اعتادت معظم أنظمة الحكم العربية والإسلامية – المرتهنة بالولاء للولايات المتحدة الأمريكية، وربيبتها دويلة الاحتلال الصهيوني الغاصب – التعاطي مع قضية فلسطين، من خلال أنساق تفاعلية معينة، عكست – على مدى عقود من الزمن – صورة العجز والضعف والانبطاح السياسي والعسكري، التي جمعت تفاصيلها وهشاشتها، بيانات الشجب والإدانة والتنديد، والخطابات الحماسية والشعارات الرنانة والتهديدات الفارغة، التي اعتادت ألسنة الحكام على إطلاقها، والتباهي بترديدها بطريقة دراماتيكية، مثيرة للشفقة والغثيان في الوقت نفسه، إذ لا طائل تحتها، سوى أنها تصبح مادة دسمة للاستهلاك الإعلامي، حيث يعمل الإعلام جاهدا على تزيين وتزويق عناوينها، وتصديرها كرسائل سياسية بالغة الأهمية، أطلقها قادة عظماء فاتحون، تحمل تحذيرهم الأخير – وهم في قمتهم العربية الطارئة – إلى الكيان الصهيوني الغاصب، العدو الإسرائيلي المجرم القاتل، الذي احتل المقدسات الإسلامية، والأراضي العربية الفلسطينية، ولم يكتف بذلك، بل أمعن في ارتكاب جرائم القتل والإبادة والتدمير الكامل، وممارسة أبشع المجازر الجماعية، بهدف محو الوجود الفلسطيني أرضا وإنسانا، بدعم وتأييد ومباركة أمريكية غربية، وتواطؤ مؤسسات الأمم المتحدة ومنظماتها ذات الصلة.


وكما اعتاد الحكام على لوك الخطابات الإنشائية المكررة، اعتادت قممهم (الطارئة) على إنتاج بيانات الشجب والتنديد والإدانة، وتحميل العدو الصهيوني مسؤولية مجازره – وهو الذي لم يبال بتلك المواقف الهزيلة يوما – ومناشدة أمريكا والغرب الحضاري الإنساني، ومنظمة أممه المتحدة ومجلس أمنه، سرعة التدخل وإيقاف المجازر، اعتاد – كذلك – معظم المثقفين – خاصة الكتاب والشعراء منهم – على التعاطي السلبي مع القضية، بوصفها مشكلة مزمنة عصية على الحل، لينتهي بهم الأمر إلى التلويح للجماهير، بما يشبه الأمل المنهك بغموضه، وضرورة ابتكاره، سواء من خلال تمجيد ماضي الأمة، والتعزي بمواقف وبطولات الأسلاف من قاداتها، الذين صنعهم التاريخ السياسي، وقدمهم كرموز وأبطال تاريخيين، ليجد فيهم ضعف وعجز الأمة ملاذا مثاليا، حيث يلجأ إليهم، ويقوم باستنهاضهم – وهم الأموات في قبورهم – لتحرير الأحياء من عدوهم، أو من خلال صناعة مخلِّص غير مرئي، والتنبؤ والتبشير بقدومه قريبا، متنكرا في صورة عابقة بالغموض والمثالية، قد يأتي محمولا على خيوط شعاع الشمس ذات صباح، وقد يكون حاضرا في شخص الحاكم نفسه، لو أنهم أمعنوا النظر في زعيمهم البطل (الدونكشيوتي)، وذلك هو نفس مسار التعاطي الاعتيادي السلبي، الذي مضت فيه وسائل الإعلام الرسمي، حين تسارع إلى بث وتغطية كلمة الحاكم الرئيس، وإبراز وتضخيم وتنميق حضوره الهزيل، ودوره في تلك القمة الهزيلة، التي تمخضت عن بيان هزيل، وبعض أغانٍ وأناشيد تضامنية، تحمل قدرا هائلا من الإحباط واليأس، وتبث العجز والهزيمة المسبقة، في نفوس الجماهير العربية، الباحثة عن “الحلم العربي”، المُغَيبة في غياهب التساؤل، “الغضب العربي وين؟ والدم العربي وين؟ والشرف العربي وين؟ وين الملايين؟”.
ولأن الحكام قد أهدروا كرامة وشرف ودور وفاعلية الشعوب، وألجموها بعصا العار والقمع والاستبداد، اكتفت الشعوب – بدورها – بممارسة التنفيس الآني عن غضبها وانتقامها لشرفها ودمها وعرضها، من خلال مظاهرات جماهيرية حاشدة، مفرغة من أي مضامين الوعي والقوة، أو الشعور بالقدرة على القيام بفعل حقيقي، من شأنه إيلام العدو الصهيوني الغاصب، وردعه عن التباهي بقوته وغطرسته وممارسة التنكيل المستمر بحق أبناء الشعب الفلسطيني العزل، الأمر الذي جعل تلك المظاهرات الشعبية، لا تعدو كونها فعلا روتينيا اعتياديا، لم يقدم جديدا، حتى في هتافاته وشعاراته، ولم تتجاوز المظهر الصوتي البحت.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

سرايا القدس تدك كيبوتس “ناحل عوز” و”كفار سعد” في “غلاف غزة” بالصواريخ

الجديد برس| أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، استهدافها كيبوتس “ناحل عوز” و”كفار سعد” في “غلاف غزة”، وذلك بالصواريخ. وكان “جيش” الاحتلال الإسرائيلي قد تحدث في وقت سابق اليوم عن محاولة اعتراض صاروخين أُطلقا من غزة نحو “ناحل عوز”، تزامناً مع تفعيل صفارات الإنذار في المنطقة. كما أعلنت سرايا القدس أنها استهدفت، بالتنسيق مع كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، الجناح العسكري للجبهة الشعبية، تحشدات قوات الاحتلال في محيط جبل الصوراني شرق حي التفاح بمدينة غزة شمال القطاع بقذائف الهاون النظامي. وفي السياق، أفادت ألوية الناصر صلاح الدين، الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبيّة، تنفيذها عملية مشتركة مع كتائب الأقصى لواء العامودي، تمثّلت في استهداف تجمّع لجنود الاحتلال وآلياته في محيط كف القرارة شمال مدينة خان يونس جنوب القطاع، وذلك بقذائف الهاون. وتأتي هذه العمليات في إطار تصدّي المقاومة الفلسطينية للتوغّل الإسرائيلي ومواجهة العدوان، حيث تؤدّي إلى خسائر في صفوف الاحتلال الإسرائيلي، وذلك على الرغم من العدوان والحصار الخانق على القطاع.

مقالات مشابهة

  • “فضيل” يكافح الأوبئة بـ”الدراما”.. الفن مرآة الشعوب
  • “الأورومتوسطي”:اغتيال 5صحفيين في غزة يمهد لمذبحة كبرى تخطط لها “إسرائيل”
  • صحفي “إسرائيليّ” يفضح أكاذيب جيش الاحتلال حول اغتيال أنس الشَّريف
  • سرايا القدس تدك كيبوتس “ناحل عوز” و”كفار سعد” في “غلاف غزة” بالصواريخ
  • “المدرسة الجقمقية” بدمشق… صرح عريق يحتضن إرث الخط العربي
  • وحدة “التيّار الديمقراطيّ الأردني” …!
  • رداً على تدنيس المسجد الأقصى.. “سرايا القدس” تبث مشاهد لقصفها مغتصبة “نير عام”
  • “القسام” تدك موقع قيادة وسيطرة للعدو الصهيوني شرق مدينة غزة
  • تحت شعار “وتبقى العربية”.. انطلاق فعاليات معرض إسطنبول الدولي العاشر للكتاب العربي
  • “إعلام الأسرى”الفلسطينيين: 10800 أسير في سجون العدو الصهيوني