نور على نور
  • كاريكتير عمر دفع الله