حفل افتتاح أولمبياد لندن 2012 إلى الواجهة مجددًا.. هل تنبأ بأحداث غزة؟
تاريخ النشر: 17th, December 2023 GMT
عادت مشاهد ومقاطع من حفل افتتاح أولمبياد لندن 2012، وصفها البعض بـ"المُريبة"، إلى الواجهة مجددًا بعدما رأى كثيرون بأنها تشبه إلى حدٍ كبير المشاهد المؤلمة التي تخرج من قطاع غزة مع تواصل العدوان الإسرائيلي الغاشم عليه منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وأظهرت اللقطات المأخوذة من حفل افتتاح حفل افتتاح جورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2012 في لندن مجسمًا ضخمًا لطفل مريض يرقد في السرير ومُحاط بعدد كبير من المعاملين في مجال الصحة، من أطباء وممرضين وممرضات.
ويُظهر مقطع الفيديو المأخوذ من حفل الافتتاح الممرضات وهم يضعن الأطفال في السرير أثناء تشغيل التهويدة، قبل أن تضعن أصابعهن على شفاههن بحركة "shh" ليطلبن من الأطفال التزام الهدوء والخلود إلى النوم، قبل أن يظهر في الخلفية مجسم ضخم لشبح كبير.
وصف متداولو الصور ومقاطع الفيديو المأخوذة من حفل افتتاح أولمبياد لندن فقرة الطفل المحاط بالطواقم الطبية بـ"المُريب"، وبدؤوا نسج القصص والنظريات التي تدعي بأن الحرب على غزة في 2023 جرى التخطيط لها منذ سنوات، وذلك من خلال هذا المشهد تحديدًا.
ورأى متبنو هذه النظرية أن هناك عدة أدلة تثبت صحة أقوالهم خاصة مع وجود مجموعة ممن يرتدون القبعات التي يرتديها اليهود عادة بالقرب من مجسم الطفل الضخم.
وقال عدد من متداولي هذه النظرية بأن تواجد "اليهود" في المشهد ما هو إلا دليل على التحضير للعدوان على أطفال غزة قبل 11 عامًا، وأن أحداث السابع من أكتوبر ما هي إلا كذبة جرى افتراءها من أجل توريط حماس في الأحداث الدموية الراهنة.
حفل افتتاح أولمبياد لندنبالبحث تبين أن الأمر مختلف عما يجري تداوله في الآونة الأخيرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، إذ تبين أن المشهد صُمم للاحتفال بالخدمة الصحية الوطنية في بريطانيا العظمى وتاريخ أدب الأطفال في نفس الوقت، فكانت النتيجة مزيج غير عادي، ولكن لا شيء فيه يقول أو يصور أي شيء عن أحداث غزة 2023.
بشكل عام، كانت افتتاحية أولمبياد لندن 2012 رسالة قوية عن الأمل في المستقبل، كانت تقول إن الماضي المظلم قد مضى، وأن العالم يتجه إلى مستقبل أكثر إشراقًا.
المصدر: البوابة
كلمات دلالية: غزة الحرب على غزة الحرب على غزة 2023 إسرائيل لندن اليهود أولمبياد التاريخ التشابه الوصف حفل افتتاح من حفل
إقرأ أيضاً:
مصر خارج المشهد
في واحدة من لحظات السخرية الثقيلة في الإعلام المصري، قال الإعلامي أحمد موسى، المقرّب من السلطة: "هناك دول ستظهر، ودول ستختفي، ودول أخرى ستتفكك".. قالها مستعرضا ما بدا له كتحولات تهدد خصوم النظام المصري. لكن في الحقيقة أن الدولة التي باتت مرشحة للاختفاء الرمزي والجغرافي بفعل بيع أراضيها وأصولها، والتي تتآكل أركانها السياسية والاقتصادية والمعنوية، لم تكن إلا مصر نفسها.
هكذا تقول الإيكونوميست في عددها الصادر بتاريخ 29 أيار/ مايو 2025، في تقريرها الصادم: "الخاسرون في الشرق الأوسط الجديد". جاءت مصر، لا كدولة محورية أو مؤثرة، بل كواحدة من أبرز الخاسرين في معادلة إقليم يُعاد رسمه بألوان لا تملك القاهرة فرشاته، ولا حتى القدرة على الوقوف أمام لوحته.
مصر، التي كانت قلب العروبة النابض، بدت في تقرير المجلة كجسد أنهكه المرض، وكنظام لا يعرف سوى سبل الإنكار. تحوّلت من "أمّ الدنيا" إلى عجوز مسنّة منسيّة، تتنفس بصعوبة في ردهة التاريخ، تعاني من شيخوخة اقتصادية، وهشاشة سياسية، وعزلة استراتيجية خانقة.
التحولات واضحة لا تخطئها العين؛ تراجع في الحضور العربي والإقليمي، غياب القدرة على المبادرة أو الردع أو التأثير، اعتماد مفرط على التمويل الخارجي والقروض بدل السياسات الإنتاجية، انسداد سياسي داخلي يستنزف طاقة الدولة في قمع الداخل بدل بناء الخارج. ولعل الأخطر من ذلك كله، هو فقدان الرغبة في العودة
اختفت مصر التي كانت يوما تقود المنطقة، تصنع العواصم وتُسقط الملوك، وتتوسط في النزاعات، لتظهر اليوم مكانها عجوز تقف مترنحة، تراقب المشهد من خلف زجاجٍ معتم، تعاني من عجز متزايد عن التأثير، حتى في قضايا تعتبرها من "حقوقها التاريخية"، مثل الملف الفلسطيني، والسودان، وليبيا.
لم تعد القاهرة قادرة على الحركة، لا فعليا ولا مجازيا. الوساطة التي كانت لعبتها المفضلة فقدت بريقها، لم تعد الفصائل تنتظر كلمتها، ولا العواصم تسعى لرضاها. لقد انسحبت من المشهد، بوهن مخزٍ دون أن تعلن ذلك رسميا.
فالمشهد الإقليمي الآن يُعاد رسمه، لا بالدم وحده، بل بالتحالفات والمصالح والعقول. دول الخليج، مثل السعودية والإمارات وقطر، باتت تمارس أدوارا دبلوماسية متقدمة، مستفيدة من ثرواتها ورؤاها واستقرارها النسبي. تركيا تجاوزت لحظة الانكماش وعادت بثقة إلى الساحة، بينما إيران، رغم العقوبات والضغوط، فرضت نفسها لاعبا حاضرا في ملفات العراق وسوريا ولبنان، وحتى غزة. وفي هذا الزحام، اختفت مصر تدريجيا، لم تُطرد من المشهد، بل خرجت منه بمحض إرهاقها.
تقرير الإيكونوميست لا يكتفي بالرصد، بل يرسم دلالات عميقة لما يحدث. فالمكانة الإقليمية، كما يقول، ليست إرثا يُحتفظ به إلى الأبد، بل وظيفة سياسية تتطلب أدوات: اقتصاد قوي، سياسة خارجية مستقلة، شرعية داخلية مرنة، وقيادة واعية. ومصر اليوم لا تملك من ذلك إلا الذكريات، لم يبقَ من دورها سوى خطاب رسمي هش مكرّر فحواه "ما زلنا هنا"، بينما الأرض تتغيّر من تحت قدميه.
وكان الغياب في غزة: لحظة رمزية للانحدار، حين اندلع العدوان على غزة، بدت القاهرة غائبة بشكل فادح، الحدود المصرية مع غزة لم تكن بوابة فعل، بل جدار توتر، الوساطة لم تكن بيد مصر، بل تحرّكت الدوحة وأنقرة، وتسللت طهران بثقة إلى عمق المعادلات.
القاهرة، التي كانت تُمسك بخيوط الفصائل، أصبحت تنتظر على الهامش، تُناور في العلن، بينما يجري التفاوض الحقيقي في أماكن أخرى. لم تعد غزة بوابة نفوذ، بل مرآة تُظهر حجم التآكل، حجم الغياب، حجم الفقد.
ما تشير إليه المجلة، ضمنا وصراحة، أن مصر إن استمرت في هذا المسار، فهي مرشحة لأن تخرج من معادلات الشرق الأوسط الجديد. لن تُحذف من الخريطة، لكنها ستُختزل إلى رقم في التقارير، ودور شرفي في المؤتمرات.
فالتحولات واضحة لا تخطئها العين؛ تراجع في الحضور العربي والإقليمي، غياب القدرة على المبادرة أو الردع أو التأثير، اعتماد مفرط على التمويل الخارجي والقروض بدل السياسات الإنتاجية، انسداد سياسي داخلي يستنزف طاقة الدولة في قمع الداخل بدل بناء الخارج. ولعل الأخطر من ذلك كله، هو فقدان الرغبة في العودة..
إن استمر العناد والإنكار، فسيُكتب تاريخ الشرق الأوسط الجديد بلا فصل مصري، وسيتحوّل غياب مصر الكامل عن التاريخ الجديد إلى مجرد مسألة وقت، وستتحوّل "أم الدنيا" إلى سطرٍ باهت في ذاكرة الكبار
فالقيادة في مصر لا تشغلها مكانة مصر بقدر ما يشغلها البقاء على كرسي الحكم، مهما كانت النتائج والعواقب التي ستعانيها البلاد والعباد.
بلد لم يعُد يرى في ذاته مشروعا، بل صفقة للبيع لمن يدفع حتى يستطيع النظام أخذ قبلة للحياة، بلد لم يعد منه سوى تماثيل الماضي، أو استعراضات حاضر خادعة، عبر مشروعات خزعبلية لا طائل من ورائها، سوى زيادة الدين والانهيار الداخلي.
ولكن يأتي في النهاية سؤال: هل يمكن إنقاذ تلك العجوز وإعادتها إلى مكانها ومكانتها، خاصة بعد أن أصبح معلوما للجميع، مصريين أو عربا وعجما، من الذي قزّم مصر لهذا الحجم وأسقطها في هذا المستنقع؟
نعم الفرصة لا تزال ممكنة، لكنها تُصبح أقل يوما بعد يوم، الطريق بالتأكيد لن يكون عبر بيعها تحت مسمى "الاستثمارات"، ولا عبر الحملات الإعلامية التي يطلقها النظام، ولا عبر القبضة الأمنية التي تلوي عنق الشعب وتزهق روحه نفسا نفسا، بل عبر تغيير جذري شامل وإصلاح داخلي حقيقي وشجاع: اقتصاد ينبض، وسياسة تنفتح، وإعلام يعكس الواقع بدل أن يزوّره، وشعب يُمنح حقه في أن يحلم ويشارك.
أما إن استمر العناد والإنكار، فسيُكتب تاريخ الشرق الأوسط الجديد بلا فصل مصري، وسيتحوّل غياب مصر الكامل عن التاريخ الجديد إلى مجرد مسألة وقت، وستتحوّل "أم الدنيا" إلى سطرٍ باهت في ذاكرة الكبار، يتذكرونه من كتاب تاريخٍ طواه الزمن، بينما يمضي الشرق الأوسط بشكله الجديد دون أن يعرف أن تلك العجوز كانت يوما تصنع التاريخ.