ليس خافيًا على أحد أنّ اللبنانيين الذين يواجهون حربًا إسرائيليّة بكلّ ما للكلمة من معنى، ولو بقيت محصورة "نسبيًا" في الجنوب الذي يفترض ضمن البديهيّات أنّه "جزء لا يتجزأ" من الوطن، ليسوا "متّحدين" فعليًا في المواجهة، في ظلّ تباينات تظهر بوضوح في الموقف من فتح "جبهة الجنوب" والجدوى المرجوّة منها، وهو ما تعزّزه الانقسامات السياسية المتفاقمة، والتي تتجلى بالعجز المستمرّ عن انتخاب رئيس للجمهورية.


 
فإذا كان "حزب الله" يؤكد أنّ جبهة الجنوب التي لم تُقفَل أساسًا، في ظلّ الانتهاكات الإسرائيلية المتمادية للسيادة اللبنانية، وآخرها امس باستهداف الغازية، فُتِحت على مصراعيها في اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى" من باب التضامن الإنسانيّ مع الشعب الفلسطيني المُحاصَر في قطاع غزة، يعتبر خصومه أنّ هذه الجبهة "لم تخدم" الفلسطينيين بشيء، حتى إنّها "لم تخفّف عنهم"، ويتهمونه بالتالي بـ"توريط" لبنان بحرب لا ناقة له فيها ولا جمل، كما يقولون.
 
وبين هذا الرأي وذاك، يوسّع العدو الإسرائيلي حربه على اللبنانيين بلا حسيب أو رقيب، فيرتكب المجازر المروّعة بحق المدنيين تمامًا كما يفعل في غزة، خصوصًا ضمن مناطق ما تسمّى "البيئة الحاضنة" للمقاومة، وهي مجازر يسقط ضحيتها المدنيون والأبرياء، وعلى رأسهم الأطفال، كما حصل مثلاً في النبطية الأسبوع الماضي، ليُطرَح السؤال: هل "توحّد" مثل هذه المجازر موقف الداخل في مواجهة الحرب، بمعزل عن مسبّباتها؟
 
تعزية "ملغومة"؟
 
حتى الآن، لا توحي المؤشّرات بأنّ التوصّل إلى موقف داخلي "موحّد" ممكن فعلاً، حتى لو كان ذلك بضغط المجازر التي يرتكبها العدو الإسرائيلي، الأمر الذي يتجلى بوضوح في رصد مواقف ما بعد "مجزرة النبطية"، التي لم ترقَ برأي كثيرين لحجم الجريمة الوحشيّة والمروّعة التي ارتُكِبت، والتي كانت فاتورتها "ثقيلة" على المستوى الإنسانيّ، بعدما أدّت إلى "شبه إبادة" لعائلة كاملة، إن جاز التعبير، من دون أيّ ذنب.
 
فباستثناء الموقف الرسميّ للحكومة اللبنانية الذي تمثّل بتقديم شكوى جديدة أمام مجلس الأمن، وموقف "حزب الله" الذي أكد أمينه العام السيد حسن نصر الله أنّ الردّ على الدماء التي سالت سيكون "دمًا"، جاءت معظم المواقف المتعاطفة والمتضامنة، خصوصًا من طرف خصوم "حزب الله"، على شكل "رفع عتب"، ولم تخلُ من انتقادات ضمنية إلى الحزب نفسه، ما دفع البعض إلى وصفها بـ"التعزية الملغومة"، إن جاز التعبير.
 
في هذا السياق، ثمّة من وضع المجزرة ضدّ المدنيين في خانة دفع فاتورة نظرية "إسناد غزة" و"إلهاء إسرائيل"، ومن حمّل "حزب الله" مسؤوليتها حين فرض على اللبنانيين حربًا بقرار أحادي، وثمّة من وضع إيران جنبًا إلى جنب إسرائيل في المسؤولية عن هذه المجزرة، وثمّة حتى بين المتضامنين من تعمّد التأكيد على موقفه من "عدم ربط جنوب لبنان بغزة"، لتصبّ كل هذه المواقف في خانة واحدة، وهي التوظيف السياسي أولاً وأخيرًا.
 
الحرب "واقعة"!
 
قد لا يكون مثل هذا التوظيف مستغربًا، ولو أنّه يبدو لكثيرين غير مناسب في لحظة المجازر، إلا أنّ الواقع أنّ الانقسام اللبناني حول حرب الجنوب ليس سرًا، فتمامًا كما أنّ هناك فئة من اللبنانيين تؤمن بنظرية "وحدة الساحات"، وتعتبر هذه الحرب "الحدّ الأدنى المطلوب"، ثمّة شريحة واسعة في المقابل، ترى أنّ هذه الحرب "بلا جدوى"، وأنّ قرارها اتُخِذ "أحاديًا"، من دون أيّ دراسة حقيقيّة للتبعات والأضرار التي قد تترتّب على ذلك.
 
يعيد هذا التباين النقاش بملفات كثيرة لطالما بقيت "مستعصية" على الإجماع اللبناني، من الحديث عن قرار الحرب والسلم الذي يُتّهَم "حزب الله" من خصومه باحتكاره ومصادرته من الدولة اللبنانية، إلى النقاش بملف سلاح الحزب، الذي وُضِع يومًا في إطار "استراتيجية دفاعية" على طاولات الحوار، كما أنّه يعيد الاعتبار إلى سجالاتٍ لم تنتهِ فصولاً، حول الموقف من المقاومة عمومًا، وحول تبعيّة هذا الطرف أو ذاك، لهذه الجهة الخارجية أو تلك.
 
وإذا كانت مثل هذه النقاشات مطلوبة أصلاً، فإنّ السؤال الذي يجب أن يُطرَح هنا، وفقًا للعارفين، هو: "هل هذا هو الوقت المناسب فعلاً لنقاش مثل هذه الأمور، فيما تُسال الدماء على الأرض؟". برأي هؤلاء، فإنّ الحرب "واقعة"، وما عاد بالإمكان "تداركها"، وبالتالي فإنّ المطلوب "احتواءها"، وبالحدّ الأدنى تجنّب توسّعها كما يهدّد العدو الإسرائيلي، ومثل ذلك لا يمكن أن يتحقّق بتعميق الانقسام، بل بتحصين الساحة الداخلية بشكل أو بآخر.
 
لا يشكّ أحد في أنّ جميع اللبنانيين، من كلّ الأطراف، سيكونون جنبًا إلى جنب في مواجهة أيّ حرب إسرائيلية شاملة، كما فعلوا بشكل أو بآخر في حرب تموز 2006، لكن ثمّة من يؤكد أنّ مثل هذا الموقف "الجامع" يفترض أن يظهر من الآن، ليس فقط لأنّ الحرب حاصلة أصلاً في الجنوب، ولكن أيضًا لأنّ مثل هذا الموقف يشكّل "الحصانة المطلوبة" حتى لمنع توسّع الحرب، فهل توضع الملفات الخلافية جانبًا، إلى حين، حتى ينتهي "الكابوس"؟! المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله

إقرأ أيضاً:

انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية.. نهاية صراع دموي وبداية أمة جديدة ماذا حدث؟

عام 1865أسدل الستار على واحدة من أعنف الحروب في تاريخ الولايات المتحدة، عندما سلّم الجنرال الكونفدرالي روبرت إي. لي قواته إلى الجنرال الاتحادي أوليسيس غرانت في محكمة أبوماتوكس بولاية فرجينيا.

 هكذا انتهت الحرب الأهلية الأمريكية، التي استمرت أربع سنوات ومزقت البلاد بين ولايات الشمال المؤيدة للاتحاد وولايات الجنوب المطالبة بالانفصال.

خلفيات الصراع..عبودية وانقسام سياسي

كانت جذور الحرب تعود إلى انقسامات عميقة بين الشمال الصناعي والجنوب الزراعي، خاصة حول قضية العبودية. 

ففي حين طالب الشمال بإلغائها، تمسك الجنوب بها كمصدر رئيسي لاقتصاده القائم على زراعة القطن. 

ومع انتخاب أبراهام لينكولن رئيسًا في عام 1860، شعرت ولايات الجنوب بالتهديد، لتعلن إحدى عشرة ولاية انفصالها عن الاتحاد وتشكيل “الولايات الكونفدرالية الأمريكية”.

حرب بكل المقاييس

استمرت الحرب من عام 1861 إلى 1865، وخلفت وراءها أكثر من 600 ألف قتيل، لتكون بذلك أكثر الحروب دموية في تاريخ أمريكا. شهدت المعارك استخدام تقنيات عسكرية حديثة آنذاك، إلى جانب حصارات وتجويع ومواجهات شرسة، مثل معركة غيتيسبيرغ الشهيرة التي شكلت نقطة تحوّل لصالح قوات الاتحاد.

النهاية… والسلام الصعب

جاءت لحظة الحسم في أبريل 1865 بعد سلسلة من الهزائم المتلاحقة للجنوب. 

استسلمت الجيوش الكونفدرالية تباعًا، وكانت بداية النهاية في أبوماتوكس، حيث قدم الجنرال لي استسلامه في مشهد طغت عليه المروءة والاحترام المتبادل بين القادة.

لكن نهاية الحرب لم تعن نهاية الأزمات، فبعد إطلاق النار على الرئيس لينكولن بعد أيام قليلة من نهاية الحرب، دخلت البلاد في مرحلة “إعادة الإعمار” التي استغرقت سنوات لإعادة دمج الجنوب في الاتحاد وإعادة بناء ما دمّرته الحرب


 

طباعة شارك الحرب الأهلية الأمريكية الولايات الكونفدرالية الأمريكية قضية العبودية تاريخ الولايات المتحدة أبراهام لينكولن الحروب

مقالات مشابهة

  • اليونيفيل بين الضغوط الإسرائيلية لتعديل مهامها وتمسك لبنان بالتمديد فقط
  • ترامب بين دعم إسرائيل وضغوط الداخل.. براعة سياسية أم رهانات انتخابية؟| محلل يجيب
  • “إغاثة غزة” تبدأ توزيع المساعدات وسط تصعيد إسرائيلي ومخاوف من المجاعة
  • بعد قضمها عشرات الأمتار.. انسحاب القوة الإسرائيلية التي توغلت إلى أطراف ميس الجبل
  • انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية.. نهاية صراع دموي وبداية أمة جديدة ماذا حدث؟
  • تآكل مجتمع الصهيونية “اللقيط” من الداخل.. أرقامٌ ومؤشرات
  • الى متى يعاني اهل بلادنا من الحرب والكوليرا والمجاعة؟
  • لبنان بين رحيل نصرالله وترتيبات ما بعد الحرب: من يمسك اليد الأولى؟
  • عودة الغارات بعد يومين من الهدوء الحذر في الجنوب.. قاسم: الحرب مع إسرائيل لم تنته
  • ما رسائل ومآلات تصعيد روسيا حربها على أوكرانيا؟