لعله ينبغي التشديد على بر الوالدين في الآونة الأخيرة خاصة، حيث يستهين كثير من الأبناء بهذا الأمر الرباني والوصية النبوية، فالله تعالى وصى الإنسان والديه، كما كثرت النصوص النبوية الشريفة التي تؤكد على ضرورة الحرص على بر الوالدين بل وحذر من عقوقهما.

كيف يغفر الله لك كل ذنوبك كأن لم تفعلها؟ .. بهذا العملإذا كانت ذنوبك من الأرض إلى السماء.

. علي جمعة: بعملين تكفرها كلهامن كبائر الذنوب

قالت دار الإفتاء المصرية، إنه إذا كان الإنسان مأمورًا بتوقير وإجلال من هو أكبر منه، فإن أولى الناس بهذا الإجلال والتوقير والداه.

وأوضحت " الإفتاء" عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أن الوالدين قد جمعا بين الكبَر والتفضل على الابن، بالإضافة إلى أن الشريعة قد أمرت بإكرامهما وإجلالهما، ولا خلاف أنَّ عقوق الوالدين أو أحدهما من كبائر الذنوب.

واستشهدت بما ورد عن أنسٍ رضي الله عنه، قال: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الكبائر، قال: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» متفقٌ عليه.

وأفادت بأن طاعتهما وبرهما والإحسان إليهما وحسن معاملتهما أمورٌ واجبة مؤكدة جاءت مقرونة بتوحيد الله عزَّ وجلَّ؛ قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23].

بر الوالدين

يعد برّ الوالدَين من المواضيع العظيمة التي أولتها الشّريعة الإسلاميّة أهميّةً كبيرةً، يدلّ على تلك الأهميّة أنّ الله -تعالى- قد حثّ على برّ الوالدَين بِما قضاه من الأحكام، ونهى عنه من العقوق والمخالفة والعصيان، فكان لا بدّ من المُسلم الاستجابة لِما أمر الله به، ونهى عنه؛ لينال سعادتي الدُّنيا والآخرة.

وقد شاءت حكمة الله -تعالى- أن تستودع قلوب الآباء والأمهات معاني الرّحمة والعطف بِما يمكنّهم من رعاية أبنائهم، والقيام على مصالحهم، ودَفْع كلّ ما يسبّب الأذى أو الضرّ لهما، وفي مقابل تلك الأعمال الجليلة؛ لا بدّ من الأبناء أن يُحسنا إلى والدَيهما بالبرّ، والطاعة، وحُسْن المُعاشرة، وطاعتهما في أوامرهما، وحِفظهما، وعدم التسلّط عليهما، وإزالة كلّ ما ينقص من قَدْرهما.

أهمية بر الوالدين في القرآن الكريم

بيّن الله -تعالى- أهميّة برّ الوالدَين في مواضع عدّةٍ من القرآن الكريم، فقد عطف الله برّ الوالديَن على أهمّ أصول الإيمان، وأعظم غايات الشريعة؛ وهو توحيد الله، وترك الإشراك به، قال -تعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّـهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، كما قرن في آيةٍ أخرى شُكْره وحَمْده على نِعَمه بشُكر الوالدَين.

و قال -تعالى-: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، كما حثّ الله -عزّ وجلّ- على برّ الوالدَين بوصيةٍ عظيمةٍ تحثّ النُّفوس على تذكّر الآلام التي عانتها الأمّ في الحَمْل والولادة، قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ).

وقد أثنى الله -سُبحانه- على عددٍ من أنبيائه ورُسله بسبب بِرّهم بآبائهم، فقال -تعالى- مادحاً نبيّه يحيى -عليه السلام-: (وَكانَ تَقِيًّا*وَبَرًّا بِوالِدَيهِ وَلَم يَكُن جَبّارًا عَصِيًّا)، كما بيّن نبيّ الله عيسى -عليه السلام- فَضْل الله عليه حينما جعله مباركاً بارّاً بوالدَيه.

و قال -تعالى-: (وَجَعَلَني مُبارَكًا أَينَ ما كُنتُ وَأَوصاني بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمتُ حَيًّا*وَبَرًّا بِوالِدَتي وَلَم يَجعَلني جَبّارًا شَقِيًّا). وتتأكّد أهميّة برّ الوالدَين، وحُسن معاملتهما في آياتٍ عدّةٍ من كتاب الله، منها: قَوْله -تعالى-: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)، فالمسلم مأمورٌ بخَفْض جناحه لوالدَيه؛ تقديراً لفَضْلهما عليه، ورحمةً بهما، فخَفْض الجناح للوالدَين أعظم من خَفْض الجناح الوارد في قَوْله -تعالى-: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

كما نهى الله -عزّ وجلّ- عن الإساءة للوالدَين، بالقول أو العمل، ودعا إلى تجنّب كلّ ما يسبّب لهما الأذى، أو يجرح مشاعرهما، قال -تعالى-: (فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا)، فالمسلم مأمورٌ بحُسْن معاملة والدَيه بالقول الحَسَن، والسلوك الرَّحيم، وتجنّب زجرهما، أو سبّهمها.

أهمية بر الوالدين في السنة النبوية

أكّدت نصوص السنّة النبويّة المطهرة على أهميّة برّ الوالدَين في العديد من الأحاديث، فالإحسان إلى الوالدَين، ورعايتهما، وتلبية حاجاتهما أهمّ وأفضل من العديد من الأعمال التي تُؤدّى في سبيل الله.

كما أخرج الإمام مُسلم في صحيحه عن الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه- أنّه قال: (أَقْبَلَ رَجُلٌ إلى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ فَقالَ: أُبَايِعُكَ علَى الهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الأجْرَ مِنَ اللهِ، قالَ: فَهلْ مِن وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟ قالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قالَ: فَتَبْتَغِي الأجْرَ مِنَ اللهِ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَارْجِعْ إلى وَالِدَيْكَ فأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا)، فالجدير بالمسلم السَّعي لنَيْل برّ بوالدَيه، ورعايتهما.

وتتأكّد أيضاً أهميّة برّ الوالدَين في الإسلام؛ باعتباره سببٌ من أسباب دخول الجنّة، والفوز برضا الرحمن، وممّا يدلّ على ذلك من السنّة النبويّة: قَوْله -عليه الصلاة والسلام-: (رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ)، فالبرّ بالوالدَين استجابةٌ لأوامر الله، وطاعةٌ له.

وجاء أن الله -سُبحانه- وصّى الإنسان بوالديه إحساناً، والأخذ بالوصيّة علامةٌ على طاعة العبد لربّه، وتعبيرٌ عن شُكْر الابن لوالدَيه على ما قدّما في حياتهما، وهو عملٌ يؤدي إلى مقابلة الإحسان بالإحسان حينما يجد البارّ بوالدَيه آثار عمله الصالح في سلوك أبنائه، وبرّهم به، قال -تعالى-: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).

حقوق الوالدين

تترتّب العديد من الحقوق للوالدَين التي تتوجّب في حقّ أولادهما:

تأمين الطعام والدواء لهما، وكسوتهما في حال احتياجهما.إجابة دعوتهما، وطاعة أمرهما. خدمتهما بوجوه الخدمة المتعدّدة، دون تفضّلٍ أو مِنّةٍ.مخاطبتهما، والحديث معها بكلّ ما حَسن ورقّ من الكلام، ومُناداتهما بلفظ الأبوّة.محبّة ما تُحبّه النَّفس للوالدَين، وبغض كلّ ما تبغضه النّفس.الدُّعاء لهما بالرحمة والقبول والغفران.حكم بر الوالدين

وورد أن بر الوالدين؛ من الأمور الواجبة في الشّريعة الإسلاميّة، فهو أمرٌ معلومٌ من الدِّين بالضرورة، ويُستدلّ على وجوب برّ الوالدَين بِما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (ذَكَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الكَبَائِرَ، أوْ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ فَقالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، فَقالَ: ألَا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قالَ: قَوْلُ الزُّورِ، أوْ قالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ قالَ شُعْبَةُ: وأَكْثَرُ ظَنِّي أنَّه قالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ).

فقد عدّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- عقوق الوالدين من الكبائر، وفي المقابل فإنّ برّهما من أوجب الواجبات، وتجدر الإشارة إلى أنّ برّ الوالدَين يجب دون النَّظر إلى الدِّين والعقيدة، إذ قال -تعالى-: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ*وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

وأخرج الإمام مُسلم عن أسماء بنت أبي بكرٍ -رضي الله عنهما- أنّها قالت: (قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ قُرَيْشٍ إذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهي رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ).

فضل بر الوالدين

تترتّب العديد من الفضائل على برّ الوالدَين؛ يتبيّن ذلك بِما ثبت في الصحيح من قَوْله -عليه الصلاة والسلام-: (مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ)، وقَوْله أيضاً: (إنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فقالَ اللَّهُ: مَن وصَلَكِ وصَلْتُهُ، ومَن قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ).

طباعة شارك بر الوالدين كبائر الذنوب الإفتاء دار الإفتاء أهمية بر الوالدين في القرآن الكريم أهمية بر الوالدين في السنة حقوق الوالدين فضل بر الوالدين

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: بر الوالدين كبائر الذنوب الإفتاء دار الإفتاء حقوق الوالدين رضی الله عنه العدید من ل و ال د ی أهمی ة ال د ی ن ال د ی ک إ ح س ان ى الله

إقرأ أيضاً:

الأب فيليب فرج الله يشارك في اجتماع الرهبنة الفرنسيسكانية بروما

شارك الأب فيليب فرج الله، الخادم الإقليمي للرهبنة الفرنسيسكانية بمصر، في اجتماع الإخوة التابعين لمؤتمر شمال إفريقيا والشرق الأوسط (CONAMO)، الذي عقد في الرئاسة العامة للرهبنة الفرنسيسكانية بروما، بحضور الأب إغناطيوس سيا، النائب العام للرهبنة.

تعزيز الرسالة الفرنسيسكانية

وخلال اللقاء، انتخبت الجمعية المنشطين الجدد، كما وضعت خطوط العمل، والتوجهات الأساسية للسنوات المقبلة، في إطار سعيها لتعزيز الرسالة الفرنسيسكانية في المنطقة.

البابا تواضروس يلقي العظة الأسبوعية بكنيسة العذراء بالسلام اليومزيارة رعوية لنيافة الأنبا إيلاريون لكنائس قطاع النوباريةالكنائس المصرية تدعم قرارات الرئيس السيسي لوقف الحرب على غزةقديسان بالجيش الروماني.. الكنيسة الأرثوذكسية تحتفي بذكرى استشهاد واخس ورفيقه سرجيوس

وشكل الاجتماع فرصة للإصغاء، وتبادل الخبرات، والمسؤوليات، مع تركيز خاص على الرسالة في السياقات المتنوعة، ومتعددة الأديان التي تعمل فيها الرهبنة، بما يعكس التزامها الدائم بالحوار، والسلام وخدمة الإنسان أينما وجد.

طباعة شارك الخادم الإقليمي للرهبنة الفرنسيسكانية الفرنسيسكان رهبنة الفرنسيسكانية الرسالة الفرنسيسكانية

مقالات مشابهة

  • الأب فيليب فرج الله يشارك في اجتماع الرهبنة الفرنسيسكانية بروما
  • الإفتاء: الإنسان مأمور بتوقير وإجلال من هو أكبر منه والأولى الوالدين
  • دار الإفتاء توضِّح الحكم الشرعي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة الموظفين
  • ما حكم القيام بإثبات الحضور للزميل الغائب عن العمل؟..الإفتاء تجيب
  • حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
  • مع سماع أذان الفجر.. ردد دعاء المغفرة من الذنوب كلها
  • هل الكلام على الآخرين ينقض الوضوء؟.. الإفتاء ترد
  • دار الإفتاء تحسم الجدل حول الزواج من أم زوجة الأب: جائز شرعًا بشروط
  • رفض أبي صلتي له هل أعد من قاطعي رحم الوالدين؟.. الأزهر يجيب