الحجر والبشر لم يسلموا من القصف.. معالم وآثار غزة تناشد اليونسكو
تاريخ النشر: 30th, December 2023 GMT
مع ارتفاع وتيرة الحرب الإسرائيلية على غزة، لا تزال الخسائر في الأرواح والأزمة الإنسانية تصرخ أمام ضمير المجتمع الدولي علّها توقظه من سبات صمته الثقيل، خرج صوت من تحت الركام ليسلط الضوء على كارثة ثقافية تمس بالتراث التاريخي والأثري الغني للقطاع المحاصر.
ورصدت دراسة حديثة أجرتها مجموعة "التراث من أجل السلام" حجم الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي لحقت حتى الآن بأكثر من 100 موقع تاريخي في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
رغم مساحته الصغيرة نسبيا، يتميز قطاع غزة بموروث تاريخي ومواقع أثرية ذات قيمة ثقافية ودينية، من مساجد وكنائس تعود إلى آلاف السنين.
دمروا قصر الباشا.. القصر الي كان جزء أساسي في كل رحلات مدرستنا، مزار سياحي عريق وقديم.. بيعود للعصر المملوكي في زمن الظاهر بيبرس دمروه المجرمين كارهين الحضارات وقطاع الطرق الي انحدفوا على بلدنا وحضارتنا وتاريخنا من مزابل التاريخ pic.twitter.com/gnS8b2B9gH
— Saja Eleyan (@sajaeleyan) December 29, 2023
وفي مقدمة تقريرها الذي نشر في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، تؤكد مجموعة "التراث من أجل السلام" ـومقرها منطقة كتالونيا الإسبانية ـ أنها تحافظ على "موقف محايد" مشيدة بدور أولئك الناشطين على الأرض في سبيل حماية تراثهم لإنجاز الدراسة.
ومن أهم ضحايا قصف الاحتلال الإسرائيلي مسجد العمري الكبير، وهو أحد أهم وأقدم المساجد في فلسطين التاريخية، وكنيسة القديس برفيريوس التي تُعتقد أنها ثالث أقدم كنيسة في العالم، فضلا عن متحف رفح بالجنوب ومقبرة رومانية يبلغ عمرها ألفي سنة شمال غزة تم التنقيب عنها عام 2022.
يقول رئيس المجموعة إسبر صابرين إن "التقرير يبرز تراث غزة ويرصد آثار الدمار منذ بداية الحرب في محاولة لرفع وعي المجتمع الدولي بشأن هذه الكارثة التراثية والثقافية".
وأَضاف في حديثه للجزيرة نت أن أهمية تراث غزة "تتمثل في شموليته لتاريخ الأديان واحتضانه أوائل الكنائس في العالم وآثار بيزنطية وأخرى من الفترة المملوكية، فضلا عن المتاحف".
ويرصد تقرير المجموعة أن مركز المخطوطات والوثائق القديم وكنيسة جباليا البيزنطية وموقع البلاخية (الأنثيدون) تعرضت لتدمير كامل بسبب القصف المباشر، بينما تعرض المسجد العمري في غزة ومتحف دير البلح لأضرار جزئية.
وقد استهدِفت 4 مساجد بشكل مباشر في القطاع و4 أخرى بقصف غير مباشر، فضلا عن وقوع أضرار جزئية في 86 بيت أثري، وفق التقرير.
استهداف متعمد ومباشروأوضح صابرين أن الدراسة اعتمدت على "معلومات وصور من خبراء من قطاع غزة تحت القصف والقنابل، بمن فيهم الصديق (فضل العطل) الذي أخبرني أنه حزن على تدمير جامع العمري أكثر من حزنه على تدمير منزله بمخيم الشاطئ في الشمال".
وتابع "لا تحترم إسرائيل القانون الدولي الإنساني وترغب في قطع صلة أهل غزة بأرضهم، مما يدل على أن تدمير الآثار ليس أمرا عبثيا وإنما خطة مدروسة تتبعها دولة الاحتلال".
وعلى الرغم من صعوبة الاتصال مع أهل غزة، تمكنت الجزيرة نت من الوصول إلى الخبير في الآثار (العطل) للحديث عن تجربته الخاصة.
وفي بداية الحوار، أشار العطل إلى أنه يوجد في المكان السادس الذي نزح إليه مع أسرته، مؤكدا مدى اهتمامه بمصير المواقع الأثرية أكثر من منزله "لأن القصف الإسرائيلي متعمد ومقصود ولا يفرق بين الإنسان والحجر والحيوان".
وأضاف "لا يستهدف جيش الاحتلال المواقع الأثرية فقط وإنما لديه نية مسح الماضي والحاضر وغزة القديمة والحديثة من خلال أسلوب الإبادة التي يرتكبها".
وأشار إلى أن المواقع الأثرية في غزة لم تُستهدف في الحروب الماضية بهذا القدر من الدمار "لكن في هذه الحرب تم تدميرها بشكل مباشر مثل المحراب الشمالي وكل القباب الموجودة في التوسعة المعمارية للمسجد العمري منذ آلاف السنين والتي اندثرت كليا".
وحول إمكانية ترميم الأماكن المتضررة بعد انتهاء الحرب، أجاب متشبثا ببعض الأمل "يمكننا إعادة ترميم المواقع المتبقية أو أجزاء منها اندثرت بشكل كلي مثل موقع البلاخية ـوهو أقدم ميناء بحري يعود تاريخه إلى 800 سنة قبل الميلاد- وتم اكتشاف الجدار الروماني الذي دمرته جرافات ودبابات الاحتلال في شقه الغربي".
واسترسل الخبير الغزاوي "لم تسلم المساجد والكنائس والثقافة في قطاع غزة، قائلا إن إعادة ترميم الجامع العمري ممكنة إلا أنها ستكون "عملية طويلة ومكلفة للغاية لأن مساحته شاسعة".
موقف اليونسكووفي ظل التساؤلات المشروعة حول مصير هذه المواقع الأثرية، أكد متحدث باسم اليونسكو أن "الأولوية تخصص عادة لحالة الطوارئ الإنسانية، لكن يجب أيضا حماية التراث الثقافي بجميع أشكاله وفقا للقانون الدولي الذي ينص على أن الممتلكات الثقافية هي بنية تحتية مدنية ولا يجوز استهدافها أو استخدامها لأغراض عسكرية".
وأضاف في حديثه للجزيرة نت "وضعت اليونسكو عملية لرصد الأضرار منذ بداية الحرب بالاعتماد على صور الأقمار الصناعية والمعلومات المرسلة إليها من أطراف ثالثة، بما في ذلك شركاؤنا والوكالات الشقيقة للأمم المتحدة الموجودة حاليا على الأرض وبالتعاون الوثيق مع مكتبنا في رام الله".
وشدد على أن اليونسكو -على عكس منظمات ووكالات الأمم المتحدة الأخرىـ لا تملك ولاية إنسانية، مما يعني أنها لا تستطيع نشر موظفين بمناطق القتال ويمكنها إجراء مراقبة الأضرار عن بعد فقط.
وفي إطار هذا الرصد، أعربت المنظمة عن قلقها البالغ إزاء وضع آثار دير القديس هيلاريون، المدرج في القائمة الوطنية المؤقتة للتراث العالمي عام 2012، وهي بقايا أحد الأديرة المسيحية الأولى في المنطقة.
ولمنع أي تهديد لهذا الموقع، قامت لجنة اليونسكو لحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح بمنحه وضع الموقع تحت "الحماية المؤقتة المعززة" وهو أعلى مستوى من الحصانة ضد الهجوم المنصوص عليه في اتفاقية لاهاي لعام 1954 وبروتوكولها الثاني.
وأوضح المتحدث أن "تنفيذ إجراء الحماية هذا أصبح ممكنا، إذ يخضع الموقع اليوم للمراقبة من قبل حراس يخضعون للسلطة المباشرة لوزارة السياحة والآثار في السلطة الفلسطينية".
وختم بالقول إن "المنظمة تعمل على اتخاذ إجراءات طارئة إضافية يمكن تنفيذها الأشهر المقبلة، ومع ذلك فإن الجدول الزمني سيعتمد على تطور الوضع على أرض الواقع".
صمت عالميمن جانبه، يرى رئيس مجموعة "التراث من أجل السلام" أن اليونسكو منظمة "عقيمة" لأنها تتبع لسياسات الدول تحت عباءة الأمم المتحدة.
ولفت صابرين إلى وجود إعاقة كاملة لتطبيق القوانين الدولية وتجاهل واضح لاتفاقية لاهاي لعام 1954 التي تنص على أن الدول التي تعتدي على أخرى يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حماية الممتلكات الثقافية، فضلا عن بروتوكول 1999 بعد حرب يوغسلافيا.
وقد يكون هذه أحد الأسباب التي ساهمت في إنجاز تقرير المجموعة أنها "منظمة مجتمع مدني تستطيع التفاعل بسرعة مع الكوارث والحروب وتمتلك سقفا من الحرية على عكس بعض الجامعات مثلا التي لم تتمكن من إصدار تقارير أو تصريحات خوفا من فقدان التمويلات الحكومية" وفق ذات المتحدث.
واختتم صابرين تصريحاته بالقول إن "من حق أهل غزة العيش مع تراثهم لأن من لا يملك تراثا بالمكان الذي يعيش فيه لا يملك ارتباطا عاطفيا بأرضه، فالتراث ليس حجرا فقط وإنما هو قصص وهوية. ولهذا السبب، هناك فلسطينيون مثل (العطل) كرسوا حياتهم للحفاظ على كنزهم التاريخي".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: المواقع الأثریة فضلا عن فی غزة على أن
إقرأ أيضاً:
العفو الدولية تناشد لوقف تهجير الاحتلال فلسطينيا وعائلته من القدس
قالت منظمة العفو الدولية إن الفلسطيني صالح دياب وأفراد عائلته يواجهون خطر التهجير "على نحو غير مشروع" من القدس الشرقية المحتلة، بعدما رفضت المحكمة المركزية الإسرائيلية الاستئناف الذي قدموه بشأن قرار إخلاء منزلهم بحي الشيخ جرّاح في فبراير/شباط الماضي.
ووفق المنظمة، فإن عملية التهجير هذه التي تقودها جمعية "نحلات شمعون" الاستيطانية، تأتي ضمن نمط متواصل من التجريد من الممتلكات في الحي. وأشارت إلى أن المحكمة العليا الإسرائيلية منحت العائلة في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم إذنا بالطعن في القرار وأصدرت أمرا احترازيا بتجميد الإخلاء، ورأت ذلك "طوق النجاة القانوني الأخير" لهم.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان قلق من الوضع في كردفانlist 2 of 2هيئة الأسرى تحذر من "تجمد الأسرى" داخل السجون الإسرائيليةend of listوذكرت المنظمة أن قرار الرفض يهدد بفقدان العائلة المكونة من 23 شخصا، بينهم 7 أطفال، منزلهم الوحيد، بعد عقود من المعارك القانونية.
وأفادت المنظمة بأن صالح دياب كان في مقدمة الساعين لحماية العائلات الفلسطينية في الحي من التهجير القسري، مما جعله عرضة للعنف من المستوطنين والشرطة.
وبحسب المنظمة، تعتمد جمعية "نحلات شمعون" على القانون الإسرائيلي لعام 1970 الذي يتيح المطالبة بممتلكات في القدس الشرقية كانت مملوكة لليهود قبل عام 1948. وأشارت المنظمة إلى أن السلطات الأردنية سجلت خلال الخمسينيات بعض العائلات الفلسطينية في الحي كمالكين، لكن المحاكم قالت إن عائلة دياب ليست ضمن هذه السجلات، مما جعل وضعهم القانوني يختلف عن عائلات أخرى في حي الشيخ جراح.
وبحسب المنظمة، فإن جمعية "نحلات شمعون" تستند في مطالبها إلى "قانون الشؤون القانونية والإدارية لسنة 1970″، في حين رأت المحاكم أن هذا القانون لا ينطبق على العائلة لأنها لم تُسجّل من قبل الأردن خلال خمسينيات القرن الماضي، وهو ما جعل قضيتهم تختلف عن قضايا مشابهة في الحي.
ودعت العفو الدولية إلى وقف التهجير القسري لعائلة دياب، محذرة من أن تنفيذ الإخلاء قد يشكل جريمة حرب وأنه جزء من التوسع في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية.
إعلان