ما رسائل ومآلات تصعيد روسيا حربها على أوكرانيا؟
تاريخ النشر: 26th, May 2025 GMT
بين رسائل القوة وضغوط الاستنزاف عادت روسيا إلى واجهة المواجهة عبر هجوم عسكري وُصف بأنه الأوسع والأعنف منذ بداية حربها على أوكرانيا، وهو تصعيد بدا في ظاهره ميدانيا، لكنه في العمق يعكس تموضعا سياسيا جديدا تسعى موسكو إلى فرضه في لحظة إقليمية ودولية معقدة.
فقد تعرضت العاصمة كييف ومقاطعات أوكرانية عدة لسلسلة ضربات بالصواريخ والمسيّرات خلفت قتلى وجرحى وخسائر في البنية التحتية.
في المقابل، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها صدت هجمات أوكرانية استهدفت 13 مقاطعة داخل روسيا، مؤكدة أن منظوماتها الدفاعية أسقطت عشرات الطائرات المسيرة.
وبحسب الباحث في الشؤون الروسية محمود حمزة، فإن هذا التصعيد لا يمكن قراءته كرد فعل مؤقت فقط، بل يأتي في سياق دورة متكررة من الكر والفر، إذ تشهد الحرب مراحل من التراجع والهدوء يعقبها تصعيد واسع، ولا سيما بعدما وصلت الطائرات المسيرة الأوكرانية إلى عمق الأراضي الروسية، بما في ذلك مناطق حساسة مثل مقاطعة كورسك الحدودية.
وأوضح حمزة في حديثه لبرنامج "ما وراء الخبر" أن إحدى هذه الضربات الأوكرانية تزامنت مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتلك المنطقة، وهو ما اعتبرته موسكو مسا مباشرا برمز سيادتها ودافعا إضافيا نحو تنفيذ هجوم واسع يحمل طابعا انتقاميا ورسالة قوة في آن معا.
إعلانلكن تلك العمليات لا تخرج -وفق المتحدث ذاته- عن السياق السياسي العام الذي يشهد فشلا في مسارات التفاوض، ويرى أن موسكو تحاول عبر التصعيد العسكري فرض شروطها كمدخل لتسوية شاملة، في ظل برود أميركي واضح تجاه جهود الوساطة، وتردد أوروبي في اعتماد مسار تفاوضي جاد.
نمط ثابتمن جانبه، أشار أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف حسني عبيدي إلى أن موسكو باتت تمارس نمطا ثابتا عبر تصعيد عسكري عند كل منعطف تفاوضي.
واعتبر عبيدي أن الضربات الأخيرة استهدفت زرع الرعب داخل كييف، باعتبارها مركز القرار السياسي والعسكري، وهو ما يؤثر في تماسك الجبهة الداخلية الأوكرانية.
وأكد أن الهدف الروسي يتعدى الضغط العسكري، ليصل إلى محاولة إعادة تشكيل معادلة القوة النفسية والمعنوية عبر إضعاف الروح المعنوية للمدنيين والسياسيين على السواء، ودفعهم إلى القبول بصيغ تفاوضية جديدة.
ورغم هذا التصعيد فإن الرواية الغربية تروج أن موسكو في حالة تراجع، ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤولين غربيين أن روسيا تسيطر على أقل من 0.6% من الأراضي الإضافية منذ بدء الحرب، وتواجه نقصا حادا في الجنود والعتاد، وسط خسائر قدرتها كييف بما يفوق نصف مليون قتيل روسي.
وأقر حمزة بوجود آثار اقتصادية واجتماعية كبيرة تركتها الحرب على روسيا، مشيرا إلى ارتفاع الأسعار وشيوع أجواء التقشف، لكنه شدد على أن القيادة الروسية بكاريزميتها المعهودة لا تزال ترفض الاعتراف بالهزيمة، وتصر على استمرار القتال حتى تحقيق اتفاق دائم.
من ناحيته، استبعد عبيدي أن يكون هناك اختراق قريب في مسار التفاوض، مشيرا إلى أن المواقف لا تزال متباعدة، وأن الأوروبيين يعوّلون على استثارة موقف أميركي أكثر حزما، وربما على تغير محتمل في موقف الرئيس دونالد ترامب.
وفي هذا السياق، اعتبر أن الهجوم الأخير يسعى كذلك إلى إحراج إدارة ترامب عبر إثبات أن الرئيس الروسي لا يملك نية حقيقية للتفاوض، وأشار إلى أن تصريحات السيناتور الأميركي ليندسي غراهام بشأن ضرورة استغلال عائدات النفط لتسليح أوكرانيا تمثل تصاعدا في الخطاب الغربي الهادف لردع موسكو.
إعلانلكن حمزة رأى في التحركات الدبلوماسية الروسية -مثل تبادل الأسرى والتأكيد على إعداد وثيقة تفاوضية- مؤشرات على رغبة مضمرة بإنهاء الحرب، شرط توافر ضمانات كافية لموسكو بشأن أمنها وموقع أوكرانيا المستقبلي في علاقاتها مع الغرب وحلف شمال الأطلسي.
صفقة شاملةووسط غياب الثقة بين الطرفين، قال عبيدي إن الدعوات الأوروبية لوقف إطلاق نار مؤقت تمهد لمفاوضات تصطدم بإصرار بوتين على صفقة شاملة تسبق أي هدنة، وهو ما يجعل فرص التهدئة محدودة في ظل غياب وسيط موثوق لدى الطرفين.
ويبدو أن موسكو تراهن على الوقت رغم أنها لم تحقق تقدما نوعيا منذ أكثر من 3 سنوات، وفق عبيدي.
وأضاف عبيدي أن الثابت الوحيد في المشهد هو تصميم أوروبا على دعم كييف، في حين يبقى الموقف الأميركي -ولا سيما من جانب ترامب- هو المتغير الذي قد يقلب موازين الحرب أو يمددها.
أما حمزة فرأى أن الطابع "الصبور والمثابر" للشعب الروسي وقيادته يجعلهما أقل ميلا للتراجع، حتى مع تصاعد الخسائر.
واعتبر أن التغير الحقيقي لن يأتي إلا إذا نجحت أوروبا في دفع ترامب نحو موقف أكثر وضوحا، سواء بالضغط السياسي أو بتحريك الرأي العام الأميركي.
ورأى عبيدي أن التطورات الأخيرة كاستهداف منطقة كورسك أثناء وجود مروحية الرئيس بوتين تمثل تجاوزا رمزيا لخط أحمر، وقد تدفع موسكو نحو مزيد من التصعيد بدل التهدئة، محذرا من أن مثل هذه الضربات قد تفسَّر كرسائل استهداف مباشر للقيادة الروسية.
ومع اقتراب موعد حضور ترامب لقمة حلف الأطلسي في يونيو/حزيران المقبل، وتزامنه مع زيارة مرتقبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يعتقد عبيدي أن الشهرين المقبلين قد يشهدان تغيرات في المعادلات السياسية والعسكرية، لكنها تظل رهينة بمدى انخراط واشنطن الجدي في ملف التسوية.
وفي ظل هذا المشهد المتداخل يبقى التصعيد الروسي الأخير علامة على أن الحرب تتجه نحو مزيد من التعقيد، في وقت تُجمع فيه معظم الأطراف على أن الحلول الجزئية لم تعد ممكنة، وأن أي تسوية محتملة لن تكون إلا وفق صيغة قاسية على أحد الطرفين، أو ربما عليهما معا.
إعلانالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أسبوع حاسم لكييف.. وخطة أوروبية لإرسال قوات ومعدات مراقبة إلى أوكرانيا
من المتوقع أن يستغل قادة الاتحاد القمة المرتقبة للمضي قدمًا في خطوات تهدف إلى توحيد القدرات العسكرية الأوروبية وتعزيز التعاون الدفاعي.
كشف موقع بوليتيكو، أن الاتحاد الأوروبي يستعد خلال قمة حاسمة الأسبوع المقبل لإقرار خطة لنقل قوات ومعدات مراقبة إلى أوكرانيا، موضحًا أن الوجود العسكري الأوروبي لن يشمل الانتشار في الخطوط الأمامية للقتال.
ووفقًا للموقع، نقل مسؤول دفاعي أوروبي أن قوات التحالف ستتولى تشغيل طائرات مسيّرة داخل الأراضي الأوكرانية لمراقبة أي اتفاق سلام محتمل.
ويتوقع أن يستغل قادة الاتحاد القمة المرتقبة للمضي في خطوات تهدف إلى توحيد القدرات العسكرية الأوروبية وتعزيز التعاون الدفاعي.
وفي سياق متصل، أكّد وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، خلال زيارته إلى واشنطن، أن ما يُعرف بـ"تحالف الراغبين" مستعد للاضطلاع بالمهام الأمنية الثقيلة في أوروبا، إلى جانب دعم الضمانات الأمنية التي طرحها الرئيس ترامب، مع استعداد القوات الأوروبية للمساهمة في ضمان السلام على المدى الطويل.
وأشار الوزير إلى بعض الأعمال الجارية، موضحًا أن حوالي 200 مخطط عسكري من أكثر من 30 دولة شاركوا في "زيارات استطلاعية إلى أوكرانيا"، مؤكدًا أن القوات جاهزة ومستعدة للعمل.
أوكرانيا تقترح "منطقة اقتصادية حرة" منزوعة السلاحقدمت كييف أحدث مقترحاتها لإنهاء الحرب في منطقة دونباس شرق البلاد، عبر إنشاء "منطقة اقتصادية حرة" منزوعة السلاح، يُسمح فيها لمصالح الأعمال الأمريكية بالعمل، بهدف كسب دعم الرئيس ترامب، وفق مسؤولين مطلعين على الملف.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، إن ترامب "على علم" بالخطة الجديدة المكونة من 20 نقطة، والتي أرسلتها كييف إلى واشنطن الأسبوع الجاري، لكنه بدا متشككًا بشأن فرص التوصل لاتفاق سلام خلال تصريحاته الأخيرة.
من جانبه، أوضح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن السيطرة على المنطقة العازلة في شرق البلاد لا تزال بحاجة إلى تحديد، مشيرًا إلى أن القوات الروسية والأوكرانية ستُمنع من التواجد فيها وفق الاقتراح الجديد، وهو ما وصفه بـ"حل وسط" مقارنة بالخطة السابقة التي كانت تمنح السيطرة للجيش الروسي.
وأكد زيلينسكي أن أوكرانيا ستنسحب من المنطقة فقط بعد ضمانات أمنية ملموسة من الحلفاء لحمايتها من أي عدوان مستقبلي من موسكو.
ونقلت "بوليتيكو" عن مصادر مطلعة على الخطة شكوكها في قبول روسيا بالمقترح، مشيرة إلى أن ترامب ما زال يرى أوكرانيا الطرف الأضعف، خاصة بعد استقالة رئيس موظفي زيلينسكي أندري ييرماك إثر فضيحة فساد حديثة، مضيفة أن البيت الأبيض يستخدم هذه الفضيحة للضغط على كييف.
Related أكبر هجوم ليلي منذ بدء الحرب.. روسيا تعلن إسقاط 287 مسيرة أوكرانية و تعلّق عشرات الرحلات الجويةزيلينسكي يخرج من اجتماع لندن بمقترح معدَّل للسلام مع روسيا.. فهل سيحظى بموافقة ترامب؟ألمانيا تحث الصين على استخدام نفوذها مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا تنسيق مع إدارة ترامبوبحسب المسؤول الدفاعي، أبلغ الأوروبيون إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحاجتهم لتنسيق سياسي أعمق حول المحادثات المتعلقة بأوكرانيا، في ظل شعورهم بتهميش دورهم في المسار التفاوضي.
ويذكر أن ترامب أعرب في مناسبات عدة عن رفضه انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، بينما تتضمن خطة السلام الأوكرانية المُنقحة بنودًا لإجراء انتخابات في أوكرانيا، دون النص على منع انضمامها إلى الحلف.
وفي السياق، قال ترامب يوم الخميس إنه لم يلتزم بعد بالمشاركة في اجتماع مسؤولين رفيعي المستوى من أوكرانيا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة المزمع عقده السبت في أوروبا.
وأضاف: "سنرى ما إذا كنا سنشارك في الاجتماع أم لا.. هم يريدون أن أحضر، يريدون منا أن نحضر، وسنشارك إذا رأينا أن هناك فرصة جيدة، ولا نريد إضاعة الوقت.. نريد أن يتم حل الأزمة وإنقاذ الكثير من الأرواح".
ولم يحدد ترامب مكان الاجتماع، لكن موقع "أكسيوس" رجح أن يكون في باريس بحضور مستشارين للأمن القومي يمثلون كل دولة.
من جهته، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الأربعاء إنه أجرى مناقشات مثمرة مع الوفد الأمريكي الذي ضم وزير الخزانة سكوت بيسنت وصهر ترامب جاريد كوشنر، مركّزًا على إعادة إعمار أوكرانيا والمراجعات المقترحة لخطة من 20 نقطة لإنهاء الحرب.
تقدم روسي وتصدي للطائرات المسيّرةميدانيا، سيطرت القوات الروسية بالكامل على مدينة سيفيرسك أمس الخميس، وهنأ الرئيس فلاديمير بوتين الجنود بـ"تحرير" المدينة خلال اجتماع في الكرملين. وأكد رئيس الأركان الروسية، فاليري غيراسيموف، تحرير سيفيرسك وقريتي كوتشيروفكا وكوريلوفكا.
وفي مواجهة الطائرات المسيّرة، أعلنت وزارة الدفاع الروسية تدمير 90 طائرة أوكرانية فوق مناطق مختلفة في روسيا خلال الليل، بينها مقاطعات بريانسك وموسكو والبحر الأسود.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة