إلى متى يبقى العراق أسيرا لعقدة الخاكي
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
آخر تحديث: 23 يناير 2024 - 9:48 صبقلم: باسل الخطيب هل كتب على العراق أن يبقى أسيراً لعقدة الخاكي؟ وإلى متى يبقى يخوض حروباً عبثية تفتك بأبنائه كما ثرواته؟ ومن المستفيد من تغول عقدة الخاكي المعفر بالدم والتراب، على مدى السنوات الـ65 الماضية؟ وإلى متى تبقى طموحات العراقي مقتصرة على جوانب خدمية باتت بديهيات تجاوزها الآخرون في عصر ثورة الذكاء الاصطناعي والروبوتات؟ ومن المسؤول عن استفحال القوى التي تحاول إعادة العراق إلى العصر الحجري؟لقد حبا الباري عز وجل في علاه، العراق بثروات طبيعية قل نظيرها في العالم، منها النفط والكبريت والفوسفات، فضلاً عن الأرض الخصبة والمياه، على سبيل المثال لا الحصر، ما يمكن أن تكون أساساً لقاعدة زراعية وصناعية واقتصادية مهمة، لكنه تفنن طوال السنوات الماضية في تبديد تلك الثروات بشتى الطرق والوسائل، كالحروب الداخلية والخارجية والفساد، ما أضاع عليه فرصا ثمينة لا تعوض للبناء والتنمية.
وبالرغم من بعض الومضات القليلة التي شهدت إرهاصات تنموية حقيقية، لعل أهمها ما قام به مجلس الإعمار الذي شكله الباشا نوري السعيد عام 1950، وما اقترحه وأنجزه من مشاريع تنموية وخدمية حيوية، ما تزال أهمية غالبيتها قائمة حتى الآن.. وما تحقق في عقد السبعينات من القرن الماضي، في أعقاب الطفرة العالمية بأسعار النفط.. إلا أن تأثير تلك الومضات تبدد أو كاد، ولم يتم البناء عليه لأسباب معروفة أهمها الحروب والحصار ومن ثم الاحتلال الأميركي وما تلاه من خراب وفساد. ولم يتمكن العراق من استلهام تجارب الشعوب التي عانت الأمرّين من تأثير الحروب والتخلف، كاليابان وأوروبا والنمور الآسيوية (مصطلح اقتصادي أطلق على اقتصادات كوريا الجنوبية، تايوان، سنغافورة وهونغ كونغ)، على صعيد البناء والتنمية، وجنوب أفريقيا على صعيد لملمة جراح الماضي والانطلاق نحو المستقبل، مثلما لم يكلف الأميركيون وباقي أعضاء التحالف الدولي أنفسهم تقديم مساعدة حقيقية بناءة لإعادة بناء العراق، مفضلين على ذلك إظهار عضلاتهم وجبروت قواتهم المسلحة، وفرض منظومة سياسية حملت في داخلها عقد الماضي وأحقاده بنحو مرضيّ مضخم، كان من نتائجها تفاقم النعرات الطائفية والمناطقية، وتغول مشاعر الفرقة والنفور والحقد والكراهية بين العراقيين، وبالتالي مظاهر الجريمة والفساد والسلاح المنفلت، وبروز طبقة رثة من السياسيين وأمراء الحرب في المجتمع.وهكذا وبعد أكثر من عقدين على احتلال العراق، ما يزال البلد أسيراً لعقدة الخاكي، وما تزال ثرواته أسيرة التخبط والعشوائية والنهب المنظم، من دون تنفيذ مشاريع حقيقية أو خطط تنموية جدية، ليصنف ضمن الدول الأكثر فسادا وفشلاً في العالم، إذ احتل المرتبة 157 من أصل 180 دولة عالمياً عام 2022، ضمن مؤشرات مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية، مثلما تذيل أو بات خارج باقي المؤشرات العالمية، التي تعدّ أساساً لمعرفة واقع كل بلد ومدى إسهامه في النشاط العالمي وقدرته على المنافسة والابتكار وإمكانية جذب الاستثمارات الخارجية. وحسب تصريحات العضو السابق بلجنة الخدمات في البرلمان العراقي، جاسم البخاتي، فإنّ عدد المشاريع الوهمية في العراق منذ سنة 2003 وحتى 2019، زاد عن ستة آلاف مشروع، وأن المبالغ التي تكبّدها العراق بسبب ذلك تبلغ قرابة 200 تريليون دينار عراقي، أي نحو 178 مليار دولار.. فيما قدّر الخبير في شؤون الفساد، محمد رحيم، نسبة الأموال المهدورة على المشاريع الوهمية بين 25 في المئة و45 في المئة من الموازنة العامة للدولة.إن العراق وبعد أكثر من عقدين على إسقاط نظام الرئيس صدام حسين، ما يزال لا يعرف ما يريد، ولا إلى أين يتجه، ففي حين يعلن عن تبنيه النظام الفيدرالي، نجد غالبية القوى السياسية لا تكاد تطيق ذلك، والحكومة الاتحادية تحاول تطبيق النهج المركزي، وافتعال المشاكل والأزمات مع إقليم كردستان.. وفي حين يعلن عن تبنيه اقتصاد السوق، نجده يطبّق عكس ذلك عملياً، وفي حين يوقع اتفاقيات متعددة مع الولايات المتحدة ويطمع بمساعدتها وصداقتها، سواء بالسر أم العلن، نجد فيه من يجاهر بالعداء لها بل والسعي لطرد سفارتها، متناسياً أنها هي وليس غيرها، من مكنته من العودة إلى العراق وتسلم السلطة!لقد بات العراق على مفترق طرق مصيري يتطلب منه إعادة النظر جدياً وجوهرياً بنظامه السياسي، مثلما هو في حاجة ملحة إلى وضع حد لتغول عقدة الخاكي وعسكرة المجتمع، وإعادة هيكلة قطاعه الصناعي الرث والمتهالك، وقطاعه الزراعي البدائي، وبالتالي اقتصاده الريعي المعتمد كلياً على النفط، وكيفية مواجهة المشاكل والتحديات المصيرية التي يواجهها، منها التدخل السافر لدول الجوار في شؤونه وانتهاكها لسيادته، وشح المياه والبطالة المتفاقمة، على سبيل المثال لا الحصر، وتمكين القطاع الخاص من أخذ دوره الحقيقي في المجتمع والاقتصاد بنحو حقيقي، علماً أن ذلك كله لن يتم في ظل بقاء الواقع الحالي على ما هو عليه، بكل ما ينطوي عليه من تحجر وتخلف وفساد وتغول أمراء الحرب وعقده الخاكي، والأخطر تفضيل مصالح الآخرين على المصلحة الوطنية.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
دعا لتجاوز خلافات الماضي.. المبعوث الأمريكي: فرصة تاريخية لـ«حصر السلاح» في لبنان
البلاد (بيروت)
في تطور لافت على الساحة اللبنانية، أكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا والسفير الأمريكي لدى تركيا، توماس باراك، أن لبنان أمام “فرصة تاريخية” لتحقيق الاستقرار وبناء وطن موحد، بعيداً عن الطائفية والسلاح الخارج عن سلطة الدولة. وفي رسالة عبر منصة “إكس”، شدد باراك على أن “أمل لبنان يتجدد.. الفرصة سانحة الآن”، داعياً اللبنانيين لتجاوز خلافات الماضي وتوحيد الصفوف تحت مظلة الجيش اللبناني.
وقال باراك:” كما أكد الرئيس الأمريكي مراراً أمام العالم.. لبنان مكان رائع، وشعبه عظيم. فلنجعل لبنان عظيماً مرة أخرى”، في إشارة واضحة إلى دعم واشنطن لمسار استعادة الدولة اللبنانية سيادتها الكاملة على أراضيها.
في موازاة هذه التصريحات، أفادت مصادر أن حزب الله سلّم رده الرسمي على الورقة الأميركية لرئيس مجلس النواب نبيه بري. وبحسب المصادر، وصف الحزب الطرح الأمريكي بأنه “استسلامي”، مع تجنبه الإشارة إلى إمكانية التخلي عن السلاح بشكل مباشر، ما يعكس استمرار تعقيد الملف.
وكانت الرئاسات الثلاث في لبنان– رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، ورئيس مجلس النواب نبيه بري– قد أرسلت رسالة قوية للحزب صباح السبت مفادها أن” زمن السلاح خارج الدولة قد انتهى”، مؤكدين أن لا جهة بعد اليوم يمكنها جر لبنان مجدداً إلى مربع الدمار.
وفي خطوة لافتة، نقلت مصادر مطلعة أن نبيه بري أبلغ حزب الله بشكل واضح:” إذا لم تردوا سنمضي بدونكم”، في إشارة إلى أن القيادة اللبنانية تتجه نحو إقرار خريطة الحل بدعم دولي، حتى دون توافق كامل مع الحزب، إذا استمرت المماطلة.
وفق ما كشفه مصدر رسمي لبناني، يعمل لبنان على تحضير رد رسمي يتضمن المطالبة بضمانات واضحة، على رأسها انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس المتنازع عليها على الحدود، ووقف الخروقات الإسرائيلية المستمرة، وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين، وترسيم الحدود بشكل نهائي، إضافة إلى تسريع ملف إعادة الإعمار.
وطلب المبعوث الأمريكي خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت في 19 يونيو، التزاماً رسمياً من الدولة اللبنانية بحصر السلاح بيد الجيش اللبناني على كامل الأراضي، إلى جانب مطالبته بترسيم الحدود مع سوريا، وإجراء إصلاحات مالية واقتصادية جذرية. ومن المتوقع أن يعود باراك إلى بيروت قبل منتصف يوليو لمتابعة الرد اللبناني على الورقة الأمريكية.
يأتي هذا الحراك السياسي وسط وضع أمني هش؛ إذ يسري منذ نوفمبر 2024 اتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل بوساطة أمريكية، عقب مواجهات عسكرية امتدت أكثر من عام. ورغم الاتفاق، تواصل إسرائيل تنفيذ غارات جوية على أهداف تابعة للحزب في جنوب لبنان، مؤكدة أنها “لن تسمح بإعادة ترميم قدرات حزب الله العسكرية”.
وينص الاتفاق على انسحاب حزب الله من المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني، مقابل تعزيز انتشار الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل”، إضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي تقدمت إليها خلال الحرب، وهو بند لا يزال يواجه عراقيل بسبب استمرار تل أبيب بالتمركز في خمس مناطق استراتيجية ترفض الانسحاب منها حتى اللحظة.
ويرى المراقبون أن الموقف الأمريكي الحالي يعكس توجهًا أكثر حزمًا في التعامل مع ملف سلاح حزب الله، وسط توافق داخلي لبناني نادر على ضرورة إنهاء ظاهرة السلاح الموازي. لكن التحدي الأبرز يظل في مدى استجابة الحزب للمطالب الدولية والمحلية، وسط استمرار الغارات الإسرائيلية وتصاعد الضغط السياسي على كافة الأطراف.
ويقف لبنان اليوم أمام فرصة مفصلية؛ فإما أن يلتقطها لبناء دولة مستقرة ذات سيادة كاملة، أو أن يعيد نفسه إلى دوامة الصراع والتفكك.