الأفكار والمشاعر السلبية
تاريخ النشر: 10th, January 2024 GMT
حمد الحضرمي **
العقل هو العضو الفعال المسيطر على حركة صاحبه في الحياة، فهو الأداة التي لا تخيب، والسلاح الذي لا يكبو، ومن خلاله تكتشف حقيقة القوة التي يمكن أن يمارسها التفكير النابع من عقولنا على أجسامنا وحياتنا، فعلينا أن نفكر بوضوح وحكمة، حتى ننظف عقولنا من الأفكار السلبية المتراكمة ونخرجها بإرادة قوية، ونتخلص من الهواجس السامة ونزيل الصدأ الذي تغلّف به نفوسنا، والضباب الذي يحجب الرؤية عن عقولنا، عندها سنتمكن من التفكير بوضوح وحكمة، تقودنا إلى طريق السلامة والصحة والسعادة.
وعلينا أن لا نفقد الطاقة الإيجابية من أجسامنا لأنها تمنحنا السكينة والانشراح وتساعدنا على حسن التصرف والتصالح مع النفس والتعامل مع الآخرين بثقة، والصمود في مواجهة الصعوبات والسيطرة على التحديات التي تواجهنا في الحياة، وعلينا الابتعاد عن المشاعر السلبية مثل توقع أمور غير سارة والظن السيء والقلق والأحقاد، وعلينا التركيز بالانشغال في أحوالنا وترك الناس وتتبع سلبياتهم أو نجاحاتهم، وعلينا ترك مجالس الغيبة والنميمة والقيل والقال والجدل العقيم، وعدم تركيز أذهاننا في مواضيع هامشية وتافهة نجعل منها قضايا كبيرة تشغل العقل بالتفكير السلبي المؤثر على صحة الإنسان وسلامته.
ومن الأشياء التي تؤثر على هدر طاقتنا هي الفوضى في حياتنا وعدم تنظيم أوقاتنا ومواعيدنا، وكذلك الشعور بالخوف بمختلف أشكاله، لأن الخوف يشل التفكير ويبدد الطاقة من جسمك ويدفعك للشعور بالتعاسة والضعف، وكذلك ما يبدد الطاقة مرافقة الأشخاص المتشائمين أصحاب الأفكار السوداء، الذين لا يرون من الدنيا إلا سوادها ومن الناس إلا نواقصهم وسيئاتهم، وعلينا عدم مصاحبة أهل الظلم وأصحاب النفوس الظالمة والنفوس الحاقدة لأن هؤلاء من لصوص وسارقي الطاقة.
ومن أهم الطرق التي تؤدي إلى زيادة الطاقة والأفكار الإيجابية هي الراحة ومراقبة الخيال والفكر التي بها يعاد شحن طاقة الإنسان وتمنحه الثقة بالنفس، وعلينا الابتعاد عن ما يجلب إلينا القلق والاضطراب لأن سعادتنا وهمومنا من صنع أفكارنا، فنحن من يختار السعادة أو الهموم والتعاسة، وعلينا التفاؤل لأنه سيؤدي إلى النجاح، والسيطرة على الأفكار والنفس، وبذلك يكون الإنسان قد سيطر على نفسه، وستكون كل أفكاره وقرارات سليمة، ولا تسمح لعقلك أن يحتفظ بالأفكار والمشاعر السلبية، وصل تفكيرك بالذكريات الجميلة ونجاحاتك وانتصاراتك واجعلها تطفو على نفسيتك وشخصيتك، لتكون في حياتك سعيدًا وناجحًا.
نصيحتي لكم أيها القراء الكرام الابتعاد عن الأشخاص السلبيين والحاقدين وأصحاب الهموم والأحزان، لأنهم من أكبر سارقي الطاقة الإيجابية؛ حيث تتركز غاياتهم في أذية الناس والكيد لهم والعيش على الكذب والخداع، ولا يرون في الأخرين إلا كل نقيصة، فاعتزلوا المنافقين ولا تصاحبوا أصحاب الأفكار السلبية، لأن مصاحبتهم نهايتها الفشل والوقوع في الأخطاء، واحرصوا على أن لا تجعلوا لرضا الناس وسخطهم وسخافتهم المغرضة سبيلًا لإشاعة الفوضى داخل نفوسكم مهما بلغت درجة إساءتهم إليكم، واجعلوا اسم الله وهيبته ماثلة أمام أعينكم، واتركوا الآخرين وشأنهم وفي غيهم يعمهون، حتى تعيشوا في سعادة وسرور وسلام، وتتمكنوا من السيطرة على أفكاركم ومشاعركم، وتكونوا من أصحاب العقول الواعية والقلوب المؤمنة والأفكار النيرة.
** محامٍ ومستشار قانوني
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
موفق محمد .. لسان حال الناس
فـي أحاديثه الشخصية، وفـي تصريحاته لوسائل الإعلام، اعتاد الشاعر موفق محمد الذي غادر عالمنا عن (77) عاما، أن يطلق الطرائف، راويا الكثير من المفارقات التي تصادفه فـي الحياة بروح ساخرة، هذه الروح كانت طابعا ملازما له، وقد زحفت على شعره، حتّى غطّته، وفـي كل تلك الأحاديث تراه، رغم آلامه وأحزانه، يشيع جوّا من المرح، حين يذكر مفارقات تحمل طابع الكوميديا السوداء، فـيصدق به قول الشاعر:
كالطير يرقص مذبوحا من الألم
وفـي واحد من أحاديثه قال إنه ذهب ذات صباح باكر إلى تمثاله الذي يتوسّط واحدة من ساحات مدينته الحلّة، فوجد عمّال النظافة قد بكّروا قبله لتنظيف الساحة، وحين شاهده أحدهم مستغرقا، فسأله، من دون أن يعرف أن التمثال له، عن صاحب التمثال: هل هو سياسي أم مخترع أم قائد عسكري؟ فأجابه: إنه شاعر، فأصيب عامل النظافة بخيبة أمل، وقال: الله يرحمه!
كان موفق يروي الواقعة وهو يضحك، (هل سيضحك وهو فـي قبره حين يسمع أن هناك من يقف اليوم أمام تمثاله ويترحم له ؟) وجه المفارقة فـي الحكاية أن الناس اعتادوا على تكريم المخترعين، والشهداء، والقادة، بوضع التماثيل لهم، أما الشعراء، فحظهم هو الأقل فـي ذلك، ومن هذا القليل تمثال الشاعر بدر شاكر السياب المتوفى عام 1964 الذي أزيح عنه الستار عام 1971م فـي مدينته البصرة، وكذلك الرصافـي، وعبد المحسن الكاظمي، ومحمد سعيد الحبوبي، وكلهم، جرى تكريمهم، بعد وفاتهم، أما الشاعر موفق محمد، فقد كان استثناء، فقد نصبوا له تمثالا فـي حياته، وكان على نفقة أحد تلامذته الذين أصبحوا من رجال الأعمال، وقد افتتح بحضوره، وهذا دليل على احتفاء المحيط به، وتقديره له، فقد عاش علما من أعلام مدينته الحلة ونجما ساطعا من نجومها، وهذا نادرا ما يحدث فـي زمننا، الذي نشهد به تراجعا ملحوظا لمكانة الشعر ومع تراجعها، تراجعت مكانة الشاعر، إلّا موفق محمد فقد بقيت مكانته عالية، ولكن كيف اكتسب هذه المكانة؟ هذا ما سنحاول أن نجيب عنه، وأوّلها أنه كان قريبا من آلام البسطاء، فكان صوت الناس، المعبّر عن آلامهم، وآمالهم، لذا أحبّوه، فحين سئل القاضي الفاضل عن سبب إقبال الناس على شعر المتنبي، أجاب: «إن أبا الطيب ينطق عن خواطر الناس» فموفق محمد نطق عن خواطر الناس، فكان لسان حالهم، فأحبّوه:
«طفلةً حافـيةً ترقص تحت وابل من الرصاص
فـي الطريق إلى المدرسة وهي تجر خلفها حقائب من الأسى،
وكان اسمها زيتونةً وقلبها ينبض كالغصن يميل مع الرصاص يمينا وشمالا
ولا يسمع جرس الدرس الأول فـيعود منكسرا إلى قفصه ..
لقد أحدودبت ظهور أطفالنا
وأعشوشب الضيم فـي صدورهم»
وتنطوي قصيدته على مفارقة، ففـي قصيدة يصور فـيها قسوة الحصار الذي فرضته أمريكا على العراق فـي التسعينيات، فـيقول:
رسم المدرس برتقالة
فوجد الطلاب يقشّرون السبورة
رسم المدرس دجاجة
فوجد الطلاب يلوّحون لها بالسكاكين
ترك المدرس قبره
وأصرّ أن يعطي الذين أحبهم
بعض الدروس
وجد الجميع بلا رؤوس
تميّزت قصيدة بالعفوية، والتلقائيّة، وحرصه على موسيقى الشعر:
شلوا يمينك واستعانوا بالذئاب على يسارك
هذا جزاؤك أن تموت فدى لصوتك واختيارك
وقد اعتاد أن يرسم مشاهد بصريّة يلتقطها من الواقع بعين الشاعر الذي يرى ما لا يراه الآخرون، ويعبّر عن تلك المشاهد القاسية بعذوبة آسرة تجعل القارئ يعيد قراءة النص عدّة مرّات:
فـي براد الموتى
وبعين مرعوبة ميّز وجه أخيه
حدق فـي جبهته المثقوبة
فرأى أما معطوبة وغرابا ينقر فـي عين أبيه
وهو غزير النتاج الشعري، كثير التنوّع، كتب قصيدة الشطرين، والتفعيلة، وقصيدة النثر والشعر الشعبي وزاوج ما بين الفصيح والشعبي فـي قصائده الساخرة المريرة، جاعلا من اللغة أبرز أدواته التعبيرية، معتمدا على اللغة المركزة:
عشرة أيتام
كنا حين ينام النهر ننام
ويعتمد فـي شعره على المفارقة:
أحياء ما زلنا أحياء
نحيا فـي حي الأسرى والمفقودين
وحي الشهداء.
جمعني به مهرجان المربد الشعري الذي أقيم فـي البصرة عام 2010، وتكررت لقاءاتنا فـي مهرجان بابل 2022 م ورأيته كما هو فـي شعره، عفويا، متوحّدا مع كلماته، فهو لا ينفصل عنها، بسيطا، حاملا أوجاعه التي يغطي عليها بسخرية مريرة، وخصوصا وجعه الكبير بتغييب ولده عام 1991 الذي خلّف جرحا لا يندمل عبّر عنه بالكثير من القصائد.