متساهل أم مستبد أم ديمقراطي.. أي نوع من الآباء أنت؟
تاريخ النشر: 22nd, July 2023 GMT
اهتم علماء النفس بتأثير الآباء والأمهات على تصرفات الأبناء وسلوكهم، ووجد الباحثون أنه يمكن لبعض الأطفال الذين نشؤوا في بيئات مختلفة أن يكبروا وتصبح لديهم شخصيات متشابهة إلى حد كبير. وعلى العكس من ذلك، قد تكون لأشقاء نشؤوا في منزل واحد شخصيات مختلفة.
تختلف أنماط الأبوة حسب سلوك الوالدين ومواقفهم والبيئة العاطفية والشعورية التي يربون فيها أطفالهم، وقسَّم علماء النفس تلك السلوك إلى 4 أنماط، تشمل الإستراتيجيات التأديبية وطرق الرعاية، وأساليب التواصل وحدود التحكّم.
تتسم الأبوة الاستبدادية بفرض قواعد صارمة على الأبناء مع عدم مراعاة مشاعرهم وحاجاتهم الاجتماعية والعاطفية والسلوكية. ولا يوضح هؤلاء الآباء أسباب رفضهم أي شيء، ويستخدمون نظاما صارما يُعرف بـ"الحب القاسي". ويرى هؤلاء أن وظيفتهم هي كسر إرادة الطفل أمام سلطة الآباء وترسيخ مبدأ الطاعة والخضوع.
تفتقر التربية الاستبدادية إلى المرونة والدفء. وقد يصبح الأبناء الذين نشؤوا في هذه البيئة الصارمة أكثر استعدادا للتمرّد في سن المراهقة. لكن على جانب آخر، قد يصبحون خاضعين تماما للقواعد الاجتماعية والقوانين جراء الطاعة العمياء للسلطة، ولا يمكنهم بناء أسس التفكير الأخلاقي، بالإضافة إلى فرط النشاط بسبب الكبت الشعوري. وأظهرت الدراسات، أيضا، انخفاض مستويات التعاطف لدى الأطفال نتيجة الافتقار إلى التعبير العاطفي في الأسر الاستبدادية.
على الرغم من أن الآباء الذين ينتهجون نهج الأبوة المستقلة لديهم توقعات كبيرة من الأبناء تتعلق بالنضج والقدرة على الإنجاز، فإنهم في الوقت ذاته محبون متجاوبون مع رغبات الأبناء ومقدرين لأفكارهم. يضع هؤلاء الآباء القواعد ويفرضون الحدود من خلال المراقبة والمناقشات المفتوحة وتوجيه الأبناء بالمنطق من خلال تفسير أفعالهم، وهو ما يمنح الأبناء إحساسا بالوعي والقيم والأهداف. وأهم ما يميز هؤلاء الآباء أنهم يحترمون استقلالية أطفالهم و يقدّرونها.
ينتج عن الأبوة المستقلة أطفال واثقون ومسؤولون وقادرون على التنظيم الذاتي، ويمكنهم إدارة مشاعرهم السلبية بطريقة فعالة، مما يؤدي إلى تواصل اجتماعي ونضج عاطفي أفضل. ولأن هؤلاء الأطفال مستقلون، فهم يدركون قدرتهم على تحقيق أهدافهم بأنفسهم، بالإضافة إلى تمتعهم بتحصيل دراسي عال وأداء مدرسي جيد.
أما الآباء المتساهلون، فهم يضعون القواعد، لكن نادرا ما يطبقونها ولا يتبعون النهج العقابي في معظم الأوقات، ويتوقعون أن الطفل سيتعلم بطريقة أفضل من دون تدخّلهم. لذا، فإنهم لا يتدخلون إلا عندما تكون هناك مشكلة خطيرة.
الآباء المتساهلون متسامحون ويتبنون موقف الأطفال ولا يتشبثون بالعقاب، ويعيدون للطفل امتيازاته بسهولة. عادة ما يقوم هؤلاء الآباء بدور الصديق أكثر من دور الوالدين، ويشجعون أطفالهم على التحدث معهم حول مشكلاتهم، لكنهم لا يبذلون كثيرا من الجهد لتثبيط الخيارات السيئة أو السلوك السيئ. وقد يتعرض أبناؤهم لمشكلات سلوكية كثيرة بسبب عدم تقديرهم للسلطة أو القواعد.
يمكن أن تؤدي القواعد المحدودة غير الصارمة إلى عادات غير صحية على صعيد الوجبات السريعة والحلويات، مما يؤدي إلى السمنة وغيرها من المشكلات الصحية في وقت لاحق من حياة الطفل. يتمتع الطفل أيضا بحرية كبيرة في تقرير موعد نومه وأداء واجبه المنزلي من عدمه، بالإضافة إلى حرية في وقت الشاشات، مثل الهاتف المحمول أو الكمبيوتر، وهو ما يمنع الطفل من تفهم معنى الاعتدال. وعلى الرغم من أن هؤلاء الأطفال يتمتعون بكثير من الثقة في النفس، فإنهم أحيانا يكونون مندفعين وأنانيين متطلبين ويفتقرون إلى التنظيم الذاتي.
هذا النمط هو نقيض النمط السلطوي، وهؤلاء الآباء لا يضعون أي حدود، ومن ثم لا يدرك الأطفال مفهوم الحدود ولا يعرفون أن هناك عواقب لأفعالهم. كما تجبر الأبوة المهملة الأطفال على الاختيار من بين عديد من الخيارات قبل أن يكونوا مستعدين لذلك، لأن المجال مفتوح أمامهم تماما بسبب تساهل الآباء. يتلقى هؤلاء الأطفال القليل من التوجيه ويتركهم الآباء لأنفسهم في القرارات الكبيرة والصغيرة، ولا يستجيب هؤلاء الآباء لرغبات الأبناء بما يتجاوز أساسيات الطعام والملبس والمأوى.
لا يطوّر هؤلاء الآباء اتصالا عاطفيا مع أولادهم نتيجة انشغالهم بأمورهم الشخصية، مما يؤدي إلى نقص المودة بينهم، بالإضافة إلى صنع طفل متلهّف للاهتمام في كل العلاقات جراء نقص اهتمام الآباء. كما لاحظ الباحثون أن بعض الأطفال لآباء غير مهتمين قد واجهوا صعوبات في التفاعل الاجتماعي خارج المنزل، لأن الآباء غير المعنيين بأولادهم نادرا ما يتواصلون مع أطفالهم و يشاركونهم.
على الرغم من أن علماء النفس والباحثين قسّموا أنماط الأبوة إلى الأنماط الأربعة السابقة، فإنه لا يمكن الفصل تماما بين هذه الأنماط بحدة. فقد يراوح الآباء بين الأنماط المختلفة نتيجة الظروف الاجتماعية أو الصحية أو الاقتصادية. وقد يأخذ الآباء سمات من كل نمط ليصبح لديهم النمط الخاص بهم. لكن تبقى أهم وظائف الوالدين الرئيسة هي تزويد الأطفال بالمهارات والمعرفة التي يحتاجونها للنمو ورعاية السلوك التي تساعدهم على الازدهار وتصحيح السلوك التي قد تعوقهم حياتيا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: بالإضافة إلى
إقرأ أيضاً:
الأزهري.. والعسكري!
إنهم كالتي نقضت غزلها من بعدِ قوةٍ أنكاثا! فيحتار المرء في فهم دوافع مشهد الإهانة الذي ظهر به أئمة يعملون في وزارة الأوقاف، وبزيهم الأزهري، وبينما هم في الوضع العسكري "انتباه"، كان قادة في الجيش يجلسون على كراسيهم الوثيرة، وكأننا في كشف هيئة لنظر أمر الطلاب الذين يريدون الالتحاق بالكليات العسكرية، وهو مشهد لم تعرفه مصر في طول التاريخ وعرضه، ويبدو أن من اصطنعوه لم يسبق لهم العيش في المجتمع المصري، وكأنهم يعيشون عزلة شعورية عن هذا المجتمع!
فقد يكون المرء قاتلا، وقاطعَ طريقٍ، وتاجرَ مخدراتٍ، لكن إذا وجد رجلَ دينٍ بالَغَ في احترامه وقدّمه على نفسه في طريقه. وفي المجتمعات التقليدية فإن العائلات إذا وجد فيها أحدٌ بزيه الأزهري وعند الدخول لمجلس عزاء ونحو ذلك، فإن الكبير يتأخر، ويتقدّم صاحب هذا الزي الجميع، وهي قيمةٌ للزي لا للشخص، فإذا تحلّل منه كان ترتيبه بحسب سنّه!
وقد بالغت دراما اليسار في تشويه صورة رجل الدين المسلم، لكن تأثيرها لم يصل للناس، وما أظن أن هذا كان توجه الدولة الناصرية، التي قدّمت نفسها للناس في البداية ومعها عمامة الأزهري الشيخ أحمد حسن الباقوري!
السادات والمحلاوي:
المدهش هو الطلب منهم ألا يكونوا حراس العقيدة، ولكن حراس الحرية. فهل المطلوب الدفاع عن الحرية بإطلاق؟ فمن ينتهك الحريات، ويعتقل الناس، ويكمم الأفواه؟ أم أن مفهوم الحرية مختلف؟!
وبلدٌ هذه هي ثقافته، فعندما نشاهد مشهدا كهذا، لا بد أن نحار في فهم دوافعه، وهو المشهد الذي لم يتم شرحه للناس من خلال الأبواق الإعلامية، لعلَّ لأهل الحكم وجهةَ نظرٍ في ذلك. وفي خطاب السادات الأخير، وإن تطاول على رموز وطنية كثيرة، منها القامة الوطنية فتحي رضوان الذي اتهمه السادات بالخرف، وحديثه عن الذين كان الإنجليز يضربونهم بـ"الصُرَم"، كان الانزعاج في عقر داره، والغضب خارجه عندما قال عن الشيخ المحلاوي إنه مرميٌّ في السجن زيّ الكلب.
ولم يكن المحلاوي كالشيخ عبد الحميد كشك ذائع الشهرة في عموم القطر المصري وخارجه، فلم يكن الناس في الوجه القبلي يعرفون شيئا عنه، لكن الغضب هو على الإهانة التي وُجّهت لإمامٍ وأزهري، وربما لم يؤثر في الناس خبرُ اعتقاله، إنما الإهانة هي ما أفزعهم.
وموقف المصريين من المشايخ لا يصل للتقديس إلا لبعضهم ولِنَفَرٍ منهم، لكن المرفوض هو الإهانة، والقيمة ليست للشخص بقدر ما هي للعمامة الأزهرية!
فماذا كان يدور في ذهن هؤلاء العسكريين وهم يقدمون هذا المشهد للناس؟ ناهيك عن مشهدٍ آخر يظهر فيه عدد من هؤلاء الأئمة في حضرة رئيس الجمهورية وقد بسطوا أيديهم على أرجلهم في وضع التشهد، بينما هو يعطيهم دروسا في أمور الدين، وهم حَمَلةُ الدرجة العلمية الرفيعة، وهي العالمية أو الدكتوراة، وبعد دراسة سنوات طويلة للدين وشؤونه، ثم يعلن عن قبولهم في التدريس لدى الأكاديمية العسكرية ليحصلوا على شهادةٍ لم يتوصلوا لاسمها إلى الآن!
وبعيدا عن الاسم، فماذا لدى القوم من علومٍ يحتاج إليها الإمام الحاصل على الدكتوراة في مجال تخصصه؟ والمدهش هو الطلب منهم ألا يكونوا حراس العقيدة، ولكن حراس الحرية. فهل المطلوب الدفاع عن الحرية بإطلاق؟ فمن ينتهك الحريات، ويعتقل الناس، ويكمم الأفواه؟ أم أن مفهوم الحرية مختلف؟!
بعد جهدٍ جهيد:
إن الدولة المصرية وصلت في التعامل مع الأزهريين على أنهم أهل الاختصاص الديني بعد جهدٍ جهيد، وكانت لا تمانع في أن يعمل أحدهم على إثبات استقلاله، شريطة ألا يكون معارضا لها، لأن في إثبات الاستقلال ما يؤدي رسالتها في محاصرة الفكر الديني المتطرف بواسطة فئة مختارة من رجال الأزهر! وكان هذا الهدف يواجه مشكلة لدى الجماعات الدينية المتشددة التي تتهم هؤلاء بأنهم شيوخ السلطة، لتسقط أي أهمية لهم!
وكانت الدعاية الرسمية أن المتشددين لم يدرسوا الإسلام في الأزهر، ولا يجوز لهم الحديث باسم الدين. وكانت الجماعات الإسلامية قد اهتدت إلى أن يكون أميرها أزهريا، هو الدكتور عمر عبد الرحمن، الذي كان يظهر في المحاكمات خلف القفص بزيه الأزهري، وكان إذا تحدث للمحكمة هتفوا له وللأزهر الشريف، في إشارة لا تخطئ العين دلالتها.
وكانت الحملات الدعائية التي تحارب فتاوى وسائل الإعلام تقوم على أنه ليس لأحد الفتوى إلا المتخصص من رجال الأزهر، وكانت الدولة ترى أن أهدافها تتحقق بذلك، بدلا من حالة الـ"سداح مداح" التي نحياها!
لكن اللافت هو أن المنابر الإعلامية الرسمية فتحت أبوابها لشخصيات غير متخصصة، وترفض أن يكون الأمر شأنا خاصا بالأزهر، وتستنكر فكرة التخصص، وسايرت السلطة هذا الاتجاه، ولا تعرف أنها كالذي أراد أن يغيظ زوجته فخصى نفسه!
فترحيب الجمهورية الجديدة بهذا الاتجاه هو لموقفها الخاص من شيخ الأزهر، ولأنها ضد استقلال منصبه، وها هو رئيس الحكومة يعلن أنهم ناقشوا تعديل قانون الأزهر، ولا يدركون حجم الكارثة التي يدفعون البلد إليها دفعا!
إن تبنّي فكرة أن من حق كل من هبَّ ودبَّ أن يتحدث في الدين، سيمثّل ذريعة لجماعات دينية أن تظهر وقد سقطت فكرة "الاختصاص". فكيف يتكلم إسلام البحيري، وفاطمة ناعوت، وخالد منتصر، في الدين، ولا يكون لهذا الشاب المتشدد أو ذاك أن يفعل لأنه لم يتخرج في الأزهر؟!
المشهد يستهدف إثبات أنه لا أحد يعلو على "العسكري"، وكأن هؤلاء الواقفين "انتباه" هم المعتمدون لدى الناس كأهل الثقة الدينية
قد أدرك أساس المشكلة: هو أنه لأول مرة في التاريخ الحديث يتصور الحاكم أنه صاحب رأي في الدين، وأن رأيه هو الحق، وأن عنده فتوحات في هذا الصدد. ولهذا كان يتحدث بثقة وهو يوجه الأئمة من حملة الدكتوراة إلى ما ينبغي عليهم فعله، وهو هنا يتكلم من منطلق علمه لا بحكم منصبه، وإلا كانت الدعوة ستكتمل بحضور القساوسة هذا اللقاء الطيب المبارك، حفاظا على الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة، ومن باب تكافؤ الفرص والمراكز القانونية المتماثلة، فلا يتم تمييز رجال الدين الإسلامي عن غيرهم!
ولو كان يتكلم من واقع كونه رئيسا، لما كان الطلب أن يكونوا دعاة للحرية لا حراسا على العقيدة، والحرية كتابٌ متكامل الفصول والمباحث، وحرية الاعتقاد هي مجرد مبحثٍ في هذا الكتاب!
لا أحد يعلو على العسكري:
إن هناك من يقولون إن المشهد يستهدف إثبات أنه لا أحد يعلو على "العسكري"، وكأن هؤلاء الواقفين "انتباه" هم المعتمدون لدى الناس كأهل الثقة الدينية.
فليس فيهم الشيخ الغزالي، أو القرضاوي، أو كشك، أو المحلاوي، أو عبد الرشيد صقر، أو عطية صقر. إنهم أناسٌ على باب الله، لم نتعرف على واحد منهم، وكونهم وقفوا هكذا في الحضرة العسكرية فقد قطعوا الطريق على الناس، وافتقدوا للقيمة التي تجعلهم في موقع التوجيه والإرشاد. فمن الخاسر إذا أعطى الناس ظهورهم لأئمة وزارة الأوقاف، وقد كانوا إلى وقت قريب يشدّون الرحال إلى الخطباء غير الأزهريين؟ وإذا كانت الدعوة قد تم تأميمها الآن، فالقنوات التلفزيونية فيها ما يمثل البديل.. فمن الخاسر في زمن السماوات المفتوحة؟!
لقد نقضوا غزلهم من بعدِ قوةٍ أنكاثا.
x.com/selimazouz1