تقتل أسراها.. هل تضحي إسرائيل بالمحتجزين بغزة وتستمر في العدوان؟
تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT
القدس المحتلة– في الوقت الذي تواصل حكومة الاحتلال الإسرائيلي المراوغة والمماطلة في ملف الأسرى لدى المقاومة في قطاع غزة، اتسعت في تل أبيب دائرة الاحتجاجات المطالبة بالتوصل إلى صفقة تبادل جديدة، تقضي بتحرير جميع الأسرى ضمن هدنة إنسانية ووقف مؤقت لإطلاق النار.
يأتي هذا الحراك لعائلات الأسرى، في ظل ما يعتقد البعض أنه "إجماع إسرائيلي" على استمرار الحرب، وهو "الإجماع" الذي تستغله حكومة بنيامين نتنياهو، لمواصلة التوغل البري في قطاع غزة، رغم ضغوط الإدارة الأميركية المطالبة بإنهاء مرحلة القصف المكثف والعنيف، والانتقال إلى مرحلة العمليات العسكرية المحددة.
يعكس هذا الموقف الذي عبّر عنه نتنياهو -وفقا للباحثين والمحللين- قناعات الإسرائيليين أن الحكومة توظف معاناة عائلات الأسرى لاستمرار الحرب، وأنها على استعداد للتضحية بالأسرى لمواصلة العملية العسكرية وتبرير القتل الجماعي للفلسطينيين بالقطاع، وهو ما عكسه إعلان الاحتلال عن مقتل 3 من الأسرى بنيران جنوده في حي الشجاعية.
وارتفعت حصيلة المحتجزين الذين قتلوا بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى 4 قتلى، حيث فشلت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في تحرير ولو حتى محتجز واحد عبر التوغل البري، علما أن إجمالي من بقي بالأسر لدى المقاومة الفلسطينية 138 إسرائيليا، غالبيتهم من العسكريين.
وأمام ماكينة الدعاية للحرب الإسرائيلية، تشكلت مبادرات محدودة من الإسرائيليين الداعية إلى وقف الحرب وتحرير جميع الأسرى من خلال صفقة تبادل شاملة، وهي المبادرات التي تتقاطع مع حراك عائلات الأسرى الإسرائيليين.
في هذا السياق، قال المتحدث باسم كتلة "السلام الآن" آدم كلير، إن "الاحتجاجات لتحرير المحتجزين مهمة كما المطالب بوقف الحرب"، مضيفا أن الدعوات الإسرائيلية لوقف الحرب صغيرة ومعزولة ومحاصرة، وتكاد لا تسمع ولا حتى تحدث أي تغيير -ولو كان بسيطا- لدى المجتمع الإسرائيلي الذي يجمع على مواصلة الحرب حتى ولو تم تحرير المحتجزين.
ورغم هذا الحراك والاحتجاجات التي لم تخترق حتى الآن الإجماع الإسرائيلي بشأن الحرب، يعتقد كلير أن "حتى عائلات المحتجزين تطالب بتحرير من خلال وقف مؤقت لإطلاق النار أو ما بات يسمى هدنة إنسانية، وليس من خلال إنهاء الحرب".
وفي حديثه للجزيرة نت، لفت إلى أن هذا المطلب لعائلات الأسرى "يتناغم مع الأهداف المعلنة للحكومة الإسرائيلية بالسعي والعمل من أجل تحرير وإعادة المحتجزين، بالتوازي مع مواصلة العمليات العسكرية، بغية تقويض قوة حماس عسكريا والقضاء على حكمها بالقطاع".
وأوضح المتحدث أن الحرب على غزة تحظى بإجماع إسرائيلي غير مسبوق، وذلك بسبب الصدمة من أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والثمن الكبير بالضحايا وحتى بالمحتجزين، الذي دفعه المجتمع الإسرائيلي، الذي يعيش حالة غير طبيعية وهستيريا جنونية، وكأن الحياة توقفت عند السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ويصر على مواصلة الانتقام من الفلسطينيين في قطاع غزة"، بحسب وصفه.
وأكد أنه "حتى الخسائر الفادحة بعدد الجنود القتلى بالمعارك البرية أو التضحية ببعض المحتجزين، لن يشكل ضغطا على الحكومة للمضي قدما نحو صفقة تبادل شاملة أو إنهاء الحرب على غزة".
ولفت المتحدث ذاته إلى أن الاحتجاجات المطالبة باستعادة المحتجزين مهما توسعت رقعتها، وكذلك المظاهرات المطالبة بالإطاحة بنتنياهو مهما كانت حدتها وتأثيرها، فإنها لا تخرج من أجل المطالبة بوقف الحرب على غزة، مشككا في أن تؤدي صفقة تبادل شاملة إلى توسيع دائرة الاحتجاجات الإسرائيلية المطالبة بوقف الحرب.
ويعتقد كلير أن ضغوطا خارجية من أميركا وأوروبا والدول العظمى، من شأنها أن تجبر إسرائيل على وقف الحرب لتكون أقل حدة وشدة، ما من شأنه أن يفكك الائتلاف الحكومي وأن يدفع بالتوجه لانتخابات مبكرة، وهو السيناريو الذي يخشاه نتنياهو.
من جانبه، يولي الباحث في التاريخ الاجتماعي والثقافي الدكتور غادي الغازي، أهمية لاتساع دائرة الاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي المطالبة بتحرير المحتجزين وإبرام صفقة تبادل جديدة، وكذلك الأصوات الداعية إلى وقف الحرب.
لكن الباحث في التاريخ الاجتماعي والثقافي، استبعد أن تتمكن هذه الأصوات والمطالب من اختراق الإجماع الصهيوني حول الحرب على غزة، أو خلق حالة ضغط كبيرة ومؤثرة على الحكومة الإسرائيلية، كون عملية "طوفان الأقصى" زعزعت الوعي الإسرائيلي الذي ما زال مصدوما بعد اهتزاز الحصانة الأمنية.
وأوضح الغازي، في حديثه للجزيرة نت، أن حكومة الاحتلال توظف معاناة عائلات الضحايا والأسرى من أجل استمرار الحرب، حيث باتت السردية في الذهنية والعقلية الإسرائيلية أنها بمثابة حرب وجودية ودفاع عن البيت، لكن دون أن تؤدي هذه الحرب أو العمليات العسكرية إلى تحرير ولو حتى رهينة واحدة.
تضحية وتبرير
وبناء على ذلك، يؤكد غادي الغازي وجود "حالة لامبالاة للإسرائيليين تجاه القتل الجماعي للفلسطينيين في غزة، بل هناك إجماع إسرائيلي داعم للقتل الجماعي بغزة، كون عدد القتلى المدنيين الإسرائيليين في طوفان الأقصى الأكثر منذ نكبة عام 1948، بينما عدد القتلى الجنود الأكثر منذ حرب يونيو/حزيران 1967، وبالتالي تحرير المحتجزين يعتبر هدفا ثانويا".
وحيال هذه المعتقدات التي تم ترسيخها، يستبعد الباحث في التاريخ الاجتماعي والثقافي أن تفضي صفقة تبادل شاملة إلى إنهاء الحرب، مع تعزيز القناعات باستمرار حالة القتال ضد الفلسطينيين، لافتا إلى أن الحكومة الإسرائيلية لن تتردد حتى في التضحية بالأسرى لدى المقاومة الفلسطينية من أجل تبرير استمرار الحرب.
وعزا الغازي هذا التوجه لحكومة نتنياهو والتعامل مع ملف الأسرى، بسبب القناعات التي تعززت لدى المجتمع الإسرائيلي بأنه دفع ثمنا باهظا في معركة "طوفان الأقصى"، وبالتالي فإن التضحية بالمحتجزين لن يغير نظرتهم في كل ما يتعلق بسير الحرب واستمرار القتال في غزة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائیلی صفقة تبادل شاملة تحریر المحتجزین حکومة الاحتلال استمرار الحرب عائلات الأسرى الحرب على غزة وقف الحرب من أجل
إقرأ أيضاً:
ما الذي حدث في إيران ؟ ولماذا لم تُطلق المضادات؟
‼️ما الذي حدث في إيران؟ ولماذا لم تُطلق المضادات؟
✍???? تحليل استخباراتي استراتيجي عسكري
نقيب محمد عبدالرحمن هاشم
استيقظت طهران على صدى ضربات جوية خاطفة استهدفت مواقع عسكرية وصناعية من بينها منشآت حساسة ذات طابع نووي. لم تُسمع أصوات المضادات لم تُرَ صواريخ الاعتراض ولم تخرج طائرات الدفاع الجوي. وكأنّ السماء تم اختراقها لا على مستوى الطيران بل على مستوى “الوعي العسكري نفسه”.
فما الذي جرى؟ وكيف عبر الطيران الإسرائيلي إلى قلب العمق الإيراني بهذه السهولة؟ ولماذا لم ترد الدفاعات الصاروخية الإيرانية المعروفة بقوتها وتعدّد طبقاتها؟
✴ أولًا: الحرب السيبرانية – المعركة التي لا تُرى
ما لم يُرَ على شاشات الرادار رُبما كان قد تم تعطيله قبل ساعات من الهجوم أو حتى أيام. الحرب لم تبدأ بالصواريخ بل بدأت بـ”نقرة” على لوحة مفاتيح.
الهجوم الجوي الإسرائيلي كان مسبوقًا باختراق إلكتروني واسع النطاق تم فيه تعطيل شبكة الاتصالات العسكرية وأنظمة القيادة والسيطرة بل وربما تم حقن “بيانات زائفة” داخل النظام الإيراني نفسه لتبدو الأجواء هادئة بينما كانت الطائرات الشبحية تحلّق على ارتفاع منخفض في قلب الأجواء الإيرانية.
هذه هي الحرب الهجينة بكل تجلياتها: مزيج بين اختراق سيبراني وتخدير استخباراتي وتشويش على الرادارات وتنسيق دقيق بين وحدات الحرب الإلكترونية والطيران القتالي.
✴ ثانيًا: الشبحية تضرب في صمت
المقاتلات التي استخدمتها إسرائيل وعلى رأسها F-35I “أدير”، لا تُرى بالرادارات التقليدية خصوصًا إذا كانت تلك الرادارات معطلة أو مشوشة إلكترونيًا. هذه الطائرات صمّمت لقتل العدو دون أن تُشاهَد. ومع وجود منظومات إطلاق صواريخ بعيدة المدى، لم تكن الطائرات نفسها بحاجة حتى للدخول إلى عمق الدفاعات بل نفّذت الهجوم من مدى آمن بعد أن تم تمهيد الطريق سيبرانيًا.
✴ ثالثًا: ثغرات في منظومة الدفاع الإيراني
إيران على الرغم من امتلاكها منظومات مثل S-300 و”باور 373” تعاني من خلل هيكلي في التكامل بين عناصرها. فالرادار في جهة وقاذفات الصواريخ في جهة وقيادة التحكم في جهة ثالثة. هذه ليست شبكة موحّدة بل “أدوات منفصلة”. ولذلك فعندما ضُرب مركز القيادة والسيطرة أو شُوش عليه تعطّلت كل المنظومة وكأنها لم تكن.
كما أن غياب التنسيق الفوري بين الرصد والتحليل، والقرار، والرد يجعل الاستجابة لأي تهديد في إيران بطيئة، باردة، أو حتى مشلولة بالكامل.
✴ رابعًا: التخدير الاستخباراتي
الأخطر من الضربات ذاتها هو ما سبقها من تخدير استخباراتي. فإسرائيل راقبت لسنوات زرعت عملاء شنّت هجمات سيبرانية تجريبية واختبرت الدفاعات وحرّكت أهدافًا وهمية حتى باتت تعرف متى يكون النظام في أضعف لحظاته.
في يوم الضربة ربما كانت القيادة في وضع غير جاهز مشغولة بتهديدات أخرى أو ضحية “تشتيت استراتيجي” أعدّ بعناية.
✴ خلاصة المشهد:
إيران لم تُضرب فقط بصاروخ بل ضُربت أولًا بالعتمة المعلوماتية بالعجز بعدم القدرة على الرؤية. ضُربت وهي لا تدري أنها ضُربت. وهذا هو تعريف الضربة الذكية في الحروب الحديثة.
الهجوم الإسرائيلي كان بمثابة عرض ناري لأعلى مستويات التكامل بين الاستخبارات، والسيبرانية والطيران الشبحي. أما غياب المضادات فكان علامة على فشل المنظومة لا نقصًا في المعدّات.
ففي عالم الحرب الحديثة لا يكفي أن تملك الصواريخ… إن لم تملك القدرة على رؤيتها قادمة.