الخليج الجديد:
2025-05-16@14:56:58 GMT

الاستباحة والمقاومة

تاريخ النشر: 8th, February 2024 GMT

الاستباحة والمقاومة

الاستباحة والمقاومة

إسرائيل هي الوريث الشرعي لكل تاريخ الاستعمار الغربي الدامي، والذي نعرف جميعاً المصير البائس الذي آل إليه رغم هول جرائمه.

الرأس المرفوع للمعتقل الفلسطيني ونظرة التحدي في عينيه مقابل الجلّاد الصهيوني يقولان الكثير، بالنسبة لمن يريد أن يرى، عن مصير هذا الكيان ومستوطنيه.

تعرية المعتقلين من أدوات الاستعمار التقليدية، كالتعذيب والقتل الجماعي والتهجير والاغتصاب، وتهدف لتظهير قدرته على الاستباحة الكاملة لمن يتجرّأ ويقاوم.

لم تكن الاستباحة الكاملة واردة بين «أبناء أمم متحضّرة» وإن تنازعوا. لكنها قواعد وأعراف وضوابط لم تكن سارية المفعول في حروب «مكافحة التمرّد» بالمستعمرات.

عندما وصف وزير الدفاع الصهيوني سكان غزة بأنهم «حيوانات بشرية»، كان عمليا (وموضوعياً) ناطقاً رسمياً باسم تاريخ الغرب الاستعماري ومنظوره التراتبي العنصري لشعوب العالم.

* * *

يتوارث المستعمرون وسائل وأدوات السيطرة، بعضهم عن بعض. قبل مدة، نشرت وسائل إعلام صهيونية صوراً لعشرات من رجال غزة، وقد جُمعوا شبه عراة في أرض جرفها جيش الاحتلال، الذي ادّعى بأنهم من مقاتلي المقاومة في غزة.

وأمس انتشرت صورة (ثم اختفت عن المواقع) لمعتقل فلسطيني عارٍ ومقيّد اليدين أمام الجندي الصهيوني. ليست في الواقع سوى تكرار لصور مماثلة لمعتقلين عراقيين، وقبلهم لفيتناميين، عراة أمام جلّاديهم الأميركيين، أو لمعتقلين جزائريين، أمام الغزاة الفرنسيين.

تعرية المعتقلين هي أداة من أدوات ترسانة الاستعمار التقليدية، شأنها في ذلك شأن التعذيب والقتل الجماعي والتهجير والاغتصاب، للمثال لا الحصر، الهادفة إلى تظهير قدرته على الاستباحة الكاملة لمن يتجرّأ على مقاومته.

لم نرَ ممارسات شبيهة، وتحديداً تعرية للمعتقلين، خلال الحروب الكثيرة والدامية، التي وقعت بين دول أوروبا في القرنيْن 19 و20. راعت هذه البلدان، بدرجات متفاوتة بطبيعة الحال، القواعد والأعراف والضوابط السائدة في ما بينها حيال كيفية معاملة أسرى الحرب.

لم تكن الاستباحة الكاملة واردة بين «أبناء أمم متحضّرة» وإن تنازعوا. غير أن مثل هذه القواعد والأعراف والضوابط لم تكن سارية المفعول خلال حروب «مكافحة التمرّد» في المستعمرات.

عندما وصف وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت سكان غزة بأنهم «حيوانات بشرية»، هو كان عملياً (وموضوعياً) ناطقاً رسمياً باسم كل التاريخ الاستعماري للغرب الجماعي ومنظوره التراتبي لشعوب العالم.

تحمل عملية تعرية المعتقلين بصمات كل الأيديولوجيا العنصرية للاستعمار، وربطها لإذلال أبناء «المجتمعات التقليدية»، أي المتخلّفة في عرفهم، بانتهاك تقاليدها وأعرافها ومعتقداتها، خاصة تلك المرتبطة بالحشمة.

نزع ملابس أسير، وتصويره في وضعيات مهينة، كما جرى في معتقل أبو غريب على أيدي قوات الاحتلال الأميركي للعراق مثلاً، والتسريب المتعمّد للصور، كلّ ذلك كان جزءاً لا يتجزّأ من استراتيجية مكافحة التمرّد الأميركية لكسر شوكة المقاومة العراقية عبر ترويع حاضنتها الاجتماعية من خلال التلويح بالاستباحة الكاملة.

لم يلتفت العديد من المعلّقين إلى أن أولى عمليات القتل المشهدي لرهائن أميركيين أو غربيين في العراق، عبر قطع رقابهم، تمّت بعد انتشار صور وأفلام الانتهاكات والإذلال المنهجي للمعتقلين العراقيين في أبو غريب وغيره من معتقلات الاحتلال الأميركي، وكردّ فعل انفعالي عليها.

التنكيل بشعوب المستعمرات وارتكاب أفظع الجرائم بحقّها، هما ممارستان من ممارسات الاستعمار القديمة، لكن إدراج هذه الممارسات في إطار عقيدة متكاملة عسكرية وسياسية، تهدف إلى مجابهة حركات التحرر، جرى في النصف الثاني من القرن العشرين، بعد هزيمة الجيش الفرنسي في حرب فيتنام الأولى.

عكف روجيه ترنكيي، وهو كولونيل فرنسي شارك في هذه الحرب، على دراسة نظريات حرب الشعب (التي بلورها الرئيس الصيني الراحل ماوتسي تونغ والجنرال الفيتنامي فو نجوين جياب) والتجربة الميدانية لثوار الفييتكونغ، وبلور عقيدة حول كيفية مواجهة هذا النمط من القتال في كتاب أصدره آنذاك لحساب الجيش الفرنسي بعنوان: «عن الحرب الثورية».

شكّل هذا الكتاب الأساس النظري لعقيدة مكافحة التمرّد التي اعتمدها الجيش الفرنسي في الجزائر في السنوات التي تلت.

وقد شرحت ماري مورييل روبان، الصحافية والباحثة الفرنسية، في كتابها «فرق الموت: المدرسة الفرنسية»، بإسهاب السياسات والتكتيكات التي اتّبعها الجيش الفرنسي بغية ترويع الحاضنة الاجتماعية للثورة الجزائرية، وفي مقدّمتها اعتماد أساليب كالإذلال المتعمّد للمعتقلين والمعتقلات عبر تعريتهم، وإخضاعهم لشتّى صنوف التعذيب والاغتصاب.

هذا الصنف من الإذلال كان منهجياً وبمثابة سلاح حرب. بات من المسلّم به اليوم أن حرب الجزائر كانت بالنسبة إلى قوى الاستعمار، بما فيها الولايات المتحدة وإسرائيل، نموذجاً إرشادياً، وأن بعض القادة العسكريين الإسرائيليين، رفائيل إيتان، رئيس الأركان الصهيوني خلال اجتياح لبنان في 1982، قاتل مع الجيش الفرنسي خلالها إلى جانب ضباط إسرائيليين آخرين.

إسرائيل هي الوريث الشرعي لكل تاريخ الاستعمار الغربي الدامي، والذي نعرف جميعاً المصير البائس الذي آل إليه رغم هول جرائمه. الرأس المرفوع للمعتقل الفلسطيني ونظرة التحدي في عينيه في مقابل الجلّاد الصهيوني يقولان الكثير، بالنسبة إلى من يريد أن يرى، عن مصير هذا الكيان ومستوطنيه.

*وليد شرارة باحث في العلاقات الدولية

المصدر | الأخبار

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إسرائيل الاستعمار الغرب الاستباحة المقاومة الإبادة فلسطين أسرى الحرب مكافحة التمرد حرب الشعب الجیش الفرنسی لم تکن

إقرأ أيضاً:

ورقة كلمة السر.. القصة الكاملة لـ ضبط لاعب المنتخب السابق علي غزال

ألقت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة القبض على علي غزال، لاعب منتخب مصر السابق، تنفيذا لحكم قضائي صادر ضده في قضية نصب وإصدار شيكات بدون رصيد.

ارتجاج في المخ.. إصابة صغير صدمه قطار بإحدى قرى الدقهليةإحالة أوراق متهم بإنهاء حياة حماه وحماته وزوجته إلى مفتي الجمهورية بالدقهليةتحريات واقعة المرج: السيدة حاولت الهروب من التحرش فهددها المتهم بابنتهاأنبوبة الغاز.. مصرع شخص داخل محل خردة بإحدى قرى الدقهليةالقصة الكاملة لـ ضبط علي غزال لاعب المنتخب السابق

كانت محكمة جنح التجمع، المنعقدة بالقاهرة الجديدة، أصدرت حكمها بتأييد حبس اللاعب علي غزال، لاعب منتخب مصر السابق، على الأحكام الصادرة ضده بتهمة النصب وإصدار شيكات بدون رصيد.

كانت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة أجرت تحريات موسعة للوقوف على حقيقة اتهام لاعب منتخب مصر السابق علي غزال، بالاستيلاء على 7 ملايين جنيه من شخص في القاهرة الجديدة.

تلقت الأجهزة الأمنية بمديرية أمن القاهرة إخطارا من قسم شرطة التجمع أفاد بورود بلاغ من شخص أفاد فيه بتعرضه للنصب على يد علي غزال، لاعب المنتخب، وشخص آخر قاما بالاستيلاء على مبلغ 7 ملايين جنيه منه، بغرض الاستثمار في شركة استيراد وتصدير مقابل الحصول على أرباح لكنهما لم يلتزما بالسداد.

وشكلت أجهزة أمن القاهرة فريق بحث لكشف الملابسات وإجراء التحريات اللازمة، وتحرر المحضر اللازم عن الواقعة، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وإخطار النيابة العامة في القاهرة لمباشرة التحقيقات.

علي غزال هو لاعب كرة قدم سابق بدأ حياته الكروية عام 2007 في نادي السكة الحديد، ومن ثم لعب في وادي دجلة، وانتقل إلى الدوري البرتغالي، حيث لعب في نادي ناسيونال ماديرا ونادي فييرينسي، ولعب في الدوري الكندي مع نادي وفانكوفر وايتكابس، لينتقل بعدها إلى الدوري الصيني عام 2017 من خلال اللعب في نادي جويزهو زيتشينغ.

ويذكر أنه تعاقد مع أحد أندية دوري الدرجة الثالثة وهو نادي “رع” للعمل به كمدير فني، كما أنه شارك مع منتخب الشباب المصري في العديد من المباريات، لكنه لم يشارك معه في بطولات رسمية، فضلًا عن أنه كان ضمن قائمة منتخب مصر للشباب عام 1991 لكنه لم يشارك في مونديال 2011.

طباعة شارك علي غزال لاعب المنتخب السابق القاهرة مديرية أمن القاهرة شيكات

مقالات مشابهة

  • مصطفى محمد يكشف سبب غيابه عن مباراة نانت في الدوري الفرنسي
  • فصائل فلسطينية في ذكرى النكبة: لاتهجير جديد والمقاومة مستمرة حتى التحرير
  • خيول ياس تخوض «تحدي لا تست» الفرنسي
  • ورقة كلمة السر.. القصة الكاملة لـ ضبط لاعب المنتخب السابق علي غزال
  • رئيس مصر للطيران يبحث مع السفير الفرنسي تعزيز التعاون
  • لقاء بين وزير الاقتصاد والمستشار الفرنسي.. وهذا ما تم بحثه
  • سعود عبدالحميد يقترب من الدوري الفرنسي
  • المؤرخ الأميركي يوجين روغان: الاستعمار سلّح الاستشراق والعثمانيون أولوا الحداثة عربيا
  • عاجل| الجيش الإسرائيلي: الموانئ التي سيتم استهدافها في اليمن هي رأس عيسى والحديدة والصليف
  • فخ لخنق المقاومة