موقع النيلين:
2025-10-13@02:48:47 GMT

عن «السوق السوداء» و«انهيار الدولار»

تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT


بين الحين والآخر يتصدر المشهد حديث عامي أو إعلامي عن خطة الحكومة للسيطرة على السوق السوداء وسعر الدولار، أو أنه سوف ينهار مع تفاؤل جم مصحوب بثقة في القدرة على تحقيق انتصار على هذا الوحش الأسطوري كما يصوره البعض، دون أي اعتبار لقواعد العرض والطلب رغم أنها المحرك الحقيقي والأوحد لسعر العملة سواء في مصر او اي مكان على وجه الأرض.

كما أن سوق تداول العملة في مصر يعج خلال هذه الآونة بالعديد من المتغيرات بما يطرح تساؤلات مهمة عن كيفية تدبير العملة الصعبة في الظروف الحالية في ظل انحسار دور البنوك تماما.

فالوضع الحالي غير مشابه للظرف في وقت الثمانينات أو حتى خلال أزمة 2015، حيث كان السوق وقتها يتسم بوجود “market maker ” أي محرك حقيقي لتجارة العملة. فقد كان هناك قوام حقيقي للسوق السوداء من أمثال سامي على حسن ورضوان والسعد والريان وغيرهم.

ولكن منظومة السوق السوداء الحالية اختلفت تماما ومما لا شك فيه فإن هذه المنظومة الحالية تحدث تأثير مباشر سلبي على سعر الصرف وعلى توافر السلع أيضا.

بالنسبة لسعر الصرف المتداول في السوق السوداء، فهناك عدد من التوضيحات الواجبة لفهم قواعد العرض والطلب، أولها أن أغلب المبالغ المخصصة للاستيراد يتم توفيرها من حصيلة التصدير السلعية المتاحة والتي تبلغ قيمتها نحو 37 مليار دولار، يتم إعادة تدويرها داخل النظام المصرفي، بالطبع مع تجاهل نحو 8 – 10 مليار حصيلة التصدير النفطي التي تؤول للحكومة نفسها ومعها عوائد قناة السويس واللذان يعتبران دخلا سياديا.

وبناء على ذلك فإن أكبر حجم من التداول والتدوير يجري وفقا لآلية business to business، أي أنه يتم بعيدا عن أيدي الأشخاص الطبيعيين، فالسواد الأعظم من المعاملات يتم عن طريق مستورد يأخذ الدولار من مُصدر أو مُصدر يعيد استخدام ما يمتلكه من عملة حتى يستورد لوازم إنتاج لنفسه.

و كانت البنوك تسمح للشركات بايداع دولار مع التنازل عن 20 ٪؜ إضافية من قيمة الشحنة بالعملة للبنك بالسعر الرسمي من اجل السماح للشركة بالاستيراد، لكن انحسرت هذه الممارسة بعد صدور منشور من البنك المركزي نهاية العام الماضي يهدف لتنظيم تداول النقد الاجنبي مجهول المصدر.

هناك جزء آخر من التداول يتم من خلال تحويلات المصريين في الخارج- تراجعت بمقدار يبلغ 10 مليار دولار-، خاصة مع “بزنس” التحويلات الذي صار منظما تماما من خلال شركات تتسلم الدولار في الخارج ولها عدة “واجهات” في الداخل تقوم بتسليم قيمته بالعملة المحلية لأهالي المغتربين، وتستحوذ هذه الطريقة على الجانب الأكبر من التحويلات.

أما الجزء الأبسط منها، فيدخل إلى النظام المصرفي في البنوك ومنه ما يتم التنازل عنه للبنوك بالسعر الرسمي، وما يتم سحبه وبيعه في “السوق السوداء” الكلاسيكية المتاحة للأفراد الطبيعيين، وهو ما يمثل القوام الرئيس لهذه السوق مع بعض دولار يأتي من قطاع السياحة.

يعني ذلك أن فكرة “المضاربة” على العملة و”الدولرة” رغم وجودها الفعلي في السوق، إلا أنها ليست مُحددا حقيقيا لسعر العملة، في ظل أن نصيبها من المعروض الدولاري بعد تغير آليات التداول السابق ذكرها قد انحسر، ويمكن تقييمه في نطاق 10 ٪ من حجم تداول الدولار الحقيقي.
وبالعودة إلى الأثر الثاني لمشكلة المنظومة الحالية للعملة وهي “توافر السلع”، فالوضع أصبح يتسم بالاختلال الشديد للغاية في ظل أن البنوك خرجت تماما من عملية التدبير، وكذلك تجاهلت الحكومة دورها الرئيس في إدارة العملية التجارية، وبات كل من لديه “دولار استيراد” قادر على استخدامه في استيراد أي شيء دون أي اعتبارات.

بمعنى أنه من الممكن أن يكون هناك مصنع أدوية مفروض عليه تسعيرة تجبره على عدم التعامل بدولار السوق السوداء أو ألا يستطيع مُصنع تدبير لوازمه من العملة وعليه فمصيره حتما التوقف، بينما ظروف السوق المختل قد تسمح لأي أحد أن يجري استيراد سلع رفاهية كشكولاتة أو سيارات فارهة في ظل قدرته على حيازة دولار قابل للاستخدام في الاستيراد، وهو الأمر الذي نلمس بعض ظواهره البسيطة كانتشار معارض سيارات فارهة ووجود سلع غير أساسية بينما تواجه الأدوية ومستلزمات الإنتاج حالة شح.
الألعن من ذلك -إن جاز التعبير-، أنه من الممكن أن يوجد مَصنع عنده حصيلة دولار قد يوردها للسوق المحلي لكنه يفضل أن يستورد بها مستلزمات إنتاجه مع أنها متوافرة محليا، لأن تلك المتاحة محليا يتم تسعيرها على قيمة السوق السوداء، وعليه يلجأ المصنع للاستيراد لمنع تحميله فرق عملة حال لجأ إلى التدبير المحلي، هو بالطبع في غنى عنها.

بأخذ كل ما سبق في الحسبان، يتضح أن الدولة وجهازها المصرفي قد خرجت تماما من العملية التجارية والصناعية وتجاهلت دور أجهزتها المعنية في تسهيل وتنظيم سوق العملة بالشكل الذي وضع الصناع في موقف حرج ورتب ظروف مربكة للجميع، وليس ذلك فحسب فهي -الحكومة- في أحيان لا تتوقف عند هذا الحد بل تدخل لتزاحم وتشتري دولارا. لتتحول إلى الـ market maker الأكبر لسعر السوق الموازي.

الغريب أنه لم يحرك أي معنيّ بهذه الأزمة ساكنا لتلافي آثار استمرار هذا الوضع الكارثي على السوق واستقراره، في حين أن تفعيل المواد 8 و18 من اتفاقية التجارة الدولية، بتطبيق ما يعرف بالقيود الكمية “quantitative restrictions”، قد يساعد في تقليل حدة الأزمة ويعطي فرص للتدخل لمنع انفلات الأوضاع أكثر.

وهذه الآلية التي تحدثت عنها مرارا في السنوات السابقة تتيح الحق لأي دولة في استخدام قيود على الاستيراد معلنة بشكل مسبق ومحددة لفترة زمنية لما تواجهه الدولة من مشكلة في ميزان المدفوعات، وهو بالضبط ما نعانيه في ظل عدم توافر الدولار بالشكل الكافي، وما أن يتم تطبيق ذلك فالدولة سوف تتمكن بكل أريحية من وقف استيراد منتجات أو أصناف معينة بشكل حسمي ومعلن بما يخف الضغط على العملة الأجنبية.

وهذه الآلية ليست بدعة أو مسار تخوف، فمثلا كل من الأكوادور وأوكرانيا لجأتا إليها في فترات معينة وفرضت منعا صريحا لبعض الأصناف لتخفيف الحمل على المعروض الدولاري، وهذا لم يؤثر على التصنيف الائتماني لهذه الدول، بل مثل فرصة قوية لتدراك الأزمة داخلها.

أما أن تظل الدولة والنظام المصرفي في موقع المتفرج على الصناع والمستوردين دون أن تدخل لتنظيم توافر دولار أو لوضع قواعد استيراد السلع، فالأمور سوف تنفلت للدرجة التي ستجعل من الحلول غير ممكنة أو قابلة للتنفيذ.

د. محمد فؤاد – القاهرة 24

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: السوق السوداء

إقرأ أيضاً:

الفضة تتفوق على الذهب كأفضل المعادن أداءً في 2025

كشفت بيانات مركز «الملاذ الآمن للأبحاث» عن ارتفاع أسعار الفضة في الأسواق المحلية بنسبة 6% خلال تعاملات الأسبوع الماضي، بالتزامن مع صعودها عالميًا بنسبة 4.2% لتغلق عند أعلى مستوياتها منذ أغسطس 2011، مدفوعة بتراجع الدولار الأمريكي وتزايد الطلب الصناعي، مع توقعات بأن يتجه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى مزيد من خفض أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة.

وأوضح التقرير، ارتفاع جرام الفضة عيار 800 من 68 إلى 74 جنيهًا، بينما سجّل عيار 925 نحو 86 جنيهًا، وعيار 999 حوالي 93 جنيهًا، فيما استقر جنيه الفضة عيار 925 عند 664 جنيهًا.

ورصد المركز حالة من الارتباك في السوق المحلية، حيث أقدم بعض تجار الخام على رفع الأسعار دون مبرر، ما تسبب في نقص المعروض وتوقف بعض المصانع عن الإنتاج انتظارًا لمستويات سعرية أعلى.

سعر الذهب في مصر بمستهل التعاملات المسائية اليوموزيرا الصناعة والاستثمار: التوسعات الجديدة تعكس ثقة المستثمرين في الاقتصاد

وأوضح التقرير أن السوق «بدأ يدخل مرحلة خطيرة»، مع تحذير من احتمال حدوث قفزات غير منطقية إذا لم يتم التدخل لضبط الأسعار ومنع الممارسات الاحتكارية.

عالميًا، ارتفعت الأوقية من 48 إلى 50 دولارًا، لتسجل ثالث أعلى مستوى تاريخي منذ عامي 1980 و2011، مدفوعة بالإقبال المتزايد على الملاذات الآمنة وسط اضطرابات اقتصادية وجيوسياسية متزايدة.

وأشار التقرير إلى أن هذا المستوى يُعد الأعلى منذ محاولة الأخوين هنت احتكار السوق في ثمانينيات القرن الماضي، حين لامست الفضة مستوى 50 دولارًا لأول مرة.

حققت الفضة خلال شهر سبتمبر مكاسب لافتة بلغت 27% محليًا و20% عالميًا، لترتفع الأوقية من 40 إلى 48 دولارًا، والجرام من 52 إلى 66 جنيهًا.

ومنذ بداية عام 2025، ارتفعت الفضة بنسبة 81% محليًا و73% عالميًا، متفوقة على الذهب الذي ارتفع بنحو 50% فقط خلال الفترة نفسها.

عجز متواصل في المعروض وطلب قياسي

أظهر التقرير أن الطلب الصناعي على الفضة بلغ مستوىً قياسيًا بلغ 680.5 مليون أوقية في 2024، مدفوعًا بطفرة الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية، في حين سجل السوق عجزًا قدره 148.9 مليون أوقية للعام الرابع على التوالي.

ومن المتوقع استمرار هذا العجز في 2025، ليصل إلى 187.6 مليون أوقية، ما يُعد ثالث أكبر عجز تاريخي في سوق الفضة.

الفضة تتفوق على الذهب

قال التقرير إن الفضة أصبحت «نسخة عالية الحساسية من الذهب»، إذ تتحرك في الاتجاه ذاته ولكن بوتيرة أقوى، مستفيدة من الزخم الاستثماري والتوجه نحو الأصول الآمنة.

وتراجع معدل الذهب إلى الفضة إلى 81 نقطة، وهو الأدنى في عام، ما يعكس أداءً أقوى للمعدن الأبيض.

تحذيرات من ارتفاع مفرط

وحذّرت مؤسسة Metals Focus من أن الارتفاع السريع في الأسعار قد يدفع بعض القطاعات الصناعية إلى تقليص استهلاك الفضة، خاصة في تقنيات الطاقة الشمسية، رغم استمرار الطلب القوي على المدى الطويل.

لكن التقرير شدّد على أن العجز الهيكلي في السوق سيُبقي الأسعار مرتفعة نسبيًا خلال العامين المقبلين.

تحليل فني وتاريخي

أظهرت العقود الآجلة لشهر ديسمبر نمطًا انعكاسيًا هبوطيًا على المدى القصير بعد أن بلغت القمة 49.96 دولارًا للأوقية، وهو ما قد يشير إلى احتمال تصحيح سعري مؤقت، قبل أن يستأنف السوق اتجاهه الصاعد.

وتاريخيًا، بلغت الفضة ذروتها عند 50.36 دولارًا في 1980 و49.52 دولارًا في 2011، وها هي اليوم تتجاوز هذه المستويات للمرة الثالثة في تاريخها الممتد على مدى قرن.

توقعات مستقبلية

توقّع ساكسو بنك في مذكرة بحثية أن يواصل المعدن الأبيض صعوده نحو 100 دولار للأوقية بحلول 2026، بدعم من الطلب الصناعي القوي والتحول العالمي نحو الطاقة النظيفة.

وقال البنك: الفضة تُعد النسخة عالية بيتا من الذهب، تتحرك مثله ولكن بتأثيراتٍ أقوى، مما يجعل مكاسبها أكثر حدة في فترات الصعود.

ويرى محللون أن الفضة لم تعد رخيصة مقارنة بالذهب، وأن مستوى 50 دولارًا قد يشكّل حاجزًا نفسيًا قويًا، لكنه ليس بالضرورة سقفًا دائمًا، خاصة إذا واصل الذهب صعوده فوق 4000 دولار للأوقية.

تعيش الفضة مرحلة تاريخية جديدة، يجتمع فيها الطلب الصناعي القياسي، والعجز المستمر في المعروض، والتحوّل العالمي للطاقة النظيفة، وضعف الدولار الأمريكي.

وبينما تتجه الأنظار نحو الذهب كملاذ آمن، يبدو أن الفضة أصبحت اللاعب الأقوى في مشهد المعادن النفيسة لعام 2025، مع توقعات بمزيد من الصعود في حال استمرار السياسات النقدية التيسيرية والاضطرابات الاقتصادية العالمية.

طباعة شارك أسعار الفضة أسعار الذهب أسعار الفضة محليا سعر جرام الفضة أسعار الفضة عالميا

مقالات مشابهة

  • الفضة تتفوق على الذهب كأفضل المعادن أداءً في 2025
  • الجنيه السوداني يتراجع مجددا أمام العملات الأجنبية
  • الأسمدة البيضاء.. فى السوق السوداء
  • تموين قنا يحبط تهريب 6 أطنان دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء
  • تموين قنا: إحباط تهريب 6 أطنان دقيق بلدى قبل بيعها في السوق السوداء| صور
  • السوداني: حجم السوق الدوائية في العراق تجاوز 3 مليارات دولار
  • تموين قنا يضبط مواد بتروليه بداخل بقاله بغرض بيعها في السوق السوداء
  • انهيار في الأسهم الأمريكية.. عمالقة التكنولوجيا يفقدون 770 مليار دولار
  • بحوزته 10 آلاف دولار.. براءة متهم من الاتجار في العملة الأجنبية
  • ما مدى تأثير حظر استيراد الدواجن من إيران على السوق العراقية؟