آخر تحديث: 24 يناير 2024 - 10:06 صبقلم:علي علي كثيرا مانسمع عبارة: (البقاء للأقوى) إذ أن مفردة القوة رافقت بني آدم منذ نشأتهم، فقد كانت بدءًا لاستحصال لقمة عيشهم، حيث يصطادون الحيوانات، ثم اضطروا الى تطوير أدوات الصيد لتمكين القوة من أداء المطلوب، فكان نتاج ذلك الرمح والسهم للوصول الى مالم تطله إيديهم من فرائسهم عن كثب.
وحين وجد بنو آدم أخطار الضواري تحيطهم، ابتكروا آلات الدفاع عن أنفسهم وطورها لدرء مخاطرها عليهم. وهكذا تحضهم الحياة وتحثهم متطلباتها، على اختراع الجديد والمجدي من وسائل الدفاع عن النفس. وحين استوطن الإنسان الأرض ازداد تمسكه بها لما تعنيه له من ديمومة في حياته، فلم يجد بدا من تنويع سلاحه وأصنافه، حفاظا على ارضه. وقطعا لم يكن هذا إلا بعد إدراكه أن وطنه يعني وجوده، فبه يكون، ومن دونه لا يكون، ومع تناسل بني آدم تناسل الخير والخيرون، مقابل هذا تناسل وتناسب وتصاهر الشر والشريرون في مناكب الأرض، فبدت موازينها معتدلة تارة بفعل بسط الخيرين أفكارهم، ومقلوبة تارات أخرى بفعل الشريرين ومعتقداتهم ومكائدهم وغدرهم، وبين هذا وذاك نشأت أمم ودالت أخرى. من بين هذه الأمم وادي الرافدين الذي شهد منذ الأزل تكالب الشريرين عليه، وأضحى من الواجب الحفاظ على إرثه الحضاري، وهذا لن يتم إلا بتوفير حالة التمكن والقدرة والسيطرة والهيمنة، لدى حاكميه ومن يتقلدون مراكز السلطات العليا فيه، لاسيما المسؤولون عن حمايته، وتزداد الحاجة الى القوة أكثر من هذا، عندما يكون زمام الحكم بيد نفر أغلبهم ضال ليس لاعوجاجه تقويم بالنصح والإرشاد، فتغدو القوة بكل اتجاهاتها ودرجاتها، الوسيلة الوحيدة في التعامل مع انتهازيين ونفعيين ومفسدين، لا يملكون من الشرف والقيم والأخلاق والمبادئ حدا أكثر مما موجود في الضباع والثعالب. بعودة بسيطة الى حقب التاريخ وما سجل في أسفاره من أحداث كانت فيها الخروقات آخر شيء محتمل الوقوع، يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من المبهم من الأمور، وتتضح الرؤية وتنجلي الأسباب والمسببات أمام الأعين والبصائر والأسماع، وتزول كل الشبهات في كيفية حدوث الخرق. فسور الصين العظيم-على سبيل المثال- الذي يبلغ طوله 2400 كم يعد منجزا بارزا في التاريخ المعماري البشري. وهو ليس سورا فقط، بل هو مشروع دفاعي متكامل يتكون من الجدران الدفاعية وأبراج المراقبة والممرات الاستراتيجية، ويضم ثكنات للجنود وأبراجا للإنذار وغيرها من المنشآت الدفاعية. ويسيطر على هذا المشروع الدفاعي نظام قيادي عسكري متكامل. ولكن رغم كل الجهود والأموال التي بذلها الحكام الصينيون في بنائه، لم يقم السور بمهمته المطلوبة في الدفاع عن البلاد ضد هجمات الشعوب البدوية (البرابرة). ولم يصد الغزوات التي قام بها أباطرة ملوك “تشنغ”. إذ تم اختراقه أكثر من مرة، والسر في هذا لم يكن لضعف في بنائه او لقوة خيالية في الهاجمين عليه، بل هي الخيانة وحدها كانت السبب في اختراقه، ووحدها الخيانة هي التي فتحت الثغرات أمام العدو وسهلت مهامه. الخيانة اليوم في عراقنا داء معدٍ، فأغلب الأحزاب تخون مبادئها المزعومة، كذلك بعض السياسيين يخونون قسمهم ويمينهم الدستورية، والخيانة تسببت بهتكالأعراض وسهلت سرقة الأموال، وهي التي جردت البلد من خيراته، فهل ننتظر خونة آخرين على الطريق ليجْهزوا على ما تبقى من العراقيين وأملاكهم وأرضهم وعرضهم؟ إن أول السبل للحد من الخيانة هو ردع الخائنين بالقوة ثم القوة ثم القوة، لابالحلول الترقيعية والعلاجات غير الناجعة، ولن تكون للرقية جدوى غير تبليغ السم في العروق حد الإدمان عليه، لاسيما والخونة بارعون باللدغ في المقتل بمكر وخديعة وحذلقة.
المصدر: شبكة اخبار العراق
إقرأ أيضاً:
العالم مختطف نحو الحرب
حين يُستخدم القانون لردع الضعفاء، وتُستدعى الأخلاق لتبرير القصف لا لوقفه، فإن القوة وحدها تصبح القيمة العليا التي تُحرّك القرار الدولي. العدوان الإسرائيلي ـ الأمريكي على إيران لم يكن سوى تأكيد إضافي لهذه الحقيقة التي كانت الدول الغربية تتهرب من الإقرار بها: لا القانون يُلزم الأقوياء، ولا المبادئ تحكم مسار الأحداث. كل ما عدا القوة يتحوّل إلى مادة دعائية تُروّج في الإعلام ثم تُهمل عند أول اختبار على الأرض.
ولا تحتاج هذه الحقيقة أن تختبئ خلف بلاغة الكلمات، يقولها الغرب اليوم بكل وضوح. هذا ما نقرأه بوضوح في تصريح المستشار الألماني الذي قال بلا مواربة: «لا أرى سببًا لانتقاد ما فعلته إسرائيل أو الولايات المتحدة» مستدعيا ـ من دون أي مساءلة ـ مقولة إن «إيران كانت تقترب من إنتاج السلاح النووي». وفي بروكسل، ذهب الأمين العام لحلف الناتو إلى ما هو أبعد، مؤكدا أن الضربات «لا تنتهك القانون الدولي»! ما يُفترض أنه القانون الإنساني ذاته الذي خُلق لحماية المدنيين، بات يُعلَّق حين يتعلق الأمر بـ«الحلفاء». القانون الذي يُطبَّق على خصوم موسكو، يُجمَّد تماما حين يكون الضحية خصما لواشنطن أو تل أبيب.
من الصعب فهم أي قانون دولي يستند إليه المستشار الألماني، فالقانون كما نعرفه يُدين العدوان، لا يبرره، خصوصا حين يهدد حياة ملايين بالخطر النووي.
والواضح أننا لسنا أمام مجرد اختلاف في تأويل المادة القانونية، ولكن أمام انهيار منهجي في منظومة الشرعية الدولية نفسها. لا يمكن فهم هذا الانسياق الأوروبي وراء ضربة قررها دونالد ترامب ـ بكل تاريخه في تقويض الاتفاق النووي وإشعال التوترات ـ إلا بوصفه إخفاقا أخلاقيا وسياسيا مزدوجا؛ إذ إن القبول بالحل العسكري لم يكن ضرورة أمنية عاجلة. كانت أمام العالم فرصة حقيقية للدبلوماسية، وفرصة حقيقية للوساطة، وبعضها كان يجري فعليا في سلطنة عمان حيث كانت تقدم بديلا حضاريا لثقافة الإنذار والحرب، وكان يمكن البناء على هذا النموذج لو لم يُجهض بقرار منفرد يحكمه منطق الغلبة لا الحوار.. وكأن الغرب لا يريد أن يتعلم من تاريخه، من أفغانستان إلى العراق، حيث لم تنتج القوة إلا الفوضى.
يختزل هذا النوع من التفكير السياسة الدولية في منطق الثقة والريبة، ويتجاهل كل ما نادت به أوروبا نفسها لعقود من أجل بناء نظام أمن جماعي، واحترام القانون الدولي، ودعم الحلول المتعدّدة الأطراف.. لكنّ النزعة الغربوية نسفت كل ذلك وجعلت الغرب يسيرون خلف مقاتلات أمريكية، تاركين المقاربات السلمية على قارعة الطريق.
الأسوأ من الحرب ليس فقط دمارها، بل حين تصبح قدرًا يُدار ولا يُناقش، حتمية تتصرف على هديها الأمم، كألا بديل لها. لكن الحرب ليست قدَرًا. هي لحظة انهيار للعقل السياسي، وللمسؤولية الأخلاقية. وإذا استمر هذا النهج، حيث يُشرعن العنف ويُختزل القانون إلى موقف سياسي، فلن نواجه فقط شرقًا أوسط هشًا، بل عالمًا بلا شرعية، وبلا عدالة، وبلا صوت يقول: كفى.
كفى للانصياع الأعمى. كفى للقتل باسم القيم. كفى لتحويل الإنسان إلى رقم في نشرات الأخبار.