الأميرة رشا يسري تكتب: أوجاع إسرائيل في «100 يوم حرب»
تاريخ النشر: 17th, January 2024 GMT
المشاهد غير المسبوقة فى إسرائيل بعد السابع من أكتوبر 2023 تشى بأن المجتمع الإسرائيلى ربما سيواجه تغيراً حاداً فى بنيته الاجتماعية والسياسية بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، وقد قلبت الحرب كثيراً من المفاهيم التقليدية إلى مفاهيم جديدة فرضتها الأحداث، وفى ذلك، فإنى سأنقل للقارئ من صحافتهم، مظاهر هذا التغيير الذى ضرب المجتمع فى دولة الاحتلال.
المشهد الأول:
لقد أظهر التغيير الذى خلفته الحرب فى الحالة النفسية التى أصابت المجتمع الإسرائيلى بشكل عام وجنود الجيش الإسرائيلى بشكل خاص، أن المجتمع هناك من الهشاشة بمكان، أنه لم يعد يثق فى إسرائيل بأنها دولة الحلم المنشود: (فالاكتئاب والقلق والسكين تحت الوسادة هو الثمن النفسى الذى يدفعه الوالدان فى الحرب)؛ وما بين القوسين هو عنوان لموضوع مطول فى صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية تناول دراسة جديدة لأبعاد الضرر النفسى الذى أصاب الأُسر الإسرائيلية التى يُشارك أحد عناصرها الحرب سواء أكان أباً أو أماً، والأثر النفسى على الأطفال.
فقد تبين أن حوالى 66% من الأُسر التى لا يشارك الزوجان فيها نظام الاحتياط يعانون من مستويات متوسطة إلى مرتفعة من الاكتئاب والقلق وأعراض ما بعد الصدمة، ما يجعلهم فى غير استثناء مما أصاب أفراد الأسر التى يشارك أفراد منها فى تلك الحرب الدائرة الآن.
وبالتوازى مع ما نشرته «يديعوت أحرونوت» فإن موقع تايمز أوف إسرائيل أشار بدوره إلى زيادة الطلب على الأدوية النفسية منذ السابع من أكتوبر، أظهر المشهد تزايداً فى استخدام العقاقير المهدئة، التى لا تتطلب وصفات طبية، بنسبة تتراوح بين 20% و30% فى المتوسط خلال الشهر الأول من اندلاع الحرب. يعود هذا التزايد إلى ارتفاع حالات القلق، والاكتئاب، والأرق، وغيرها من الأعراض الشائعة التى يواجهها الكثيرون فى إسرائيل نتيجة لصدمة الحرب الحالية.
المشهد الثانى:
وتكشفه تلك التساؤلات التى طرحتها صحيفة «هآرتس» حول تفعيل بروتوكول هانيبال على المواطنين الإسرائيليين ممن كانوا رهائن لدى المقاومة أثناء هجوم حماس فى 7 أكتوبر على مستوطنات غلاف غزة، تساءلت الصحيفة الإسرائيلية عن الاشتباه الذى وفقاً له قام الجيش الإسرائيلى بتفعيل إجراء «هانيبال»، ولمن لا يعرفه فهو بروتوكول يستخدمه الجيش الإسرائيلى لمنع أسر جنوده، وجرى تغييره عدة مرات، وفى وقت من الأوقات كانت الصيغة هى أن «عملية الاختطاف يجب أن تتوقف بكل الوسائل، حتى لو كان ذلك على حساب ضرب قواتنا وإلحاق الأذى بهم».
ذكرت صحيفة هآرتس أن الاشتباه بتفعيل الجيش الإسرائيلى لبروتوكول هانيبال على 14 مواطناً كانوا محتجزين كرهائن بواسطة حماس فى بيت أسرة كوهين بمستوطنة بئرى يستند على شهادة ياسمين فورات وهداس دجان، الناجيتين الوحيدتين من الحادث.
قالت «فورات» التى اُحتجزت كرهينة وأطلق أحد الإرهابيين سراحها أثناء الحادث فى مقابلة تليفزيونية نقلت تفاصيلها صحيفة هآرتس: إن قوات «وحدة الشرطة الخاصة» التى كانت خارج المنزل استجوبت «فورات» عند خروجها وسمعت منها أنه يوجد بداخل المنزل 40 إرهابياً و14 مدنياً رهائن، وبينما أفلتت «فورات» بقيت «داجان» فى المنزل الذى تلقى قذيفتين من دبابة، أودت بحياة كل من فيه، ولم تنجُ من هذه الضربة سوى «داجان»، وهى الوحيدة من بين المدنيين الذين كانوا داخل المنزل وظلوا على قيد الحياة، هكذا كانت شهادة «فورات».
إن هذا الاشتباه والذى تسعى أسر المقتولين فى يوم 7 أكتوبر للتحقق منه أملاً فى الوصول لإجابة حقيقية يعد مشهداً قاسياً فى العلاقة بين الشعب الإسرائيلى وجيشه، قد يتسبب فى هزة كبيرة تضرب الثقة المتبادلة بين الشعب وأهم المؤسسات فى إسرائيل وهما الشرطة والجيش الإسرائيلى، الأمر الذى يستوجب -بحسب أسر الضحايا- فتح تحقيق حوله، لكن الحكومة الإسرائيلية ما زالت ترى أن الوقت ليس مناسباً، فى ظل اشتعال الحرب، ووعدت الحكومة بأنه سوف يتم فتح تحقيق فيه فور الانتهاء من القتال للوقوف على حقيقة ما دار فى هذا اليوم.
المشهد الثالث:
ويتمثل فى حالة التفرقة التى شعر بها المواطنون الإسرائيليون والتمييز بين من يحملون الجنسيات الأجنبية ومن هم إسرائيليون فحسب، فقد شهدت الدفعات الأولى من إطلاق صراح المحتجزين لدى حماس عبر الصفقة التى تم الاتفاق عليها أواخر شهر نوفمبر الماضى؛ اهتماماً بمن يحملون جنسيات أجنبية أو من يحملون جوازات سفر أجنبية بجانب الجنسية الإسرائيلية، الأمر الذى أثار حفيظة البعض فى عدم الاهتمام أو إعطاء الأولوية لمن يحملون الجنسية الإسرائيلية فقط.
وبالرغم من صعوبة فهم المواطنين لهذا المشهد، تم التحرك بسرعة من قِبَل وسائل الإعلام والحكومة لتصحيح هذا الشعور، ملتزمة بوضع المواطنين الإسرائيليين فى أولويات المراحل اللاحقة عند التباحث فى الإفراج عن دفعات لاحقة.
سيكون للمشاهد السابقة تأثير واضح على المجتمع الإسرائيلى بأكمله، حيث ستُلقى بظلالها على كل جوانب الحياة اليومية، وستؤدى إلى تغيير قناعة المواطن الإسرائيلى وسلوكياته، ستجعلهم يختلفون عما كانوا عليه قبل هجوم السابع من أكتوبر.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: غزة قطاع غزة فلسطين إسرائيل الجیش الإسرائیلى فى إسرائیل من یحملون
إقرأ أيضاً:
تأثير الهجمات الإسرائيلية على المدنيين والبنية التحتية بإيران
طهران- بعد 12 يوما من المواجهة العسكرية مع إسرائيل -وبدعم مباشر من الولايات المتحدة- دخلت إيران مرحلة "هدنة غير مستقرة" كما يصفها مراقبون. وبينما أعلنت القيادة الإيرانية أن الحرب انتهت بـ"نصر تاريخي" لا تزال أصداء القصف والدمار والهواجس الاقتصادية حاضرة في الشارع الإيراني.
وفي أول خطاب له عقب إعلان وقف إطلاق النار، وصف الرئيس مسعود بزشكيان ما حدث بأنه "نصر مرهون بوحدة الشعب وصمود القوات المسلحة". وأكد أن الحرب فُرضت على بلاده بسبب ما سماه "مغامرة صهيونية عدوانية، لكنها انتهت بإرادة الشعب".
وأشار بزشكيان إلى أن أهداف هذا الهجوم كانت واضحة وهي استهداف المنشآت النووية، وزعزعة النظام السياسي، وإثارة اضطرابات اجتماعية، مؤكدا أن "جميعها فشلت". وشدد على ضرورة الحفاظ على "الوحدة الوطنية" قائلا إن "كل ما تحقق من انتصار يعود فضله إلى انسجام الدولة والشعب".
مشاعر متباينةمن جانبها، ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية أن الهجمات الصاروخية الأخيرة و"خاصة القصف الذي استهدف قاعدة العديد الجوية في قطر، كان العامل الحاسم في دفع واشنطن وإسرائيل إلى طلب التهدئة".
وأوضحت الهيئة الإيرانية في بيان لها "العدو لم يتوقع هذا الرد الإيراني المباشر، لا من حيث النوعية ولا التوقيت. وقد اضطر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى مطالبة إيران بوقف إطلاق النار في خطوة وصفتها وسائل الإعلام المحلية بأنها التماس مهين".
وقد تباينت مشاعر المواطنين الإيرانيين بعد وقف إطلاق النار، بين فئات عبّرت عن الفخر وارتياحها لما تعتبره "صمودا وطنيا" وأخرى تخشى تداعيات الحرب على الاقتصاد والأمن، في حين أبدت أصوات شكوكا في نوايا إسرائيل بخصوص الهدنة.
وقال حسين وهو موظف من تبريز "هذا النصر ثمرة وحدة شعبنا. كانوا يظنون أننا سنتراجع، لكن إيران أثبتت أنها ما زالت قوية". وكذلك عبّرت ليلى (معلمة من طهران) عن ارتياحها، قائلة "منذ أسبوعين تقريبا ونحن مرتعبون من أصوات القصف والدفاعات الجوية. الآن فقط أستطيع أن أتنفس".
إعلانأما مجتبى (صاحب متجر في شيراز) فأكد أن "الحرب توقفت، لكن الأسعار مستمرة في الارتفاع. أخشى أزمة اقتصادية جديدة بسبب كل ما حدث". وقالت زهراء، طالبة دراسات عليا من أصفهان، إن "الهدنة خطوة جيدة، لكن هل نثق بإسرائيل؟ لا أظن. هذه ليست نهاية القصة".
ووفق مصادر رسمية، فإن قوات الحرس الثوري والجيش "ما زالوا على أهبة الاستعداد" ويجري تقييم شامل للأداء القتالي والتنسيق الدفاعي. وشددت مصادر عسكرية على أن إيران "لم تستخدم كل ما في جعبتها" وهي قادرة على "الردع المستدام" في حال تجدد العدوان.
خسائر بشرية وماديةوأعادت إيران تأكيد تمسكها ببرنامجها النووي كمسألة "كرامة وسيادة وطنية". وعلى خلفية استهداف مواقع نووية خلال الحرب، صعّد البرلمان الإيراني من موقفه تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال إبراهيم رضائي المتحدث باسم لجنة الأمن القومي "سنرد بحزم في حال أقدم العدو الإسرائيلي على أي عدوان جديد. البرلمان وافق على قرار يلزم الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة (الدولية للطاقة الذرية) ويجب مقاضاة مديرها العام بسبب تقاريره الكاذبة وتجسس بعض مفتشيه على منشآتنا".
وفي خضم هذه الحرب التي اندلعت في 13 يونيو/حزيران الجاري، شهدت إيران موجة من الهجمات الجوية والصاروخية استهدفت ليس فقط مواقع عسكرية، بل أيضا مراكز مدنية حساسة مما أدى إلى خسائر بشرية ومادية. وأعلن المتحدث باسم وزارة الصحة أن نحو 90% من الضحايا من المدنيين.
وقد تعرض مستشفى فارابي في كرمانشاه لأضرار كبيرة بعد انفجار ناجم عن هجوم على مركز مجاور، أدى لتدمير أجزاء من الأجنحة الطبية، مما تسبب في توقف مؤقت عن استقبال المرضى. كما أُصيب عدد من المرضى والعاملين، وسط استنكار واسع من قبل منظمات حقوقية اعتبرت هذا الهجوم خرقا واضحا لاتفاقيات حماية المنشآت الطبية.
وفي سجن إيفين (شمالي العاصمة طهران) أصابت ضربة جوية مدخل السجن وبعض المباني الإدارية، مما أدى إلى أضرار هيكلية وسقوط عدد من الضحايا. ودعت منظمات حقوقية دولية إلى وقف مثل هذه الهجمات التي تنتهك قواعد القانون الدولي الإنساني.
وفي إحدى أكثر الهجمات إثارة للجدل، استهدفت ضربات جوية مقر مؤسسة الإذاعة والتلفزيون بطهران، مما أدى لمقتل اثنين من كبار مسؤولي الإعلام وتعطيل بث بعض القنوات الرسمية. وهو ما اعتبرته إيران "محاولة لإسكات صوت المقاومة" بينما رأى محللون أن استهداف الإعلام يمثل تصعيدا في حرب المعلومات.
أما في قطاع الطاقة، فقد تعرضت منشآت حيوية في عسلويه (جنوبي إيران) لضربات متكررة، تسببت في اندلاع حرائق كبيرة وأدت إلى انقطاعات في التيار الكهربائي أثّرت على حياة ملايين المواطنين.
وتعرض مخزن وقود رئيسي في طهران لهجوم صاروخي أدّى لاندلاع حريق ضخم تسبب في تدمير كميات كبيرة من الوقود مخزنة فيه، كما أدى إلى تعطيل إمدادات الوقود بعدة مناطق حيوية من المدينة، مما أثّر على حركة النقل وتزويد المحطات وفاقم حدة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة أصلا جراء الحرب.
إعلانوأكدت السلطات الإيرانية أن هذا الاستهداف يندرج ضمن حملة ممنهجة لتقويض البنية التحتية الحيوية، في محاولة للضغط على الحكومة والشعب الإيراني. كما نددت به منظمات دولية معتبرة أن استهداف مرافق الطاقة والوقود يشكل انتهاكا لقوانين الحرب التي تحظر ضرب المنشآت المدنية التي تؤثر على حياة المدنيين.
ومن جهة أخرى، تعرضت عدة أحياء سكنية شمال طهران وضواحي كرج وأصفهان لقصف صاروخي وطائرات بدون طيار، مما أدى إلى دمار واسع في المنازل وممتلكات المدنيين، وتسجيل عشرات القتلى والجرحى، إضافة لتشريد مئات العائلات، مع ارتفاع حالات النزوح الداخلي وسط موجة من الخوف وعدم الاستقرار.
واستهدفت الهجمات أيضا مراكز بحثية وعلمية في ضواحي طهران وأصفهان، حيث لقي ما لا يقل عن 14 عالما وباحثا مصارعهم، بينما تعرضت المختبرات والمرافق العلمية لأضرار كبيرة. وأثارت هذه الخسائر استنكارا واسعا داخل الأوساط العلمية الإيرانية والدولية.
وتعرضت مكتبة مركز وثائق الخارجية الإيرانية بالعاصمة لأضرار جسيمة أدت إلى تدمير أرشيفات تاريخية ودبلوماسية "لا تقدر بثمن". وأدانت هذا الهجوم جهات دولية مثل منظمة اليونسكو والاتحاد الدولي لجمعيات المكتبات، معتبرة أن تدمير الممتلكات الثقافية يشكل انتهاكا صارخا لاتفاقيات حماية التراث الثقافي خلال النزاعات المسلحة.
ويؤكد خبراء القانون الدولي أن استهداف المرافق المدنية والبنية التحتية الحيوية يُعد خرقا لاتفاقيات جنيف والبروتوكولات الملحقة بها، وقد يرقى إلى مستوى جرائم الحرب، خاصة مع ارتفاع نسبة الضحايا المدنيين. ودعت منظمات حقوقية دولية إلى تحقيقات مستقلة وشفافة للكشف عن ملابسات هذه الهجمات وضمان محاسبة المسؤولين عليها.