تقرير إسرائيلي: الحرب ضد حزب الله ستكون أكثر فتكاً من كل الحروب
تاريخ النشر: 12th, February 2024 GMT
الجديد برس:
تحت عنوان ” ثمن حزب الله – الحرب الأكثر فتكاً من كل الحروب”، نشر موقع “كالكاليست” الإسرائيلي تقريراً عن ثمن الحرب الذي ستتكبده “إسرائيل” في مقابل حزب الله، والتي ستكون أكثر تدميراً ودمويةً مما تخيل أحد في “إسرائيل”، بحسب التقرير، الذي هو خلاصة بحث بدأ قبل نحو ثلاثة أعوام، في معهد سياسة مكافحة الإرهاب في جامعة “رايخمن”، تمت في نهايته، بلورة تقرير، حمل عنوان “مواجهة تحديات جبهة القتال والانتصار في المعركة”، وهو “يرسم بتفصيل مثير للقشعريرة، كيف ستبدو في الحقيقة المعركة متعددة الساحات في الداخل الإسرائيلي”، بحسب الموقع.
البحث، الذي يتألف من 130 صفحة، أعدته ستة طواقم تفكير، تم تشكيلها من 100 “خبير بالإرهاب”، ومن مسؤولين كبار سابقين في المؤسستين العسكرية والأمنية الإسرائيليتين، وأكاديميين ورجال حكم وإدارة، بحثوا في نواحٍ مصيرية مرتبطة باستعداد الجيش الإسرائيلي والجبهة الداخلية لحرب متعددة الساحات.
وأبرز المشاركين في هذا التقرير كان اللواء في الاحتياط أهارون زئيفي – فركش (رئيس أمان سابقاً)؛ اللواء في الاحتياط إسحاق بريك (قائد الكليات العسكرية سابقاً)؛ رئيسان سابقان لسلطة الطوارئ القومية، العميدان في الاحتياط زئيف تسوك رام وبتسلئيل ترايبر؛ العقيد في الاحتياط عيرن مكوف، وهو قائد سابق للقطاع الشمالي في قيادة الجبهة الداخلية؛ حاييم توم، رئيس سابق لشعبة الإستخبارات والعلاقات الخارجية في الموساد؛ وزير القضاء السابق دان مريدور.
وترأس هؤلاء الباحثين البروفسور بوعاز غانور، وهو “رائد عالمي في مجال بحث الإرهاب في الأكاديميا، وأسس قبل نحو 30 عاماً معهد سياسة مكافحة الإرهاب، وفي شهر سبتمبر الماضي تم تعيينه رئيساً رابعاً لجامعة رايخمن”، بحسب “كلكاليست”.
وخلال الشهور والأسابيع التي سبقت هجوم السابع من أكتوبر، عرض غانور هذا التقرير على الجهات ذات الصلة في الجيش الإسرائيلي وفي القيادة السياسية في “إسرائيل”، في محاولة لتنبيه الأجهزة الأمنية وصناع القرارات للسبات، وللفكرة الخاطئة التي تمسكوا بها، “لكنه لم ينجح”، بحسب “كالكاليست”.
ولفت غانور إلى أنه عرض التقرير على المسؤولين الإسرائيليين خلال 40 لقاءً، وبينهم رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينت؛ وزير الدفاع يوآف غالانت؛ رئيس هيئة الأمن القومي السابق إيال حولاتا؛ رئيس “أمان” أهارون حاليفا؛ رئيس هيئة الأركان السابق أفيف كوخافي (في لقاء استمر 4 ساعات ونصف ساعة)، وغيرهم.
وأضاف غانور أن التقرير وصل أيضاً إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ورئيس هيئة الأمن القومي تساحي هنغبي، ورئيس الأركان هرتسي هليفي، لكن لم يحدث أي لقاء بهم، على رغم “أننا طلبنا ذلك”.
وبرز في كلام غانور قوله إنه قبل اندلاع الحرب في الجنوب بعدة أسابيع، عُرض التقرير على لواء في الجيش الإسرائيلي، لم يكشف عن اسمه (يرُجح أنه رئيس أمان)، بحضور مساعدين له، في لقاء استمر ساعة ونصف ساعة تقريباً، إلا أنه “خرج من هذا اللقاء أكثر قلقاً مما كان قبله”.
وكان لافتاً أيضاً، أنه، بحسب “كالكاليست”، نشر فقط من التقرير نتاج 5 طواقم تفكير، لأن الجزء الذي أعده طاقم التفكير السادس، والذي بحث في النواحي المرتبطة بهجوم وقائي إسرائيلي، لإزالة تهديدات تشكل خطراً عليها، هو الجزء الوحيد في التقرير الذي “مُنع نشر تفاصيله”.
مضمون التقريروورد في البحث الذي عرضه غانور أن “الحرب متعددة الساحات سوف تُفتح من الشمال بنيران صاروخية مكثفة وتدميرية من جانب حزب الله إلى كل مكان تقريباً، في أرجاء إسرائيل. المدى سوف يكون هائلاً، 2500 حتى 3000 عملية إطلاق في اليوم، وستشمل قذائف صاروخية (غير دقيقة) وصواريخ دقيقة بعيدة المدى”.
ومن حين إلى آخر، “سوف يطلق حزب الله صليات ضخمة في اتجاه منطقة محددة واحدة: قاعدة مهمة للجيش الإسرائيلي أو مدينة في غوش دان، التي سوف توجه إليها مئات القذائف الصاروخية في يوم واحد. الإطلاق سوف يتواصل يوماً بعد آخر، حتى اليوم الأخير من الحرب، بعد اندلاعها بثلاثة أسابيع تقريباً”.
ووفقاً لغانور، فإنه، بالإضافة إلى الدمار الهائل، الذي لم تشهد له “إسرائيل” مثيلاً من قبل، “يُتوقع سقوط آلاف الاصابات في الجبهة وفي الداخل، الأمر الذي سوف يؤدي إلى حالة ذعر شعبية”.
ولفت غانور، في البحث، إلى أن أحد الأهداف الرئيسة للإطلاق نحو “إسرائيل”، سيكون التوصل إلى “تقويض منظومة الدفاع الجوي للجيش الإسرائيلي، فذخيرة دقيقة وقطع طيران تحلق على ارتفاع منخفض، مثل مسيّرات، ومحلقات وصواريخ جوالة، ستحدث أضراراً مادية وتدمير بطاريات قبة حديدية، بحيث إن وتيرة النيران سوف تضع التكنولوجيا الإسرائيلية أمام تحديات غير مسبوقة. فاحتياطي صواريخ الاعتراض الخاصة بالقبة الحديدية، ومقلاع داوود، سوف تفرغ على الأغلب خلال أيام معدودة من بداية القتال، و”إسرائيل” سوف تقف مكشوفة أمام آلاف القذائف الصاروخية والصواريخ من دون دفاع فعّال ناجع، وبالتأكيد غير محكم”.
وفي الوقت ذاته، سوف يحاول حزب الله، بحسب التقرير، تخريب نشاط سلاح الجو، والحد من قدرته على العمل انطلاقاً من قواعده.
صواريخ ثقيلة ودقيقة، سوف يتم توجيهها إلى مسارات الإقلاع خلال مجالات زمنية، سوف تمنع أو تصعب ترميمها. نيران مكثفة سوف توجه إلى الهنكارات، التي سوف تُخزن فيها الطائرات الحربية. وسيتم أيضاً إطلاق صواريخ دقيقة مع رؤوس متفجرة بزنة مئات الكيلومترات، والتي من ضمنها أيضاً صواريخ جوالة. كما سوف يتم توجيهها نحو بنى تحتية حساسة.
وفي قائمة الأهداف أيضاً: محطات طاقة وبنى تحتية لمرفق الكهرباء ومنشآت تحلية ونقل تابعة لـ”مكوروت”، ومرافئ حيفا وأسدود.
كذلك، حذر معدو البحث من أن “إسرائيل” ستتعرض أيضاً لهجومٍ بأسرابٍ من عشرات المسيرات الانتحارية، التي سوف تحلق على ارتفاع منخفض جداً، في اتجاه أهداف نوعية في عمق “إسرائيل”، في محاولةٍ للمس بمعامل السلاح، بمخازن الطوارئ التابعة للجيش الإسرائيلي وبالمستشفيات، التي سوف تكون مكتظة بالمصابين، بأعداد لم تشهد لها الطواقم الطبية مثيلاً حتى في الأيام التي تلت هجوم السابع من أكتوبر الماضي.
وأضاف أن الهجوم الناري ستلازمه هجمات سايبر واسعة ضد بنى تحتية حيوية للمواصلات، ووسائل اتصال ومواقع تابعة لوزارات الحكومة والسلطات المحلية، إلى حد خطر، يؤدي إلى إحداث تشويش خطير على أداء الإقتصاد.
قوة الرضوان ستحتل مستوطنات وقواعد للجيش الإسرائيليوورد في التقرير أيضاً أن الفوضى سوف تتفاقم في “إسرائيل”، عندما يرسل حزب الله إلى الأراضي الإسرائيلية مئات المقاتلين من قوة الرضوان، في محاولة للسيطرة على مستوطنات على طول الحدود مع لبنان، وعلى مواقع جيش الاحتلال في المنطقة.
وسوف يضطر الجيش الإسرائيلي إلى مواجهة قتال واشتباكات مع مسلحين داخل “الأراضي الإسرائيلية”، على حساب توجيه الجهد لعمليات فورية في لبنان ولمناورة برية من أجل السيطرة على مناطق الإطلاق.
وفي الداخل، سوف يجد الجمهور الإسرائيلي صعوبة في تلقي معلومات محدثة وموثوق بها عن الوضع، وسوف يفقد ثقته بالرسائل التي ستصل إليه من جهات ومتحدثين رسميين.
كما أن الهلع والذعر سوف يتفاقمان في ظل عدد الإصابات الكبير، والضرر الهائل، وتشويش في إمداد الكهرباء والمياه، وتأخر وصول قوات إنقاذ وإغاثة إلى ساحات الدمار، وصعوبة الحصول على خدمات ضرورية مثل أغذية وأدوية، والهلع والارتباك وسط الجمهور، وسوف يفاقمها حزب الله عبر حرب نفسية متواصلة.
وهو سوف يفتح معركة واسعة على الوعي، عندما سيُغرق الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي بتهديدات وبمعلومات ستعمق الخلافات الداخلية. والذين سوف يرغبون في الفرار إلى خارج “إسرائيل”، سوف يكتشفون أن الصلة الجوية لـ”إسرائيل” بالعالم انقطعت.
وأشار غانور أيضاً إلى أن توقع الجمهور الإسرائيلي أن سلاح الجو وتشكيلات الاستخبارات سوف تنجح في منع أغلبية الصليات الصاروخية الموجهة إلى “إسرائيل”، سوف تُدحض.
وسوف يُدحض أيضاً التقدير بأن “هجوماً مكثفاً من على مواقع ذات أهمية في لبنان سوف تجبر حزب الله على وقف نيرانه، أو سوف تمس بصورة كبيرة قدرته على إطلاق نيران في اتجاه الداخل الإسرائيلي”.
كما أن التقرير يشير إلى نقاط ضعف لدى الجيش الإسرائيلي ونقاط ضعف في “المجتمع” الإسرائيلي.
حزب الله لن يكون وحده في المعركةبالإضافة إلى قدرات حزب الله القتالية، حذر معدو البحث من أن “إسرائيل” سوف تواجه منذ المراحل الأولى للمعركة، انضمام تنظيمات من كل المنطقة: “ميليشيات” موالية لإيران في سوريا والعراق، حماس والجهاد الإسلامي في غزة، أنصار الله في اليمن.
بالإضافة إلى أن “هيجاناً عنيفاً وواسعاً” سوف يحدث في الضفة الغربية، ووسط “فلسطينيي 48″، الذين سيعملون على إغلاق محاور حركة الجيش الإسرائيلي، وتصعيب وصول قواته إلى الجبهة، وأعمال شغب في “المدن المختلطة”، وإعداد السلطات المحلية للدور المصيري الذي سيكون عليها أداؤه، كجهة مطلوب منها تأمين استجابة للمدنيين في حالة الأزمة، من إنقاذ مصابين في مواقع دمار، حتى تقديم إسعافات أولية إلى الجرحى.
المصدر: الجديد برس
كلمات دلالية: للجیش الإسرائیلی الجیش الإسرائیلی فی الاحتیاط التی سوف حزب الله إلى أن
إقرأ أيضاً:
اليوم حرب وغدا خوف.. ما الذي يعنيه أن تقصف تل أبيب؟
في وسط تل أبيب، كان الانفجار شديدًا لدرجة أنه أحدث اهتزازًا في بيوت قرًى فلسطينية تبعد عشرات الكيلومترات عن موقع سقوط الصاروخ، لكن ماذا فعل الانفجار بتل أبيب نفسها لا على مستوى دمار المباني فحسب، بل على مستوى معناه وآثاره بالنسبة للإسرائيليين؟
في تقرير مصوَّر لــ"ABC NEWS"، ظهر بين الحطام والغبار على مدخل صالون تجميل علم ورقيٌّ لإسرائيل مكتوب عليه بالعبرية: "متحدين ننتصر"، دون أن يمسه أي ضرر إثر استهداف الصواريخ الإيرانية التي ضربت قلب تل أبيب في صباحٍ باكرٍ من صباحات يونيو/حزيران 2025.
من زاوية نظر إنتاجية، فلا يبدو أن الصورة جاءت بمحض الصدفة، فالعلم الورقي الذي يفترض أنه كان داخل المكان ساعة وقوع القصف لا تظهر عليه علامات خدشٍ مثلًا أو آثار ما يحصل عادةً للورق إذا تعرض لأي قوّة ضاغطة، فكيف بانفجار قوي قريب؟!
يحيل هذا إلى زاوية نظر رمزية يبدو أنه أُريدَ لها أن تصل، لكنها تثير تساؤلًا حول مدى واقعية هذا الشعار في العلاقة بين المجتمع الإسرائيلي وحكومته، حيث يكررون استخدامه منذ بداية المواجهة مع إيران، في الوقت الذي تظهر فيه من جديد حالة مستجدة بالنسبة لإسرائيل منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023: الإسرائيليون النازحون.
اقرأ أيضا list of 3 itemslist 1 of 3الهجرة العكسية والتحديات التي تواجه إسرائيلlist 2 of 3"لا يمكن اعتراضها".. صواريخ إيران الفرط صوتية رعب إسرائيل الليليlist 3 of 3إليك سر "الحدث الأمني الصعب في غزة" الذي تعلن عنه إسرائيل كثيراend of list حين ينزح المحتللم تعرف إسرائيل في تاريخها ظاهرة النزوح بهذه الأعداد ولمدة زمنية توشك على عامين، قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وإن بدا أن الحكومة وأجهزتها تمتلك خططًا للتعامل مع هذه الظاهرة، لكن هذا لا يعني أنها تمتلك خططًا للتعامل مع التحديات التي تفرزها هذه الظاهرة داخل المجتمع الإسرائيلي الذي كان قُبيلَ الحرب مع إيران يشهد غضبًا في الشارع والجيش اعتراضًا على استمرار الحرب، وعدم الإيمان بجدواها.
وخلافًا لتغطية قضية الإسرائيليين النازحين من البلدات على الحدود مع لبنان وغلاف غزة، فإن الإعلام الإسرائيلي لا يسلط الضوء كثيرًا على قضية الإسرائيليين الذين نزحوا من بيوتهم في تل أبيب بسبب الهجمات الإيرانية خلال حزيران الماضي، ويكتفي بالإشارة إلى أن الحكومة نظمت إيواءهم في مجموعة من الفنادق، فضلًا عن تكرار إنتاج صورة المجتمع المتماسك والمتحد خلف موقف قيادته في هذا الهجوم كما يظهر مثلًا فيما نشرته "تايمز أوف إسرائيل" حول حياة النازحين من تل أبيب إلى أحد فنادق القدس.
إعلانلكن ثمة العديد من الوقائع التي تفتح باب الأسئلة على مصارعيه، فيما إذا كانت هذه هي الحقيقة على الأرض أم أنها حقيقة تُرْسَم عبر وسائل الإعلام كجزءٍ من الحرب.
في تل أبيب، وليس بعيدًا كثيرًا عن صالون التجميل السابق الذكر، يقع مجمع الكرياه الذي يضم مقر الجيش ووزارة الدفاع إضافة إلى مكتب الرقابة العسكرية المسؤول عن قصقصة المشاهد والأخبار حول الحرب، وما ينتج عنها من آثار ليتناغم مع إرادة القيادة السياسية.
وحسبما يظهر في الصور التي هندستها الرقابة العسكرية لأحياء في تل أبيب، تبدو آثار القصف في أحياء قديمة نسبيًّا يسكنها في الغالب يهودٌ منحدرون من شرق أوروبا، دون السماح بنشر صورٍ من مواقع أكثر تقدمًا من الناحية الحضرية وحساسية من الناحية الأمنية داخل تل أبيب، يسكنها في الغالب يهودٌ غربيون من الطبقات النخبوية في إسرائيل.
كانت صور الدمار الأكثر انتشارًا واتساعًا في حجم تغطيتها لآثار القصف والخسائر في منطقة تل أبيب تتركز في المدن الشرقية كبني براك والجنوبية كبيت يام ورامات غان، وأما باتجاه الشمال كرامات أفيف، والشمال الغربي كهرتسيليا فكانت الصور قليلة جدًّا ومدروسة بعناية، ويرجع هذا في أحد أبعاده إلى طبيعة البنى الطبقية والأهمية الاقتصادية المرتبطة بمناطق شمال وشمال غرب تل أبيب فضلًا عن المركز مقارنةً بالشرق والجنوب.
تشكل منطقة بني براك شبه حزامٍ شرقيٍّ لتل أبيب، حيث يتركز فيها اليهود الحريديم المتشددون، بتعداد يزيد على 150 ألف نسمة، وهم ممن يرفضون التجنيد في الجيش، ويعيشون في مستوًى طبقيٍّ واقتصادي أقل من المناطق الواقعة في شمال وغرب تل أبيب مثل هرتسيليا ورامات أفيف.
إلى الجنوب، تمتد بيت يام التي يسكنها يهود من شرق أوروبا معظمهم قادمون من أوكرانيا، ويبلغ تعدادها السكاني قرابة 127 ألف نسمة. أما رامات غان جنوبي تل أبيب فهي امتداد لما يعرف في التخطيط الحضري الإسرائيلي بمدن التطوير التي يسكنها اليهود المنحدرون من أصول شرقية بتعداد سكاني يبلغ قرابة 150 ألف نسمة.
وتتسم هذه المناطق عامةً بانخفاض مستوى الدخل وارتفاع مستوى الخصوبة مقارنة مع شمال وشمال غرب تل أبيب حيث تسكن النخب الاقتصادية والعاملون في قطاع التكنولوجيا وذَوُو الدخل المرتفع، الذين ينحدرون من أصول غربية أوروبية وأميركية.
تظهر الفجوات في طبيعة التخطيط الحضري بين شمال تل أبيب وجنوبها في التناسب بين المباني والمساحات الخضراء، إذ يتخذ التخطيط الحضري شمالًا منحًى تخطيطيًّا يتيح مزيدًا من المساحات الخضراء بين الوحدات السكنية، خلافًا لما عليه الحال في الجنوب حيث تكتظ مدن جنوب تل أبيب بالأبنية المتراصة مع محدودية واضحة في المساحات الخضراء.
وهو ما يعني أن سقوط الصواريخ في مناطق الشرق والجنوب سيكون تدميريًّا بشكل أكبر بسبب اكتظاظ المباني، مقارنةً بالشمال والشمال الغربي.
في رامات أفيف، شمال تل أبيب، تظهر صور قليلة جدًّا لآثار القصف وغالبًا ما يكون مركزها صورًا لرجال الأمن والإنقاذ لا للدمار، خلافًا لما يظهر في بني براك ورامات غان مثلًا لا حصرًا.
إعلان
أما في المركز الذي تسكنه نخبةٌ من ذوي الدخل المرتفع الصغار السن، فالأمر أكثر حساسية حيث يكتفي الإعلام الإسرائيلي بالقول إن المركز التجاري "Azrieli Mall" قد تضرر هو وبرج سكني مكون من 32 طابقًا بجواره، ولكن دون نشر صورٍ لهذين المكانين، مع التأكيد على معلومة أن مبنى وزارة الدفاع والجيش القريبين من المركز التجاري والواقعين ضمن ما يعرف بالكارياه لم يتضررا، بحسب رواية الإعلام الإسرائيلي، وهي الرواية الوحيدة المتاحة حتى الآن.
يتتبع هذا المقال معنى قصف تل أبيب ونزوح الإسرائيليين منها، وما يعنيه مثل هذا الحدث في المدينة التي تعتبر العصب الاقتصادي والثقافي للمشروع الصهيوني، والمدينة الناتجة بسبب النظام الحداثي المهيمن على العالم.
يا أهل تل أبيب "لا مُقام لكم"تصوِّر صحيفة "The Jewish News"، وهي الصحيفة اليهودية الأوسع انتشارًا في بريطانيا تل أبيب بالنسبة لإسرائيل على أنها التوأم المقابل لفيلادليفا بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، واصفةً المدينتين بأنهما مدينتا الإعلان عن الاستقلال، وهذا بالتأكيد ليس إلا أحد وجوه التشابه التي تجمع الحليفتين الاستعماريتين.
فالمدينة المستحدثة على أراضي قرًى فلسطينية مهجرة تتبع مدينة يافا، تحمل طابعًا اقتصاديًّا معولمًا يتوسع ويستقطب الاستثمارات بناءً على هذا الأساس الذي بدأ التبلور في تسعينيات القرن الماضي.
"تل أبيب – مدينة لا تتوقف" (TEL AVIV – NON STOP CITY) تحمل بلدية تل أبيب هذا الشعار كرؤية إستراتيجية في بناء وتطوير المدينة، لتكون حاضنة للأعمال والابتكار والتبادل الثقافي، مع وعودٍ كبرى بالأمان للاستثمار، تمامًا كما تفعل المدن الكبرى التي تجاريها تل أبيب كلندن ونيويورك وباريس وغيرها.
في لحظةٍ من لحظات الحرب مع إيران ظهرت المدينة التي لا تتوقف وقد خلت شوارعها تمامًا، ومئات الآلاف من سكانها بين مختبئ في الملاجئ، ونازحٍ في الفنادق، كما ظهر في صورة نشرتها مجلة "بيزنس إنسايدر".
تشير الإحصاءات إلى أن عدد النازحين من تل أبيب قد بلغ قرابة 15 ألف نازح، وزعت الحكومة 11 ألفًا منهم على الفنادق، ونزح 4 آلاف آخرون إلى بيوت أصدقاء وأقارب.
يضاف هؤلاء النازحون إلى أكثر من مئة وخمسين ألف نازح ممن نزحوا عقب ضربة السابع من أكتوبر من المستوطنات الشمالية المحاذية للحدود مع لبنان، ومستوطنات غلاف غزة، أكثر من 20% منهم خسروا عملهم خلال الحرب، مُشكلين أزمة إضافية تضاف إلى سلسلة الأزمات التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي وحكومته منذ بداية الحرب التي لا يزال كثير من الإسرائيليين غير مؤمنين بجدوى استمرارها فضلًا عن فتح جبهات جديدة فيها.
"أعتقد أنه لا هدف من هذه الحرب ولا فائدة منها" تقول أوسانت ستينبيرغر المنحدرة من أصول بولندية، التي خسرت كل ما تملك بداخل منزلها في أحد أحياء تل أبيب، في مقابلة مع وكالة رويترز.
منذ بداية الحرب مع إيران، ظلَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول ضخ المعاني في هذه المواجهة لئلا تعلو أصوات تشابه صوت ستينبيرغر، فوصف أسبوعين من الحرب بأنهما نصر عظيم. وها هو كما يبدو يدفع باتجاه انهيار وقف إطلاق النار مع إيران كما تشير إليه العديد من الصحف العالمية التي تشبه نتنياهو بفلاديمير بوتين في اختيار الحرب الأبدية لتحقيق مصالحه السياسية والبقاء في السلطة حسب وصف الغارديان البريطانية.
وبين هذا وذاك، تظهر بوضوح متزايد حقيقة أن المجتمع الإسرائيلي بعد قصف تل أبيب وما ظهر من صور للدمار لم يعتدها، سيواجه أزمةً أخرى تضاف إلى أزمات الحرب المتلاحقة، بوصفه مجتمع مهاجرين، يعيش نظامًا اقتصاديًّا رأسماليًّا تشكل تل أبيب عصبه الأساسي، ويبحث فيها عن الأمن والرفاهية.
"يبدو هذا كيومٍ طويلٍ، إنه لا يتوقف. يجب عليك الذهاب إلى الملجأ ثلاث أو أربع مرات في اليوم. نحن نريد العودة إلى الحياة الطبيعية، للاستمتاع من جديد".
بهذه الكلمات تصف إسرائيلية تسكن رامات أفيف في شمال تل أبيب ما تريده بعيدًا عن أحلام نتنياهو بتحقيق النصر العظيم، بعد أن تحولت تل أبيب من مدينة يلجأ إليها الهاربون من الحروب إلى مدينة تواجه مع الوقت احتمالات عالية للتعرض لمزيدٍ من الهجمات الصاروخية خصوصًا في ظلِّ ما يرشح حول هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار واحتمال انهياره في أية لحظة.
إعلانبكلماتٍ أخرى، أصبح مجتمع مستوطني تل أبيب الليبراليين المرفهين، مضطرًّا إلى التعامل وجهًا لوجه مع الخوف وهشاشة الأمن واحتمال نشوب الحرب مع إيران مرة أخرى وآثار ذلك كلِّه.
فالهاربون من حرب أوكرانيا وروسيا إلى إسرائيل، أتوا متيقِّنين أنهم سيكونون أكثر راحة وأمنًا، ثقةً منهم بالدفاع الجوي الإسرائيلي الذي تُنْفَقُ عليه قرابة نصف موازنة الجيش، لكنهم لم يعودوا متأكدين من هذا بعد الآن حسب ما تورد أسوشيتد برس الأميركية.
"أشعر بالرعب في الداخل وفي الخارج، بالرعب من اليأس" تقول الأوكرانية تيتيانا كوراكوفا، التي هاجرت إلى إسرائيل عام 2022 هربًا من الحرب في أوكرانيا وسكنت في بيت يام، ثم تضيف: "لأجل هذا السبب غادرت أوكرانيا، ولا أستوعب الآن أنه ممكن الحدوث هنا أيضًا".
تل أبيب، المدينة العبرية الأولى، التي تستلهم وعودها باليوتوبيا من صورة المدينة التي رسمها هرتزل في روايته "بلد قديم جديد"، التي تحمل بوضوح طابع ونظام ووعود المدن الحديثة، لم تعد آمنةً في نظر من يسكنونها أو يلتجئون إليها من نيران حروب أخرى.
وأضيفت إلى ذاكرة سكانها والمعجبين بها صور للدمار والأنقاض بدلًا عن صور الشوارع الواسعة والبنايات الحديثة والحياة المرفهة.
ظلَّت إسرائيل طوال عقودٍ تروِّج في المنطقة لأمنها وقدرتها على الردع وهي اليوم غير قادرة على منح سكانها الشعور بالأمان، فتدفع قيادتها السياسية نحو مزيد من الحرب، أي مزيدٍ من الخوف بدعوى ملاحقة الأمان.
يُذكِّر هذا بكلام وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد قبل إرسال القوات العسكرية إلى العراق قبل أكثر من عشرين عامًا حين قال: "إننا سنكسب الحرب عندما يشعر الأميركيون بالأمان من جديد"، وأخذ جورج بوش يردد ذات الكلمات، لكن ما حصل كان العكس تمامًا، فإرسال القوات العسكرية إلى العراق زاد من معدلات الخوف من عدم الأمن في الولايات المتحدة وغيرها زيادةً غير مسبوقة.
ويبدو أن تل أبيب ذاهبة نحو هذا المصير، ولكن كيف؟لا يحمل مجتمع تل أبيب مزاجًا قتاليًّا، فهو مجتمع ليبرالي ظلَّ طوال أشهر الحرب صاحب الصوت الأعلى في المطالبة بصفقة تبادل يعود فيها الرهائن وتنتهي الحرب، وقبل ذلك كان يقود الاحتجاجات على خطة الإصلاحات القضائية. وما إن توقفت الحرب مع إيران ورفعت الجبهة الداخلية القيود على التجمهر، حتى عاد الإسرائيليون في تل أبيب إلى الشوارع للتظاهر ضد نتنياهو والحرب التي يقودها.
في المقابل تندفع القيادة السياسية نحو المزاج القتالي بتأثير الصهيونية الدينية المشحونة بالنبوءات والمصالح من جهة، ومساعي نتنياهو للنجاة بنفسه من جهة أخرى.
وبالتالي فإن هذا المجتمع الليبرالي -الذي يعيش في داخل فقاعة المدينة الحديثة التي تقدم وعودًا لا نهاية لها بالأمن والسلام وسيادة المتعة- يبحث فقط عن النجاة من الموت، ولا يرى معنًى للموت في هذه الحرب التي تبدو من وجهة نظر نخبته غير مُجدية، وليست في سبيل شيء إلا المصلحة السياسية لنتنياهو وحلفائه.
بالنسبة للنازحين بداية الحرب من الشمال والجنوب، فهم في الغالب من إثنيات تعرضت تاريخيًّا للتهميش كاليهود الشرقيين واستخدمتها القيادة السياسية -منذ تأسيس إسرائيل- أحزمةً ديموغرافية لحماية الإثنيات الغربية النخبوية، وذلك بتلقي الضربة الأولى من جبهة جنوب لبنان وجبهة غزَّة.
لكن الأمر في تل أبيب مختلف، فالضربة هذه المرة قطعت آلاف الكيلومترات، لتصيب بهذه القوَّة مركز الاقتصاد وتؤثر في حياة النخبة الليبرالية، لتضاف إلى أسباب أخرى تدفع هذه النخبة نحو مزيد من الحنق على حكومة نتنياهو.
وهو ما يجعل قصف تل أبيب، وحركة نزوح عشرات الآلاف من سكانها، تحديًا يمس أحد الجوانب الأكثر حساسية في المجتمع الإسرائيلي وهو في التقسيم الإثني الذي يؤثر بدوره في شكل التوزيع الديموغرافي للمستوطنين.
بحسب الموقع الرسمي للحكومة الإسرائيلية فقد تم تلقي 41,651 طلب تعويض في مراكز صندوق التعويضات منذ بداية الحرب، أكثر من 26 ألف طلبٍ منها قادمة من تل أبيب.
ولتركيز الحكومة الإسرائيلية على مخططات التوسع في جبهات الحرب، فهي لم تقدم حلًّا جذريًّا لمشكلة النازحين منذ أكتوبر 2023، الرافضين في معظمهم لفكرة العودة إلى مدن التطوير وبلدات الغلاف، رغم ما يحملونه من أيديولوجية يمينية يمنح من خلالها الدين معنًى لما يواجهونه باعتبار أن أنصار اليمين واليمين الديني مشحونون بمزاج قتالي وبنى عقدية تغذيه. فكيف ستتصرف الحكومة مع الليبراليين الذين لا وزن بالنسبة لهم لأيديولوجيا الدين وما تضخه من المعاني؟
وعلاوةً على ذلك، فإن الطبقة الجديدة من النازحين الليبراليين تمتلك رفاهية تسمح لها باتخاذ قرار الهجرة العكسية نحو الولايات المتحدة أو أوروبا، مما يعني أن تصاعد التهديد الأمني في تل أبيب يدلّ على أن الحكومة مقبلة على تحدٍّ ديموغرافي إن قرر أبناء الحداثة في تل أبيب تغيير قيمهم اتجاه المشروع الصهيوني بحثًا عن مكان أكثر رفاهيةً وأمانًا، انطلاقًا من أيديولوجيتهم الحداثية القائمة حسب تعريف عبد الوهاب المسيري على أنه لا ثبات لأي شيء، لا الواقع ولا القيم ولا الخيارات. وحيثما يسود هذا التبدل في القيم تبعًا للمصلحة الفردية المتمثلة هنا بالنجاة من الموت فلا سبيل للحسم بغير القوَّة كما يرى المسيري، فهل ستغلق إسرائيل مطارها في وجه مواطنيها خشية أن يهربوا في حال وقوع أي مواجهة قادمة مع إيران؟
إعلانخصوصًا أن الأيام الأولى للمواجهة مع إيران قد شهدت فرار العديد من الإسرائيليين في يخوت خاصة عبر موانئ عسقلان وحيفا وهرتسيليا، رغم قرار الوزيرة اليمينة التي تتولى حقيبة المواصلات ميري ريغيف بمنع الإسرائيليين من المغادرة كما أوردت صحيفة هآرتس.
وإن كان نزوح الإسرائيليين ذوي الأصول الشرقية بداية الحرب، يحمل معه احتمالات كثيرة في التأثير في الاستحقاقات الانتخابية القادمة، فإن نزوح الإسرائيليين ذوي الأصول الغربية يحمل معه إنذار خطرٍ يواجه الواجهة الاقتصادية الكبرى في إسرائيل، ويهدد قدرتها على الاستمرار، فضلًا عن بداية فصل جديد من التحدي الديموغرافي الذي تواجهه إسرائيل من داخلها في حربها الأطول منذ تأسيسها.
هل ثمة مهرب؟قامت إسرائيل على وعد الوطن الآمن المزدهر والمتطور، أي "أرض اللبن والعسل"، وبهذا العنوان اجتذب المشروع الصهيوني الكتل الديموغرافية من يهود العالم ويذهب عبد الوهاب المسيري إلى أن الحركة الصهيونية السياسية هي مشروع حداثي، يقوم على نفس قيم الحداثة، التي تعد مجتمعها الداخلي بالسلام والرفاهية والأمان، وتشرعن لنفسها القتل والإبادة كما يظهر في رسالة لودفيج جومبلوفيتش، عالم الاجتماع النمساوي اليهودي إلى هرتزل حين سأله مستنكرًا: هل تريد أن تؤسس دولة بدون أن تسفك دماء، بدون عنف ومكر؟
وعلى أن إسرائيل هي امتداد للمشروع الحداثي الغربي في الهيمنة على العالم، فإن الإبادة وما نتج عنها من اتساع رقعة المواجهة العسكرية هي نتاج ذات المشروع، تمامًا كما كانت الهولوكوست جزءًا طبيعيًّا من صيرورة الحداثة لا انقطاعًا فيها كما يرى عالم الاجتماع زيغمونت باومن.
على هذا الأساس الذي يكون القتل فيه الوجه الخشن للحداثة، بُنيت "بيتاح تكفا" ثاني أكبر مدينة صناعية في إسرائيل شرق تل أبيب على أراضي قرية ملبس الفلسطينية، واسمها العبري يعني بالعربية "فاتحة الأمل" وقد سُمّيت به لكونها النواة الأولى للاستيطان الصهيوني في فلسطين. ويبلغ تعداد سكانها اليوم أكثر من ربع مليون نسمة.
وكما يرى باومن فإن المدن التي قد تم تأسيسها في الأصل لتوفير الأمن لسكانها أصبحت ترتبط في هذا الزمن بالخطر أكثر من ارتباطها بالأمان، وحين يحدث هذا يتحول القلق بشأن المستقبل وهشاشة الوضع الاجتماعي واللا أمان الوجودي إلى اهتمام بالسلامة الشخصية وهو ما يعيد تشكيل السياسات العقارية ويؤثر في مستويات التصنيف الائتمانية.
وإن كانت المدن في عصر ما قبل الحداثة تحمي نفسها بابتكارات عمرانية كالخنادق المائية وأبراج الهجوم ومنافذ السهام والقذائف في أسوار المدن، فإن المدن الحديثة اليوم تواجه عجزًا في حماية نفسها من الحمم الساقطة من السماء، فضلًا عن أن تحمي نفسها من خوف سكانها منها، ونزوعهم نحو الهرب، وهي وإن كانت المكان الطبيعي لدورة الحياة وتشاركها ومنحها المعاني، فإنها تصبح في خضم تصاعد احتمالات الحرب، مساحة للبحث عن أمل في تسوية يمكن احتمالها لمن لا يمكنه الهرب، أما من يمكنه ذلك، فقد رمى قرار ريغيف في البحر وهو يلوح مودعًا الموانئ.
وهكذا يرتد الشرُّ على نفسه، فما بدا أنه آمنٌ ومثالي للاستثمار والصناعة والاستقرار، وهو يُنكر مقطعًا من تاريخه حين قام على جماجم بشر آخرين، أصبح يذكّر بالخوف أعمق والتفكير فيما يدور الصراع حوله: الحياة والموت.
إن إيران حين قصفت بيتاح تكفا، بما تحمله من رمزية صناعية، وتل أبيب بما تحمله من رمزية سياسية وثقافية لم تكن فقط تريد تدمير الوجود المادي لهذه المدن، بل كانت تهدف أيضًا إلى تحقيق ضربةٍ في الوعي الإسرائيلي الذي ظلَّ معتدًّا بذاته وقدرته الحديدية، وإلى تعرية هشاشته أمامه، بعد أن كان السابع من أكتوبر فاتحة الطريق لما بعده في مواجهة مشروع الهيمنة على الأرض والوعي.
لا يثق الإسرائيليون بإمكانية أن يصمد اتفاق وقف إطلاق النار طويلًا، ولا يزالون يصفون حياتهم بأنها ذاهبة نحو المزيد من الارتياب، ولا تزال تل أبيب ضعيفة في ظل اتفاق وقف إطلاق النار الهش كما تصفها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، وهكذا يضاف صدعٌ جديد إلى الوعي الإسرائيلي الذي تذهب به قيادته نحو حربٍ لا يريدها.
وإلى أن يستطيع الهرب في المواجهة القادمة عبر البحر أو الجو، يبقى السؤال قائمًا: إلى أين سيهرب من ذاته المصابة بالهلع؟