رأت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن التوظيف القوي والأجور المرتفعة يمثلان عاملا مساعدا للأسر في التغلب على التضخم المرتفع والنظرة القاتمة للاقتصاد، وأشارت إلى مخاوف المسؤولين في بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي في الولايات المتحدة) بسبب ارتفاع الطلب على السلع والخدمات إلى جانب العرض المحدود للعمال مما يمكن أن يؤدي إلى زيادة سريعة في الأجور وزيادة التضخم.


وأكدت الصحيفة أهمية تحقيق الاستقرار في سوق العمل، حيث يمكن أن يؤدي إلى دعم دخل الأسر وتقليل التضخم، مما يضع الاقتصاد على مسار نحو الهبوط الناعم، ما دام التباطؤ في سوق العمل غير حاد للغاية.
وأشارت إلى جهود الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في تحقيق الهبوط الناعم، من خلال الحد من التضخم وتهدئة وتيرة النمو الاقتصادي دون الانزلاق إلى الركود، حيث يحدث الهبوط الناعم عندما يتمكن الاقتصاد من التحول من معدل نمو عال إلى معدل نمو أقل، دون أن يتسبب ذلك في انكماش الاقتصاد أو حدوث ركود.
ولفتت "وول ستريت جورنال" إلى أن هناك جملة من العوامل تضافرت لتهدئة الوضع، لدرجة أن الاقتصاديين يتوقعون تباطؤا في التوظيف بشكل كبير في عام 2024.
وأوضحت الصحيفة أن حملة رفع أسعار الفائدة التي شنها بنك الاحتياطي الفيدرالي كانت سببا في ارتفاع تكلفة اقتراض الأموال، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ بعض النشاط الاقتصادي، مما جعل العديد من الصناعات التي كافحت للعثور على العمال تتجاوز مستويات التوظيف لديها لما قبل وباء كورونا  "كوفيد-19"، مما جعل التوظيف أقل إلحاحا.
وأشارت الصحيفة إلى توقف تنقل العمال بين الوظائف وتوظيف أقل في نهاية عام 2023، مما أدى إلى سوق عمل أكثر استقرارا وأقل جنونا.
وأضافت أن نمو الوظائف أصبح أكثر تركيزا في قلة من الصناعات مثل الرعاية الصحية والمساعدة الاجتماعية (التي تشمل العاملين في مجال رعاية الأطفال في القطاع الخاص، ومساعدي الرعاية المنزلية والأخصائيين الاجتماعيين)، والترفيه والضيافة، فضلا عن حكومات الولايات والحكومات المحلية. وخارج هذه القطاعات، شهد التوظيف تباطؤا حادا وانكماشا في بعض المناطق.
وذكرت أن سوق العمل الأقل نشاطا ساعد في كبح النمو السريع للأجور، وهو أحد الاعتبارات الرئيسية لبنك الاحتياطي الفيدرالي في مكافحة التضخم، حيث يزيد ارتفاع الأجور من تكلفة الإنتاج، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم.
وأوضحت الصحيفة أن متوسط الأجر في الساعة في القطاع الخاص ارتفع بوتيرة سنوية تقارب 6 بالمئة في أوائل عام 2022، لكنه تراجع إلى 4 بالمئة قرب نهاية عام 2023. وفي القطاعات التي تشهد أكبر منافسة على العمال، مثل المطاعم، تراجعت مكاسب الأجور بشكل كبير أيضا.
ونقلت الصحيفة عن كريس فارفاريس، الخبير الاقتصادي في " إس أند بي جلوبال" تأكيده بأن ضغوط الأجور قد تظل شديدة للغاية بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، وأن مكاسب الأجور الحالية لا تزال غير متسقة مع هدف البنك المركزي للتضخم والبالغ 2 بالمئة، مما يستدعي تباطؤا أكبر في نمو الوظائف لتحقيق توازن أفضل في سوق العمل.
وأكدت "وول ستريت جورنال" على استمرار سوق العمل الأمريكي في إنتاج وظائف بوتيرة أسرع مما كانت عليه قبل الوباء، وأشارت إلى استمرار مرونة الإنفاق الاستهلاكي، مما أدى إلى زيادة الطلب على مجموعة من السلع والخدمات. كما أشارت إلى تردد الشركات في تسريح العمال بسبب صعوبة العثور عليهم والاحتفاظ بهم، مما يشير إلى استمرار التوتر في سوق العمل.
ونسبت الصحيفة لإلين زينتنر، كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في "مورجان ستانلي"، في مذكرة بحثية أنه من غير المرجح أن تزيد معدلات البطالة بشكل كبير مع إحجام الشركات عن طرد العمال، وأضافت أن نقص العمالة وارتفاع تكاليف دوران العمالة على مدى السنوات العديدة الماضية يعني أن الشركات مترددة في السماح للعمال بالرحيل حتى مع تباطؤ النمو الاقتصادي.
ومن جانبه، قال جاريد برنستين رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض، إن ارتفاع مستوى الإنفاق الاستهلاكي خلال موسم العطلات، وزيادة الأجور خلال الأشهر التسعة الماضية، وارتفاع ثقة المستهلكين في الآونة الأخيرة، يشير إلى بداية جيدة لعام 2024.

المصدر: العرب القطرية

كلمات دلالية: مؤشر التضخم

إقرأ أيضاً:

رفع الأجور في لبنان إنقاذ أم مجازفة؟

بيروت – في خضم أزمة اقتصادية حادة، أقرّ مجلس الوزراء اللبناني رفع الحد الأدنى الرسمي للأجور في القطاع الخاص إلى 28 مليون ليرة (312 دولارا) شهريا، بدءا من الشهر المقبل، في خطوة تعكس اتساع الهوّة بين المداخيل المتآكلة وتكاليف المعيشة المتصاعدة، وتعيد إلى الأذهان جدلًا واسعًا حول قدرة الدولة على تحمل أعباء إضافية دون خطة إصلاحية شاملة.

وترافق القرار مع موافقة الحكومة على مشروع قانون معجّل لتعديل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، في محاولة لإنعاش قطاعات حيوية كالكهرباء والمياه والاتصالات، عبر جذب استثمارات خاصة طالما وُوجهت بعقبات تشريعية وهيكلية.

بَيد أن خبراء اقتصاديين -تحدثوا للجزيرة نت- يحذّرون من مغبّة تكرار سيناريو "سلسلة الرتب والرواتب" التي سبقت الانهيار المالي عام 2019، مشيرين إلى غياب مصادر تمويل واضحة، وتراجع الإيرادات العامة إلى مستويات قياسية، مقابل إنفاق جارٍ يتضخم بلا غطاء مالي كافٍ.

وفي ظل اعتماد لبنان بشكل متزايد على الإيرادات السياحية وتحويلات المغتربين كأبرز روافد الاقتصاد، تبدو الحكومة اللبنانية معلّقة بين رهان على موسم سياحي واعد، ومخاوف من انتكاسة بسبب التوترات الإقليمية وتباطؤ الإصلاحات.

فهل تمثل هذه الزيادات خطوة نحو الإنقاذ أم مجازفة جديدة قد تُفاقم الأعباء الاقتصادية والاجتماعية؟

الاقتصاد المرهون

يقول الخبير الاقتصادي أنيس أبو دياب، للجزيرة نت، إن مشروع القانون الذي أقرّ في الجلسة الأخيرة يخص فقط العاملين في القطاع الخاص، ولا علاقة له بالقطاع العام.

ويضيف أن القرار يعود إلى أبريل/نيسان الماضي، عندما أقرّه وزير العمل في لجنة المؤشر، رغم اعتراض الاتحاد العمالي العام، وبموافقة الهيئات الاقتصادية، وهو لا يحتاج إلى تمويل من الخزينة العامة، لأنه لا يطال موظفي الدولة.

إعلان

أما بشأن مشروع القانون المعجّل لتعديل قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فيشير أبو دياب إلى أن لبنان جهز هذا القانون عام 2017، لكن أثناء إعداد المراسيم التطبيقية ظهرت حاجة إلى تعديلات تشريعية، مما دفع الحكومة إلى تقديم مشروع قانون معجّل لتفعيل الشراكة، بهدف تمويل القطاعات الإنتاجية في القطاع العام من خلال الاستثمارات الخاصة، في مجالات حيوية كالكهرباء والمياه والاتصالات.

وفي ما يتعلّق بالقطاع السياحي، يؤكد أبو دياب أن السياحة، إلى جانب تحويلات المغتربين، شكّلت منذ عام 2022 العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، ويقول "كان لبنان ينتظر موسما سياحيا واعدا هذا الصيف، خاصة بعد رفع معظم دول الخليج حظر السفر، حيث بدأنا نلاحظ توافد السائحين من الإمارات وقطر والكويت، وبعضهم عاد لترميم منازله الجبلية."

لكن الحرب التي اندلعت لـ12يومًا بين إسرائيل وإيران، انعكست سلبًا على هذا الموسم، ويضيف "كنا نتوقع أن تصل الإيرادات السياحية إلى ما بين 5 و6 مليارات دولار هذا العام، أي نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن ذلك يبقى مرهونًا بالاستقرار الأمني، واستمرار الهدنة، وتنفيذ الإصلاحات وتطبيق القرار 1701."

ويختم أبو دياب بالإشارة إلى أن لجنة المؤشر ستعود للاجتماع في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول المقبلين، لتقييم الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص، وإمكانية رفعه مجددًا إذا تحسّنت الدورة الاقتصادية.

لبنان يعتمد بشكل كبير على الإيرادات السياحية (شترستوك) قرارات ارتجالية

من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي والسياسي الدكتور نبيل سرور، للجزيرة نت، أن جوهر النقاش حول رفع الحد الأدنى للأجور في لبنان يكمن في غياب مصادر التمويل الواضحة، مشددًا على أن إقرار الزيادة في مجلس الوزراء، والتي تقارب 300 دولار، يظل منقوصا ما لم يُرفق بخطة مالية تضمن استدامتها.

ويحذر سرور من أن الخزينة اللبنانية تمر بمرحلة دقيقة تتسم بعجز مزمن وتراجع حاد في الإيرادات، مما يستدعي، برأيه، تفعيل منظومة الجباية وتحسين التحصيلات الجمركية والضريبية، كشرط أساسي لتأمين أي زيادات في الرواتب.

ويضيف "لا توجد حتى الآن دراسات علمية أو موضوعية تسبق اتخاذ قرارات مالية بهذا الحجم، لا نرى تقييما حقيقيًا لواقع الاقتصاد اللبناني أو لمالية الدولة، في ظل تراجع الإيرادات العامة إلى ما بين 35 و40% فقط من مستوياتها السابقة".

ويستحضر سرور تجربة "سلسلة الرتب والرواتب"، التي أُقرّت في الأعوام الماضية، معتبرًا إياها نموذجًا على "القرارات الارتجالية" التي اتُخذت دون رؤية مالية متكاملة، وقد كلفت الدولة أعباء باهظة، على حد قوله.

ارتفاع نسبة البطالة بلبنان وتأثر الواقع المعيشي (الجزيرة) أجور متآكلة

في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان، في حديثه للجزيرة نت، أن قرار رفع الأجور يعكس حجم التآكل في القدرة الشرائية نتيجة التضخم والانهيار المالي المتواصل في لبنان منذ سنوات، لكنه يعتبره "قرارًا متأخرًا، وإن كان من الأفضل أن يأتي متأخرًا من ألا يأتي إطلاقًا"، مشددًا على ضرورته لتقليص الفجوة بين مداخيل الموظفين وتكاليف المعيشة المتصاعدة.

إعلان

لكن أبو سليمان يحذر من أن التحدي الأكبر يكمن في كون هذه الزيادة تندرج ضمن الإنفاق الجاري، ما يجعلها عبئا تراكميا على الموازنة العامة، في ظل غياب مصادر إيرادات جديدة، واقتصار المداخيل على الضرائب والرسوم التي لم تُواكب بعد حجم الإنفاق.

ويضيف "الخطر يكمن في أن تتحول هذه الزيادة إلى عامل تضخمي إضافي، في حال لم تقابلها إيرادات فعلية، وهو ما قد ينعكس سلبا على الليرة اللبنانية ويزيد الضغط على الاقتصاد المنهك أصلا".

ويؤكد أبو سليمان أن هذه الزيادة لم تُرفق حتى الساعة بأي خطة إصلاح مالي واضحة، كما لا توجد مؤشرات ملموسة على تحسين الجباية أو مكافحة التهرب الضريبي أو ضبط الإنفاق العام، ولا حتى على إعادة هيكلة القطاع العام، مشيرا إلى أن الدولة لا تزال تعتمد بشكل أساسي على إيرادات ضريبية هشة وغير قابلة للتوسع.

ويعتبر أن "أي زيادة للأجور كان ينبغي أن تأتي ضمن خطة إصلاحية شاملة تتضمن إصلاحا ضريبيا وإداريا واضح المعالم، تواكبها إجراءات للحد من الهدر وتعزيز الكفاءة داخل القطاع العام".

أما في ما يتعلق بتوسيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فيرى أن "الفرصة قائمة لتحقيق مكاسب تنموية، لكنها مشروطة بإطار قانوني واضح، وحوكمة شفافة، وآليات رقابة صارمة، تضمن عدم تحويل هذه الشراكات إلى باب جديد للهدر والزبائنية السياسية".

ويختم أبو سليمان بالقول "أي إجراء اجتماعي أو اقتصادي يجب أن يكون جزءا من سياسة اقتصادية متكاملة، لا أن يأتي كرد فعل شعبوي أو تحت ضغط سياسي، فبهذا النهج سنبقى ندور في حلقة مفرغة من القرارات العشوائية، من دون القدرة على استعادة الثقة أو تحقيق الاستقرار طويل الأمد".

مقالات مشابهة

  • تعزيز الشفافية في عملية دفع الأجور… الموارد: بدء المرحلة الثالثة من تحويل رواتب”العمالة” إلكترونياً
  • غداً انطلاق حملة الوقاية من الإنهاك الحراري والأمراض
  • «الإرشاد الزراعي» توصي بتغطية التربة حال شدة ارتفاع درجات الحرارة
  • الدولار يتراجع لأدنى مستوى في عامين.. مخاوف تباطؤ الاقتصاد الأمريكي تهدد العملة
  • وزير العمل لراديو النيل: بدء تطبيق قانون العمل الجديد أول سبتمبر.. والبطالة تراجعت إلى 6.3%
  • رفع الأجور في لبنان إنقاذ أم مجازفة؟
  • بسبب ممداني.. الرئيس الأمريكي يُهدد بقطع التمويل الفيدرالي عن نيويورك
  • صالح: سعر الدولار سيواصل الارتفاع ما لم تُشكَّل سلطة تنفيذية قوية
  • بارومتر الأعمال: مؤشر الأداء يواصل الارتفاع في الربع الأول من 2025
  • (صحيفة).. مخاوف يمنية من ارتدادات التصعيد “الإسرائيلي–الإيراني” على التجارة والنقل