النساء في العمل الزراعي .. أجور زهيدة وقوانين مغيبة
تاريخ النشر: 25th, December 2023 GMT
حضرموت((عدن الغد )) قيس الدوعني
تُجلب مئات النساء صباح كل يوم في أسطح سيارات مكشوفة للعمل في المزارع بوادي حضرموت حيث يقمن بمهام كثيرة لا سيما في مواسم الحصاد وكذا إزالة الحشائش التي تعيق نمو المحاصيل الزراعية وغرس شتلات البصل والثوم وجني ثمارها وتنقية التمور من الشوائب العالقة به وغيرها من الأعمال الأخرى.
تستمر ساعات عمل النساء من السادسة صباحا حتى الثانية عشر ظهرًا بمقابل مادي يتراوح من 1500 إلى 2000 ريال وقد يصل 4000 ريال على أكثر تقدير بينما يصرف للرجل الذي يعمل في نفس العمل مبلغ ضعف لما يُمنح للمرأة .
الواقع المعيشي الصعب أجبر الكثير من النساء وخصوصا الكبيرات في السن للعمل في القطاع الزراعي والذي لا تنظمه أي قوانين ولا يخضع لأي جهات رقابية وليس فيه ضمانات لجوانب السلامة المهنية.
تقول أم عوض (55 عامًا): أنها تضطر للعمل في المزارع لإعالة أسرتها والإيفاء بمتطلبات تجهيز بناتها للزواج خصوصا في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلد في ظل تبعات الحرب والانهيار المتسارع للعملة وانعدام الأعمال.
وعللت قبولها بالعمل بأجر أقل حتى تضمن فرصة عمل "حيث أن جلوسنا دون عمل هو خسارة أكبر".
تضيف أم عوض: "عملت مؤخرا في غرس شتلات البصل بأجر 4000 ريال وهو أعلى أجر استلمته منذ بدأت العمل في هذا المجال وفي المقابل يعمل معنا في الحقل وفي العمل وبالتوقيت ذاته رجلان ولكن يتقاضى كل واحد منهم سبعة آلاف ريال".
الكثير من النساء كبيرات السن يلجأن لكسب لقمة عيشهن في أعمال زراعية مؤقتة لدى ملاك الأرض الزراعية كونها السبيل الوحيد الذي تُتاح لهن فرص العمل فيه ويقبلن بأي مقابل مادي، أم صالح من منطقة دمون بمديرية تريم (66عاما) تقول: نذهب في السادسة صباحا حتى الثانية عشر ظهرًا، وكل ما يكتبه الله لنا نرضى به".
تشير أم صالح أن الأجرة الممنوحة لهن تتراوح ما بين 1500 إلى 2000 ريال يمني، ويضاف إليها علف لمواشيهن، وأحيان أخرى بعض المحاصيل الزراعية.
في منطقة (السويري) التي تحتضن مساحات زراعية شاسعة وتبلغ نسبة النساء المشتغلات في الزراعة حسب تقديرات بعض المهتمين بالمنطقة ما يقارب 80 %، هذه النسبة الكبيرة استغلها ملاك الأرض الزراعية في خفض الأجر اليومي للعاملات.
تقول نعيمة (60 عاما): "إذا طالبنا بزيادة يتحجج الملاك بأن هذا الأمر سيثير غضب الملاك الآخرين وخصوصا أصحاب المزارع الصغيرة لأنهم يحملهم أعباء كبيرة حسب زعمهم وبسبب وجود نساء كثيرات بحاجة ماسة للعمل فمالك الأرض يقول: "إذا ما بتعملي بهذا الأجر غيرك سيعمل).
فاطمة النوبي رئيسة اتحاد نساء اليمن بوادي حضرموت تعلق على القضية بالقول: "التقيت بالعديد من النساء العاملات في القطاع الزراعي وأبدين عدم الرضا على الأجور الممنوحة لهن ولديهن خوف شديد من الاستغناء عنهن في حال مطالبتهن بزيادة الأجر ".
وتوضح النوبي بأن قانون العمل لم يشمل هذه الفئة من النساء العاملات وهناك تهاون في أبسط حقوقهن حيث يتم نقلهن للعمل في سيارات مكشوفة معظمها قديمة ومتهالكة ويتعرضن لأخطار كثيرة حيث تعرضت بعض النساء للسقوط من السيارة وتعرضن لإصابات، حد قولها، وتؤكد على ضرورة مساندة هذه الفئة التي أرغمتها ظروف الحياة القاسية على العمل تحت وطأة هذا الواقع المرير.
في منطقة بور إحدى ضواحي مديرية سيئون بوادي حضرموت تنشط جمعية البدر النسوية في مناصرة قضايا المرأة، ترى منى سالم محيور رئيسة الجمعية أن ظروف الحياة القاسية أجبرت العديد من النساء على للقيام بأعمال حقلية في المزارع حتى لا يجبرن على التسول أو اتباع طرق غير مشروعة وهن مضطرات للقبول بالأجر الزهيد خوف الاستغناء عنها مشيرة إلى عدم وجود كيان نقابي يدافع عنهن وعن حقوقهن.
تكشف محيور عن تنفيذ الجمعية لمشروع دعم حقوق المرأة والحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بالشراكة مع منظمة البحث عن أرض مشتركة وبتمويل الاتحاد الأوربي حيث تم تسليط الضوء على هذه المظلومية بمشاركة السلطة المحلية ومكاتب وزارة الزراعة والشؤون الاجتماعية والعمل والاتحادات النقابية والجمعيات الزراعية والإعلاميين والناشطين والحقوقيين والمؤثرين في المجتمع.
وخرج المشروع بتوصيات مهمة لازلنا نتابع الجهات ذات العلاقة في تنفيذها، منها تأسيس لجان زراعية نسوية في مناطق بور وتاربة ومدودة بمديرية سيئون تمثل العاملات وتطالب بحقوقهن لدى أرباب العمل وإيصال صوت المرأة الريفية العاملة في القطاع الزراعي إلى صنّاع القرار للمطالبة بحياة كريمة وتوفير التأمين الصحي والاجتماعي وتحسين بيئة العمل تقديرا لدورها في التنمية الاقتصادية.
ورفع توصية للسلطة المحلية ومكتب وزارة الشئون الاجتماعية والعمل لإعادة النظر في المادة 3 من قانون العمل التي حرمت عدد من فئات العاملين بمن فيهم العاملين والعاملات في القطاع الزراعي من الحصول على حقوقهم إسوة ببقية العاملين في القطاع الخاص كما أوصى المشروع بتوفير عدد من المنح المالية للعاملات الزراعيات من قبل الجمعية لمساعدتهن في إقامة مشاريعهن الخاصة المدرة للدخل.
وعن جوانب السلامة المهنية تتحدث منى محيور بالقول: "العاملات الزراعيات يتحملن أعباء العمل الشاق والحر الشديد في فصل الصيف والبرد القارس في الشتاء ولا حماية يوفرها أرباب العمل من مخاطر المبيدات ولدغات الحشرات ولا وسائل مواصلات جيدة ولا رعاية صحية في حال اصابتهن أثناء العمل ناهيك عن الحقوق المالية.
الباحث في القضايا السكانية وعضو هيئة التدريس بجامعة حضرموت الأستاذ الدكتور رزق سعد الله بخيت يعلق على القضية بالإشارة أولا إلى الدور المحوري للمرأة باعتبارها عنصرًا أساسيا في قوة العمل الزراعي وأن الدورة الزراعية لبعض المحاصيل من بدايتها حتى نهايتها إن لم يكن معظمها تقوم بها المرأة مثل البصل والطماطم ويترتب على ذلك من الناحية النظرية ارتفاع أجور المرأة العاملة في الزراعة لكن الواقع عكس ذلك فهناك انخفاض في أجور النساء حيث أن الخلل يرتبط باستغلال الظروف المعيشية للنساء.
ويشدد باحث القضايا السكانية على ضرورة تغيير هذا الوضع من خلال تدخلات السلطة المحلية والمجتمع بمساعدة أئمة المساجد لأن الجهد المبذول والزمن للمرأة العاملة هو نفسه الذي يقوم به الرجل فلماذا هذا التباين في الأجور ولابد أن تسود العدالة بدلا من استغلال الظروف.
المحامي أحمد عبد الله باحشوان مدير عام مكتب وزارة الشئون الاجتماعية والعمل بوادي حضرموت يوضح أن القانون رقم (5) للعام 1995 قد استثنى عمل الأشخاص الذين يعملون في المراعي أو الزراعة من تطبيق احكام هذا القانون وجاء ذلك بنص المادة (3).
ويضيف باحشوان أن ذلك لا يعني أنه لا توجد نظم وتشريعات تنظم علاقة المشتغلين في هذا العمل ومشغليهم وفقا ومبادئ الشريعة الإسلامية وقواعد العدالة والقانون المدني حيث أن بعض الدول سنت تشريعات خاصة بهم وليس من ضمنها اليمن. معتبرًا أن ذلك لا يعني إهدار حقوق المشتغلين وعدم مساواتهم بسبب الجنس أو النوع فالمساواة مبدأ أساس من مبادئ الدين الإسلامي المستمدة منه القوانين النافذة ومنها القانون المدني والتي نظمتها أحكام المواد (778) إلى (832) الخاصة بعقد العمل إضافة إلى القوانين الخاصة لبعض المهن وما صدر من قرارات مجلس الوزراء.
ويؤكد المحامي باحشوان أن القانون اليمني كفل للمرأة مساواتها في الأجور وغيرها من الحقوق التي نصت عليها المادة (42) إضافة إلى القواعد الدولية التي وضعتها منظمة العمل الدولية ضمن الاتفاقات الدولية التي تساوي بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات في العمل وفي الأعمال المماثلة ومن تلك الاتفاقيات الاتفاقية رقم (100) لسنة 1951 والتي تنص على تساوي أجور العمال والعاملات عند تساوي العمل والمصادقة عليها بلادنا وهذا كله يكفي لتأكيد بطلان التعاملات المختلفة في أجور العمل بين الرجال والنساء وعدم مساواتهم في الأجور للمشتغلين في الزراعة وهم يؤدون نفس العمل .
يواصل المحامي أحمد باحشوان توضيحاته القانونية لهذه القضية بالإشارة إلى التشريعات والقوانين السارية أعطت للمرأة خصوصية انطلاقا من المفهوم الإسلامي المتوافق مع التقاليد الاجتماعية ومنها قانون العمل النافذ الذي اكد على مساواة المرأة بالرجل في كافة شروط العمل وحقوقه وواجباته في المادة (42) وأعطى للمرأة مراعاة نصت عليها المواد ( 47 – 43) من قانون العمل بالنسبة لساعات عمل المرأة الحامل ومنع تشغيل النساء ليلا كل ذلك تأكيدا لدورها في المجتمع مع تأكيد مساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات ومنها الأجور والمنع المطلق لانتهاك هذا المبدأ والمساس به مع إيجاد ضمانات تكفل صيانته والمحافظة عليه وتعرض كل من يخالفه للمحاسبة القانونية مختتما بأهمية إشاعة وخلق ثقافة قانونية لدى المعنيين وفهم الحقوق والواجبات والطرق والوسائل القانونية المناسبة للحصول عليها وحمايتها ومنها القضاء المدني .
*تم إنتاج هذه المادة ضمن مخرجات برنامج التغطية الإعلامية الجيدة لقضايا الصحة الإنجابية والعنف القائم على النوع الاجتماعي الذي ينفذه مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي بالشراكة مع صندوق الأمم المتحدة للسكان.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: فی القطاع الزراعی بوادی حضرموت قانون العمل من النساء للعمل فی
إقرأ أيضاً:
الحل الآن أقرب لقضية النجد الزراعي
د/ عبدالله باحجاج
هناك حراك إيجابي ورؤية مستقبلية متجددة لمنطقة النجد الزراعية بولاية ثمريت بمحافظة ظفار، وستشهد مشاريع تحتية وفوقية كمصانع غذائية وإقامة كيانات حكومية كبيرة في النجد… وتتوفر لها إرادة تنفيذية قوية نلمسها في لقاءات وزارية معنية بالملف الزراعي في النجد بصورة مباشرة في مسقط، ولقاءات أخرى بين سلط تنفيذية حكومية محلية مع المزارعين في ثمريت.
وسيعقد لقاء للفريق الوزاري نفسه قريبا في ثمريت، في وقت تم الكشف فيه عن إنتاج القمح المحلي لموسم 2024- 2025 بأكثر من 10 آلاف طن، بقيمة تسويقية تصل إلى 3 ملايين و38 ألفا و502 ريال عماني، موزعة كالتالي: ظفار 7723 طنا، والظاهرة 1118 طنًا، والداخلية 877.185 طن.. فيما تبلغ قيمة الأصول التراكمية في منطقة النجد حوالي 190 مليون ريال عماني.
وحجم مساهمة النجد الزراعي في إنتاج القمح المحلي، وفي إيرادات الدولة بعد نجاحه في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكثير من الفواكه والخضار، وكذلك تحويله إلى مصدر دخل للكثير من المواطنين مع أبنائهم يعد -أي النجد- أكبر المناطق في بلادنا المؤهلة للزراعة لتحقيق الاستراتيجية الوطنية لأمننا الغذائي، وتوفير فرص عمل متعددة.
لكن، تظل قضية الحيازات الزراعية في النجد قائمة، رغم أن هناك توجيهات سامية بضرورة الاستعجال في حلها منذ 22 فبراير 2021، فأين وصلت؟ هناك جهود كبيرة بذلت، وتوصلت لرؤى مهمة يمكن البناء عليها، وعوضا عن ذلك، فقد وضع المزارعون في زاوية حادة جدا، وهى عدم التمليك، والبديل هو خيار الانتفاع بالرسوم، وفي اجتماع المسؤولين مع المزارعين في ثمريت حددت مهلة زمنية قصيرة لتوقيع عقود الانتفاع وإلا...! وهذه ليست إدارة مثالية لمثل هكذا قضايا ذات حمولات اجتماعية وأبعاد وطنية وتاريخية، ومن زاوية جهوية استراتيجية، فهل إذا ما انتهت المهلة سيتم سحب المَزارع من المزارعين وتسليمها لغيرهم؟ هل بهذه البساطة يمكن حل القضية خاصة مزارع حصر ٢٠٠٩؟
ربما السلطة التنفيذية المحلية لم تذهب إلى الفهم العميق لما خرج به لقاء مسقط الوزاري، وهو مساواة "حق التمليك بحق الانتفاع في مزارع النجد" ومنها نرى الحل الذي ينبغي تسويقه للمزارعين.
والحل كنت قد أرسلته كمبادرة مني لمكتب محافظ ظفار، لتسليمه لصاحب السمو السيد محافظ ظفار، وفيه وضعت مقاربة متوازنة للحل، وهي: قبول عدم التمليك والتسليم بحق الانتفاع مقابل إلغاء الرسوم وإلغاء أو تخفيض فواتير الكهرباء المتراكمة على المزارعين، وتقديم تسهيلات لهم من بنك التنمية، وهذا يعني شيء مقابل شيء ولو في حده الأدنى للمزارعين، ونراهن كثيرا على هذا السيناريو، ونراه مخرجا للقضية بعدما تم وضعها في زاوية حادة جدا.
والحل المقترح نبنيه من رؤية اللقاء الوزاري الذي نراه انفتاحا إيجابيًا لحل القضية، لكن تطبيقه لم يكن مسايرا لهذا الانفتاح الإيجابي، وندعو اللقاء الوزاري المقبل في ثمريت تبنيه، فالتنازل عن الرسوم مقابل ما يحققه المزارعون من إعجاز زراعي للوطن قليل في حقهم، فهم وراء حالة الاطمئنان الوطنية لأمننا الغذائي، فقد كان لهم ولآبائهم السبق في اقتحام الصحراء لزراعتها، واستخرجوا منها الماء بإمكانياتهم المتواضعة جدا، وهم من أداروا بوصلة الدولة والشركات للنجد لزراعته، والبلاد الآن تنعم بخيرات النجد المتعددة، ويسودها سيكولوجية الاطمئنان في ظل أي أزمات مقبلة، إضافة إلى أن هذا الحل سيحل القضية العالقة من عدة سنوات.
رابط مختصر