من المستبعد طبيًا أن يأتى مريضٌ إلى المستشفى فلا يستطيع أن يشرح علته بأى حال من الأحوال ولو عن طريق الإشارة حتى إن كان فى بلد غريب لا يفقه اللغة فيهم، فلغة الطب عند المريض هى التى تفرض عليك كيف تعبر عن مرضك وتفرض عليك كيف تشرح ما بك ولغة الطب هى التى وكيف تتكلم فهى لا تقتصر على دراسة معينة أو بلد تقدم الطب فيه.
وعند الأطباء لغة الطب هى التى تفرض عليك كيف تحدّث معلوماتك الطبية فالمعلومة القديمة ليس لها مكان فى لغة الطب فى سائر العصور والطبيب الذى لا يجدد نفسه ولا يتابع ما يجرى على الساحة الطبية الإقليمية أو العالمية سريعًا ما سيقع ولن تقوم له قائمة.
والمتابع للتطور الطبى سيعرف أن لغة الطب لم تختلف حتى كتابة هذه السطور ولكنها «لغة الطب» ستختلف بطبيعة الحال بين الأمم المتقدمة والأمم المتخلّفة.
والمتابع للتطور الطبى سيعرف أن لغة الطب لم تختلف بين العصور الفرعونى والإسلامى والحديث فهى لغة فريدة تتقدم دائماً تفرض نفسها حيناً وأحيان أخرى لا تشعر بها فكل الناس تتكلم بها فكل الناس يعرفون «الأعور والزايدة والكسر والمزق والحرارة والبرد والامساك والإسهال» وكل الناس يعرفون الفرق بين «الرعاية والعملية والإفاقة والنقاهة والغيبوبة» وهذا مما تعارف عليه الناس.
والمتابع للتطور الطبى سيعرف أن لغة الطب لا تختلف بين الشرق والغرب فضلًا عن أن المريض يستطيع أن يستخدم الإشارة لشرح حالته ويستطيع فى أغلب الأحوال ذلك وما دفعنى لكتابة هذا المقال مريض مصرى أصيب بجلطة فى المخ فى روسيا فدخل وحده إلى أحد المستشفيات الروسية وتم حجزه ما يقرب من شهر وهو لا يفقه الروسية وتم علاجه على أكمل وجه.
أما المصطلحات والمرادفات الطبية «Terminology» فشيءٌ آخر فأولًا لابد أن نعرف ما معنى كلمة مصطلح وهو الاسم الذى يطلق على عضو ما داخل الجسد أو عملية معينة أو التجديد فى اسم قديم كان يلقب به المرض أو العضو من قبل ثم تغيّر بعد ذلك.
فما أساسيات المصطلحات الطبية؟ هى ما تعارف عليه الأطباء بأن تكون هناك لغة معينة تشرح الأمراض pathy or isis or itis أو الأماكن فى الجسد مثل antero or postero أو التضخم مثل megaly وغيرها.
وثانيًا ما فائدة المصطلحات الطبية؟ هى تسهيل المهنة على الأطباء أو الاحتفاظ بسمت معينة لها والتأكّد من أن طالب الطب متابع لها.
واللغة والحوار داخل المستشفى وكتابة العلاج فليست مشكلة وهى مقدمة من الطبيب أو الكادر الطبى إلى المرضى فى صور كثيرة وعبر سنين طويلة تطورت المرادفات الطبية واستحدث منها ما هو الجديد وتناسى الناس القديم إما لخطأ كان فيه أو لتطورات الزمن أو لأسباب غير معروفة مثل الجلطة الحديثة فى القلب كنا نطلق عليها Acute myocardial infarction أما الآن فلا تكتب فى المحافل الطبية أو المؤتمرات إلا Acute STEMI وإن كان اللفظ العربى لم يختلف أو غفل الناس سهواً أو عمداً عن تغييره.
وبطبيعة الحال لا بد فى التخصصات الأخرى أشياء مثل ذلك وان كانت أصحابها أعرفُ الناس بها.
ويقول العارفون بالمفردات الطبية إن المرادفات صفات وفيها العظات والتنبيه لما هو فات فتبنى القوة فى اللغات وتمنع الجهل فيما فات وحسبك من المفردات أن تبدأ الهنيّة بالفتات حتى تنشئ الأجيال الثقات.
استشارى القلب - معهد القلب
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د طارق الخولي أحوال
إقرأ أيضاً:
حين يصبح الشكر حدثًا نادرًا
في أحد الأيام ذهبت إلى مدرسة ابني وكان المدير جالسا على كرسيه فسلمت عليه فمد يده وهو ما زال جالسا وقال: أهلا تفضل وش أقدر أخدمك فيه.
كان يتحدث معي على أنني ولي أمر لديه مشكلة ولم يعرفني شخصيا فقلت له أنا عندي بعض الملاحظات..رفع رأسه بسرعة ونظر إلي وقال تفضل؛ فقلت له "عندك المعلم فلان وفلان، جئت اشكرهم على جهودهم وحرصهم على تعليم الأبناء وجمال أسلوبهم" .. ثم أضفت كذلك "جئت أيضا أشكر الإدارة لأن المدرسة أصبحت أفضل بكثير من السابق وحتى الأبناء شعروا بالفرق واستمررت أثني على العمل والترتيب والاهتمام.
وفجأة قام من كرسيه وقال "تفضل" - كررها ثلاثا - ثم قال: أنت أول ولي أمر يجي ويشكرنا ويشكر المعلمين ثم قال "نحن اعتدنا أن الناس تأتي تشتكي فقط"، ثم بدأ يتحدث بحماس عن التطوير الذي أجروه من كاميرات المراقبة والمتابعة والتنظيم الذي أنجزوه هذا العام، وكأن كلمة الشكر أزالت عنه تعب سنة كاملة.
لماذا أصبح الشكر غريبا في زماننا؟.. الناس اليوم يتوقعون الشكوى قبل الشكر والانتقاد قبل الإشادة، وذلك لأن عدة أسباب تتداخل وتصنع هذا المشهد ومنها:
أولا: ضعف ثقافة الامتنان
تعودنا أن نرى النقص قبل التحسن ونلاحظ الخطأ قبل الجهد؛ فالعين صارت مدربة على البحث عن العيوب أكثر من تقدير الإنجازات والنفس أصبحت أسرع في التذمر منها في الثناء.
ثانيا: الانشغال وضغط الحياة
الإنسان اليوم يمر سريعا ولا يتوقف ليقول كلمة طيبة رغم أنها لا تستغرق شيئا فالجميع منشغل بهمومه ومشاغله وكأن الوقت لا يتسع إلا للضروريات وكأن الشكر ليس من الضروريات.
ثالثا: نشأة الأطفال على التصحيح دون التقدير
الطفل يسمع عبارة "ليش سويت كذا" أكثر مما يسمع عبارة "ممتاز أحسنت"؛ فيكبر وهو يعرف اللوم بسرعة ولا يعرف الثناء إلا نادرًا، وهذه التربية تصنع جيلا يجيد النقد ولا يحسن التقدير.
رابعا: الخوف من سوء الفهم
يتردد البعض عن قول كلمة بسيطة خشية أن يفهم الشكر على أنه مصلحة أو مجاملة زائفة فيبخل بالثناء بسبب ظنون لا قيمة لها.
خامسا: الحسد والغيرة
وهذا من أقبح الأسباب؛ لأن بعض النفوس تبخل بالثناء كأنه ينتقص من قدرها، أو كأن نجاح الآخرين ينقص من قيمتها الشخصية.
سادسا: التجارب السلبية المتراكمة
المعلمون والإداريون يسمعون الشكاوى باستمرار حتى صار الشكر بالنسبة لهم شيئا نادرا بل مستغربا، فقد اعتادوا على مواجهة الغضب أكثر من الامتنان حتى أصبح أي تقدير مفاجأة سارة.
الشكر خلق يرفع الإنسان ويحيي العلاقات
يبقى الشكر خلقا يرفع الإنسان ويحيي العلاقة بين الناس، فعندما نعترف بجهد المتميز نفتح بابا للخير ونقوي روح العمل ونبعث في النفوس حافزا للمزيد من العطاء.
يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «من لا يشكر الناس لا يشكر الله»، ومعناه أن الامتنان للناس جزء من الامتنان لله وأن الجحود يُفسد النية ويُضعف أثر العمل.
قد يعجبك أيضاًNo stories found.