استراتيجية لإصلاح التعليم في السودان تماشياً مع شعارات ثورة ديسمبر 2018
تاريخ النشر: 9th, February 2024 GMT
هذه بعض الطموحات لما بعد الحرب....ربنا يصلح حال السودان.
استراتيجية لإصلاح التعليم في السودان تماشياً مع شعارات ثورة ديسمبر 2018
(قدر الأمم ومصيرها يبدأ من الفصل الدراسي)
بقلم
الدكتور أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الأزهري - جامعة الخرطوم
(الجزء الاول)
الملخص:
كان هذا المقال في الأصل رسالة إلى رئيس الوزراء الدكتورعبد الله حمدوك كخطة طارئة لإصلاح التعليم في البلاد.
1.0 المقدمة:
تدور العملية التعليمية برمتها حول اكساب واكتساب المعرفة والمهارات لتعديل الاتجاهات والسلوك على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعات. ونقل المعرفة هو المهمة الأساسية لوزارة التربية والتعليم، ويتحمل وزير التربية مسئولية مباشرة في تنمية القدرات العقلية (الذكاء العام) لأفراد المجتمع لتأهيلهم لحل مشاكلهم العملية - إذا ان الهدف النهائي للتعليم هو مساعدة الافراد والجماعات في حل المشكلات الاجتماعيىة والسياسية والاقتصادية والثقافية الخ.. وحل المشكلات هو الهدف النهائي لجميع المجهودات التعليمية - وذلك بتوفير وسائل المعرفة والمهارات المناسبة. هذا دور وزارة التربية والتعليم في السودان – ولكنه كان دوراً غائباً أو مغيباً بشكل متعمد.
ويرى الباحث أن نظامنا التعليمي كان نظاماً فاشلاً، بسبب نقص الرؤية على المستوى الشخصي والوطني أيضًا. ويريد الباحث عبرهذا المقال، مشاركة أفكاره وخبراته كمعلم لوضع خطة لبناء مجتمع متنور جديد، وذلك يتطلب توافر أشخاص مؤهلين، صادقين وراغبين لأداء هذا العمل باستخدام الأدوات الصحيحة ولديهم الشغف والاستعداد والخيال الواسع. ونقصد بالخيال - هنا - هو القدرة على الرؤية فيما وراء الجدار. اذ يمكن لمثل هؤلاء المختصين أن يحدثوا تغييرات جوهرية في حياتنا والريادة بنا نحو مستقبل مشرق للأمة السودانية، وهي أمة تستحق.
2.0 الإصلاح التعليمي: منظور عالمية
يستهدف التعليم في جميع العالم مصلحة الفرد والمجتمعات. وتلعب الحكومة دورًا رئيسيًا كمزود رئيسي للتعليم لمواطنيها فهي الجهة التي تقوم بوضع الخطط وتصميم الأهداف وجداول أعمال التعليم الوطني. لذا تمتلك الحكومات خططاً منتظمة يمكن تعديلها من وقت لآخر لتناسب احتياجات الناس وتحقق التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وفي ضوء هذه النظريات، يمكننا تتبع بعض التجارب العالمية الناجحة في مجال الإصلاح التعليمي. ونركز على الولايات المتحدة الأمريكية، فنلندا، وأستراليا على المستوى العالمي، ونتتبع أيضًا بعض التجارب في أفريقيا، من غانا ورواندا التي تشترك معنا في بيئات متشابهة وتتشاركنا نفس الهموم.
2.1 الولايات المتحدة الأمريكية
الولايات المتحدة الأمريكية أكبروأقوى اقتصاد في العالم هي مثال جيد على كيف يمكن لنظام التعليم أن يكون ناجحًا في توفير مجتمع مؤهل بصورة كبيرة في مجالات متنوعة من العلوم والتكنولوجيا والصناعة. ومثل هذه التجربة تحتاج إلى مجموعات من الكتب لدراسة وسبر اغوار هذه التجربة الانسانية الضخمة..
اعتمدت السياسة التي اتخذها الرئيس أوباما عند توليه المنصب في عام 2009 على احداث تغييرات كبيرة.منها دراسة مستويات التحصيل العلمي المتدني في بعض المدارس وتأثير ذلك على مكانة الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي. وكجزء من حزمة التحفيز الاقتصادي الفيدرالية (استجابةً للازمة المالية في 2007-2008)، سعى إلى معالجة العديد من التحديات، كعدم المساواة في التحصيل الدراسي بين المدارس في المناطق الأكثر ثراءً والمناطق ذات الدخل المحدود. هذه السياسة أطلق عليها "سباق نحو القمة (Race to the Top): إصلاح التعليم في الولايات الرئيسية)" وقد كان لهذه الساسية تأثير عام حيث أظهر تقرير النتائج أنه بحلول عام 2014، كانت بعض الولايات قد حققت نجاحا، في المتوسط، 88 في المائة من السياسات، مقارنة بنسبة 68 في المائة في الولايات الاقل انجازاً، ونسبة 56 في المائة في الولايات التي لم تدخل السباق. وختم التقرير بوجود نتائج عامة كان لها تأثير معنوي على إعداد سياسات التعليم في جميع أنحاء الولايات المتحدة. كانت عناصر هذا الإصلاح التعليمي هوتعهد الولايات بتحسين أداء الطلاب، مع اعتماد معايير أكاديمية أكثر صرامة، وتقييم أداء المعلمين والمديرين جزئياً بناءاً على نتائج أداء الطلاب. وليكون التنافس، كان يتعين على الولايات أيضاً التخلص من الحد من المدارس المستأجرة، وتحسين برامج إعداد المعلمين. أفاد التقرير أيضًا بان جميع الولايات شهدت زيادة ملحوظة في اعتماد سياسات التعليم. وأبلغ المشرعون من جميع الولايات أن لبرنامج (السباق نحو القمة) أثر على المداولات السياسية داخل ولاياتهم. كما أظهر استعداد الولايات على تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق في السياسات.
2.2 فنلندا
ماذا يمكن للعالم أن يتعلم من الساياسة التعليمية في فنلندا؟ إجابة على هذا السؤال: هي أن سياسة التعليم في فنلندا تم بناؤها على التغيير الدوري والقيادة النظامية التي تسترشد بقيم عامة مقبولة ورؤية اجتماعية مشتركة وثيقة بأهداف التغيير التعليمي المستدامة المعاصرة. وكان سر التعليم الفنلندي هو السياسات الأوسع - في ربط السياسات المختلفة في القطاع العام مع نظام التعليم. ومن الضروري أيضًا التأكيد على أنه وعلى الرغم من أن فنلندا قد تم وصفها بأنها 'تلميذ نموذجي' في 'الاستماع إلى النصائح السياسية من المنظمات الدولية، خاصة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والاتحاد الأوروبي، الا أن نظام التعليم الفنلندي ظل هادئًا إلى حد كبير ولم يصاب بفيروسات ما يُسمى غالبًا بحركة إصلاح التعليم العالمية.
فمنذ الثمانينيات استخدم ما لا يقل عن خمس سمات عالمية مشتركة في سياسات التعليم ومبادئ الإصلاح لمحاولة تحسين جودة التعليم وإصلاح المشكلات الظاهرة في أنظمة التعليم العامة. هذه العناصر هي:
• الأولى هي توحيد التعليم في جميع انحاء الدولة.
• سمة ثانية مشتركة هي التركيزعلى المواضيع الأساسية في المدرسة، بمعنى آخر، التركيزعلى مهارات القراءة والحساب، وفي بعض الحالات العلوم.
• السمة الثالثة التحديد في إصلاح التعليم العالمي هي البحث عن طرق منخفضة المخاطر لتحقيق أهداف التعلم.
• الاتجاه العالمي الرابع الذي يمكن ملاحظته في إصلاح التعليم هو استخدام نماذج إدارة الشركات كمحرك رئيسي للتطوير.
• الاتجاه العالمي الخامس هو اعتماد سياسات المساءلة المبنية على نائج الاختبارات في المدارس.
وبالمقابل، فان الميزات النموذجية للتدريس والتعلم في فنلندا هي توافرالثقة الكبيرة في المعلمين والمديرين كمحترفين ذوي كفاءات عالية؛ وتشجيع المعلمين والطلاب على ابتكار أفكار وطرق جديدة، بمعنى آخرتشجيع الفضول والخيال والإبداع ليكون ذلك من صميم عملية التعلم. وكانت أفضل وسيلة لتجنب الإصابة بفيروسات حركة إصلاح التعليم العالمية هي تأهيل المعلمين والقادة بشكل جيد، ففي فنلندا، يجب على جميع المعلمين أن يحصلوا على درجة الماجستير في التعليم أو في مجال تخصصهم. (يتبع)
aahmedgumaa@yahoo.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: إصلاح التعلیم بعض التجارب التعلیم فی
إقرأ أيضاً:
من دكّة تعليم إلى دكان!.. التعليم بين قبضة الفساد ووهم «الأمل»
من دكّة تعليم إلى دكان!.. التعليم بين قبضة الفساد ووهم «الأمل»
حسن عبد الرضي الشيخ
كانت مدينة أبوقوتة من أجمل بقاع السودان، واحةً خضراء تحفها الأشجار الباسقة من كل أطرافها. مدارسها جنان على أرض السودان الذي كان رائعًا قبل أن يحلّ عليه الخراب عقب انقلاب الإنقاذ المشؤوم. ثم جاء انقلاب ابن “الحلمان”، فزاد الطين بلّة. أما حرب “كرامة” الكيزان، فقد أحالت ما تبقّى من تلك البقعة الطيبة من أمنٍ إلى كابوس، يُقتل فيه أبناء الأطراف مواطنيهم من أجل “الشفشفة”، ويُقتل فيه المواطنون دفاعًا عن أعراضهم وممتلكاتهم.
وفي وطنٍ يئنّ تحت ركام الحرب والتشريد، تتسرّب آخر أنفاس الأمل من بين أنقاض المدارس والمستشفيات، ويُعاد إنتاج الكارثة بأسماء جديدة وأقنعة زائفة. من يظن أن حكومة “الأمل” المزعومة ستنتشل البلاد من وهدة الانهيار، فهو واهم، أو متواطئ، أو غارق في أحلام يقظة لا يوقظه منها إلا صفعة الواقع القاسي.
حكومة “بورتوكيزان” — كما أسميها — التي لا تضع السلام ووقف الحرب على أجندتها، ليست سوى استمرارية لنظام الإفساد المؤسسي الذي أسّسه الكيزان على مدى ثلاثة عقود، ثم ستورثه لأشباه المدنيين الذين سوف يلبسونهم عباءة التكنوقراط زورًا.
التعليم، هذا القطاع الحيوي، أضحى مرتعًا للفساد والإهمال، حيث لم يعد همُّ القائمين عليه بناء العقول، بل بناء الأرصدة وتشييد الدكاكين على حساب التلاميذ والمعلّمين.
انظروا إلى نموذج صارخ من عمق الريف السوداني — مدرسة في أبوقوتة يتحوّل حرمها إلى سوق تجاري، لا إلى محراب علم! المدير، الذي يُفترض أن يكون راعيًا للعملية التعليمية، تحوّل إلى سمسار، يؤجر ٤٨ دكانًا من داخل حرم المدرسة، في قلب السوق، بعقود تمتد إلى ١٥ و٢٠ سنة! الدكان الواحد مقابل مبلغ هزيل لا يتعدّى ٥ آلاف جنيه سوداني في السنة، أي أقل من سعر قنينة وقود في السوق السوداء! أي عبثٍ هذا؟ وأي فسادٍ أفدح من ذلك؟
والأنكى من ذلك أن المدرسة نفسها تعاني من انهيار كامل في البنية التحتية: فصول بلا أسقف، حجرات بلا مقاعد، لا كنبات ولا طرابيز، لا وسائل تعليم، ولا بيئة تصلح حتى لتدريس أبجديات الحروف!
فكيف يُعقل أن تُحوَّل المدرسة إلى مجمّع تجاري، بينما تُترك الفصول تنهار فوق رؤوس الأطفال؟
كيف يُبرم مدير المدرسة عقودًا طويلة الأمد دون موافقة الوزارة أو المحليات أو حتى مجلس الآباء؟
ومن يضمن أن أموال هذه الإيجارات تدخل خزينة المدرسة أصلًا؟
هذا الفساد ليس مجرد حادثة معزولة، بل هو نموذج مصغّر لما آل إليه حال التعليم في ظل غياب المحاسبة، وغياب الرؤية، وغياب الدولة التي تحترم إنسانها. والكارثة الأكبر أن هذا يحدث وسط حديث رسمي عن “خطة وطنية للنهوض بالتعليم” و”استراتيجيات لتطوير المدارس”!
يا سادة، لا يمكن إصلاح التعليم من خلال مؤتمرات الورق، ولا عبر وزراء يكتبون الشعر وهم يدوسون على معاناة التلاميذ.
الإصلاح يبدأ من محاسبة المفسدين، ووقف العبث، وتحرير المدرسة من عقلية السوق والسمسرة.
من ينتظر “حكومة الأمل” كي تداوي جراح التعليم، فهو واهم؛ لأن من يُعيِّن كوزًا سابقًا وزيرًا، لا يمكن أن يبني وطنًا، ومن يضع خطة صحية بيد، ويمارس بيع المدارس باليد الأخرى، لا يؤمن لا بالتعليم، ولا بالصحة، ولا بالوطن.
هذه صرخة من أبوقوتة.. من قلب السودان المنسي، لنسمعها جميعًا:
أنقذوا التعليم من قبضة الفساد.. قبل أن يصبح الوطن كله دكانًا مؤجَّرًا بعقد طويل الأمد!