اللواء محمد إبراهيم الدويري: التحرك المصري تجاه غزة اتسم بثبات المحددات والمبادئ
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن أي تحرك مصري تجاه الأوضاع الحالية في قطاع غزة يعتمد بصورة رئيسية ليس فقط على إرث تاريخي مشرف، ولكنه يستند أيضاً إلى حاضر مميز وواقع يقرأ الأحداث بكل موضوعية ويتعامل معها بالقدر الذي يحقق مصالح الشعب الفلسطيني، وهذا هو الإطار الذي يحكم موقف القيادة السياسية المصرية تجاه القضية الفلسطينية على مدى عقودها الماضية وخلال مراحلها المقبلة.
وفي هذا السياق شدد اللواء الدويري - في مقاله الذي ورد اليوم الأربعاء بصحيفة (الأهرام) تحت عنوان (مصر واستمرار الاشتباك مع أحداث غزة) – على أن التحرك المصري منذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية تجاه غزة، والتي بدأت يوم 7 أكتوبر 2023 عقب عمليتي (طوفان الأقصى والسيوف الحديدية) قد اتسم بثبات المحددات والمبادئ المصرية التي لم ولن تتغير ومن أهمها الرفض المطلق لتصفية القضية الفلسطينية أو تهجير السكان إلى خارج أراضيهم، ولاسيما إلى سيناء ومعارضة سياسة العقاب الجماعي وعمليات القتل والتدمير الممنهج، الذي تنفذه إسرائيل في مواجهة المدنيين العزل طوال ثلاثة أشهر سابقة دون أي رادع.
ولفت الدويري إلى أن مصر قد تحركت منذ اليوم الأول للعمليات الإسرائيلية وهي تعلم أنها تتحرك في حقل ألغام وأن الحرب الحالية تختلف تماماً عن الحروب الست السابقة التي شهدها قطاع غزة منذ عام 2008، وبالرغم من العقبات غير المسبوقة فإن الاهتمام المصري ركز على كيفية التوصل إلى وقف إطلاق النار أو هدنة إنسانية طويلة نسبياً باعتبار أن هذا المسار يعد هدفاً تكتيكياً يهيئ المناخ لتحقيق بعض الخطوات الإيجابية، أهمها إدخال مزيد من المساعدات الإنسانية وإنجاز صفقة تبادل أسرى ومن ثم يمكن الانتقال في مرحلة تالية للهدف الاستراتيجي بإحياء عملية السلام.
مصر على مستوى المسؤوليةوأشار الدويري إلى أنه في هذا المجال كانت مصر على مستوى المسؤولية عندما طرحت مقترحات تضمنت عدة مراحل متتالية بهدف تغيير الوضع الراهن في غزة حتى ينتقل من حالة الحرب بكل مآسيها إلى حالة التهدئة حتى لو كانت مؤقتة، ومن الضروري أن أشير هنا إلى نقطة شديدة الأهمية تحسب بكل فخر لمصلحة الدولة المصرية ومفادها أن مصر هي الدولة الوحيدة في العالم التي اجتهدت من أجل أن تطرح رؤية متكاملة للخروج من المستنقع الحالي في القطاع، وعلينا ألا ننسى أن الرئيس قد طرح في 21 أكتوبر 2023 خلال مؤتمر القاهرة للسلام مجموعة مبادئ رئيسية لحل أزمة غزة.
وقال اللواء محمد إبراهيم الدويري: "من الإنصاف أن أؤكد أن قيمة المقترحات المصرية التي طرحت مؤخرا لا ترتبط فقط بما تضمنته من مراحل ومتطلبات، وإنما القيمة الأكبر في رأيي تتمثل في أن مصر رفضت أن تكون مجرد رقم في مصاف الدول المراقبة ومن ثم قررت التحرك وسط النار والاشتباك بقوة في المعركة السياسية حفاظاً على أمنها القومي، الذي لن نسمح بالمساس به، من أجل البحث عن حلول نظراً لأن الخسائر التي تعرض لها القطاع حتى الآن فاقت الخسائر التي تعرضت لها القضية منذ 1948.
وأضاف: "من ناحية أخرى لا يمكن النظر إلى المقترحات المصرية على أنها مقدسة أو غير قابلة للتعديل، ولكن المؤكد أنها صالحة لتكون قاعدة للتفاوض بين جميع الأطراف المعنية، وبالتالي ليس من المنطق أو المتوقع أن يكون الرد عليها بالرفض التام أو القبول التام، ولابد أن ينظر الجميع إليها على أنها شعاع ضوء في نفق مظلم للغاية، وعلى الأطراف كلها أن تتلقاها وتستثمرها وتبدأ بها مرحلة جديدة يمكن أن تؤدي إلى تغيير في مسار الحرب الحالية التي لا يعلم أحد متى وكيف ستنتهي.
وأشار إلى أنه بالتوازي مع هذه المقترحات، حرصت مصر على أن تتواصل مع كل الأطراف بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي من أجل التوصل إلى تفاهمات تصلح أن تكون أرضية يمكن البناء عليها مستقبلاً بهدف التوصل إلى التهدئة المطلوبة، وعلى أمل أن يتغير الوضع الحالي في غزة تدريجياً خاصة تخفيف الكارثة الإنسانية التي تفتك بالسكان الفلسطينيين في غزة.
وأفاد بأنه بالرغم من التحرك المصري الإيجابي الذي يسعى إلى إنضاج رؤية للتهدئة يتوافق عليها الجميع، إلا أن هناك بعض الصعوبات التي تحيط بهذا التحرك من جانبين رئيسيين، الأول أن المواقف الأمريكية لا تساعد في تهدئة الأوضاع في غزة، والجانب الثاني يتمثل في المواقف المتطرفة التي تعلن عنها إسرائيل من بينها رفض عودة النازحين إلى شمال غزة بل واعتزام احتلال الشريط الحدودي الفاصل بين القطاع ومصر والذي يطلق عليه اسم محور فيلادلفيا، وهو الأمر الذي يزيد من تعقيدات الموقف وينبئ بأن مثل هذه الخطط الإسرائيلية من شأنها أن تفشل أي جهود للحل.
وقال نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، إنه لا شك في أن مثل هذه المواقف الإسرائيلية يجب أن نأخذها مأخذ الجد حيث إن إسرائيل على وشك الانتقال إلى المرحلة الثالثة من العملية البرية التي ستتركز في جنوب القطاع والتي ستغير فيها إسرئيل تكتيكاتها العسكرية التي انتهجتها خلال عملياتها في منطقتي الشمال والوسط، بحيث سيكون توغلها البري أقل وعمليات القصف والتدمير والاستهداف أكثر تحديدا مع تجنب قتل المدنيين قدر المستطاع حتى لا تتعرض لمزيد من الانتقادات الإقليمية والدولية وتماشيا مع بعض المطالب الأمريكية.
وأكد أنه بالرغم من كل العقبات المرتبطة بالوضع الحالي في غزة والتي تزداد تعقيداً فإن مصر لن تتوقف عن التحرك وستظل حريصة على التواصل مع جميع الأطراف حتى تصل إلى التهدئة المنشودة، سواء من خلال الطرح الذي قدمته أو أي مقترحات أخرى، وستظل مصر منفتحة على التنسيق مع جميع القوى المعنية من أجل الوصول إلى وضع أفضل ينقل السكان الفلسطينيين في القطاع من الوضع الكارثي الذي يشاهده العالم بلا حراك إلى وضع إنساني يحصل فيه الفلسطينيون على أقل حقوقهم الإنسانية وسط عالم لا يعترف فيه إلابحقوق الإنسان لمجتمعاتهم فقط.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدويري غزة قطاع غزة طوفان الأقصى من أجل فی غزة على أن
إقرأ أيضاً:
الرجل الذي يريد أن يصبح ملكاً.. قراءة في التحولات السعودية تحت قيادة بن سلمان
في توقيت لا يمكن اعتباره مصادفة، نشرت الصحفية الأمريكية المخضرمة كارين إليوت هاوس كتابها الجديد "الرجل الذي يريد أن يصبح ملكاً: محمد بن سلمان وتحول السعودية"، في لحظة حرجة من تاريخ الشرق الأوسط، حيث تصاعد دور السعودية بقيادة ولي عهدها محمد بن سلمان في إعادة رسم توازنات الإقليم، على خلفية التحولات الدراماتيكية في الصراع بين إيران وإسرائيل، وتبدل التموضعات الجيوسياسية عقب الحرب على غزة، وانخراط المملكة في ملفات حاسمة تتعلق بالتطبيع ومفاوضات الأسرى والسلام.
الكتاب، الذي راجعه الكاتب الأمريكي البارز والتر راسل ميد في صحيفة "وول ستريت جورنال" بتاريخ 3 تموز/ يوليو 2025، يقدّم شهادة من الداخل الأميركي على تحول ولي العهد السعودي إلى "ملك غير متوّج فعليًا"، يباشر إعادة تشكيل الدولة والمجتمع في المملكة، ولكن ليس بالضرورة ضمن مسار ديمقراطي، بل عبر رؤية مركزية تُعلي من "التحكم الحداثي" على حساب الانفتاح السياسي.
سعودية جديدة.. لا تشبه القديمة
كارين هاوس ليست صحفية عابرة في الشأن السعودي؛ فقد بدأت تغطية المملكة منذ السبعينيات، ونالت جائزة "بوليتزر" في 1984 عن تغطياتها العميقة للشرق الأوسط. في كتابها الجديد، تنقل تحولاتها الشخصية من متابعة صحفية إلى "شاهدة على نهاية سعودية قديمة وصعود أخرى جديدة"، حيث أصبح محمد بن سلمان هو الدولة.
ترصد هاوس، من خلال مقابلاتها داخل السعودية، ملامح التغيير الذي أحدثه "MBS"، كما يُعرف دوليًا، من فتح المجال أمام النساء في الفضاء العام وسوق العمل، إلى إقصاء عدد كبير من أفراد العائلة المالكة، وإعادة ترتيب الاقتصاد والمجتمع والدين بما يتناسب مع رؤيته الصارمة لـ"رؤية 2030".
لكن الأهم من التغييرات الاجتماعية، حسبما تبرز هاوس، هو كسر بن سلمان للسلوك التقليدي لآل سعود؛ فهو لا يرى مشكلة في التزلج على الرمال في نيوم، أو الظهور بجاكيت "باربور" الإنجليزي ونظارات "توم فورد" وحذاء "Yeezy" الأمريكي، في سباقات الفورمولا E، في مشهد رمزي يُلخّص شكل الحكم الجديد: مزيج من الحداثة الغربية والهوية السعودية، تحت هيمنة الفرد الواحد.
تحديث بلا ديمقراطية
يؤكد الكاتب والتر ميد في مراجعته أن ولي العهد لا يسعى إلى ديمقراطية، بل إلى تحديث اقتصادي واجتماعي تحت سلطة مركزية صارمة. ويقول: "محمد بن سلمان لا يريد تقاسم الحكم، بل يريد النجاح فيه بمفرده". وهذا ما يجعل تجربته محل جدل؛ فبينما يتلقاها الغرب بعيون منبهرة لما فيها من "علمانية مقنّعة"، فإن الأصوات الحقوقية ترى في تلك التغييرات شكلاً من الاستبداد الجديد المغلف بالتكنولوجيا والانفتاح الاقتصادي.
وبينما يتحدث الكتاب عن إعجاب بعض السعوديين، خاصة النساء والشباب، بالانفتاح النسبي، إلا أن أسئلة كبرى تظل دون إجابة: ماذا عن الحريات السياسية؟ ماذا عن المعتقلين؟ وماذا عن المعارضة المقموعة في الداخل والخارج؟ وماذا عن ثمن التحالفات الخارجية، مثل ملف التطبيع مع إسرائيل، الذي بات يطبخ على نار هادئة بدعم أميركي واضح؟
رجل في قلب لعبة إقليمية كبرى
يتزامن صدور الكتاب مع عودة المملكة إلى قلب اللعبة السياسية في الشرق الأوسط. محمد بن سلمان لم يعد "قائدًا شابًا طموحًا" فقط، بل رقماً حاسماً في ملفات ساخنة: التفاوض على إنهاء حرب غزة، الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، بل وأيضًا "هندسة ما بعد إيران"، بعد التقهقر الإيراني الإقليمي عقب الضربات الإسرائيلية، كما يشير ميد.
وفي هذا السياق، فإن فهم شخصية بن سلمان ـ بحسب ميد ـ ليس ترفًا، بل ضرورة استراتيجية لصناع القرار في واشنطن وتل أبيب، الذين يجدون أنفسهم اليوم مضطرين للجلوس معه، بل الاعتماد عليه في مشاريع إعادة رسم خارطة المنطقة.
المعضلة: كيف نحكم على التغيير؟
يبقى السؤال الجوهري الذي يطرحه الكتاب، بذكاء غير مباشر: هل ما يحدث في السعودية ثورة تحديث فعلية، أم هندسة اجتماعية من فوق؟ وهل يمكن لعقود من المحافظة والسلطوية أن تُستبدل بتغيير سريع تحت سلطة فرد واحد؟ وأين يقف المواطن السعودي من هذه التحولات؟
الكتاب لا يجيب بشكل نهائي، لكنه يضع القارئ أمام حقيقة واحدة: محمد بن سلمان قد لا يكون ملكًا رسميًا بعد، لكنه يحكم كملك فعلي، ويعيد تشكيل السعودية على صورته.. وصورة المستقبل الذي يريده.
https://www.wsj.com/world/middle-east/the-man-who-would-be-king-review-a-very-modern-monarch-bd35aa6d