موازنة البنتاغون… حروب وقائية أم عادلة؟
تاريخ النشر: 28th, December 2023 GMT
الجمعة الماضي وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن «مشروع قانون السياسة الدفاعية الأميركي، ليصبح بذلك قانوناً».
مبلغ الموازنة التي يتضمنها التشريع يُعدّ قياسياً، لا سيما في زمن السلم، ويفتح الباب واسعاً للتساؤل: هل تتجهز الولايات المتحدة لحروب حقيقية، وليس مجرد سباق تسلح؟
886 مليار دولار، أي قرابة التريليون، هذا هو الرقم المعلن، ولأصحاب التأويلات الأخرى، ومنها فكر المؤامرة، أن يشاغبوا الأرقام السرية للبرامج غير المعلن عنها، وهي حاضرة في كل الأحوال.
تريليون دولار، للدفاع في جمهورية مدينة بنحو 33 تريليون دولار؛ ما يحملنا على التساؤل: هل تهرب واشنطن إلى الأمام عبر المزيد من الحروب، كملاذ أخير قبل زمن الأفول الإمبراطوري التقليدية للقوى العظمى؟
يستلفت النظر أول الأمر الإجماع الواضح على حاجة أميركا إلى مزيد من العسكرة والتسلح؛ فقد وافق مجلس الشيوخ بـ87 صوتاً في مقابل 13، ومجلس النواب بـ310 أصوات مقابل 118، في زمن أظهرت فيه البيانات السنوية الصادرة في نهاية عام 2022 عن مكتب الإحصاء الأميركي، أن معدل الفقر ارتفع إلى 11.6 في المائة عام 2021، من 11.5 في المائة عام 2020.
ووفقاً للبيانات، هناك 37.9 مليون شخص يعانون الفقر في 2021، بزيادة نحو 3.9 مليون شخص عن عام 2019.
لا تبدو مسألة «العدالة الاجتماعية» أمراً مقلقاً لطغمة الجنرالات، ما دام أن الموازنة تكفل لأميركا معياراً فائقاً من القوة ولو كانت منفلة.
ما سر هذه الموازنة؟ يبدو الأمر في غير حاجة إلى أسرار مخبأة، أو أحاجٍ مدفونة في بطون التقارير السرية.
ربما نجد جواباً شافياً وافياً على لسان كاثلين هيكس، نائبة وزيرة الدفاع الأميركي، وعندها أن «أعظم قياس لدينا للنجاح، والذي نستخدمه هنا في أغلب الأحيان، هو التأكد من أن قيادة جمهورية الصين الشعبية، تستيقظ كل يوم وتفكر في مخاطر العدوان، وتنتهي إلى أنه لن يصلح القيام بعدوان اليوم».
الرسالة عينها جاءت على لسان السيناتور جاك ريد، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، والذي رأى «هذا الطلب الأعلى نقطة انطلاق مفيدة».
هل نجحت الصين بنوع خاص في دفع الولايات المتحدة لجهة سباق تسلح تقليدي أو نووي؟… بمعنى: هل يكرر التاريخ ذاته، حين قادت واشنطن، موسكو، في مسيرة مماثلة أدت إلى انتكاسة سوفياتية محققة؟
يكاد المرء يؤمن بذلك، سيما بعدما رصدت الأقمار الاصطناعية عمليات بناء في صحراء شمالي غرب الصين، وعلى بعد عميق للغاية، في المكان الذي أجرت فيه عام 1964 أول تجربة نووية لها؛ ما ولد قناعة بأن بكين تخطط لإجراء تجارب مماثلة، وهو ما يكاد يتسق مع المعلومات الاستخبارية الأميركية، حول سعي الصينيين لامتلاك نحو ألف رأس نووية، بحلول عام 2030.
يتفهم المر شعور واشنطن بالقلق من أن الصين قد تتفوق عليها عسكرياً عند نقطة زمنية مستقبلية، غير أن هذا لا يعني أن الصراع مع روسيا لم يكن له موضع أو موقع في تلك الموازنة.
ضمن موازنة 2024 للبنتاغون، 145 مليار دولار مخصصة لتطوير أسلحة جديدة، مثل الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي تطلق في الغلاف الجوي العلوي، ويمكنها تفادي أنظمة الرادار، حتى وإن كانت متقدمة.
تبدو روسيا بدورها ذات يد طولى في إقرار هذه الموازنة، لا سيما بعد التجارب الحية لأسلحتها فرط الصوتية في مواجهاتها المفتوحة مع أوكرانيا.
في أول خطاب له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2021، تحدث بايدن عما سماه «نهاية زمن الولع الأميركي بالحروب»، وأردف بالقول: «الولايات المتحدة لن تواصل التعامل مع القوة العسكرية بوصفها حلاً لكل مشكلة تواجهها حول العالم في ما هو قادم».
بدا وكأن بايدن، يتطلع لأن تقود بلاده العالم بالمثل والقدوة، وإن كانت قدوة قوية وليست ضعيفة، غير أن موازنة من هذا النوع تعيدنا قسراً إلى دائرة مفاهيم الردع بالقوة لا بالمثل والأخلاق؛ ما يعني أن الاستخدام الجزافي للقوة الأميركية، من الوارد جداً، أن يعود كسمة مميزة لفنون الحكم الأميركي، والعهدة هنا على مجلة «الفورين آفيرز» الأميركية ذائعة الصيت.
في أول ميزانيتين له، تجاهل بايدن تعهداته الخاصة بحملته الانتخابية ومنصة الحزب الديمقراطي 2020 التي دعت إلى تقليل الاعتماد المفرط على الأسلحة النووية.
اليوم، تمضي إدارة بايدن قدماً في تضمين التمويل لجميع الأرجل الثلاث للمثلث النووي الإستراتيجي، إضافة إلى سلاحين تكتيكيين جديدين.
من المستفيد الأول من موازنة 2024؟
يسأل عن ذلك «اللهو الخفي الأميركي»، ذاك المتمثل في «لوكهيد مارتن» و«رايثيون تكنولوجيز» و«بوينغ»، و«نورثروب غروفان»، وبقية أضلاع مثلث المجمع الصناعي العسكري، سيما بعد تم استرضاء العسكريين بزيادة 5.2 في المائة على رواتبهم.
هل نحن على مقربة من حروب وقائية استباقية أميركية جديدة، أم أن واشنطن تدنو من جديد من حدود «الحرب العادلة» Bellum Iustum، بمبناها ومعناه «الأوغسيطيني» والاختباء خلف ذريعة إقامة السلام العادل؟
من الحروب الوقائية إلى العادلة، تنفتح مسارات لفوضى خلاقة معولمة، قبل نهاية الأسطورة.
*نشر أولاً في الشرق الأوسط
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقف
عملية عسكري او سياسية اتمنى مراجعة النص الاول...
انا لله وانا اليه راجعون ربنا يتقبله ويرحمه...
ان عملية الاحتقان الشعبي و القبلي الذين ينتمون اغلبيتهم الى...
مع احترامي و لكن أي طفل في المرحلة الابتدائية سيعرف أن قانتا...
مشاء الله تبارك الله دائمآ مبدع الكاتب والمؤلف يوسف الضباعي...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: البحر الأحمر فی الیمن
إقرأ أيضاً:
تحت رعاية خالد بن محمد بن زايد… الدورة الثالثة من أسبوع أبوظبي المالي تعقد فعالياتها في ديسمبر
تحت رعاية سموّ الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، يستضيف سوق أبوظبي العالمي فعاليات «أسبوع أبوظبي المالي» في دورته الثالثة تحت شعار «أهلاً بكم في عاصمة رأس المال» في الفترة من 9 إلى 12 ديسمبر 2024.
ويستكشف الحدث المالي في أبوظبي من خلال موضوعه الرئيسي أهمَّ عوامل الجذب والمقوّمات المميّزة للإمارة، ويسلِّط الضوء على تنامي دورها كمركزٍ ماليٍّ رائدٍ في المنطقة، ووجهة مفضَّلة لكبرى المؤسَّسات المالية العالمية.
ويستعرض أسبوع أبوظبي المالي لعام 2024 الفرص الناتجة عن تدفُّقات رؤوس الأموال، وتوافر الكفاءات والمواهب والتقنيات الحديثة في أبوظبي، والابتكارات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والإبداع.
ورسَّخت أبوظبي مكانتها مركزاً مالياً محورياً يحتضن مجموعة من أكبر الصناديق السيادية في العالم، والمؤسَّسات المالية العالمية الرائدة التي اختارت سوق أبوظبي العالمي ليكون بوابة لها للنمو والتوسُّع في المنطقة.
وشهد قطاع التكنولوجيا في الإمارة تطوُّراً لافتاً، بزيادة عدد الشركات الناشئة، والاستثمارات الاستراتيجية في التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي وتقنية البلوكتشين، وإطلاق المبادرات والنُّظُم المتكاملة القائمة على التكنولوجيا. وأثمر هذا النمو عن ترسيخ مكانة أبوظبي مركزاً إقليمياً للابتكار وريادة الأعمال مدفوعاً بالابتكارات التكنولوجية، واجتذاب المواهب والاستثمارات من العالم.
وتتناول الدورة الثالثة من أسبوع أبوظبي المالي دور أبوظبي في ريادة جهود تكامل هذه المقوّمات، لتعزيز تطوُّر اقتصاد الصقر في الإمارة.
وقال معالي أحمد جاسم الزعابي، رئيس دائرة التنمية الاقتصادية – أبوظبي، رئيس مجلس إدارة سوق أبوظبي العالمي: «تواصل أبوظبي ترسيخ حضورها القوي ومكانتها المتميِّزة كمركزٍ إقليميٍّ ودوليٍّ لقطاعات الخدمات المالية والتكنولوجيا والتعليم والضيافة والرعاية الصحية والسياحة والتجارة والصناعة والذكاء الاصطناعي، ومختلف أنواع الأنشطة الاقتصادية، تماشياً مع رؤية العاصمة التي تركِّز على التنويع الاقتصادي كأولوية أساسية. وتشكِّل هذه التحوُّلات البارزة مرآةً لمقوّمات أبوظبي وعوامل القوة والجذب فيها، وتعكس ثقافة المبادرة وروحية الابتكار المدفوعة بنخبة من أصحاب الخبرات والمواهب المتخصِّصة والطموحة. ومن المرتقب أن يغطّي برنامج أسبوع أبوظبي المالي 2024 جميع هذه الجوانب، ومنها الدور المحوري للذكاء الاصطناعي، والتي تُسهم على نحو متكافئ في صعود مفهوم اقتصاد الصقر، وتعزيز مكانة أبوظبي ودورها المحوري عاصمةً لرأس المال».
يُذكَر أنَّ أسبوع أبوظبي المالي حقَّق في عام 2023 نجاحاً كبيراً، باستقطاب أكثر من 18,000 زائر خلال أربعة أيام، جاء 39% منهم من خارج الدولة، ومن بينهم أكثر من 3,500 من كبار قادة القطاع المالي من أهمَّ المؤسَّسات العالمية وخبراء القطاع وصنّاع السياسات، والجهات التنظيمية والمستثمرين والمصرفيين.
وشهد أسبوع أبوظبي المالي في دورة 2023 إعلان 14 مؤسَّسة مالية كبرى يديرون مجتمعين أصولاً تبلغ قيمتها 452 مليار دولار، عن خططهم لتأسيس عمليات جديدة لهم في سوق أبوظبي العالمي. ما يدل على مكانة سوق أبوظبي العالمي كمركزٍ ماليٍّ دوليٍّ، ويؤكِّد الجاذبية المتزايدة سريعاً لأبوظبي وسط القطاع المالي العالمي. ومن بين تلك المؤسَّسات أسماء بارزة، منها بنك «جي بي مورغان»، و«مجموعة الخدمات المالية المستقلة روتشيلد وشركاه»، ما يدلُّ على حجم الثقة الدولية بالإصلاحات الاقتصادية لأبوظبي، فضلاً عن أنَّ تبنّي التطبيق المباشر للقانون العام الإنجليزي، قد اجتذب شركات عالمية من بينها شركة «شركاء جي كيو جي»، وصندوق التحوُّط «تي سي أي». ويؤكِّد الزخم الإيجابي الذي شهده أسبوع أبوظبي المالي الدور المحوري الذي يؤديه سوق أبوظبي العالمي في تعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة.
وتشكِّل دورة أسبوع أبوظبي المالي لعام 2024 أحدَ أهمِّ التجمُّعات في قطاع المال والاستثمار على أجندة الفعاليات المالية العالمية، ومن المرتقَب أن تستقطب عدداً أكبر من الزوّار والمشاركين، مقارنةً بالدورات الماضية، لتوفِّر منصةً متميِّزةً تواصل اجتذاب الشركات العالمية نحو اقتصاد الصقر في أبوظبي.