في مختلف الكليات والمعاهد الحربية في الولايات المتحدة يجري تلقين الجنود والضباط ضرورة تفادي مواجهة الدولة التي يمتلك مواطنوها السلاح أو المسلحين، ومن ضمن الأمثلة حالة اليمن، ولكن البنتاغون بدأ يدرك أنه لا يمكن مواجهة الشعب اليمني في أرضه والآن من المستحسن تفادي اليمنيين حتى في البحر لأن المستفيد الوحيد هو الصين، بينما يتأثر الاقتصاد الغربي.

 

ومنذ بداية القصف الأمريكي-البريطاني للحوثيين يوم 11 كانون الثاني/يناير، حيث بلغ عدد العمليات حتى الجمعة من الأسبوع الجاري خمس عمليات، يعترف الخبراء العسكريون الأمريكيون أنه لا يمكن إجبار الحوثيين في الوقت الراهن على وقف استهداف السفن. بمعنى أن عمليات القصف لم تردع بعد هذه الحركة التي تسيطر على معظم اليمن، وتكاد تغلق باب المندب والبحر الأحمر نسبيا في وجه الملاحة الدولية. وهذا دفع بالرئيس الأمريكي جو بايدن إلى التصريح الخميس من الأسبوع الجاري بأن الضربات ستستمر ضد الحوثيين طالما لم يتوقفوا عن قصف السفن. الاستراتيجية الأمريكية فشلت، وهذا الفشل يتجلى فيما يلي:

 

أولا، لم ينجح البنتاغون في القضاء على الترسانة العسكرية للحوثيين وخاصة الصواريخ والطائرات المسيرة التي بين الحين والآخر تستهدف سفنا تجارية.

 

ثانيا، يبدو أن شركات الشحن البحري الدولي لم تعد تثق في الحماية الأمريكية المسماة استراتيجية «حارس الازدهار» بمشاركة بريطانيا، لهذا قررت أكثر من عشرين شركة عالمية تغيير طريق سفنها عبر الإبحار عبر جنوب أفريقيا وكأن العالم عاد إلى مرحلة ما قبل فتح قناة السويس.

 

ثالثا، تتعرض واشنطن لضغط كبير من طرف مصر والسعودية، الأولى لأن عائدات قناة السويس تراجعت في وقت يمر منه الاقتصاد المصري بأزمة عميقة وشائكة، وترغب القاهرة في إقناع البيت الأبيض بأن السفن التي تمتلكها إسرائيل أو تقصد موانئ الكيان عليها الإبحار عبر جنوب القارة الأفريقية. ثم تتخوف السعودية من تحول البحر الأحمر إلى منطقة مواجهات لاسيما بعدما قررت إيران بالدفع ببعض قطعها الحربية إلى مياهه. وأرسلت إيران بداية الشهر الجاري مدمرة «البرز» التي تتوفر على صواريخ كروز وسفينة عسكرية للدعم.

 

الاتفاق المقدس

 

وتوجد واشنطن في وضع صعب للغاية، فمن جهة تريد الاستمرار في تأمين أمن إسرائيل بموجب الاتفاق المقدس بين الطرفين، ومن جهة أخرى، لا تريد توترا خطيرا في البحر الأحمر وباب المندب قد يمتد إلى بحر العرب والخليج العربي ويعرقل صادرات الطاقة بشكل كبير، ما سيؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية سيكون الغرب الضحية الرئيسية خاصة أوروبا.

 

التوتر والمواجهات الحربية المحدودة حتى الآن في البحر الأحمر وباب المندب بين الولايات المتحدة والحوثيين لها تأثيرات كبيرة على مصالح واشنطن خاصة العسكرية منها. وارتباطا بهذا، تأثرت علمية انتشار الأساطيل العسكرية الأمريكية في العالم منذ بداية حرب طوفان الأقصى يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. واضطر البنتاغون إلى الاحتفاظ بحاملتي طائرات في الشرق الأوسط جيرالد فورد في شرق المتوسط (غادرت المنطقة منذ أسبوعين) للضغط على حزب الله حتى لا يدخل الحرب ثم إيزنهاور في البحر الأحمر لردع إيران والحوثيين، علاوة على أكثر من خمس قطع حربية بين مدمرات وسفن للدعم اللوجيستي. وتراجع التواجد العسكري البحري الأمريكي في مناطق حساسة مثل منطقة أستراليا وجنوب شرق آسيا وبحر الصين.

 

ومع استمرار هذه الأزمة العسكرية، اتّضح لواشنطن مدى ذكاء بكين للمحافظة على مصالحها في منطقة توتر خطيرة. وكعادتها، لم تدن الصين عمليات الحوثيين باستهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، ورفضت الانخراط في أي مخطط لحماية الملاحة الدولية رغم أن أكثر من 90 في المئة من التجارة الدولية يمر عبر البحر، والصين هي أكبر مصدر للبضائع في العالم. غير أن الاندهاش سيطر على واشنطن عندما تأكدت أن كل سفينة تصدر إشارات أنها مرتبطة بالصين لا تتعرض نهائيا للهجمات وهي تبحر في باب المندب والبحر الأحمر.

 

حسابات بكين

 

ويفيد موقع التحليل «ذي ديبلومات» المتخصص في شرق وجنوب آسيا أن بكين لديها حسابات اقتصادية وجيوسياسية. ولهذا تتبنى الموقف الحالي الذي لا يندد بالحوثيين لأنها ترى أنها قادرة على احتواء ارتفاع تكاليف الشحن الدولي التي لم تصل إلى مستوى مرحلة الجائحة، لكن الأرباح الجيوسياسية ضمن الصراع مع الولايات المتحدة تبقى كبيرة للغاية.

 

وتحاول واشنطن تجنب المزيد من التوتر بالقول إنها في موقف دفاعي ضد هجمات الحوثيين على أسطولها والملاحة الدولية وأنها لم تعلن الحرب على اليمن. وهذا يعني وقف قصف الحوثيين بمجرد وقف الهجوم على السفن في البحر الأحمر. لكن توجد في وضع صعب، فهي بين مطرقة الصين المستفيد الأكبر مما يحدث في البحر الأحمر وسندان مصر والسعودية بسبب خوفهما على عائدات النفط للأخيرة وقناة السويس للأولى.

 

 


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن الصين البحر الأحمر السعودية أمريكا فی البحر الأحمر

إقرأ أيضاً:

واشنطن تطلق تحالفا لمواجهة هيمنة الصين على المعادن والذكاء الاصطناعي

أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تشكيل تحالف دولي جديد تحت مسمى “باكس سيليكا”، في خطوة استراتيجية تهدف إلى تقليص الهيمنة الصينية على العناصر الأرضية النادرة، وتعزيز التفوق الغربي في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة وأشباه الموصلات.

ويأتي إطلاق التحالف ضمن رؤية أوسع تعتمدها إدارة ترامب تحت عنوان “السلام التكنولوجي”، والتي تسعى إلى بناء نظام اقتصادي وتكنولوجي عالمي أكثر استقلالا وأقل اعتمادا على الصين، لا سيما في القطاعات الحساسة المرتبطة بالأمن القومي والصناعات المستقبلية.

تحالف متعدد الأطراف وسلاسل توريد بديلة
وبحسب وزارة الخارجية الأمريكية، يضم تحالف “باكس سيليكا” دولا رئيسية تشكل العمود الفقري لسلاسل توريد الذكاء الاصطناعي العالمية، من بينها: اليابان، كوريا الجنوبية، سنغافورة، هولندا، المملكة المتحدة، الاحتلال الإسرائيلي، الإمارات العربية المتحدة، وأستراليا.

وأكدت الخارجية الأمريكية أن هذه الدول تحتضن كبرى الشركات والمستثمرين الذين يقودون سلاسل الإمداد العالمية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، ما يمنح التحالف ثقلا اقتصاديا وصناعيا كبيرا.
ويهدف التحالف إلى بناء سلاسل توريد مستقلة عن الصين، خصوصا في قطاعات أشباه الموصلات والمعادن الأرضية النادرة، التي تعد مكونات أساسية للتكنولوجيا المتقدمة، سواء في الاستخدامات المدنية أو العسكرية.

“الحزام والطريق”
وقال جاكوب هيلبرغ، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون الاقتصادية، إن الإعلان عن التحالف “يمهد الطريق أمام تعاون واسع في مجالات البحث والتطوير والتصنيع وتطوير البنية التحتية”، مشددا على أن الهدف هو منافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية.

وفي تصريح لمجلة بوليتيكو، وصف هيلبرغ التحالف بأنه “سياسة صناعية لتحالف يركز على الأمن الاقتصادي”، معتبرا إياه نقطة تحول في كيفية تعامل الولايات المتحدة وحلفائها مع اقتصاد الذكاء الاصطناعي ومواجهة الصين في هذا المجال.

وأضاف: “لا توجد اليوم مجموعة يمكن أن تجتمع لمناقشة اقتصاد الذكاء الاصطناعي وكيفية منافسة الصين، وباكس سيليكا تسد هذا الفراغ”.


السيليكون في قلب الاستراتيجية الأمريكية
وفي سياق متصل، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن “باكس سيليكا” تمثل منصة لحماية سلسلة القيمة الكاملة للسيليكون، الذي يعد مادة محورية في صناعة أشباه الموصلات، والتصنيع المتقدم، والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي.

وأوضح المسؤولون أن الهدف الأساسي للمبادرة هو تقليل الاعتماد على الدول التي تصنفها واشنطن بأنها “قسرية”، وفي مقدمتها الصين، التي فرضت خلال السنوات الأخيرة قيودا على تصدير المعادن الحيوية، بما في ذلك العناصر الأرضية النادرة.

وخلال الفعالية التمهيدية التي استضافها معهد دونالد جيه ترامب للسلام، استحضر نائب وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لانداو نماذج تاريخية مثل “باكس رومانا” و“باكس أمريكانا”، مشيرا إلى أن “باكس سيليكا” تسعى إلى إنشاء تحالف تقوده الولايات المتحدة لبناء نظام بيئي تكنولوجي “آمن ومرن وموجه نحو الابتكار”.

وأكد لانداو أن واشنطن لا تهدف إلى الانعزال عن العالم، بل إلى إقامة سلاسل إمداد وشبكات معلومات “خالية من التأثيرات غير المشروعة والإكراه الاقتصادي”، الذي قد يحد من الابتكار والمنافسة.

مجالات تعاون واسعة
وستتعاون الدول المشاركة في التحالف في مجالات استراتيجية تشمل المعادن الحيوية، وتصميم الرقائق، وتصنيعها وتجميعها، والخدمات اللوجستية، وشبكات الطاقة، والحوسبة المتقدمة.

وخلال الفعالية، وقع جاكوب هيلبرغ والسفير الياباني لدى واشنطن يامادا شيجيو وثيقة تؤكد التعاون الثنائي بين البلدين في قطاعي المعادن الحيوية وأشباه الموصلات.

وبحسب تقرير بوليتيكو، فإن هذه الخطوة تعكس قلق إدارة ترامب من الهيمنة شبه الكاملة للصين على المعادن الأرضية النادرة، التي تعد ضرورية للتطبيقات العسكرية والمدنية، فضلا عن سيطرة بكين على أجزاء واسعة من سلاسل التوريد العالمية.

وأشار التقرير إلى أن الصين استخدمت نفوذها في هذا القطاع عبر فرض قيود على الصادرات، في محاولة للرد على سياسة إدارة ترامب التي اتسمت بفرض رسوم جمركية واسعة على الواردات الصينية.

كما لفتت المجلة إلى أن استثمارات الصين الضخمة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية تمنحها أفضلية تنافسية محتملة في اقتصاد القرن الحادي والعشرين، ما يثير مخاوف واشنطن وحلفائها.

“مجموعة السبع للذكاء الاصطناعي”
وفي توصيف لافت، قال هيلبرغ إن تحالف “باكس سيليكا” يمكن اعتباره “مجموعة السبع لعصر الذكاء الاصطناعي”، موضحا أن التحالف يلتزم بمواءمة ضوابط التصدير، وفحص الاستثمارات الأجنبية، ومعالجة الإغراق التجاري، إلى جانب حماية نقاط الاختناق في سلاسل التوريد العالمية.

وأضاف أن التنسيق بين الدول المشاركة قد يسهم في عرقلة مبادرة الحزام والطريق الصينية، عبر الحد من قدرة بكين على شراء الموانئ والطرق السريعة والممرات اللوجستية الاستراتيجية.

ومن المقرر تدشين التحالف رسميا عبر قمة “باكس سيليكا” التي تنظمها واشنطن ليوم واحد، بمشاركة مسؤولين من الاتحاد الأوروبي وكندا وهولندا والإمارات العربية المتحدة.

وستركز القمة على التعاون في مجالات التصنيع المتقدم، وتكرير المعادن الحيوية، والخدمات اللوجستية، في حين أكد المسؤولون أن الهدف طويل المدى يتمثل في توسيع التحالف ليشمل مزيدا من الحلفاء والشركاء الذين يمتلكون موارد استراتيجية وتكنولوجية وتصنيعية.

مقالات مشابهة

  • أمريكا تستعد لمصادرة مزيد من السفن التي تنقل النفط الفنزويلي
  • واشنطن تطلق تحالفا لمواجهة هيمنة الصين على المعادن والذكاء الاصطناعي
  • بعد سلسلة هجمات.. الرئيس التركي يحذر من تحويل البحر الأسود إلى منطقة مواجهة
  • أردوغان يعلق على دور مجلس السلام بشأن غزة والهجمات على السفن في البحر الأسود
  • واشنطن تتهم رواندا بجر المنطقة للحرب بعد هجمات حركة إم 23 بشرق الكونغو
  • صاروخ روسي يضرب سفينة تركية في أوديسا بالتزامن مع لقاء أردوغان وبوتين!
  • حضرموت.. بين مطرقة الاحتلال المقنع وسندان أدواته
  • فورين بوليسي: 3 دروس تعلمتها الصين من الولايات المتحدة
  • وثيقة سرية تكشف تعرض واشنطن لهزيمة كبيرة من الصين في حال غزو بكين لتايوان
  • رويترز: الولايات المتحدة تستعد لاعتراض السفن التي تنقل النفط الفنزويلي