برلين– أيام ساخنة يعيشها القطاع الزراعي في أوروبا، وصلت ذروتها -أمس الخميس- بداية فبراير/شباط الجاري، إثر تجمع مئات الجرارات في العاصمة البلجيكية، قرب مقرّ البرلمان الأوروبي، لأجل الاحتجاج على قادة الاتحاد الأوروبي، تزامنا مع قمة تحضرها رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، ومجموعة من القادة الأوروبيين.

واحتجاجات المزارعين في أوروبا ليست جديدة، وتكررت على مدى السنوات الماضية، لكن تفاقم الخلافات بين النقابات الزراعية وبين السلطات أدى إلى انتشار عدوى الاحتجاج في 10 دول على الأقل، هي فرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وليتوانيا وبولندا وإسبانيا والبرتغال واليونان ورومانيا.

ويظهر أن أكبر طرق الاحتجاج المتفق عليها هي غلق الطرقات بالجرارات. وتوجد أسباب محلية خاصة بكل بلد، وأخرى تتعلق بالسياسات التي ينتهجها الاتحاد الأوروبي، لكن حتى الأسباب المحلية تبدو متشابهة، وتهدّد بخسائر اقتصادية كبيرة لدول الاتحاد.

طرحت الجزيرة نت 6 أسئلة عن احتجاجات المزارعين الأوروبيين.

لماذا يرفض المزارعون "التجارة الحرة"؟

ما يجمع جلّ المحتجين هو طلب إعادة النظر في عدد من اتفاقيات التجارة الحرة التي أبرمها أو يخطط الاتحاد الأوروبي لإبرامها مع أطراف ثالثة. ويرى المحتجون أنها تضرّ بالمنتجات الزراعية الأوروبية، بسبب أسعارها الرخيصة رغم جودتها المتوسطة أو المتدنية، مما يؤدي إلى تقليل الإقبال على منتجاتهم.

ومن أكبر الاتفاقيات التي يرفضها المحتجون، تلك التي يعتزم الاتحاد الأوروبي تنفيذها مع دول "ميركوسور" بهدف خفض الحواجز الجمركية. ويضم هذا التجمع البرازيل والأرجنتين وأوروغواي وباراغواي، وتم التوصل إلى اتفاق سياسي مع هذه الدول عام 2019، لكن لا تزال المفاوضات جارية لإتمام الصفقة.

وهناك اتفاقية تجارة أخرى مع أوكرانيا تقلق المزارعين، فبعد الغزو الروسي، علّقت المفوضية الأوروبية رسوم استيراد المنتجات الأوكرانية لأجل دعم كييف. لكن القرار أغرق الأسواق الأوروبية بهذه المنتجات، خصوصا الدول المجاورة لأوكرانيا، ومن بين هذه السلع الرخيصة هناك الدواجن والبيض والسكر والحبوب.

مزارعو فرنسا ودول أوروبية أخرى يشتكون من البيروقراطية التي تعرقل تسويق منتجاتهم (غيتي) ما علاقة ارتفاع التكاليف بالاحتجاج؟

بينما تغزو المنتجات الرخيصة أسواق أوروبا، يواجه المزارعون ارتفاع تكاليف الإنتاج، بسبب التضخم الناجم عن حرب أوكرانيا، خصوصا أسعار الغاز والكهرباء والوقود، وكذلك الأسمدة والمواد الأولية. ولم تقدم دول الاتحاد دعماً كافياً للمزارعين حسب كلامهم.

وفي دول كألمانيا، يحتج المزارعون قبل موجة التضخم، على الأسعار النهائية لبعض المواد كمنتجات الحليب والدقيق، ويرون أنها رخيصة بشكل كبير ولا تتوافق مع تكاليف الإنتاج، بينما ترفض منظمات حماية المستهلك والسلطات الألمانية إرهاق السكان بتكاليف جديدة.

لماذا تعقّد السياسات البيئية الأجواء؟

يشتكي مزارعو بعض الدول كبليجكا واليونان وفرنسا، من تأخر الدعم الذي يقدمه الصندوق الأوروبي للسياسة الزراعية المشتركة، أو وجود اختلالات في توزيعه، أو صعوبة شروط الحصول عليه، ومن ذلك عدم زراعة 4% ممّا يملكه المزارعون من أراضٍ لأجل إراحتها وضمان استدامة الزراعة.

لكن في بلدان معينة كهولندا، هناك خطط بيئية أخرى أثارت الغضب كخفض انبعاثات النيتروجين إلى النصف عن طريق التقليل من تربية المواشي والدواجن، وهي الخطة التي أسهمت في بزوغ حزب يميني اسمه "حركة المزارعين المواطنين"، إذ نال شعبية كبيرة في الأشهر الماضية.

وتحتج الحركات البيئية على زيادة الانبعاثات بسبب النشاط الزراعي، كما تنشط حركات للنباتيين ترفض استمرار الصناعة الحيوانية، مما دفع الاتحاد إلى محاولة البحث عن حلول بيئية، لكن ذلك أدى إلى غضب المزارعين في المقابل.

ما المشاكل الأخرى؟

يشتكي المزارعون من البيروقراطية في عدة دول، ومنهم المزارعون الصغار الذين يحتاجون في فرنسا لعدة إجراءات، حتى يبدؤوا بتسويق منتجاتهم.

كما تعدّ تعويضات العمال في المجال الزراعي ضعيفة مقارنة بقطاعات أخرى، خصوصا في دول الجنوب الأوروبي، مما يدفع الشركات لجلب عمال من الخارج، بسبب رفض السكان العمل في الحقول.

ويعمل 8.7 ملايين شخص في الزراعة داخل الاتحاد الأوروبي، منهم 934 ألفا في ألمانيا (والعاملون في الغابات ومصايد الأسماك)، و678 ألفا في فرنسا، و774 ألفا في إسبانيا. ويتراجع عدد العاملين في الزراعة كل عام، بسبب توجه الشباب إلى قطاعات أخرى أقل جهدا وأعلى دخلا.

هل أوضاع الدول الأوروبية مشابهة؟

تظهر الاحتجاجات في فرنسا، القوة الزراعية الأولى داخل الاتحاد، أكثر حدة، إذ أوقفت الشرطة هذا الأسبوع العشرات من المحتجين بعد اقتحام مناطق تخزين وعرقلة حركة المرور، وكذلك في ألمانيا التي شهدت دخول الجرارات إلى مراكز المدن خلال الأسابيع الماضية، ومن ذلك ساحة براندنبورغ في برلين.

وتعاني دول في الاتحاد كإسبانيا وإيطاليا واليونان من موجات جفاف أثرت على الزراعة. ورغم أنها لم تكن من بين ساحات احتجاج المزارعين في البداية، فإن النقابات الزراعية الكبرى في إسبانيا والبرتغال قررت الانضمام إلى حركة احتجاجات الجرارات الأوروبية، إذ تعدّ إسبانيا أكبر مصدر عالمي لزيت الزيتون، وهي المزود الرئيسي لعدة دول أوروبية بأنواع من الخضار والفواكه.

وكان المزارعون البولنديون أول من بدؤوا الاحتجاجات ضد "غزو المنتجات الأوكرانية"، وانضم إليهم الليتوانيون الذين يحتجون كذلك على دخول المنتجات الروسية.

تجمع مئات الجرارات الزراعية قرب مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل (غيتي) ما الحلول المقترحة لهذا الوضع؟

اقترحت المفوضية الأوروبية مجموعة من الحلول لتنفيس هذا الاحتقان، أولها إعفاء المزارعين من ضرورة ترك 4% من أراضيهم دون زراعة، واقترحت كذلك فرض مكابح على المنتجات الأوكرانية إذا ما تجاوزت الواردات حدا معينا.

واقترحت فرنسا عدة حلول، كإلغاء الزيادة في وقود المركبات الزراعية، وتخفيف الضرائب على الطبقة المتوسطة، من بينهم المزارعون الصغار والعمال الزراعيون، وتبسيط الإجراءات الإدارية.

وتدفع فرنسا نحو إلغاء الصفقة مع دول أميركا الجنوبية، لكن المفوضية رفضت الفكرة بحكم حجم التجارة الضخم مع هذه الدول. وأثمرت التحركات الفرنسية عن اتخاذ أكبر نقابة زراعية في البلاد، الاتحاد الوطني لنقابات المزارعين، قرار وقف الاحتجاجات، أمس الخميس.

وفي ألمانيا، لا تزال الحكومة مصرة على إلغاء الإعفاء للديزل المستخدم في الزراعة، رغم الاحتجاجات الكبيرة، لكنها قررت تطبيق الإلغاء بشكل تدريجي، وألغت ضريبة كانت ستفرضها على المركبات الزراعية. وعانت الحكومة الألمانية من عجز كبير في موازنة 2024 كاد يعصف بها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی المزارعین فی

إقرأ أيضاً:

لوفيغارو: استخبارات الدانمارك تضع واشنطن ضمن تهديدات الأمن الأوروبي لأول مرة

قالت صحيفة لوفيغارو إن جهاز الاستخبارات العسكرية الدانماركية نشر تقريره السنوي حول الآفاق الواجب مراقبتها من أجل ضمان أمن المملكة والقارة في المستقبل القريب، وللمرة الأولى على الإطلاق، وردت الولايات المتحدة ضمن هذه التهديدات.

وحذر التقرير -حسب مقال تحليلي بقلم ستيف تنري- من تدهور غير مسبوق في البيئة الأمنية الأوروبية، معتبرا أن القارة تواجه طيفا واسعا من التهديدات المتداخلة، من "الإرهاب الإسلامي" إلى التنافس بين القوى الكبرى، وصولا إلى روسيا والصين، وفي سابقة لافتة أدرج الولايات المتحدة نفسها ضمن مصادر الخطر المحتملة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب بريطاني: الانتقال للمرحلة الثانية من سلام غزة مستحيلlist 2 of 2واشنطن بوست: إلغاء مراسم منح الجنسية الأميركية عقاب جماعي يضر بسمعة البلادend of list

ويؤكد التقرير أن الدانمارك وأوروبا عموما تواجهان أخطر تحديات أمنية منذ سنوات طويلة، في ظل تصاعد الصراعات الجيوسياسية وتراجع الثقة في منظومة الأمن الغربي.

الدانمارك تعتبر روسيا التهديد الأول لأمن أوروبا (رويترز)

ويضع التقرير "الإرهاب الإسلامي" في صدارة التهديدات، مشيرا إلى ارتفاع واضح في عدد الهجمات التي نفذت أو أحبطت في أوروبا خلال عامي 2024 و2025، ولا سيما في ألمانيا وفرنسا والنمسا.

تقويض النفوذ الغربي

ويربط التقرير هذا التصاعد ببساطة أساليب الهجوم التي تروج لها "التنظيمات المتطرفة، وبالسياق الإقليمي، خصوصا حرب غزة، التي باتت مصدر تعبئة أيديولوجية للإسلاميين".

كما يحذر التقرير من دور إيران في استخدام "شبكات إجرامية" داخل أوروبا لتنفيذ عمليات بالوكالة، ومن مخاطر إضافية ناجمة عن تفكك الأوضاع في سوريا، حيث قد يؤدي انهيار السيطرة على سجون تنظيم الدولة الإسلامية إلى عودة مقاتلين أوروبيين وارتفاع مستوى التهديد داخل القارة.

ويربط التقرير أيضا بين "التهديد الإسلامي والهجرة غير النظامية"، وهو ربط لا يثير الدهشة في ظل السياسة المتشددة التي تنتهجها الدانمارك مقارنة ببقية أوروبا، حيث تعلن المملكة صراحة سعيها إلى "محاربة المجتمعات الموازية" التي تشكلت على أراضيها خلال السنوات الأخيرة.

إعلان

ويتوقف التقرير مطولا عند الصين، معتبرا أنها تسعى إلى تقويض النفوذ الغربي وإعادة تشكيل النظام الدولي لصالحها، مستفيدة من قدراتها الاقتصادية والعسكرية المتنامية، مشيرا إلى أن وتيرة إنتاجها من السفن الحربية والطائرات المقاتلة تفوق بكثير نظيرتها لدى واشنطن، على الرغم من أن إنفاقها العسكري أقل من نظيره الأميركي.

وترى الاستخبارات الدانماركية أن الخطر الرئيسي الذي تمثله بكين يكمن في أنشطة التجسس وسرقة التكنولوجيا المتقدمة، ولا سيما في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الكمية، بهدف تعزيز موقعها الإستراتيجي في مواجهة الغرب.

أوروبا تشعر بغموض متزايد في التزام الولايات المتحدة في عهد ترامب بدورها التقليدي كضامن لأمن أوروبا (رويترز)تفوق محتمل

غير أن التهديد الأكثر إلحاحا -حسب التقرير- يظل روسيا التي يرجح أن تستمر في نهجها التصادمي مع الغرب حتى بعد عام 2025، خاصة أنها لا تبدي استعدادا حقيقيا لتسوية سلمية في أوكرانيا، بل تواصل إعادة التسلح "وتكريس عسكرة المجتمع الروسي"، إلى جانب حملة دعائية واسعة تهدف إلى ترسيخ عداء طويل الأمد للغرب في أذهان الأجيال الجديدة.

ويحذر تقرير المخابرات من أن هذه التعبئة الأيديولوجية ستستمر حتى بعد نهاية عهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأن روسيا باتت قادرة على إنتاج أسلحة وذخائر تفوق حاجاتها الحالية، وهذا يمنحها تفوقا محتملا إذا لم تسرع أوروبا بناء قدراتها الدفاعية.

كما يشير التقرير إلى تصاعد "الحرب الهجينة" الروسية ضد أوروبا، من هجمات سيبرانية وتخريب للبنى التحتية إلى عمليات تجسس واستفزازات عسكرية، مثل اختراق الطائرات المسيرة للأجواء الأوروبية، في مسعى لاختبار تماسك حلف شمال الأطلسي (الناتو) واستعداده للرد.

لكن أكثر ما يلفت في التقرير هو اعتباره الولايات المتحدة للمرة الأولى، تهديدا محتملا للأمن الأوروبي، عازيا ذلك إلى سياسات واشنطن في عهد الرئيس دونالد ترامب، وإلى طموحاتها في القطب الشمالي وغرينلاند، واستخدامها المتزايد للأدوات الاقتصادية والضغط السياسي لفرض إرادتها، فضلا عن الغموض المتزايد في التزامها بدورها التقليدي كضامن لأمن أوروبا.

وخلص التقرير إلى أن هذا التحول يعكس عمق الأزمة التي تمر بها العلاقات عبر الأطلسي، ويؤشر إلى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار الإستراتيجي، تجبر أوروبا على إعادة التفكير في أمنها واستقلالها الدفاعي في عالم يتسم بتعدد مراكز القوة وتآكل الثوابت القديمة.

مقالات مشابهة

  • لوفيغارو: استخبارات الدانمارك تضع واشنطن ضمن تهديدات الأمن الأوروبي لأول مرة
  • بنسبة 200%.. زيادة الصادرات الزراعية المصرية إلى دول الاتحاد الأوروبي
  • الزراعة: إطلاق مبادرة نوعية لدعم صغار المزارعين وتعزيز الميكنة الزراعية
  • الاتحاد الأوروبي يقر تجميد 210 مليارات يورو من الأصول الروسية
  • وثيقة مسرّبة .. ترامب يسعى لخروج أربع دول من الاتحاد الأوروبي
  • سياسي: خطة المفوضية الأوروبية تجاه أموال روسيا المجمدة تهدد الاقتصاد الأوروبي
  • 2025.. عام مالي معقد في الاتحاد الأوروبي بسبب اتساع العجز
  • زخم متنامٍ: هل تتمكن المبادرات الأمنية من معالجة قضايا الأمن الجماعي الأوروبي؟
  • إيكونوميست: هل يمكن لأحد إيقاف زحف اليمين الشعبوي في أوروبا؟
  • فرنسا: نريد تجميد الأصول الروسية في أوروبا لعامين إضافيين