أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأسلوب البليغ أن يلفت أنظار الصحابة الكرام وينبّههم على أن غلاء الأسعار ورخصها إنما هو بيد الله تعالى، وأن عليهم اللجوء إلى الله تعالى ودعاءه، مع اتخاذ الأسباب الممكنة، والسبل المتاحة، والوسائل المقدورة، وحتى لو فُهِم من الحديث امتناعُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التسعير فإن هذه واقعةُ عينٍ جاءت على حال معينة لها ظروفُها وملابساتُها، وقد تقرر في قواعد الأصول: أن وقائع الأعيان لا عموم لها.


فامتناع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التسعير في هذه الحالة لا يعني أنه ممنوع مطلَقًا؛ فإن التسعير منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه ما هو عدل جائز، وهذا الفهم هو الذي جرى عليه عمل السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء المتبوعين وهو المفهوم من كلامهم؛ وهو أن مسألة التسعير ترجع إلى مراعاة المصلحة، وأنها من قبيل السياسة الشرعية التي تُقَدَّم فيها المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فإن كانت المصلحة لا تتم إلا بالتسعير: سعَّر ولي الأمر تسعيرًا عادلًا يراعي فيه مصلحة العامة، بل وله أن يعزِّر من يخالف ذلك؛ لا سيما وأن سوق البيع والشراء أصبح في العصر الحاضر منظومة مرتبطة باقتصاد الدولة واستقرارها.

 

يقول تعالى ذكره: والذي فعل هذه الأفعال بكم ، وأنعم عليكم ، أيها الناس هذه النعم، الذي سخر لكم البحر، وهو كلّ نهر ، ملحا ماؤه أو عذبا(لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا) وهو السمك الذي يصطاد منه.( وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ) وهو اللؤلؤ والمرجان.
كما حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، في قوله ( وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ) قال: منهما جميعا.( وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا ) قال: هذا اللؤلؤ.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا ) يعني حيتان البحر.
حدثني المثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا حماد، عن يحيى، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الملك، قال: جاء رجل إلى أبي جعفر، فقال: هل في حليّ النساء صدقة؟ قال: لا هي كما قال الله تعالى ( حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ ) يعني السفن، ( مَوَاخِرَ فِيهِ ) وهي جمع ماخرة.
وقد اختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( مَوَاخِرَ ) فقال بعضهم: المواخر: المواقر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عمرو بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا يونس، عن الحسن، في قوله ( وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ) قال: المواقر.
وقال آخرون في ذلك ما حدثنا به عبد الرحمن بن الأسود، قال: ثنا محمد بن ربيعة ، عن أبي بكر الأصمّ، عن عكرمة، في قوله ( وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ) قال: ما أخذ عن يمين السفينة وعن يسارها من الماء، فهو المواخر.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي مكين، عن عكرمة، في قوله ( وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ) قال: هي السفينة تقول بالماء هكذا، يعني تشقه.
وقال آخرون فيه ما حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن إسماعيل، عن أبي صالح ( وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ) قال: تجري فيه متعرّضة.
وقال آخرون فيه، بما حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ ) قال: تمخر السفينة الرياح، ولا تمخر الريح من السفن إلا الفلك العظام.
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى ، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد نحوه، غير أن الحارث قال في حديثه: ولا تمخر الرياح من السفن.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، نحوه.

 

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: غلاء الأسعار الصحابة النبی صلى الله علیه وآله وسلم ت ر ى ال ف ل ک وا م ن ه فی قوله م و اخ ر

إقرأ أيضاً:

هل يجوز إطعام الطعام ونحر الماعز والخراف في المولد النبوي .. الإفتاء تجيب

أكدت دار الإفتاء المصرية في فتوى رسمية عبر موقعها الإلكتروني، أن ما يقوم به بعض المسلمين عند دخول شهر ربيع الأول من نحر الماعز والخراف، وإقامة الولائم، وإطعام الطعام، تعبيرًا عن الفرح بذكرى مولد النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، أمرٌ مشروع شرعًا، بل هو من قبيل الطاعات التي تدل على محبة النبي  وتعظيمه، وهذه المحبة ركن أصيل من أركان الإيمان.

وأوضحت الدار أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هو مظهر من مظاهر التعظيم والاحتفاء بالنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أمر مقطوع بمشروعيته لما فيه من إظهار الفرح بمن أرسله الله رحمة للعالمين.

وجاء في نص الفتوى ما نقله الحافظ السخاوي في كتابه الأجوبة المرضية (1/1116، ط. دار الراية): ما زال أهل الإسلام من سائر الأقطار والمدن العظام يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وآله وسلم، ويشرّفونه ويكرمونه، ويقيمون الولائم البديعة المشتملة على مظاهر البهجة، ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور ويزيدون في أعمال الخير، ويقرؤون المولد الشريف، وتظهر عليهم من بركاته كل فضيلة، وقد ثبت ذلك بالتجربة.

دار الإفتاء توضح حكم شراء الحلوى والتهادي بها في المولد النبوي الشريفدار الإفتاء: تبادل الحلوى في المولد النبوي سنة محمودة ومظهر من مظاهر المحبة

وأضافت دار الإفتاء أن العلماء نصوا على أن الصدقة في هذه المناسبة من العبادات المحبوبة، مستشهدة بما قاله الإمام الحافظ أبو شامة المقدسي في كتابه *الباعث على إنكار البدع والحوادث* (1/23، ط. دار الهدى): البدع الحسنة متفق على جواز فعلها واستحبابها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها، ومن أحسن ما استحدث في زماننا من هذا الباب: ما كان يُفعل بمدينة إربل كل عام في اليوم الموافق لمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من الصدقات وأعمال المعروف، وإظهار الزينة والفرح، فإن ذلك – مع ما فيه من الإحسان للفقراء – يدل على محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه، ويجسد الشكر لله تعالى على بعثه رحمة للعالمين.

وبذلك، شددت الفتوى على أن مثل هذه الأعمال ليست بدعًا مذمومة، وإنما تدخل في إطار البدعة الحسنة التي أقرها العلماء، وأن إظهار السرور في ذكرى المولد النبوي عبر إطعام الطعام، والولائم، والصدقات، هو سلوك محمود يجمع بين محبة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفعل الخير للمحتاجين.


 

طباعة شارك المولد النبوي دار الإفتاء نحرالذبائح إطعام الطعام بدعة حسنة محبة الرسول

مقالات مشابهة

  • فضل المحافظة على الوضوء.. 8 فوائد لا تحرم نفسك منها
  • حكم من يخفى عيوب السلع عند البيع.. الإفتاء تجيب
  • هل يجوز إطعام الطعام ونحر الماعز والخراف في المولد النبوي .. الإفتاء تجيب
  • دار الإفتاء توضح حكم شراء الحلوى والتهادي بها في المولد النبوي الشريف
  • حكم قول سيدنا على النبي في الأذان والتشهد خلال الصلاة.. الإفتاء تجيب
  • تدشين فعاليات المولد النبوي في مديريات محافظة البيضاء 
  • هذا ما كان يفعله النبي في الحر الشديد.. تعرف عليه
  • حكم وضع اليد على الآية عند قراءة القرآن من المصحف.. الإفتاء تجيب
  • كيفية الاحتفال بالمولد النبوي .. الطريقة الشرعية الصحيحة
  • لماذا أوصى النبي بالجلوس بعد الفجر حتى الشروق .. لجلب 7 أرزاق