الحفاظ على استمرار صمود أهل غزة مهمة رئيسة
تاريخ النشر: 21st, January 2024 GMT
أكثر من مائة يوم والمقاومة الفلسطينية سواء في غزة أو في الضفة الغربية صامدة ومستمرة في النضال، رغم عدم التكافؤ في موازين القوى العسكرية، واختلاف المشهد ما بين حصار خانق منذ سنوات للمقاومة وسكان فلسطين، ودعم مستمر أوروبي وأمريكي لإسرائيل سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي أو الإعلامي.
لكننا يجب أن نضع في حساباتنا أن هناك طاقة تحمل للسكان وللمقاومة، بسبب استمرار القصف والتجويع والحصار والخذلان من قبل الحكام العرب والمسلمين، ولهذا تصبح مهمة تعضيد صمود المقاومة أمرا رئيسيا بكافة الوسائل، سواء بالضغط على الحكومات لإدخال قدر من الاحتياجات الغذائية والمعيشية للسكان، أو بالاستمرار بمقاطعة منتجات الدول الغربية والمظاهرات لدفعها الى مطالبة الجانب الأمريكي بوقف إطلاق النار.
ومع صمود المقاومة واستمرارها في تكبيد الخسائر العسكرية للكيان الصهيوني، إلا أن الثمن فادح؛ من أرواح آلاف الشهداء والمصابين وتدمير البيوت والمرافق، واستمرار حرب التجويع والحرب النفسية من قبل العدو مدعوما بالأنظمة العربية، مثلما نشر الإعلام الإسرائيلي عن اتفاق قطري عن خروج قادة حماس مقابل وقف إطلاق النار، ورغم نفي الجانب القطري ذلك نجد الخبر متداولا في الفضائيات والصحف السعودية والإماراتية وموقع التواصل الاجتماعي.
كذلك تبني كثير من وسائل الإعلام العربية الرسمية الرواية الإسرائيلية للأحداث، وهو ما يعضد الصورة التي أصبحت واضحة للعيان لدى المواطن العربي، بأن الحكومات العربية ليست متخاذلة فحسب في مساندة أهل غزة بالمساعدات الغذائية والعلاجية، بل إنها متواطئة مع إسرائيل والولايات المتحدة ودول الغرب في سعيها للقضاء على المقاومة.
وكل الزيارات التي قام بها مسؤولون أمريكيون أو أوروبيون للمنطقة العربية، كانت تتم للاتفاق على إجراءات للمزيد من حصار غزة والمقاومة، بصرف النظر عما يتم تداوله في المؤتمرات الصحفية الشكلية، مع استبعاد أي سعى حقيقي لوقف القتال حتى تحقق القيادة الإسرائيلية أهدافها بالقضاء على المقاومة، والتي تمثل أهدافا للحكام العرب في نفس الوقت.
وهكذا يمكن القول بدون مواربة إن الموقف الإماراتي لا يختلف عن الموقف السعودي عن المصري وغيرهما، حيث يجتمع الكل على هدف السعي للقضاء على المقاومة، ليس فقط خضوعا للموقف الغربي والأمريكي، ولكن كراهية للمقاومة التي كشفت ضعفهم وعمالتهم أمام شعوبهم، عندما تصمد قوة مسلحة قليلة العدد والعتاد ليس لديها حتى نظام للدفاع الجوي؛ أمام جيش نظامي مدعوم بأحدث الأسلحة والطائرات والسفن، وبمساعدات تكنولوجية غربية سواء من ألمانيا وإنجلترا وفرنسا وغيرها، بل وبجنود من ذوي القدرات الخاصة من دول أخرى، ومشاركة قيادات عسكرية غربية في توجيه القرار العسكري الإسرائيلي، وإمداد مخابرات تلك الدول إسرائيلَ بما لديها من معلومات.
الحفاظ على شبكة الأنفاق هدف رئيس
ومن هنا، فإن نجاح المقاومة في الصمود وإلحاق الخسائر بالعدو يشكل هدفا للمقاومة للحفاظ عليه سواء من خلال الحفاظ على مقاتليها المدربين الذين اكتسبوا خبرات خلال الحروب التي خاضوها من قبل مع إسرائيل، وخلال الحرب الحالية غير المسبوقة في طول مدتها وامتدادها الجغرافي وضراوتها. وكذلك الحفاظ على شبكة الأنفاق في غزة والتي مكنت المقاومة من الصمود، كما ساعدت في عدم تمكين العدو من الوصول الى الأسرى، رغم ما استخدمته القوات الإسرائيلية والغربية التي شاركتها بالحرب من أساليب للنيل من الأنفاق، سواء بالقصف الجوي بالقنابل الضخمة والصواريخ التي تخترق الخرسانة لأعماق بعيدة، أو بالإغراق بمياه البحر أو بإطلاق الغاز خلالها أو بتدمير المداخل.
لذا تظل مسألة الحفاظ على شبكة الأنفاق أمرا رئيسا، وهي الشبكة التي استغرق بناؤها أكثر من 15 عاما، وتكلفت الكثير من النفقات والضحايا خلال تنفيذها، حيث سيظل هدف تدميرها أو الوصول الى أسرارها هدفا مشتركا سواء لإسرائيل، أو للولايات المتحدة أو للدول الغربية أو للدول العربية الساعية للقضاء على المقاومة.
خلافات شكلية بين إسرائيل وأمريكا
لذا من المهم بعد مرور أكثر من مائة يوم من الحرب أن نقر بالمشهد الواقعي لسير الحرب، وأن استمرار صمود الغزيين هو الهدف الأكبر، مرتبطا بتخفيف المعاناة لسكان غزة والضفة الغربية، وأن نقر بأنه رغم وجود خلافات بين أعضاء الحكومة الإسرائيلية، فإن الجميع متفقون على القضاء على المقاومة، ومن ورائهم تيار شعبي جارف مؤيد لعمليات الإبادة الجماعية، وأنه رغم مظاهرات أسر الأسرى الإسرائيليين الداعية لجعل قضيتهم قضية أولى، فإن استمرار الحرب يعد هدفا أكبر لغالبية السكان والحكومة.
فلم تظهر بوادر نصر بعد يمكن أن يطمئن إليه سكان مستوطنات غلاف غزة للعودة الآمنة الى مساكنهم، ونفس الأمر لسكان مستوطنات الحدود مع لبنان، ويسعى رئيس الوزراء لإطالة الحرب حتى يظفر بشيء يقدمه للرأي العام الإسرائيلي كقربان يعفيه من المسؤولية عن التقصير مع بدء عملية طوفان الأقصى.
وعندما يتحدث البعض عن وجود خلافات بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، فسيظل الهدف المشترك بينهما القضاء على المقاومة مع الاختلاف فقط في وسيلة تحقيق ذلك، وستظل أمريكا مساندة لإسرائيل بحيث تضمن تفوق قدراتها العسكرية على دول الجوار مجتمعة، ولهذا من المفيد ألا نأمل نفعا من قبل الإدارة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، فما زالت مُصرة على منع وقف إطلاق النار ولا ترى فيما تقوم به إسرائيل من إبادة أي تعارض مع القانون الدولي!
وهو نفس الموقف الرسمي الأوروبي الذي حرص مؤخرا على توقيع عقوبات على قادة حماس، ووصمهم بالإرهاب، بينما لا ترى فيما أسفر عنه القصف الإسرائيلي من ضحايا ودمار أمرا يستلزم اللجوء لمحكمة العدل الدولية، كما أنها تحرص بالتعاون مع الأنظمة العربية على استمرار الحصار على سكان غزة، والسماح بقدر ضئيل من المساعدات تستند إليه في خطابها الإعلامي المنافق.
التحسب تجاه أسوأ السيناريوهات
وهذه ليست نظرة سلبية للمشهد ولكنها نظرة واقعية، فالكيان ومن يعاونونه مُصرون على تحقيق أهدافهم بالقضاء على المقاومة وعدم السماح لها بتحقيق أي نصر ولو سياسي، ولذا يجب أن تكون الحسابات مبنية على الوقائع العملية للمشهد، حيث يغيب أي دور مساند للمقاومة بشكل عملي من قبل الحكام العرب والمسلمين، بل إن بعضهم يساهم في مسعى القضاء عليها بشكل عملي، والشعوب مغلوب على أمرها ومشغولة معظمها بمشاكل المعيشة.
كما أن دول الغرب لن تتأثر مواقفها بالتظاهرات التي تخرج في مدنها، في إطار حرصها على استمرار إسرائيل التي بات وجودها مُهددا بدون الدعم الأمريكي والأوروبي، كما أنه من مصلحة كل من روسيا والصين استمرار الحرب لشغل الولايات المتحدة عنهما، والتعويل على محكمة العدل الدولية غير مضمون في ظل موقفها الضعيف تجاه قضية مسلمي ميانمار منذ سنوات، وحاجتها لمجلس الأمن لتنفيذ قراراتها بوقف القتال في حالة قررت ذلك، بينما يكفل حق النقض لأمريكا تعطيل القرار.
أدرك الآية الكريمة "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون"، وأن هناك عوامل اقتصادية واجتماعية داخلية ضاغطة على قرار إسرائيل باستمرار الحرب، لكن يجب التعامل مع أسوأ السيناريوهات حتى نتحسب لها إذا حدثت، فمن كان يتوقع أن تطول الحرب لأكثر من مائة يوم؟ ومن كان يتوقع هذا الخذلان والحصار من قبل الحكام العرب وهذا التحيز الأعمى من قبل الإعلام الغربي وحكامه؟ وهذه أمور لا تدفعنا للقنوط بعد أن شهدنا هذا الصمود الأسطوري، بل تدفعنا كشعوب عربية واسلامية الى الإسهام العملي في الحفاظ عليه بكل الوسائل الممكنة.
لذا فإن واجب الوقت هو السعى بكافة الوسائل لتعضيد أهل غزة كي يسمتروا في صمودهم، ومساعدتهم حتى يتمكنوا من استمرار التحمل للمعاناة متعددة الجوانب، وحتى تظل علاقة الترابط والمساندة بين سكان غزة وفصائل المقاومة.
twitter.com/mamdouh_alwaly
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المقاومة الإسرائيلي إسرائيل غزة المقاومة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على المقاومة الحفاظ على من قبل
إقرأ أيضاً:
مجمع اللغة العربية يرصد لغة الحرب في السودان.. من “جغم” إلى “بل بس“
مجمع اللغة العربية يرصد لغة الحرب في السودان.. من “جغم” إلى “بل بس“
في خطوة لافتة تهدف إلى رصد تحوّلات اللغة في زمن الحرب، نظّم مجمع اللغة العربية بالخرطوم محاضرة علمية بعنوان “الألفاظ والألفاظ المصاحبة الشائعة في الإعلام والتواصل في حرب السودان 2023–2025”، قدّمها الدكتور عثمان أبوزيد عثمان، وذلك يوم الأربعاء 21 مايو 2025م، ضمن سلسلة اللقاءات الثقافية التي يعقدها المجمع.
استعرضت المحاضرة بشكل معمق التحوّلات الدلالية التي طرأت على اللغة المستخدمة خلال الحرب، مركّزة على ما وصفه المحاضر بـ”المسكوكات اللفظية” التي لم تعد مجرد أدوات للتوصيف، بل صارت وسائل لصياغة التصورات السياسية وتوجيه الرأي العام.
وأشار الدكتور عثمان إلى أن كثيرًا من المصطلحات المتداولة تعود جذورها إلى لهجة قبائل البقارة في غرب السودان، مستندًا إلى دراسة للراحل الدكتور محيي الدين خليل الريح، مؤكّدًا أن بعض المتورطين في الحرب لا يمثلون هذه القبائل الأصيلة، رغم استخدامهم لألفاظها.
ومن الألفاظ التي تم تحليلها خلال المحاضرة:
“بل بس”: تعبير جاء من استخدام الحبل المشبع بالأوساخ في تقييد البهائم، وارتبط لاحقًا بمن يُصنّفون على أنهم “بلابسة”.
“جغم”: أصلها شرب الماء، لكنها في الحرب أصبحت ترمز للقتل السريع واليسير.
“عرّد”: تعني الهرب، ولها جذور في اللغة العربية الكلاسيكية، لكنها اكتسبت معنى خاصًا في سياق الفرار من المعركة.
“كوز”: مصطلح انقلب من مدح إلى قدح، ويُستخدم الآن في سياق هجائي سياسي حاد.
المحاضرة لم تكتفِ برصد الكلمات، بل سلطت الضوء على البعد الثقافي والسياسي والاجتماعي للخطاب الحربي، وناقشت كيف تحوّلت الألفاظ إلى رموز للصراع، وأحيانًا إلى أدوات لشيطنة الآخر.
كما تناولت أثر وسائل التواصل الاجتماعي في انتشار خطاب الكراهية، وأبرزت كيف أصبحت بعض الألفاظ محمّلة بدلالات عنف، رغم أنها كانت تُستخدم في سياقات محلية غير عدائية.
اختتم الدكتور عثمان حديثه بالتأكيد على أن هذه المحاضرة تمثّل مدخلًا لدراسة أوسع، مؤكدًا أن بعض هذه الألفاظ قد تنقرض بانتهاء الحرب، لكن بعضها الآخر سيدخل في المعجم التاريخي السوداني.
وختم برسالة أمل دعا فيها إلى استعادة قيم السلام والمروءة، مشيرًا إلى مثل شعبي بدارفور يقول فيه الطفل لخصمه: “دُقني وما تنبزني”. عبارة تختصر المعنى العميق بأن الكلمة قد تكون أقسى من الضرب.
وقد أعلنت إدارة المجمع أن نص المحاضرة الكامل سيُنشر في كتاب لاحق، كما تُتاح نسخة صوتية منها عبر قناة المجمع على تليغرام، مع توجيه الشكر لكل من شارك في النقاش وعمّق من محتواه العلمي والثقافي.
رابط المحاضرة في تليقرام
https://t.me/Khartumarabicacademy/72
عثمان أبوزيد ابوزيد
إنضم لقناة النيلين على واتساب