تعد الألعاب والرياضات الشعبية التقليدية جزءًا لا يتجزأ من الموروث التليد والثقافة العُمانية العريقة والأصيلة التي ما زالت لها شعبيتها في المجتمع العُماني لمختلف الفئات العمرية باعتبارها من التراث غير المادي الذي كانت وما زالت سلطنة عُمان تهتم به وتسعى للحفاظ عليه، وذلك لأنه يُشكّل خطوة مهمة تصب في سياق النهج الذي تميزت به سلطنة عُمان على مدار العقود الماضية من خلال السعي الدؤوب والمتواصل للحفاظ على الإرث الحضاري والثقافي بما يعزز التواصل بين الأجيال المتعاقبة.

ألعاب الزمن الجميل

في مختلف قرى الولايات وممرات الحارات القديمة وفي مختلف الزوايا التي يتخذها الأطفال ملاعب لهم تحت ظلال النخيل والأشجار وفي الرمال الدافئة، تتنوع الألعاب الشعبية الممارسة في كل حارة وحيّ، إذ وُجدت هذه الألعاب في المجتمع العُماني ليست كوسيلة للترفيه فحسب بل كجزء مهم لتشكيل الهوية والذاكرة في الإنسان العُماني، وما زالت بعض هذه الألعاب تُمارس وتُروى حتى وقتنا الحاضر التي لا يمكن حصرها في أسطر ولا كتاب نذكر منها.

الصياد: هي لعبة تقليدية يؤديها فريقان متساويان في عدد اللاعبين، ملعبها مستطيل الشكل محدد بخطوط وأداتها كرة مطاطية صغيرة، أو كرة يدوية الصنع من ليف النخيل تُسمى "التبة"، وتُمارس هذه اللعبة في بعض المحافظات مثل شمال وجنوب الباطنة والداخلية وشمال الشرقية.

اللّكد: تُسمى أيضًا "الكرساع" لعبة تقليدية يُؤديها فريقان في كل منهما بين خمسة وعشرة لاعبين، ملعبها مستطيل متسع به مكان يُسمى "الهوب" ولا أدوات معينة فيها، يتواجه الفريقان المدافع والمهاجم بحيث يقف كل لاعب على رجل واحدة ويمسك رجله المرفوعة بيده. ويردد اللاعبون أثناء اللعبة أغنية تقول: "لعاب اللكد ما فيه خير شل رجله وسار يطير".

"ختم عشرين": لعبة تقليدية يلعبها فريقان يتكوّن كل منهما من حوالي أربعة لاعبين، في مربع واسع يُرسم مربع صغير في كل زاوية من زواياه ودائرة في وسطه.

وهناك الكثير من الألعاب الشعبية المتوارثة في المجتمع العُماني أبًا عن جد، متنوعة في أفكارها مما يعكس تنوع البيئة العُمانية من جبال وسواحل وعلى الوعي بالثقافة العُمانية في محافظات وولايات سلطنة عُمان، "الحواليس" و"حبوه مو تدوري" و"اليوس".

جهود حكومية

للألعاب الشعبية التقليدية نصيب من الاهتمام باعتبارها جزءًا مهمًا من الموروث العُماني التليد والحضاري العريق، وتتمثل هذه الجهود من خلال حرص الجهات المعنية بالتراث والثقافة على تنظيم الفعاليات والمحافل التراثية ودعم المبادرات المجتمعية لإبراز هذا التراث العُماني التي تتشارك الهدف ذاته، وهو إحياء ثقافة هذه الألعاب التقليدية وتعريف الجيل العُماني الجديد بها، لما لها من دور كبير في غرس القيم الاجتماعية والتربوية وإبرازها. إذ تم في سبتمبر الماضي إطلاق المبادرة الرقمية الأولى لإحياء الألعاب الشعبية العُمانية بجهود من مركز ثقافة الطفل التابع لوزارة الثقافة والرياضة والشباب، وهي مبادرة رقمية تعد الأولى من نوعها في سلطنة عُمان في مجال توظيف الألعاب الشعبية العُمانية ضمن بيئة رقمية حديثة، وذلك في إطار الجهود لصون التراث الثقافي غير المادي وتعزيز حضوره للأجيال الناشئة، بالإضافة إلى توظيف التقنيات الحديثة في إعادة إحياء التراث الثقافي العُماني من خلال تطبيق الألعاب الشعبية العُمانية. كما أن هناك العديد من المسابقات والبطولات في هذا المجال تتضمنها مختلف المهرجانات والفعاليات والمحافل، نذكر منها بطولة أندية مسقط للألعاب التقليدية التي شهدت اهتمامًا ومشاركة واسعة من قبل الشباب العُماني الذي بدوره يعكس تفاعل المجتمع لهذا الحراك الذي يخدم توجهات "رؤية عُمان 2040" الممثلة في غرس قيم المواطنة والاعتزاز بثقافة سلطنة عمان من خلال الحفاظ على ممارسة الألعاب التقليدية، وكذلك بطولة الأندية للألعاب التقليدية العُمانية ضمن فعاليات موسم خريف ظفار 2025 وهدفت هذه البطولة إلى تعريف الزوار والسياح بالإرث الحضاري والثقافي والرياضي المتمثل في الألعاب والرياضات التقليدية العُمانية، بالإضافة إلى إقامة أنشطة تُسهم في المحافظة على الألعاب والرياضات التقليدية من حيث مفاهيمها وطرق ممارستها، وملتقى الرياضات والألعاب الشاطئية والبحرية الذي يُقام في الولايات الساحلية العُمانية.

ألعاب تقليدية رقمية

أحد أبرز المشروعات الشبابية التي أظهرت الارتباط المجتمعي بالتراث العُماني هو تحويل ألعاب شعبية عُمانية باستخدام الأدوات الرقمية إلى ألعاب إلكترونية. وكانت الفكرة قد وُلدت من قبل مركز ثقافة الطفل التابع لوزارة الثقافة والرياضة والشباب وكانت المبادرة الرقمية الأولى من نوعها، حيث جاءت هذه المبادرة لدمج التطور الرقمي بالاهتمام بالتراث الشعبي وذلك في التفكير في تحويل الألعاب الشعبية العُمانية إلى ألعاب رقمية تجمع بين الأصالة والتقنية، فتصبح متاحة بأسلوب تفاعلي يحافظ على هويتها، ويجعلها أكثر جذبًا للأطفال والشباب في عصر التكنولوجيا.

وحول مشروع تحويل الألعاب الشعبية إلى لعبة إلكترونية رقمية قال أسامة الشعيبي عضو في فريق الحصن القائم على المشروع: "هذا المشروع هو رسالة عميقة تتعلق بالحفاظ على الهوية العُمانية وإحيائها في عالم سريع التغيير والتطور التكنولوجي، وتنتشر فيه الألعاب العالمية الرقمية التي تُشكّل وعي الجيل الجديد، إذ كان لا بد من المحافظة على الألعاب الشعبية التي كانت يومًا ما جزءًا أساسيًا من الطفولة العُمانية والذاكرة المجتمعية، وكان الهدف الأسمى من هذا المشروع هو خلق جسر يصل بين الماضي والحاضر بين الأصالة والحداثة؛ بحيث يعيش الطفل اليوم تجربة ممتعة تواكب التقنيات الحديثة، وفي الوقت نفسه يتعرّف على جزء من ثقافته وهُويته".

إرث عبر الأجيال

يشارك هديب بن سالم الغداني حديثه عن الألعاب الشعبية في الزمن القديم ويقول: "لطالما كانت الألعاب الشعبية جزءًا مهمًا من يومنا، فهي ليست وسيلة للتسلية فحسب بل هي إرث توارثناه عن آبائنا، فكنا نجتمع بعد صلاة العصر في ظل أشجار الغاف أو السدر أو النخيل أو في الساحات الواسعة لنمارس هذه الألعاب، إذ أصبحت ممارسة الألعاب الشعبية في عصر كل يوم جزءًا مهمًا من حياتنا، كنا نلعب باستخدام أدوات بسيطة إذ كنا نصنع الكرة من أدوات البيئة ونعتمد على العصي في تخطيط الملعب على التراب، بمعنى أننا لم نكن في هذا التطور الذي يشهده العالم اليوم، ولكننا عرفنا نصنع ألعابًا بسيطة ومتواضعة تُدخل في قلوبنا الفرح والسرور والغبطة، كما حرصنا على نقلها لأبنائنا إذ نستغل التجمعات العائلية في لعب هذه الألعاب".

ويضيف: "في اليوم الحاضر جميل ما نراه من حرص المعنيين في سلطنة عُمان على استمرار الألعاب الشعبية حتى في ظل التطور التقني والإلكتروني، إذ أننا نرى إقامة فعاليات ومهرجانات ومسابقات تبرز هذا التراث العريق وتُساهم في تعريف الجيل الجديد على هذه الألعاب المرتبطة بعادات الماضي، وإن دلّ هذا على شيء فإنه يدل على أن الألعاب الشعبية كما أسلفت ليست مجرد وسيلة تسلية وترفيه إنما هي جزء من الهوية والثقافة العُمانية".

من جانبها تقول ندى بنت سالم السوطية: "نحن الأمهات نقضي وقتًا أكثر مع أبنائنا الأطفال ونرى كيف أن الأجهزة الإلكترونية أصبحت هي وسيلة التسلية الأقرب إلى قلوبهم، لذا أصبحت حريصة أكثر على تعليم أطفالي الألعاب الشعبية التي لعبناها عندما كنا صغارًا، مثل لعبة العنبر والصياد وغيرها من الألعاب التي لا تُعد ولا تُحصى، ولأنني أفضّل أن يقضي أبنائي معظم وقتهم في الألعاب الشعبية الجماعية بدلًا عن قضائها أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية التي تعزلهم عن محيطهم وتقلل من تفاعلهم الاجتماعي، وذلك لسببين الأول باعتبار الألعاب الشعبية جزءًا من هويتنا وثقافتنا العُمانية وثانيًا كونها ألعاب تضم قيمًا سامية عند لعبها، فهي ألعاب جماعية تُغرس في نفوس الأطفال روح التعاون والقناعة بالبساطة، كما أنها تُنمّي مهارات التواصل والتفكير السريع لديهم وفي الوقت ذاته تُنمّي فيهم الانتماء وحب التراث العُماني".

ويشارك الطفل ماجد بن علي اليزيدي حديثه حول الألعاب الشعبية بقوله: "عندما علّمني والدي عن الألعاب الشعبية التي كانوا يلعبونها لم أكن متحمسًا لمعرفتها وممارستها، ولكن بعد أن أراني مقاطع مرئية عن هذه الألعاب اشتعل فيّ الحماس لتعلمها، وحكيت عنها لأصحابي كونها ألعاب تحتاج إلى مجموعة من اللاعبين، وشعروا بنفس شعوري وأصبحنا نلعب هذه الألعاب ونحن مليئين بالطاقة والحيوية، نعم لا أخفي أنني ألعب الألعاب الإلكترونية ولكن لا مجال للمقارنة بينها وبين الألعاب الشعبية من حيث المتعة والضحك والنشاط البدني، وما يزيدني سرورًا هو أنني ألعب ألعابًا لعبها والدّاي في صغرهم".

ويقول الطفل الآخر تركي بن أسعد الجابري: "الألعاب الشعبية كلها بلا استثناء جميلة وممتعة لكني شخصيًا أفضّل لعبة الصياد فهي الأقرب إلى قلبي، فيها أُنمي أكثر من مهارة كالتركيز وسرعة البديهة بالإضافة إلى ممارسة نشاط الركض، ودائمًا تتخلل أوقات اللعب ضحكات عالية مما يدل على شعورنا بالمتعة والسعادة بممارسة هذه الألعاب، كما أن الألعاب الشعبية تجعلنا نتفاعل مع البيئة المحيطة فنحن نلعب في الساحات الواسعة وتحت الأشجار على التراب لا نتقيد بمكان أو بمواصفات معينة للملعب، وأصبحنا نستغل وقت توفر المكان والصحبة للعب هذه الألعاب الشعبية القديمة العُمانية".

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه الألعاب التراث الع ألعاب ا من خلال ع مانیة مانی ا

إقرأ أيضاً:

هيئة البيئة ومدرسة الحايمة تحتفلان بيوم الزراعة العُماني

 

الرؤية- ناصر العبري

احتفلت هيئة البيئة بمحافظة شمال الشرقية بالتعاون مع مدرسة الحايمة للتعليم الأساسي بولاية إبراء بيوم الزراعة العُماني، من خلال تنظيم فعالية توعوية حملت عنوان "المزارع الصغير"، هدفت إلى غرس القيم البيئية لدى الطلبة وتعزيز أهمية الزراعة والمحافظة على الموارد الطبيعية.

وتضمّنت الفعالية عدة أنشطة بيئية، أبرزها توزيع واستزراع شتلات برية في موقع سد وادي قفيفة، وذلك في إطار التعريف بالمبادرة الوطنية لزراعة 10 ملايين شجرة برية، والتي تسعى إلى زيادة الرقعة الخضراء ودعم التوازن البيئي.

وشملت الفعالية ورشة رسم وتلوين حول "الشجرة وأهميتها"، إلى جانب تنفيذ حملة لتوزيع أكياس صديقة للبيئة على الطلبة، وتوزيع مجموعة من الإصدارات التوعوية التي تسلط الضوء على السلوكيات البيئية الإيجابية.





 

مقالات مشابهة

  • ضوابط وضع الملصقات على المركبات بمناسبة اليوم الوطني العُماني
  • دببة مفخخة.. الاحتلال يستلهم طريقة سوفيتية قديمة لمواصلة قتل أطفال غزة
  • Anbernic تطلق جهاز الألعاب RG DS ثنائي الشاشة بتجربة تحاكي نينتندو
  • هيئة البيئة ومدرسة الحايمة تحتفلان بيوم الزراعة العُماني
  • من الجيزة لـ الفيوم.. القبض على المتهمين بحيازة مليون و300 ألف قطعة ألعاب نارية
  • ليبيا تشارك في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية للصم في منافسات ألعاب ‏القوى والكاراتيه‎ ‎
  • ضبط شخصين بحوزتهما أكثر من مليون قطعة ألعاب نارية بالقاهرة والفيوم
  • قبل بيعها بالأسواق .. ضبط مليون قطعة ألعاب نارية بالقاهرة
  • أمازون تُغلق ملف New World وسط موجة تسريحات جديدة