الطوفان وتأثيراته الاستراتيجية على النماذج الفكرية المهيمنة
تاريخ النشر: 26th, January 2024 GMT
بعيدا عمّا أثاره طوفان الأقصى من تأثيرات قوية بلغت في الغرب حد التحول الديني (الدخول في الإسلام) أو تبني السردية الفلسطينية ورفض المواقف الحكومية الرسمية المساندة لدولة الكيان، وبعيدا عن تلك المواقف الانتهازية العربية التي لا تتجاوز قيمتها امتصاص الغضب الشعبي والتهرب من تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية والدينية فيما يجري من إبادة جماعية في غزة، فإنّ قياس قوة "الطوفان" تفرض علينا تجاوز التأثيرات المباشرة -رغم أهميتها- والبحث عن تأثيراته الاستراتيجية المتوقعة، خاصةً في مستوى النماذج الإدراكية/ الفكرية أو ما يُسمى بالبراديغمات (الأطر النظرية) التي تتحكم في المواقف المختلفة للدول العربية والإسلامية وكذلك للدول الغربية وغيرها من القضية الفلسطينية.
في الفضاء العربي الإسلامي، نحن نذهب إلى وجود نموذجين فكريين أساسيين يحددان المواقف الرسمية والشعبية من القضية الفلسطينية: أما النموذج الأول فهو نموذج الدولة-الأمة بالمعنى الوستفالي لهذا الكيان. وهو نموذج فكري يحكمه منطق الأمن القومي أو المصالح العليا للدولة التي هي في الحقيقة مصالح الطبقات المهيمنة اقتصاديا وثقافيا وسياسيا باعتبارها -في الأغلب الأعم- طبقات ملحقة وظيفيا بالمركز الغربي في مرحلة الاستعمار غير المباشر. وأما النموذج الثاني فهو نموذج الطائفة-الأمة الذي يحكمه منطق المذهب والمطابقة بينه وبين "الإسلام". وفي هذا النموذج ينتقل مركز الإسلام من "القرآن" إلى "الرسول" ومنه إلى الرموز أو المرجعيات المعتبرة داخل المذهب، ويتحول العدو الوجودي من "الكافر الملّي" إلى ذلك المسلم المختلف طائفيا والمعادي لهم -بالجوهر والقصد- باعتبارهم "الفئة الناجية" أو حرّاس ميراث النبوة و"الإسلام الصحيح".
بحكم قدرة العديد من الكيانات الوستفالية -ومن ورائها مراكز التخطيط الاستراتيجي في الغرب- على توظيف المعطى الديني (بعقائده وفقهه ومخياله) لخدمة أجنداتها السياسية داخل الإقليم، تحولت الطموحات المشروعة للعرب في العدالة والحرية والديمقراطية إلى مشاريع للاحتراب الأهلي ولتغذية الطائفية، ولخدمة مشروع "التطبيع" من وراء تلك "الثورات التصحيحية" التي لا محصول لها إلا مزيدا من الاستبداد السياسي والتزييف الإعلامي والتفقير المُمنهج للأغلب الأعم من "المواطنين"
رغم اختلاف هذين النموذجين الفكريين من جهة النشأة والرموز ومجال الاشتغال والتأثير، فإنهما يتعامدان وظيفيا لتكريس واقع الصراع بين جناحَي الأمة (أي السنة والشيعة) ومنع توحدهما لنصرة "أولى القبلتين" أو للتحرر من التبعية لمراكز القرار الصهيو-صليبية في الغرب، أو على الأقل لبناء نصاب سياسي "وطني" متحرر من الطائفية.
فبحكم قدرة العديد من الكيانات الوستفالية -ومن ورائها مراكز التخطيط الاستراتيجي في الغرب- على توظيف المعطى الديني (بعقائده وفقهه ومخياله) لخدمة أجنداتها السياسية داخل الإقليم، تحولت الطموحات المشروعة للعرب في العدالة والحرية والديمقراطية إلى مشاريع للاحتراب الأهلي ولتغذية الطائفية، ولخدمة مشروع "التطبيع" من وراء تلك "الثورات التصحيحية" التي لا محصول لها إلا مزيدا من الاستبداد السياسي والتزييف الإعلامي والتفقير المُمنهج للأغلب الأعم من "المواطنين". ونحن لم نضع كلمة "مواطنين" بين ظفرين إلا لأنها مجرد مجاز في واقع سياسي لم يبلغ فيه العرب مرتبة "الرعايا" في نظام ملكي يحكمه "مستبد عادل".
بصرف النظر عن المآلات العسكرية والسياسية لـ"طوفان الأقصى"، فإن هذا الطوفان قد جاء يؤكد أن نموذجي الدولة-الأمة والطائفة-الأمة هما نموذجان متصهينان بالضرورة، أي نموذجان مستلحقان واقعيا -عن قصد أو بدون قصد- بالمشروع الصهيوني، باعتبار "الصهيونية أعلى مراحل الإمبريالية". كما أن طوفان الأقصى قد جاء ليغير فهمنا لمعنى "إسرائيل الكبرى". فإذا كانت السردية التلمودية تفترض "التهويد" عبر الاحتلال المباشر للأرض، فإن علمنة تلك السردية في الصهيونية يعني الاستغناء -ولو مؤقتا- عن التهويد بالقوة العسكرية إلى سياسة "الصهينة" أو التهويد غير المباشر التي يكون هدفها النهائي صهينة الوعي الجمعي. فالكيان -ومن ورائه الغرب الصليبي المتصهين- لا يحتاج إلى احتلال دول يمكنها أن توفر له كل ما يحتاجه دون إراقة قطرة دم واحدة أو إنفاق دولار من أموال دافعي الضرائب في الغرب.
لقد أكدت مسارات التطبيع أن المشروع الصهيوني يحتاج فقط أن يكون على رأس الدول "العربية" أنظمة غير شرعية متصهينة لا علاقة لها بشعوبها؛ إلا من جهة ما تمارسها عليها من إذلال وتفقير وتجهيل. ولا يهم شكل تلك الأنظمة العربية (ملكية أو جمهورية)، استشعار الغرب لخطورة "المقاومة" (بجناحيها السني والشيعي) لا يأتي فقط من قدرتها على إرباك مسارات التطبيع أو تهديد الكيان "وجوديا"، بل إن خطورة المقاومة تأتي أيضا من قدرتها على نزع الشرعية أو المصداقية من نموذجي الدولة-الأمة والطائفة-الأمة باعتبارهما الحليف الاستراتيجي للمشروع الصهيوني في المنطقة وخارجها كما لا يهم أنماط شرعيتها، بل لا يهم معاداتها الخطابية للكيان أو اشتراطها الكاذب لحل الدولتين للتطبيع معه، ما دامت كلها في خدمة المشروع الصهيوني في المنطقة، بل حتى خارج الإقليم كما هو الشأن في كل القضايا التي يحتاج فيها الغرب إلى أموال العرب أو إلى مواقفهم الديبلوماسية (مثل قضية أوكرانيا أو قضايا دول غرب أفريقيا وغيرها).
ولا شك عندنا في أن استشعار الغرب لخطورة "المقاومة" (بجناحيها السني والشيعي) لا يأتي فقط من قدرتها على إرباك مسارات التطبيع أو تهديد الكيان "وجوديا"، بل إن خطورة المقاومة تأتي أيضا من قدرتها على نزع الشرعية أو المصداقية من نموذجي الدولة-الأمة والطائفة-الأمة باعتبارهما الحليف الاستراتيجي للمشروع الصهيوني في المنطقة وخارجها.
إن الخطر الأعظم الذي تمثله المقاومة يأتي من أنها تقدم نموذجا إدراكيا جديدا. وهو نموذج يتجاوز الدولة-الأمة والطائفة-الأمة على حد سواء. ونحن لا نزعم أن "المقاومة الإسلامية" بجناحيها السني والشيعي قد تخلصت نهائيا من خلفيتها/مرجعيتها الطائفية، ولكننا نقول بأن الالتقاء بين جناحي المقاومة يمثل خطوة عملاقة في كسر الأنساق المذهبية.
وقد يتفاجأ القارئ إذا ما قلنا بأن المقاومة تبشر بميلاد حركة "إسلامية" للمرة الأولى في التاريخ، فكل الحركات الإسلامية هي في الحقيقة حركات "طائفية" لا يحضر فيها الإسلام القرآني بقدر ما يحضر إسلام الطائفة أو إسلام التاريخ. ونحن نذهب إلى أن معيار "الإسلامية" هو أن يجد كل المسلمين أنفسهم في أي خطاب يزعم أنه خطاب إسلامي (وهو أمر لا يوجد من قبل أن ينبجس صبح المقاومة "الإسلامية" المتوحدة حول مطلب تحرير "أولى القبلتين"). ولا شك عندنا في أن خطاب المقاومة هو خطاب إسلامي صميم يتجاوز الطائفية بالدفع بها إلى خلفية المشهد، أو على الأقل هو خطاب سيمهد لتجاوز الطائفية في المستوى الاستراتيجي.
استطاع طوفان الأقصى أن يضع "المواطن الغربي" أمام هذه الحقائق ممهدا لميلاد مقاومة "مواطنية" لمراكز النفوذ المتصهينة، باعتبارها أداة استعباد وتهميش لإرادة الغربيين قبل غيرهم من ضحايا النظام العالمي المتصهين. ونحن على يقين من أن أصحاب هذا الوعي الجديد سيكونون بالضرورة حصنا متقدما للدفاع عن القضية الفلسطينية وحليفا موضوعيا للمقاومة، بل سيكونون لبنة هامة في صرح "الاستبدال العظيم"
إذا ما خرجنا من الفضاء العربي الإسلامي ونظرنا إلى تداعيات الطوفان في الغرب، فإننا سنجد أنه قد أثبت زيف نموذج الحداثة (وهو النموذج المرجعي للدولة- الأمة وللطائفة- الأمة سواء بالتبني أو بالرفض والمنازعة) وتهافت ما يدعيه ذلك النموذج من قيم كونية وعلمانية. كما أثبت الطوفان حقيقتين هامتين: أولا الروح الصليبية والاستعمارية للغرب، تلك الروح التي لم تختف بعد مسارات العلمنة الطويلة وبعد مشاريع "الاستقلال الصوري" التي رافقت نشوء الدول الوطنية في دول الهامش (ومنها الدول العربية)، ثانيا هيمنة الصهيونية باعتبارها سقف التفكير الغربي أو مرجع المعنى النهائي في كل تعبيراته الفلسفية والسياسية والحقوقية وغيرها؛ منذ تكوين دولة الكيان وبلوغ الإمبريالية لحظتها الصهيونية (بهيمنة المال اليهودي على إنتاج الثروات المادية والرمزية وتحالفه مع المسيحية المتصهينة، خاصة الكنائس البروتستانتية في أمريكا، وكذلك بسيطرته على الإعلام وعلى مصادر التمويل لما يسمى بـ"المجتمع المدني" في الغرب وفي الدول العربية وغيرها).
لقد استطاع طوفان الأقصى أن يضع "المواطن الغربي" أمام هذه الحقائق ممهدا لميلاد مقاومة "مواطنية" لمراكز النفوذ المتصهينة، باعتبارها أداة استعباد وتهميش لإرادة الغربيين قبل غيرهم من ضحايا النظام العالمي المتصهين. ونحن على يقين من أن أصحاب هذا الوعي الجديد سيكونون بالضرورة حصنا متقدما للدفاع عن القضية الفلسطينية وحليفا موضوعيا للمقاومة، بل سيكونون لبنة هامة في صرح "الاستبدال العظيم" الذي لن يكون مستقره إلا نهاية الصهيونية (أي النظام العالمي الصهيو-صليبي) وزوال "إسرائيل" وكل الكيانات/السرديات الوظيفية المتصهينة في الوطن العربي.. ولو بعد حين.
twitter.com/adel_arabi21
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الصهيونية المقاومة المقاومة الإسلاميين الصهيونية أيديولوجيا طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة من قدرتها على طوفان الأقصى فی الغرب
إقرأ أيضاً:
لم نَعُدْ .. كما كُنّا
صراحة نيوز- عوض ضيف الله الملاحمة
لم نعد كما كنا . إنحدرنا وتغيرنا . ضاعت قيمنا ، وأصالتنا . وتخلينا عن مبادئنا .
وضربنا عرض الحائط تراث أجدادنا . ولم نسعَ للتطور ، والتحضر كما يجب ، بإقتباس الصالح ، وطرح الطالح من الحضارة العالمية .
لو كنا أذكياء لتغيرنا وارتقينا ، لا ان نتمسك بقشور الغرب . او نتحجر في قشور حضارتنا . بل كان علينا ان ننهل من حضارة الغرب وتطوره ، وتقدمه المذهل . بدل ان نتقوقع ، ونتوقف عند ماضينا ، ونتمسك بالمشين منه .
نسينا الجميل من عاداتنا . وإكتسبنا الكثير من سوء طباع الغرب . لديهم الجميل الذي يستحق ان ننهل منه . ولديهم القبيح الذي يفضل ان نتجنبه . كما لدينا الجميل الذي يفترض ان نتمسك به ، ونبني عليه ونطوره ليتماشى مع زمننا الحاضر . كما لدينا القبيح من العادات والتقاليد التي لا تتناسب وعصرنا الحالي ، وهذه علينا ان نطرحها ، ونتجنبها ، ونعمل على تغييرها وإستبدالها بما هو أجمل وأرقى .
لم نعد كما كنا ، ولم نصبح كما نود ان نكون . تُهنا ، وضعنا ، وفقدنا هويتنا ، ولبسنا ثوباً غير ثوبنا .
هناك شعوب عظيمة ، إقتبست ، واكتسبت من الغرب كدول متقدمة تكنولوجياً . فأخذوا التكنولوجيا الغربية ، وقلّدوها ، وصنّعوا شبيهاً لها ، وفي البداية كانت صناعة رديئة . لكن خلال بضعة عقود ، إرتقوا بجودة صناعتهم ، واصبحوا منافسين أقوياء ، وصناعيين جهابذة ، حتى وصلوا مرحلة تجاوزوا فيها الغرب الذي قلّدوا صناعاته ، واصبح الغرب ينجذب لمنتجاتهم ، ويستوردها ، ويفضلها على منتجات اوطانهم .
اليابان خير نموذج على ذلك قبل عدة عقود ، والصين كذلك حالياً ، حيث بدأ البلدان صناعاتهما بتقليد صناعات الغرب ، وفي البداية كانت تتصف برداءة الجودة ، لكنها كانت منخفضة السعر والقيمة ، مما ادى الى توجه شعوب العالم الثالث الفقير المتخلف لاستهلاكها — ومنه أقطار الوطن العربي — ونتيجة لكثافة الاستهلاك ، وزيادة الطلب ، بدأ البلدان بتطوير صناعاتهما ، وتحسين جودتها ، حتى بلغت المنتجات اليابانية رقياً في الجودة يضاهي ويتفوق على الصناعات الغربية . لدرجة ان شركة تويوتا للسيارات تفوقت على شركة جنرال موتورز الأمريكية في الجودة ، وحجم المبيعات ، حتى تغلبت شركة تويوتا على شركة جنرال موتورز واصبحت الأكثر مبيعات على مستوى العالم . لكن ما يستحق الإحترام ان اليابان لم تُغير ولم تُهمل عاداتها وتقاليدها الأصيلة الراسخة ، حتى تقاليد ضيافة الشاي عندهم ، واحترام الزوجات للأزواج لم يتغير منذ عشرات القرون بقيت كما هي ، ولم تتأثر لا بالغرب ولا بغيره .
في تسعينيات القرن الماضي ، عندما كنت أدرس للحصول على درجة الماجستير في إدارة الأعمال . وكانت اغلب البحوث التي أُعدها عن المانيا ، واليابان ، وعمل مقارنات بين الادارة اليابانية والألمانية . وفي أحد المرات وقعت بين يدي مجلة يابانية صادرة باللغة الإنجليزية ، خاصة بحركة صناعية يابانية إسمها ( Zero Defect Movement ) . وهذه الحركة الجريئة تهتم بالصناعات اليابانية التي تخلو من عيوب التصنيع بشكل نهائي . تصوروا ان عدد أعضاء الحركة في السنة الأولى بلغ حوالي ( ١,٢٠٠ ) شركة صناعية ضمنت ، وقدمت الضمانات بأن تخلو منتجاتها الصناعية من عيوب التصنيع ( ١٠٠٪ ) ، تصوروا ؟ وكان من شروط الانضمام لتلك الحركة ان تتعرض الشركة التي يتبين ان لديها عيوباً في صناعاتها الى عقوبات قاسية وغرامات مالية عالية .
اما الصين ، فقد اخذت منحى آخر ، حيث بدأت بتقليد الصناعات الغربية واليابانية ، وانتهجت كثافة الإنتاج لتغزو العالم إقتصادياً . ووضعت خطة خاصة لمنتجاتها ، حيث ان الصين تنتج من كل ماده تصنعها عدة مستويات من الجودة . تتدرج من الجودة الرديئة ، الى المتوسطة ، وحتى الجودة العالية المُتقنة . وتركت للمشتري والمستهلك ان ينتقي الجودة التي يريدها ، وتقابلها الكلفة المناسبة . واختارت الصين تصدير منتجاتها عالية الجودة الى الغرب حتى تنافس بالجودة والسعر ، لان الصين إنتهجت سياسة الإنتاج بكميات مهولة لا تُصدق ، حيث تجاوزت مفهوم الغرب عن ال ( Mass Production ) ، وهذا يقلل كلفة الانتاج بشكل كبير . لأن كلف الانتاج تنقسم الى قسمين : قسم التكاليف الثابتة ، وقسم التكاليف المتغيرة . فعند زيادة الانتاج تبقى التكاليف الثابتة كما هي وتقل كلفة الوحدة المنتجة كلما زاد العدد في كميات الانتاج . والزيادة في كلف الانتاج تكون محصورة في الكلف المتغيرة ، وفي الأغلب تكون الزيادة محصورة في المواد الأولية للإنتاج .
في الوقت الحالي وخلال الأعوام الماضية ، بدأت الصين هجوماً إنتاجياً كاسحاً لأسواق العالم بالسيارات الكهربائية ، رخيصة الثمن ، حديثة المواصفات ، مع تحسن ملحوظ في الجودة ، وتطور مذهل في التقدم التكنولوجي . حتى بلغ عدد العلامات التجارية للسيارات الكهربائية الحديثة التي تنتجها الصين حالياً الى حوالي ( ١٥٠ ) علامة تجارية .
وها هي الصين تجتاح العالم بدءاً من أفريقيا ، القارة الفقيرة ، الثرية بثرواتها الطبيعية . حيث تغلغلت الصين عن طريق تمويل مشاريع البنية التحتية كالطرق ، والجسور ، والسدود ، والكهرباء ، والمياه وغيرها ، بتمويل وتنفيذ صيني مئة بالمئة ، وتدير المشروع ، وتتحصل على ايراداته لبضعة عقود ، ثم تسلمه للدولة الوطنية بعد ذلك . وأيضاً ما يستحق الإحترام ان الصينيين لم يغيروا شيئاً من عاداتهم وتقاليدهم البته ، وها هم متمسكون ومتشبثون بها وليس لديهم أدنى إستعداد لمجرد إجراء اي تغيير او حتى تحديث عليها .
ولدينا مثل رائع آخر على تطور الدول ونهضتها يتمثل فيما وصلت اليه دولة رواندا الأفريقية . حيث نهضت من دولة مزقها العنف القبلي ، والإبادة الجماعية ، والحرب الأهلية عام ١٩٩٤ ، الى نموذج للتنمية والإزدهار . تبنت رواندا رؤية طموحة للتنمية ، رؤية ٢٠٢٠ ، تضمنت أهدافاً في مجالات مختلفة مثل : الإقتصاد، والصحة ، والتعليم . ونجحت رواندا في تحقيق نمو إقتصادي سريع ، وتحسين مستوى دخل الفرد ، ومكافحة الفساد ، وتحسين مؤشر التنمية البشرية . وها قد نهضت رواندا رغم خضوعها للاستعمار الألماني والإستعمار البلجيكي ، ويتعايش فيها عدة قوميات وديانات ، وإثنيات بسلام ووئام .
أما نحن العرب ، فنتفوق بشيء واحدٍ وحيد هو المغالاة في الإستهلاك لمنتجات الغير . لدرجة اننا اصبحنا عالة على المجتمع الدولي ، الذي يُفرحه عجزنا وتخلفنا لاننا سوقاً إستهلاكياً كبيراً وعظيماً .
رغم حساسية وخطورة ما سأقول الا انني سأقول كلمة الحق مهما كانت تبعاتها . السبب الرئيسي في تخلفنا يكمن في نظامنا الرسمي العربي . فهو لا يودنا ان نكون كما كنا . ولا يودنا ان نكون كما نود ان نكون . بل يودنا ان نكون كما هو يودنا ان نكون عليه . وها نحن نعيش حياة القمع ، والتخلف ، والإخراس ، والجبن ، والإتكالية ، ونبذ الفكر والتقدم ، والتطور ، والتحضر . وان يكون دورنا محصور في الدوران في فلكهم ونحن أذلاء ، خانعين ، نجيد تأليههم فقط . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .