أعرف بحكم المتابعة المباشرة ما الذي يحصل مع وزراء الإعلام والاتصال في المشهد السياسي الداخلي الأردني تحديدا. قد تكون واحدة من أسوأ المناصب والوظائف هي تلك التي تحمل صيغة «الناطق الرسمي».
ولا نتحدث حصرا لا عن الناطق الرسمي الإعلامي ولا عن من يتولى باسم مجلس الوزراء هذا الموقع، فمن يحمل مسماه الوظيفي بيروقراطيا عبارة الناطق، أمامه خياران بالعادة، حتى لو كانت وظيفته النطق باسم محل تجاري.
هنا قد تنتهي الرغبة بورطة كبيرة لأن منهجية انسياب المعلومات أصلا في الحالة الإدارية الأردنية عموما تحتاج إلى ثورة بيضاء لا بل إلى لجنة ملكية عريضة تقود إلى توافق وطني وتؤمن بأن الشفافية والمصارحة مع الرأي العام لا تجازفان بأمن الدولة لا بل على العكس تماما تحمي الخيار والحكومة والمؤسسات من الشائعات والتكهنات وأفلام الذباب الإلكتروني ومن الفبركات والتأويلات.
الخيار الثاني الانضمام الفوري وبقرار مسبق مبني على الرصد والنية المسبقة إلى شريحة الناطق الأخرس وهي تعني أن تتقلد هذه الوظيفة لسبب ما ثم تقرر أن لا تتحدث لا بالصغيرة ولا بالكبيرة خوفا من أن تخطئ أو تتورط لأن منظومة المعلومة مضروبة.
بكل حال لا أحسد زميلا او شخصا أعرفه على تقلد وظيفة الناطق الرسمي فهي الأصعب والأكثر تعقيدا في الأردن وبصراحة لا أعرف حتى اللحظة أحدا نجح في هذه الوظيفة بمعنى الامتياز المهني والأداء المنتج ومنع الغبار من تغليف نقاش المواطنين هنا وهناك وفي كل القضايا ما صغر منها وما كبر.
واحدة من إشكالات غياب الشفافية والمصالحة أن الشك يسبق اليقين شعبويا دوما عند سرد رواية رسمية حول أي معلومة… لا أحد حتى اللحظة تجرع مرارة الدعوة الى تأمل وطني في هذه المفارقة، فالرأي العام يسمع ويصغي ويقرأ، ولكن التشكيك بالمحتوى مفترض سلفا في مفارقة تحتاج لعلماء اجتماع وفلاسفة وخبراء جماهير وبعض الأطباء النفسيين لتفكيكها وتحليلها.
عينت يوما المحامية والحقوقية الوطنية الراحلة أسماء خضر وزيرة تنطق باسم الحكومة، وكنا طوال الوقت نعتبر أن اختيار شخصية مهمة مثل السيدة خضر رحمها الله في هذا الموقع مؤشر كبير على قفزة حضارية إداريا في مجال الشفافية ومراقبة الأداء والمتابعة.
الجميع بدون استثناء يزعج ويضايق من يتولى وظيفة الناطق الرسمي فالسلطات المختصة لا تجد نفسها معنية بوضع المعلومات في الوقت المناسب بين يديه والزملاء رحلت تلك الشخصية الفريدة عن الدنيا لاحقا فيما ثمة شهود عيان على كيفية قطع مياه وكهرباء المعلومات عن «الوزيرة المعنية» لأنها «تقدمية ونقدية ومن خارج النادي الكلاسيكي». أحيانا لا يعلم الناطق الرسمي ما الذي يجري حوله حتى ينطق به او يعبر عنه.
خضر رحمها الله تميزت بجرأة كبيرة لأنها كانت تبلغنا بذلك عندما نسأل أو نستفتي، حتى أنها وأمامي شخصيا قالت في اجتماع ما بأن مصدر معلوماتها الأساسية أحيانا هي الإعلام وليس العكس، لا بل طلبت علنا من صحافيين نافذين إبلاغها بما يجري. بكل حال تجربة الناطق الرسمي لم تتطور في الإدارة الأردنية.
بعض رؤساء الحكومات يسارعون في الرهان على حصان وزاري ما عند تشكيل أي حكومة وتكليفه بهذا الملف المقلق وسرعان ما يتهمونه لاحقا بالفشل أو بعدم القيام بمهماته مع أن الرؤساء أنفسهم يميزون أحيانا بين الوزراء ويحجبون المعلومات عن من اختاروهم بالنطق باسم الحكومة.
الجميع بدون استثناء يزعج ويضايق من يتولى وظيفة الناطق الرسمي فالسلطات المختصة لا تجد نفسها معنية بوضع المعلومات في الوقت المناسب بين يديه والزملاء، سواء كانوا وزراء أو موظفين لديهم أيضا حسابات وحساسيات وغالبا ما يحجبون المعلومات عن زميلهم الذي يفترض أن ينطق باسمهم ويعبر عن مؤسساتهم.
التعقيدات تزيد على نحو غير مألوف أحيانا، فوسائط ومنصات التواصل الاجتماعي تراقب كل ما يتفوه به ناطق ما وتتمسك طبعا في الأثناء بقيم الشك المسبق، فيُقصف الناطق ويُلاحق وتحرق كل أوراقه عبر منصات التواصل عندما يقرر مزاولة مهنته وبصرف النظر عن المحتوى والموضوع وسرعان ما يتهم الناطق إذا نطق أصلا من بقية المؤسسات خصوصا، إذا اجتهد سياسيا ولغويا ومارس بعض الصلاحيات في التعبير اللغوي لأغراض الإعلام وأفلتت منه الدقة.
يلوم الجمهور أيضا الناطق الرسمي وتقصفه بيانات المعارضة في الداخل وفيديوهات البث المعارض الخارجي وبدلا من أن تكون مهمته تقديم الرواية الرسمية الموضوعية لجميع الأطراف ينشغل في صد ورد سلسلة كبيرة من المكائد، تنصب له في العتمة ومن شركاء في الوظيفة أحيانا، فيما الرأي العام وحصرا على منصات التواصل قرر مسبقا أن لا يرحم وفيما كل الأحقاد والضغائن والعقد النفسية الاجتماعية تمارس ضد الناطق الرسمي ويتم تصفية الحسابات جميعها على جثته إذا ما أطل أمام كاميرا أو أمسك وطنيا بميكرفون.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاردن الولايات المتحدة غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الناطق الرسمی
إقرأ أيضاً:
ملايين الأوروبيين بلا تدفئة كافية.. أين يبلغ فقر الطاقة أسوأ مستوياته؟
ارتفعت نسبة الأشخاص في الاتحاد الأوروبي غير القادرين على تدفئة منازلهم بشكل كافٍ منذ أزمة الطاقة التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا.
السكن حق اجتماعي، ومع ذلك يُضطر عشرات الملايين من الأوروبيين إلى العيش في منازل باردة.
وفقًا ليوروستات، فإن أكثر من 41 مليون شخص في الاتحاد الأوروبي غير قادرين على تحمل كلفة إبقاء مساكنهم دافئة بما يكفي، أي ما يعادل 9.2% من السكان. ويعيش نحو ثلثي من يعانون من "فقر الطاقة" في اقتصادات الاتحاد الأربع الكبرى.
ورغم أن العيش في منزل بارد قد يكون مرهقًا نفسيًا، فإنه يحمل أيضًا مخاطر صحية جسدية خطيرة. تُظهر الدراسات أن البيئات الباردة تزيد خطر السكتات الدماغية والعدوى التنفسية، فضلًا عن الحوادث المرتبطة بتراجع البراعة الحركية.
تتفاوت معدلات فقر الطاقة بشكل واسع بين بلد وآخر. وقد لا تبدو النسب لافتة للوهلة الأولى، لكن عند تحويلها إلى أعداد الأشخاص المتضررين تتضح جسامة المشكلة.
باستخدام بيانات السكان اعتبارًا من الأول من يناير 2024، حسبت "يورونيوز للأعمال" عدد الأشخاص المتأثرين بهذا الشكل من الفقر.
في الاتحاد الأوروبي، تتراوح نسبة غير القادرين على تدفئة منازلهم بين 2.7% في فنلندا و19% في بلغاريا واليونان.
وعند شمول دول مرشحة للانضمام إلى الاتحاد ورابطة التجارة الحرة الأوروبية (EFTA)، تمتد النسبة من 0.7% في سويسرا إلى 33.8% في ألبانيا. كما تُعد مقدونيا الشمالية أيضًا استثناءً بنسبة 30.7%.
هذه النسبة تتجاوز عشرة بالمئة في ليتوانيا وإسبانيا والبرتغال وتركيا وقبرص والجبل الأسود وفرنسا ورومانيا.
وتقل هذه الحصة عن متوسط الاتحاد الأوروبي في إيطاليا وألمانيا. ولا يمكن مقارنة المملكة المتحدة على نحو كامل، إذ إن أحدث بياناتها تعود إلى 2018، رغم أن المعدل كان خمسة بالمئة.
تركيا وإسبانيا وفرنسا في الصدارةمن بين 36 بلدًا، تسجل تركيا أعلى عدد من المتأثرين بفقر الطاقة. ورغم تحسن المعدل في السنوات الأخيرة، لم يتمكن 12.9 مليون شخص من إبقاء منازلهم دافئة في 2024.
وحتى النصف الأول من 2025، سجّلت تركيا ثاني أرخص أسعار للغاز الطبيعي سواء مقومة باليورو أو وفق معايير القوة الشرائية (PPS)، بحسب يوروستات. أما الكهرباء، فأسعارها في تركيا هي الأرخص باليورو وثالث أرخص الأسعار وفق معايير القوة الشرائية.
خلاصة القول، أنه رغم انخفاض تكاليف الطاقة، لا يزال جزء كبير من سكان تركيا يعاني فقر الطاقة.
وفي إسبانيا، بلغ عدد غير القادرين على تدفئة منازلهم 8.5 مليون شخص، فيما وصل الإجمالي إلى 8.1 مليون في فرنسا. ويسجل الرقم 5.3 مليون في ألمانيا و5.1 مليون في إيطاليا.
ما العوامل التي تغذي فقر الطاقة؟بحسب المفوضية الأوروبية، يحدث فقر الطاقة عندما تضطر أسرة إلى خفض استهلاكها للطاقة إلى حد يؤثر سلبًا في صحة السكان ورفاههم.
ويقوده أساسًا ثلاثة أسباب جذرية: ارتفاع نسبة الإنفاق الأسري الموجه للطاقة، انخفاض الدخل، وضعف الأداء الطاقي للمباني والأجهزة.
قالت المفوضية: "أزمة كوفيد-19، وما تبعها من قفزة في أسعار الطاقة والغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، فاقما وضعًا كان صعبًا أصلًا بالنسبة لكثير من مواطني الاتحاد الأوروبي".
وقد تراجعت نسبة غير القادرين على تدفئة منازلهم تدريجيًا منذ 2011، وبلغت أدنى مستوياتها في 2019 و2021 قبل أن ترتفع مجددًا. وشهد العام الماضي تراجعًا آخر.
وبحسب المفوضية، فإن هذا الاتجاه الإيجابي نتاج مجموعة عوامل؛ إذ يشير المسؤولون إلى انخفاض أسعار التجزئة للغاز والكهرباء، وتطبيق تدابير كفاءة الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن تعاظم فهم فقر الطاقة والفئات المتأثرة.
وتستعرض مادة حديثة لـ"يورونيوز للأعمال" أسعار الكهرباء والغاز الطبيعي في أنحاء أوروبا. وهي تُظهر الدول الأغلى والأرخص سواء مقومة باليورو أو وفق معايير القوة الشرائية (PPS).
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة