هل تتمكن الولايات المتحدة من تجميد صراع أوكرانيا وبدء حرب كبيرة في الشرق الأوسط في العام 2024؟
تاريخ النشر: 1st, March 2024 GMT
لا شك أن هواية الولايات المتحدة المفضلة هي شنّ الحروب حتى تبدو وكأن آخرين بدأوها.
فقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، في الحرب العالمية الثانية، حظرا نفطيا خانقا على اليابان، ما اضطر الأخيرة أن تشن حرب من أجل الوصول إلى الموارد الحيوية.
إقرأ المزيدفرضت مولدوفا، يناير الماضي، وقبلها أوكرانيا، حصارا على جمهورية بريدنيستروفيه غير المعترف بها.
هناك أيضا أذربيجان وأرمينيا، التي تسلّحها وتشجّعها فرنسا، فيما يدفع الغرب بنشاط هذين البلدين نحو حرب جديدة، استنادا إلى حقيقة أن إيران سوف تضطر إلى التدخل في هذا الصراع، ذلك أن إنشاء ممر بين تركيا وأذربيجان (آسيا الوسطى) هو أمر غير مقبول بالنسبة لإيران. وإذا كان الغرب محظوظا، فسوف تنجر روسيا أيضا إلى هذا الصراع.
كذلك نرى، في الوقت نفسه، بوتين يوافق على التخلي مؤقتا عن مدينة خيرسون الروسية رسميا، وبالتالي لا يشكل الاحتلال المؤقت المحتمل لبريدنيستروفيه من قبل مولدوفا، أو الحرب الأذربيجانية الأرمنية الجديدة ورقة رابحة قوية للغاية في أيدي الأمريكيين. لكنها، مع ذلك، أوراق رابحة في يد واشنطن، بما في ذلك كجزء من محاولات تجميد الحرب في أوكرانيا.
زار رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز أوكرانيا في 15 يناير الماضي، ثم قام رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين بزيارة إلى المملكة العربية السعودية، التي توسطت بنجاح بين روسيا وأوكرانيا/الغرب، وبعدها بيوم واحد زار زيلينسكي السعودية.
من الواضح أن المفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة بشأن أوكرانيا جارية، لكن المهم هو فحوى هذه المفاوضات ومستوى المطالب الروسية. ولا أعتقد أن بوتين سيغير تلك المطالب ولو بشكل مؤقت لأسباب تكتيكية. وبالحكم خلال تسلسل الزيارات، فقد أحضر بيرنز إلى كييف أمر الاستماع إلى الروس، ثم استمع زيلينسكي، في الرياض، إلى المطالب أو الشروط الروسية من السعوديين. دعونا نراقب سلوك زيلينسكي في الأسابيع المقبلة.
فإذا حدث تجميد مؤقت، رغم أنني لا أعتقد أنه سيحدث فعليا، فإنه سيسمح للولايات المتحدة بالتركيز على انتخاباتها، فضلا عن تركيزها على الوضع في الشرق الأوسط.
في الوقت نفسه، كثيرا ما نسمع آراء وتقارير في الصحافة الغربية تفيد بأن الولايات المتحدة تحاول احتواء إسرائيل، وأنها تخشى بدء حرب واسعة النطاق بين إسرائيل وحزب الله وتوسيع رقعة الصراع. في رأيي المتواضع، أن الولايات المتحدة لا تخشى توسيع رقعة الصراع، بل تخشى فقط من مشاركتها المباشرة في هذه الحرب، وهو ما تسعى إليه إسرائيل.
إقرأ المزيدأعتقد كذلك أن أحدا لا يشك في أن الولايات المتحدة قد حددت لنفسها بالفعل هدف التعامل مع الصين. ولن تقاتل الولايات المتحدة الصين بشكل مباشر، إلا إذا فشلت الإجراءات الأخرى. كما أنه من الصعب كذلك إثارة صراع عسكري بين الصين وتايوان. لقد انتظرت الصين عقودا من الزمن، وربما تستطيع الانتظار بضع سنوات أخرى.
إن الفرصة الرئيسية، إن لم تكن الوحيدة، لإجبار الصين على القتال هي حرمانها من الموارد، وفي المقام الأول النفط. وفوق كل شيء حرمان الصين من نفط الخليج. فقطع الوصول إلى الموارد أمر فعال حتى بدون حرب.
ومن غير المرجح أن تكون العقوبات الغربية الشاملة فعّالة، كما أنه من غير المرجح كذلك أن تنضم الدول العربية إلى تلك العقوبات. وما تبقى هو حرب إقليمية في الشرق الأوسط، من شأنها أن تغلق المضائق، وتقطع إمدادات نفط الخليج عن الأسواق الخارجية.
وذلك ما يفسر سبب قيام واشنطن، بتوسيع المواجهة مع أنصار الله، بدلا من إجبار إسرائيل على وقف الحرب في غزة، على الرغم من أن بايدن نفسه اعترف بأن العمل العسكري من قبل التحالف الغربي لن يكون قادرا على وقف هجمات الحوثيين.
وسيكون نجاح واشنطن تمكنها من إثارة هجمات الحوثيين على البنى التحتية النفطية السعودية والإماراتية، وإغلاق إيران لمضيق هرمز، وضرب إيران لقواعد عسكرية أمريكية في دول الخليج، مع تورط هذه الدول لاحقا في الحرب مع إيران.
لهذا تحتاج الولايات المتحدة، على أقل تقدير، إلى تصعيد الحرب في البحر الأحمر والحرب في أرمينيا، ومن المستحسن كذلك إضافة استفزازات ضد السفن التجارية المدنية، لا سيما الصينية والروسية، وبالطبع الضربة الإسرائيلية ضد إيران.
كذلك ستسمح المشاركة في حرب الوصول إلى نفط الخليج للدول الأوروبية بالانجرار بشكل أكيد إلى القتال، ما يسهل مشاركتها في التحالف ضد الصين بشكل أكبر.
إلا أن الرائع في مثل هذا الموقف هو أن الولايات المتحدة تستطيع في هذه الحالة شن حرب ضد الصين، ليس من خلال وكيل فحسب، وإنما كذلك من دون تزويد الصين على الإطلاق بمنافس يمكن هزيمته وبالتالي حل المشكلة. سوف يتقاتل أصدقاء الصين هناك فيما بينهم.
إقرأ المزيدإن الحرب الإقليمية في الشرق الأوسط لا تضر بقدر ما تفيد الولايات المتحدة، التي ستصبح حينئذ أكبر مورد، إن لم يكن المورد الوحيد للنفط والغاز إلى أوروبا، وتحرم الصين من موارد الطاقة بشكل موثوق. إلا أن القيد الوحيد هنا هو أن مثل هذه الحرب ستشكل صدمة للاقتصاد العالمي، بما في ذلك بالنسبة للولايات المتحدة نفسها. ولكن، إذا كان الاقتصاد مقدر له أن ينهار على أي حال، وهو واقع الحال الراهن، فإن القيام بذلك بطريقة متعمدة وتحت السيطرة سيكون الخيار الأفضل.
كذلك فإن هناك السيناريو الذي ترغب فيه إدارة بايدن في صدمة الولايات المتحدة إذا فقد الديمقراطيون الأمل في البقاء في السلطة في الانتخابات في وقت لاحق من هذا العام. وكما نتذكر، فقد توقع ترامب بالفعل حدوث كساد أسوأ من الكساد الكبير عام 1929، وقال إنه لا يريد أن يصبح نسخة ثانية من الرئيس هربرت هوفر، الذي ورث الانهيار الاقتصادي والصدمة الاجتماعية من سلفه، ومخاوف ترامب تبدو في محلها.
بالتالي، وفي رأيي المتواضع، كل المتطلبات متوفرة لكي نرى حربا إقليمية في الشرق الأوسط هذا العام أو أوائل العام المقبل.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة تطبيق "تليغرام" الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: ألكسندر نازاروف ألكسندر نازاروف الأزمة الأوكرانية الاتحاد الأوروبي البحر الأحمر الجيش الروسي الحرب على غزة الحوثيون العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حزب الله حلف الناتو طوفان الأقصى قطاع غزة مضيق باب المندب مضيق هرمز هجمات إسرائيلية وزارة الدفاع الروسية أن الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط الحرب فی
إقرأ أيضاً:
منتدى قطر الاقتصادي.. 5 قوى ترسم مستقبل اقتصاد الشرق الأوسط
الدوحة – في عالم يموج بالتغيرات المتسارعة، حيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية مع التحولات الجيوسياسية، لم تعد المفاهيم التقليدية في الاقتصاد كافية لتفسير أو مجابهة التحديات التي تواجهها الدول، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط.
فالتقلبات لم تعد استثناء، بل أصبحت سمة ملازمة للأسواق، وصناعة القرار الاقتصادي باتت تتطلب قدرًا أعلى من التنبه، والقدرة على الاستجابة السريعة، والانخراط في إستراتيجيات أكثر مرونة واستشرافًا للمستقبل.
وفي هذا السياق المعقد، جاءت مداخلة زياد داود، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في "بلومبيرغ إيكونوميكس"، خلال مشاركته في منتدى قطر الاقتصادي لعام 2025، لتسلّط الضوء على الوضع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، والعوامل التي تؤثر على مستقبل الاقتصاد في هذه المنطقة، ومدى الترابط بين الاقتصاد والسياسة والأمن.
وفي مستهلّ مداخلته، دعا داود إلى ضرورة تبنّي نموذج اقتصادي جديد في الشرق الأوسط، يقوم على الابتكار والشفافية والكفاءة، ويملك من القدرة ما يكفي للتكيف مع الأمور غير المتوقعة، والتعامل مع المخاطر المستجدة، سواء كانت داخلية أو دولية.
رسم ملامح المستقبلوأوضح داود، خلال جلسة جانبية بمنتدى قطر الاقتصادي تحت عنوان "الأمن في الشرق الأوسط والأسواق العالمية: خمس قضايا رئيسية تؤثر على مستقبل الشرق الأوسط"، أن هذه القضايا الخمس لا تلعب دورًا حاسمًا في رسم ملامح المستقبل الاقتصادي للمنطقة فحسب، بل للعالم أجمع. وتتمثل هذه القضايا في:
إعلان سياسات الإدارة الأميركية تقلبات أسعار النفط التعافي الاقتصادي الهش ما بعد كوفيد وأزمات الأسواق الطاقة والديون الدور الإقليمي في السياق العالمي وصعود مراكز جديدة للنفوذ تأثير السياسة الأميركية على منطقة الشرق الأوسطوتحدث داود بالتفصيل عن كل قضية، موضحًا أن السياسة الأميركية ما زالت تمتلك تأثيرًا بالغًا على الاستقرار السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، وأن تبدل الإدارات في واشنطن غالبًا ما يعني تحولًا في أسلوب التعاطي مع ملفات المنطقة، من الطاقة إلى الأمن، ومن التمويل إلى النزاعات الإقليمية.
وأشار الخبير إلى أن الإدارة الأميركية الحالية تتبنى سياسة "التركيز على آسيا"، مما يضعف التدخل الأميركي المباشر في قضايا الشرق الأوسط. وهذا الواقع يفرض على دول المنطقة إعادة النظر في تحالفاتها وإستراتيجياتها الأمنية والاقتصادية.
ويرى داود أن هذا التحول يفتح الباب أمام قوى عالمية أخرى -مثل الصين وروسيا- لمحاولة ملء الفراغ، مما يخلق حالة من "التوازن الجديد" الذي يؤثر على تدفقات الاستثمار والأسواق المالية.
تقلبات أسعار النفطوتناول داود القضية الثانية، وهي تقلبات أسعار النفط، موضحًا أن النفط لا يزال "العصب الاقتصادي" في كثير من دول الشرق الأوسط، إلا أن الاعتماد عليه بات يشكل مخاطرة كبرى.
ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، والتوترات في البحر الأحمر، والتغيرات المناخية التي تضغط على الطاقة التقليدية، أصبحت أسعار النفط عرضة لتقلبات حادة ومفاجئة.
وأشار إلى أن الأسواق الناشئة تعاني عندما تكون أسعار النفط شديدة التقلب، حيث تؤثر على الموازنات الحكومية، ومستويات الدين، وخطط التنمية.
وفي الوقت ذاته، فإن الاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية يعرقل جهود تنويع الاقتصاد وتحقيق الاستدامة.
وأكد داود أن الدول التي بدأت بتطوير مصادر بديلة للدخل، مثل السعودية والإمارات وقطر، هي الأفضل استعدادًا للتعامل مع هذه التقلبات، مقارنة بدول لم تحقق بعد هذا التنويع.
إعلان التعافي الاقتصاديوأوضح أن القضية الثالثة تتمثل في التعافي الاقتصادي الهش بعد جائحة كوفيد وأزمات الأسواق. ولاحظ أن هذا التعافي العالمي لم يكن متكافئًا، وأن الأسواق الناشئة، ومنها دول الشرق الأوسط، كانت الأكثر تأثرًا بتداعيات التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة العالمية، وتباطؤ سلاسل الإمداد.
وحذر من أن هذا التعافي الهش يجعل الاقتصادات عرضة لأي صدمة جديدة، سواء كانت جيوسياسية أو مناخية أو مالية. وأشار زياد داود إلى أن ما يُسمى "بالركود التضخمي" لا يزال خطرًا قائمًا، حيث تواجه الدول مزيجًا من تباطؤ النمو وارتفاع الأسعار.
وشدد على أن المرونة المالية والتخطيط الطويل الأمد هما سلاح الدول لتجاوز هذه المرحلة الحرجة، داعيًا إلى رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتحسين بيئة الأعمال، وتقوية المؤسسات الاقتصادية.
الطاقة والديونوفي ما يتعلق بالقضية الرابعة، وهي العلاقة بين الطاقة والديون، سلّط داود الضوء على الارتباط المعقد بين أسعار الطاقة ومستويات الدين العام في دول الشرق الأوسط.
وأوضح أنه في الفترات التي ترتفع فيها أسعار النفط، تميل بعض الدول إلى زيادة الإنفاق الحكومي بشكل مفرط، من دون استثمار فعلي في البنية التحتية أو في القطاعات المنتجة، وذلك يؤدي إلى تراكم الديون لاحقًا عندما تنخفض الأسعار.
وبيّن أن هذا السلوك يعكس ما يُعرف باسم "الدوامة المالية" التي قد تكون خطيرة على الاستقرار المالي للدول، خاصة إذا كان الدين مقيّدًا بعملات أجنبية أو بفوائد متغيرة.
وأشار إلى أن بعض الدول بدأت تتبنى نهجًا أكثر حذرًا، مستشهدًا بالتجربة القطرية التي توازن بين الإنفاق الاجتماعي والاستثماري من جهة، وبين الحفاظ على استقرار مالي طويل الأمد من جهة أخرى.
وأكد داود ضرورة تبني سياسات مالية قائمة على التنويع والاستدامة، بدلاً من الاعتماد الدوري على عائدات النفط أو الاقتراض الخارجي.
إعلان صعود مراكز جديدة للنفوذوفي ما يتعلق بالقضية الخامسة، وهي الدور الإقليمي في السياق العالمي وصعود مراكز جديدة للنفوذ، قال داود إن هناك تحولات جيوسياسية كبرى تحدث باستمرار، وإن منطقة الشرق الأوسط لم تعد فقط ساحة صراع أو مجال نفوذ للقوى الكبرى، بل بدأت تتحول إلى لاعب فاعل ومستقل.
وأشار إلى أن دولًا مثل قطر أصبحت محورية في الوساطة الدبلوماسية، وأن السعودية تلعب دورًا مؤثرًا في تشكيل تحالفات جديدة في الاقتصاد والطاقة، بينما تسعى الإمارات لتكون مركزًا ماليا وتقنيا عالميا.
وشدّد داود على أن هذا الصعود الإقليمي يتطلب إصلاحات داخلية قوية، ورؤية إستراتيجية بعيدة المدى، وقدرة على المناورة وسط التحولات العالمية، لا سيما في ظل التوتر بين الغرب والصين، وتراجع النمو في أوروبا، وتنامي النزعات الحمائية المتعلقة بالرسوم الجمركية.