ما حظوظ الأحزاب الدينية في الانتخابات الباكستانية؟
تاريخ النشر: 6th, February 2024 GMT
رغم التكهنات الكثيرة حول نزاهة الانتخابات الباكستانية المقررة الثلاثاء المقبل وفتور الفعاليات الانتخابية والتحديات الأمنية، يبدو أن حكومة تصريف الأعمال بقيادة أنوار الحق كاكر مصرة على إجراء الاستحقاقات في موعدها.
ويشارك 22 حزبا دينيا في هذه الانتخابات، تتفاوت حظوظها في الوصول إلى البرلمان الوطني والمجالس الإقليمية والمشاركة في الحكومة المركزية.
وفي البداية، تجدر الإشارة إلى أنه في ظل التحجيم القسري لدور حزب حركة إنصاف، وسجن زعيمه رئيس الوزراء السابق عمران خان تنحصر المنافسة الرئيسية بين حزب الرابطة الإسلامية بقيادة رئيس الوزراء الأسبق نواز شريف وحزب الشعب بقيادة بيلاوال بوتو زرداري نجل رئيسة الوزراء الراحلة بينظير بوتو والرئيس السابق آصف علي زرداري.
وبالإضافة لهذين الحزبين تشارك في الاستحقاقات أحزاب أخرى ذات جذور إقليمية مثل "حركة المهاجرين القومية" في إقليم السند، وحزب الشعب الوطني ذي الصبغة القومية البشتونية في إقليم خيبر بختونخوا.
وأما الأحزاب السياسية الدينية المشاركة في المعترك الانتخابي، فأبرزها:
حزب جمعية علماء الإسلام، بزعامة مولانا فضل الرحمن، والجماعة الإسلامية بقيادة سراج الحق، وحركة لبيك باكستان بزعامة سعد حسين رضوي، وحزب مجلس وحدة المسلمين الشيعي بقيادة ناصر عباس جعفري.
ومنذ تأسيس باكستان في عام 1947، لم تحصل الأحزاب السياسية ذات التوجه الديني على النتائج الانتخابية التي تمكنها من تشكيل الحكومة، لا على المستوى الوطني ولا على المستوى الإقليمي.
ولعل الاستثناء الوحيد كان في انتخابات عام 2002، إذ خاضت 6 من تلك الأحزاب الانتخابات تحت مظلة "تحالف مجلس العمل"، الذي حصل على 45 مقعدا في المجلس الوطني، وتمكن من تشكيل الحكومة الإقليمية في مقاطعتي خيبر بختونخوا (مقاطعة الحدود الشمالية الغربية سابقا) ومقاطعة بلوشستان.
ويُرجع المراقبون نجاح الأحزاب السياسية ذات التوجه الديني في انتخابات 2002 إلى أسباب منها تعاطف الناخب الباكستاني معها، بسبب الحرب الأميركية في أفغانستان وإسقاط حكومة الإمارة الإسلامية بقيادة حركة طالبان عام 2001، بدعم من الحاكم العسكري الباكستاني آنذاك الجنرال برويز مشرف.
هذه العوامل خلقت حينها حالة من التعاطف الشعبي مع الأحزاب الدينية، التي رفعت شعارا مناهضة للحرب الأميركية لأفغانستان، وعارضت سياسات حكومة برويز مشرف.
ومنذ الانتخابات العامة في 2013، تشهد النتائج الانتخابية في باكستان انخفاضا في عدد الأصوات التي تحصل عليها الأحزاب السياسية ذات الصبغة الدينية.
ففي انتخابات 2018، حصل 12 حزبا دينيا على 5.2 ملايين صوت فقط من مجموع أصوات الناخبين التي بلغت 54.2 مليون صوت.
ويومها حصل حزب جمعية علماء الإسلام على 12 مقعدا في البرلمان المركزي، كما أن حركة "لبيك باكستان" المتهمة بقربها من المؤسسة العسكرية الباكستانية حصلت على 2.2 مليون صوت، ولكنها لم تتمكن من الوصول إلى المجلس الوطني أو البرلمان الإقليمي في مقاطعة البنجاب والتي تعتبر معقلها الرئيسي، وحصلت على 3 مقاعد فقط في البرلمان الإقليمي لمقاطعة السند.
تشتت الأصوات وتغيّر الأولوياتويتوقع مراقبون عدم حصول الأحزاب السياسية ذات الصبغة الدينية على نسبة مرتفعة من الأصوات في الانتخابات المقبلة، مما يعني أنها لن تتمكن من الدفع بالكثير من أعضائها إلى قبة البرلمان والمجالس الإقليمية، وذلك لأسباب:
احتمال تشتت أصوات هذه الأحزاب، لأن كلا منها سيخوض الانتخابات القادمة بصورة مستقلة، ولا تجمعها مظلة سياسية أو تحالف انتخابي، مما يقلل من فرص فوز مرشحيها أمام مرشحي الأحزاب الأخرى. انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان من شأنه أن يفقد الأحزاب الدينية في باكستان ورقة تحريك الشريحة المتدينة الرافضة للهيمنة الأميركية على المنطقة. تركيز الناخب الباكستاني على قضايا الاقتصاد والأمن، مثل إخراج البلد من الوضع الاقتصادي المتأزم، ومواجهة التضخم، والبطالة والتحديات الأمنية المتزايدة.وفي مقال له نشر على موقع "ذي دبلومات"، يتوقع عبد الباسط حصول حزب جمعية علماء الإسلام على ما بين 8 و10 مقاعد في مجلس إقليم خيبر بختونخوا ذي الأغلبية البشتونية، والمناطق ذات الأغلبية البشتونية في إقليم بلوشستان.
ومما يعزز فرص حزب جمعية علماء الإسلام في الحصول على عدد من المقاعد في الانتخابات المقبلة، احتمال تمكنه من استغلال "التضعيف الممنهج لحزب حركة الإنصاف في إقليم خيبر بختونخوا"، إضافة إلى علاقات الشيخ فضل الرحمن مع حركة طالبان في أفغانستان وحركة طالبان باكستان.
الاقتراب من الجيشكما أن هناك تكهنات بأن الشيخ فضل الرحمن خلال زيارته الأخيرة لأفغانستان وبعد لقائه مع زعيم حركة طالبان الأفغانية في قندهار، توسط لدى حركة طالبان باكستان لأجل وقف إطلاق نار غير معلن مع الحكومة الباكستانية، ونجح في ذلك.
ولا شك في أن هذه الخطوة تقرّب الشيخ فضل الرحمن من المؤسسة العسكرية في باكستان، وتقوي فرص مشاركة حزبه في الحكومة القادمة، خاصة إذا تمكن نواز شريف من الوصول إلى رئاسة الوزراء.
وهذا ما يذهب إليه محمد عامر رانا في مقال له في صحيفة "دان" المشهورة الصادرة من كراتشي، حيث يقول "في حالة صحت التكهنات حول نجاح جهود الشيخ فضل الرحمن في التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار من قبل حركة طالبان باكستان، فإن حزب جمعية العلماء سيطالب بنصيب مهم في الحكومة القادمة".
الجماعة الإسلامية التي أسسها المفكر والزعيم السياسي المعروف أبو الأعلى المودودي سنة 1941، لا توجد مؤشرات قوية تدل على تقدم كبير في مسارها الانتخابي، وإن كان ثمة احتمال لوصول بعض مرشحيها إلى المجلس الوطني والمجلسين الإقليميين في كل من إقليم السند وخيبر بختونخوا.ومما يعزز هذا الاحتمال حصول الجماعة الإسلامية على 132 مقعدا من مجموع 367 مقعدا في الانتخابات البلدية الأخيرة في مدينة كراتشي التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 17 مليون نسمة.
وأما حركة "لبيك باكستان" التي تنشط في إقليم البنجاب ومدينتي كراتشي وحيدر آباد في إقليم السند، فمن المرجح أن تؤدي دورا في تقسيم الأصوات إذا لم تستطع الحصول على مقاعد في البرلمان، حسب قول الكاتب عامر خان.وهذا التشتيت يقلل من فرص فوز مرشحي حزب الرابطة الإسلامية-جناح نواز شريف في البنجاب وحزب حركة المهاجرين القومية في مدينتي كراتشي وحيدر آباد في إقليم السند، وذلك نظرا لوجود مؤيدين لحركة لبيك باكستان بين الطائفة البريلوية ذات الميول الصوفية.
ومهما كانت النتائج التي ستتمخض عنها الانتخابات، فستكون توجهات الناخبين مؤشرا على الأداء السياسي للأحزاب السياسية ذات الصبغة الدينية في باكستان واختبارا لمدى شعبيتها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الأحزاب الدینیة خیبر بختونخوا فی الانتخابات إقلیم السند فی البرلمان حرکة طالبان فی باکستان الدینیة فی فی إقلیم
إقرأ أيضاً:
خبير روسي: الأزمة الأفغانية الباكستانية قد تشعل حربا طاحنة بشرق آسيا
يرى الكاتب الروسي المتخصص في العلاقات الدولية يوري كوزنيتسوف أن الأزمة الحالية بين باكستان وأفغانستان قد تشعل في المستقبل القريب شرارة صراع مسلح واسع النطاق في شرق آسيا، تغذيه المصالح المتضاربة بين قوى إقليمية رئيسية.
وقال الكاتب في تقرير نشره موقع "المركز الروسي الإستراتيجي للثقافات" إن التقارب بين كابل ونيودلهي على حساب إسلام آباد سيُفرز تحولات إستراتيجية عميقة، وقد يؤدي إلى اندلاع حرب غير متكافئة، أو حرب عصابات، أو حرب نظامية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تعتبره كابل ندبة استعمارية.. ما الخط الذي يثير التوتر بين أفغانستان وباكستان؟list 2 of 2فشل جولة جديدة من المحادثات بين أفغانستان وباكستانend of listوفي أوائل شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، صرح القائد العام للقوات المسلحة الباكستانية، عاصم منير، بأن على السلطات في كابل أن تحسم موقفها بين دعم حركة "طالبان باكستان" والحفاظ على علاقاتها مع إسلام آباد.
تحد وجوديوأوضح الكاتب أن مسألة دعم السلطات الأفغانية لحركة "طالبان باكستان" تمثل من وجهة نظر إسلام أباد تحديا وجوديا، وأحد أبرز مصادر التوتر في العلاقات الثنائية بين البلدين.
وأضاف أن الأوضاع على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، الممتدة على مسافة نحو 2600 كيلومتر -أو ما يُعرف بـ"خط ديورند" الذي لا تعترف به كابل- شهدت توترا متصاعدا على مدى السنوات الماضية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقعت اشتباكات خطرة بين البلدين على الحدود. كما سبق لباكستان تنفيذ ضربات داخل الأراضي الأفغانية، مؤكدة أن استهدفت قواعد لجماعات تابعة لـ"طالبان باكستان" ومرتبطة بالقيادة الأفغانية، إضافة إلى "جيش تحرير بلوشستان" وبعض التنظيمات الأخرى.
كما وجّهت إسلام آباد اتهامات إلى كابل بأنها تنسق مع الهند في أنشطة معادية، لكن السلطات الأفغانية نفت بشكل قاطع هذه الاتهامات، مؤكدة أنها لا تؤوي مقاتلي "طالبان باكستان" ولا تسمح لأي طرف باستخدام أراضيها للإضرار بدول أخرى.
مسألة دعم السلطات الأفغانية لحركة "طالبان باكستان" تمثل من وجهة نظر إسلام آباد تحديا وجوديا، وأحد أبرز مصادر التوتر في العلاقات الثنائية بين البلدين.
الهندوحسب الكاتب، فإن السلطات في كابل ذهبت إلى أبعد من ذلك، واتهمت باكستان بدعم أطراف مناوئة للحكومة الأفغانية.
إعلانوفي 19 أكتوبر/تشرين الثاني، وقع الطرفان المتنازعان اتفاقا لوقف إطلاق النار، أعقبه عقد 3 جولات من المفاوضات، غير أن هذه المساعي لم تُفضِ -وفقا للكاتب- إلى تحقيق سلام دائم، رغم تأكيد السلطات الأفغانية لباكستان والمجتمع الدولي التزامها ببنود الاتفاق.
وذكر الكاتب أن الحكومة الأفغانية دعت الهند في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني إلى توسيع حجم التبادل التجاري بين البلدين وافتتاح محطات شحن على الأراضي الأفغانية، في مسعى لتعزيز العلاقات مع نيودلهي والبحث عن بديل لباكستان، في أعقاب تكرار الاشتباكات الحدودية وإغلاق المعابر بين البلدين.
وخلال المباحثات، طلب وزير الصناعة والتجارة في حكومة طالبان، الحاج نور الدين عزيزي، من نيودلهي المساعدة في تنظيم خطوط نقل بحري منتظمة تتيح تصدير السلع الأفغانية عبر ميناء تشابهار الإيراني الذي تشرف عليه الهند، وذلك حسب بيان صادر عن الوزارة الأفغانية.
الهند والصينوذكرت الوزارة أن عزيزي عقد اجتماعا في نيودلهي مع وزير الدولة الهندي للتجارة، جيتين براسادا، تم خلاله بحث فرص الاستثمار وإطلاق مشاريع مشتركة وتسهيل نفاذ الصادرات الأفغانية إلى الأسواق الإقليمية.
وذكرت وزارة التجارة الأفغانية أن عزيزي عمل على الدفع نحو تسريع إجراءات منح التأشيرات للتجار الأفغان، كما عرض آفاقا للتعاون في مجموعة من القطاعات الحيوية.
وقال الكاتب إن عددا من الخبراء يرون أن أزمة كابل مع إسلام آباد وتقاربها مع نيودلهي، قد يُحدث تغييرات كبيرة على الساحة السياسية العالمية، حيث إن هذا التحوّل يعني الابتعاد عن محور الصين وباكستان ويهدد مبادرة الطريق والحزام.
ويوضح أن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن التجارة مع الهند باتت أولوية بالنسبة لأفغانستان، حيث تمر الصادرات الأفغانية حاليا بشكل أساسي عبر ميناء تشابهار الهندي، ما يعني تحرر أفغانستان من النفوذ الإستراتيجي لإسلام آباد وبكين، وإمكانية تشكيل تحالف إقليمي جديد مع الهند وإيران.
ويؤكد الكاتب أن بكين لن تقبل مثل الخسارة في المنافسة الإستراتيجية مع نيودلهي وواشنطن، وقد تستخدم أدوات تقليدية وأخرى جديدة في المواجهة على المستوى السياسي والدبلوماسي والعسكري.