الإخوان الإرهابية ومسيرة التلون والتواطؤ (١٢٩)
تاريخ النشر: 4th, February 2024 GMT
نستكمل حديثنا اليوم عن علاقة المجلس العسكرى بالإخوان، فالإخوان لديهم ثأر تاريخى مع البدلة العسكرية منذ أيام عبد الناصر، ولذلك فهناك دوافع نفسية واضحة تدفع الإخوان إلى الصدام مع المجلس العسكرى، لكن هذا الصدام يتوقف فى كل مرة عند حدود معينة، ولا يتوقف إلا بفعل المصلحة التى يريد الإخوان أن يحصلوا عليها، فلا يعنى ذلك عزيزى القارئ أن هذه العلاقة بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكرى ظلت على البعد، فقد كانت هناك لقاءات واجتماعات وتفاهمات.
خبر صغير كشف خفايا شهور طويلة من الاتصالات وربما الاستعطافات ثم الصفقات بين المجلس العسكرى والرجل القوى فى جماعة الإخوان خيرت الشاطر، كان الخبر بنصه «أعفى المدعى العام العسكرى عن كل من محمد خيرت سعد عبدالعزيز الشاطر وحسن عز الدين مالك العضوين البارزين فى جماعة الإخوان المسلمين من الأحكام العسكرية التى صدرت ضدهما بقضية غسل الأموال التى اتهما فيها عام ٢٠٠٦»، وحوكما بشأنها أمام القضاء العسكرى، وتم الإفراج عنهما لأسباب صحية فى أعقاب ثورة ٢٥ يناير، وبالقرار الأخير يصبح من حقهما ممارسة العمل العام والسياسى، كان الخبر صحيحا مائة بالمائة والإشارة الواضحة فيه أنه نشر الاسم الخماسى لخيرت الشاطر، لكن موقع إخوان أون لاين فى نفس اليوم، نشر ما اعتبره تكذيبا للخبر على لسان محامى الجماعة عبدالمنعم عبدالمقصود، قال إخوان أون لاين «نفى محامى جماعة الإخوان المسلمين ما نشرته بعض المواقع الإلكترونية من قيام المدعى العسكرى بالعفو عن كل من المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام ورجل الأعمال حسن مالك من الأحكام العسكرية التى صدرت ضدهما بقضية اتهما فيها عام ٢٠٠٦».
عبدالمقصود الذى بدأ بالنفى قبل أن يعرف تفاصيل ما ينفيه، قال إن ما حدث هو قيام محكمة الطعون العسكرية بإلغاء العقوبة الصادرة فى حق المهندس أسعد الشيخة والذى صدر ضده حكم غيابى فى ذات القضية بالسجن خمس سنوات، وذلك بعد أن قام أسعد بتسليم نفسه للجهات المختصة، فقررت محكمة الطعون العسكرية إلغاء الحكم الصادر وإعادة محاكمته من جديد، ما يؤكد أن إخوان أون لاين كان يكذب أنه فى اليوم التالى مباشرة–٢٠ فبراير ٢٠١٢–وفى الساعة الرابعة وأربعة وأربعين دقيقة نشر خبرا عنوانه «إجراءات قانونية لإلغاء الأحكام العسكرية فى قضية الشاطر»، وكان نص الخبر أكد عبدالمنعم عبدالمقصود محامى جماعة الإخوان أن هيئة الدفاع تعد إجراءات قانونية أمام القضاء العسكرى لإعادة النظر فى الأحكام التى صدرت منه ضد قيادات وأعضاء داخل الجماعة، وأضاف أن هذه الإجراءات بدأت بتقديم طعن للمهندس أسعد الشيخة أحد الذين حوكموا غيابيا بخمس سنوات ضمن ٤٠ قيادة من قيادات الجماعة على رأسهم خيرت الشاطر نائب المرشد العام فى القضية العسكرية الأخيرة أمام محكمة النقض العسكرية، والتى قضت بإلغاء الحكم وإعادة محاكمته أمام دائرة أخرى، عبدالمقصود أشار أيضا إلى أن هناك عدة خطوات أخرى سيتم تنفيذها بشأن إلغاء الأحكام عن جميع من حوكموا غيابيا أو حضوريا فى هذه القضية، وكانت محكمة النقض العسكرية قد قبلت فى الطعن بحق أسعد الشيخة وقررت إعادة محاكمته أمام دائرة أخرى بعد تسليم نفسه إلى السلطات المصرية، وللحديث بقية.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإخوان والتواطؤ المجلس العسكري جماعة الإخوان خیرت الشاطر
إقرأ أيضاً:
متى يحل الإخوان تنظيمهم؟!
كلما مرت بالإخوان المسلمين محنة في بلد عربي أو غربي، أو ضاقت عليهم الإجراءات الإدارية والسياسية في بلد ما، إلا وخرجت أصوات تنادي الإخوان بضرورة أن يحلوا تنظيمهم، ويصفوا كل الكيانات الإدارية، بكل مستوياتها، فقد غدا تنظيما بلا فائدة، ولا هم له إلا جلب المحن على أتباعه.
وهذه الدعوة ليست وليدة اليوم فقط، بل هي وليدة سنوات مضت، ولأن من تصدر عنهم هذه الدعوات ليسوا على مزاج واحد، وليسوا في مستوى واحد من الفكر، أو الحرص الحقيقي على الجماعة، فحتى يمكننا أن نقيم هذه الدعوات من حيث جديتها، أو من حيث سوء نوايا من أطلقوها، ينبغي أن نقف عدة وقفات.
أفكار سابقة لمفكرين كبار بالتحول لتيار
الوقفة الأولى: حول تصنيفات من يطلقون هذه الدعوات، فمنهم صاحب العطاء الفكري، والمهموم بهموم العمل الإسلامي، ولذا فهي تنبع من شخص انقدح زناد فكره للبحث عن طريقة أفضل تعمل به الجماعة، سواء صحت فكرته أم لم تصح؟ وسواء ناسبت الجماعة أم لم تناسبها، ولدينا في هذا السياق عدة أشخاص لا يمكن لشخص أن يشكك في نواياهم، فكروا في تحويل الإخوان من تنظيم لتيار.
كان أول من فكر في هذا الاتجاه الأستاذ محمود عبد الحليم، صاحب كتاب: (الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ) والذي صدر في ثلاث مجلدات كبار، وهو يعد من أهم الكتب التي عنيت بتاريخ الإخوان حتى خمسينيات القرن العشرين، فقد كان يرى أن الأفضل للإخوان أن يعملوا بعد خروجهم من السجون في عهد السادات، على أن ينشئوا دارا للنشر، ومؤسسات فكرية، ويهتموا بهذا الجانب. وقد كانت فكرة شيخنا العلامة القرضاوي، فقد كنت أناقشه في مرحلة ما بعد خروج الإخوان من سجون السادات، فقال: كنت أرى أن الأفضل أن يتحول الإخوان لتيار كبير واسع، لا يصنف، ولا يميز بتنظيم معين، ولكنه لم يين كيفية تحول التنظيم لتيار حسبما تراءى له.
تجربة الحل في قطر
ثم نفذت الفكرة بالفعل في بلد عربي، لم يكن من البلاد المركزية في تنظيم الإخوان، حيث تم حل التنظيم في قطر، في سنة 2003م على ما أذكر، وإن نسبت الفعل لشخص واحد هو الدكتور جاسم سلطان، وظل حتى اليوم ينسب إليه، والرجل لم يتخذ القرار وحده، وهو قرار لا يزال يكتنفه الكثير من الغموض، ويحتاج إلى بيان تفصيلي، بعد مرور ما يزيد عن عشرين عاما، وكنت قابلته وقابلت عددا ممن شاركوا في القرار، ولم يقبلوا بإعطائي التفاصيل، وكل ما سمحوا به وقتها أنه يمكنهم أن يعطوني المعايير التي حكموها في اتخاذ القرار، ولم أجد أي نفع من طلب ذلك، إذ ماذا يفيدني معايير، دون المعلومات التي طبقت عليها المعايير؟!
من يقرر حل التنظيم أو بقاؤه، هم الإخوان أنفسهم، ولن يكون ذلك بقرار من مفكر أو كاتب، أو باحث، أو مباحث، بل لو أن مرشد الإخوان خرج وقرر حل التنظيم، دون موافقة القواعد، فلن يكون قراره مجد، أو فعال، فالتنظيم ليس ملكا لمسؤول حالي أو سابق، بل صار فكرة امتلكتها فئات مختلفة ثم كتب تأييدا للفكرة بعد ثلاث سنوات، الدكتور عبد الله النفيسي، حيث كتب دراسة نشرها في مجلة (المنار الجديد)، بعنوان: الحالة الإسلامية في قطر، وكتب مؤيدا فكرة حل التنظيم، وقد رددت عليه وقتها بمقال في موقع (المصريون)، حيث لم سمع من طرف واحد، وهو من قام بالحل، ولم يسمع للطرف الآخر، الذي بقي، بغض النظر عن صحة ما ذهب إليه، أو لا.
تلك الطروحات التي تطرح كل فترة، من ذوي أقلام وأفهام مخلصة، لا يشكك أحد في حبها للعمل الإسلامي، وترشيده، لكن هناك فئات أخرى، تطلق الكلمة، من واقع شخصنة بحت، فهم لهم مواقف شخصية مع قيادات إخوانية، سواء كانوا أصحاب حق في هذه المواقف، أم خرجوا من التنظيم لفقدانهم مصالحهم، أو انكشفت سوءات بعضهم في مواقف معينة، فراح يلقي الكلام بمناسبة وبدون مناسبة، عن ضرورة حل التنظيم لأنه تنظيم انتهت صلاحيته، بينما ترى خطابهم للمستبدين والظلمة وفسدة الأنظمة خطاب الاعتراف بسلطاتهم!!
حجج حل التنظيم
مسألة حل التنظيم، وتحويله لتيار، أو تغيير رؤاه ووسائله، مسألة جديرة بالتفكير الجاد، لكن بعيدا عن الهوس الذي لدى البعض، لكن السؤال الأهم: هل بالفعل الإخوان تحتاج لحل تنظيمها؟ ما العلة والحجة؟ إن الحجة الأبرز التي يبرزها أصحاب هذا الطرح، هو: أن التنظيم بات بعبعا للعرب والغرب، وبات مطاردا من كل الأنظمة، وهي مسألة يرد عليها واقع نعيشه، فأي الجماعتين كانت أولى بالتغيير وعدم القبول: الجماعات الجهادية التي حملت السلاح، وصفنت منظمات إرهابية على مستوى العالم، وكان من هؤلاء: أحمد الشرع، الرئيس السوري، والذي تحول في خلال بضع شهور إلى مسؤول يقابله أكبر رؤساء العالم، وإسقاط ما عليه من تهم، وعلى من معه؟ فهل هذا هو النظام العالمي الذي سنحتكم إليه لبقاء تنظيم الإخوان أو حله؟!
ولو رحنا نسرد حجج هؤلاء حجة وراء الأخرى، سنجد الردود من الواقع حاضرة بشكل مربك، بل إن الشرع نفسه ترك خطه، وجاء لخط الإخوان، الذين يطالبهم البعض بحل تنظيمهم، فهل المطلوب إقصاء التيار الإسلامي الوسطي، لأنه أقدر على المنافسة، وأقدر على الوصول للمجتمع؟ أم ماذا؟
من يقرر حل التنظيم؟
من يقرر حل التنظيم أو بقاؤه، هم الإخوان أنفسهم، ولن يكون ذلك بقرار من مفكر أو كاتب، أو باحث، أو مباحث، بل لو أن مرشد الإخوان خرج وقرر حل التنظيم، دون موافقة القواعد، فلن يكون قراره مجد، أو فعال، فالتنظيم ليس ملكا لمسؤول حالي أو سابق، بل صار فكرة امتلكتها فئات مختلفة، من قيادات كبرى، لوسطى، لقواعد تمثل جمعية عمومية، وفي كل قطر له ظروفه وملابساته، وبخاصة في ظل انقسامات الإخوان، لو قرر فصيل منهم الحل، ستخرج فصائل أخرى ترفضه، فالأجدى والأهم الآن تفكير الإخوان ودوائرهم القريبة، المهتمة بهم، التفكير في تطوير الجماعة، فكرا، ولوائح، ومشاريع، وعلاقات.
[email protected]