درعا- وأنت تنطلق من مدينة درعا باتجاه الريف الغربي، وبعد أن تسير 11 كيلومترا في طريق تحفّه أشجار الكينا من جانبيه وكأنها صبايا واقفة بشموخ للترحاب بك، تصل بك الدرب إلى حيث كانت بحيرة "المزيريب" تلمع كمرآةِ عروس، وأمواجها الرقراقة تداعب النسائم المسائية التي تمر على وجوه المصطافين فتنعشهم بقبلاتها، وتفيض بمائها لتروي العطاش في محافظتين كاملتين درعا والسويداء.

لكن يصدمك أن البحيرة التي كانت ميدانا لأنواع الأسماك الوفيرة غدت بستانا مزروعا بمحاصيل الخضراوات الموسمية. فأين هي البحيرة التي كانت روح المكان؟ لا تجد إلا الأطلال ولا تسعفك القصائد وأنت واقف تملؤك الغصة وأنت تراها قد أفلت عن الدنيا.

في السنوات الأخيرة، كانت البحيرة تعاني ما يشبه النزاع، فكانت تجف صيفا لكنها تعود إلى الانبثاق من قلب الأرض مع الشتاء الذي يغذي ينابيعها، لكنها اليوم ما عادت كذلك وكأنك تسمع نحيبها على إعلان وفاة بحيرة كانت ذات يوم ملاذا للصيادين، ومزارا للمتنزهين، ومصدرا للري والشرب، فطويت صفحتها وأعلن عن وفاتها المؤسفة.

بحيرة المزيريب في ريف درعا الغربي كانت متنفسا سياحيا ومزارا للعائلات السورية (سانا) نبض حياة

لم تكن بحيرة المزيريب مجرد مسطح مائي بطول كيلومترين وعرض نصف كيلومتر، بل كانت نبض حياة كاملة، ومثلت موردا إستراتيجيا لمحافظة درعا، فكانت الدخل السياحي الأكبر إلى جانب بصرى الشام، كما مثلت واحة للتوازن البيئي المانع من هجوم التصحر الناعم على الأرض الحورانية.

كما كانت الخزان الذي يسقي البشر والحيوان والأرض في عموم المنطقة، وكانت تصل مياه ينبوعها الرقراق الصافي -الذي كان من أعذب مياه الشرب في سوريا كلها- إلى محافظة السويداء عبر مشروع رسمي لري وجر المياه تم إنجازه بداية تسعينيات القرن الماضي.

وكأن هذا المشهد فيه تجسيد للسياسات المجحفة التي أنهكت البلاد من النظام السابق، ففي الوقت الذي كانت تشرب فيه السويداء مياه ينابيع المزيريب العذبة، كانت البلدة محرومة من الشرب من ينابيعها فيسقى أهلها من آبار ارتوازية حفرتها مؤسسة الريّ لتقديم مياه الشرب للبلدة، وكانت هذه الآبار لا تكفي حاجتهم وعرضة للجفاف المستمر فكان ينطبق على البلدة بأجلى صورة قول طرفة بن العبد:

إعلان

كالعيس في البيداء يقتلها الظّما.. والماء فوق ظهورها محمولُ

تحولات جذرية

منذ عام 2011 ومع انطلاقة الثورة السورية، شهدت بحيرة المزيريب تحولات جذرية بسبب انهيار المؤسسات الحكومية وانشغال النظام بمؤسساته في قمع الشعب الثائر.

وأخذ الماء يفر منها كما لو أنه يعلن الإضراب عن الخدمة مشاركا في ثورة مرت عليها سنون بالغة القسوة، فانخفض منسوب المياه تدريجيا، حتى دخلت البحيرة في مرحلة النزاع منذ صيف 2017، فتحولت إلى مشهد موسمي هش لا يستمر حضوره إلا في الربيع ولا يمتد إلا على مدى بضعة أسابيع.

ولست بحاجة إلى جهد كبير في التفتيش عن السبب، فأكثر من 4 آلاف بئر حُفرت عشوائيا في محافظة درعا، تجاوز أكثر من 200 منها الخطوط المغذية مباشرة لأم النبع التي تغذي بحيرة المزيريب، وكل هذا كان حفرا بلا أدنى تخطيط، أزاح عروق الماء عن مساراتها، وشق باطن الأرض بحثا عن قطرة من أجل سقاية المزارع المحيطة بالبلدة من كل جانب غير آبه بعواقب الجفاف، فكانت كمن قتل الأم للحفاظ على حياة الجنين فقطع الحبل السري عن الجنين فماتا معا.

ويقول موظف سابق بمديرية الري إن الحفر العشوائي قطع شرايين البحيرة، وغيّر خريطة التغذية الجوفية، فماتت المزيريب عطشا، وبدل حفر البئر بترخيص بعد دراسة تأثيراته من حيث موقع البئر وغزارتها، أصبح غصن زيتون يهتز في يد "خبير شعبي" هو البوصلة الوحيدة لتحديد موضع الحفر دون إدراكٍ لفداحة العواقب.

مخاطر الآبار

مع تراجع المياه وجفاف النبع؛ توقفت محطات الضخ وجفت الحقول وأُجبر المزارعون على اللجوء لبدائل مكلفة، فلك أن تتخيل أن تكلفة تشغيل مضخة بئر واحدة لا تتم إلا بوقود يُباع بأسعار فلكية، فالبئر التي كانت منقذا مؤقتا، تحولت إلى عبء دائم، وأداة أخرى في مسلسل استنزاف المخزون المائي والمالي للناس.

وعلى ضفاف بحيرة المزيريب كانت الحركة التجارية مزدهرة، فترى صيادي السمك، وباعة المثلجات والآيس كريم والسمك، وأصحاب القوارب الحديدية والبلاستيكية قد وجدوا جميعا في البحيرة مصدرا للرزق. أما اليوم، فالمحال خاوية على عروشها، والسمك يُستورد من الساحل أو من أرياف حماة حيث نهر العاصي، ولا سياحة تزين الربيع بصخب العائلات والأطفال.

إعلان

إن مأساة بحيرة المزيريب ليست سوى مرآة لواقع المياه في سوريا بأكملها، فما يجري هناك، جرى لينابيع وبحيرات أخرى في المحافظة. فلم تعد بحيرة العجمي موجودة ولا شلالات تل شهاب وزيزون بقي لها أثر، ويجري الأمر كذلك بصمتٍ في ينابيع حماة، وفي سهول الغاب، وعلى ضفاف الفرات.

وما لم تُصغ الآذان لنداء الأرض، وما لم تُردم الآبار المخالفة وتُعاد هيكلة إستراتيجيات إدارة الموارد، فإن الخطر القادم أعظم، فالماء ليس مجرد مورد، إنه الحياة. وبحيرة المزيريب شاهد عدل على ذلك.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

إصابة 11 شخصًا في تصادم مروع بين ملاكي وميكروباص بطريق بحيرة قارون بالفيوم

شهد طريق بحيرة قارون بمحافظة الفيوم، وتحديدًا بعد فندق فينسيا، حادث تصادم عنيف بين سيارة ملاكي وميكروباص، أسفر عن إصابة 11 شخصًا بإصابات متفرقة، تم نقلهم على الفور إلى مستشفى أبشواي المركزي لتلقي العلاج اللازم.


الشرطة تتلقى البلاغ وتنتقل إلى موقع الحادث

كانت البداية عندما تلقى اللواء أحمد عزت، مدير أمن الفيوم، اخطارًا من مأمور قسم شرطة يوسف الصديق  يفيد بتلقيه بلاغًا  بوقوع الحادث على الطريق السياحي المؤدي إلى بحيرة قارون، وعلى الفور انتقلت قوات الأمن بصحبة سيارات الإسعاف إلى مكان التصادم، وتبين إصابة 11 شخص بجروح متفرقة بالجسم، وتم نقلهم لمستشفى ابشواي المركزي لتلقي العلاج اللازم.

 

تحقيقات أولية ومعاينة موقع الحادث

باشرت النيابة العامة التحقيق، فيما قامت فرق البحث الجنائي بمعاينة الموقع، وجمع أقوال شهود العيان، وسائقي المركبتين، للوقوف على الأسباب الأولية للحادث، والتي تشير وفق مصادر مبدئية – إلى احتمال وجود سرعة زائدة أو فقدان السيطرة على عجلة القيادة.

 

 

 

 

إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب سيارة ميكروباص بالفيوم

مقالات مشابهة

  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة: إلى العاملين في الجيش والقوات المسلحة، إن التزامكم بلوائح السلوك والانضباط -التي ستصدر بعد قليل- يعكس الصورة المشرقة التي نسعى لرسمها في جيش سوريا، بعدما شوّهه النظام البائد وجعله أداةً لقتل الشعب السوري، فيما نعم
  • هجرة أسماك بحيرة وان التركية للتكاثر بالمياه العذبة
  • إصابة 11 شخصًا في تصادم مروع بين ملاكي وميكروباص بطريق بحيرة قارون بالفيوم
  • محمد محيي الدين والوضاءة التي كانت عبر مناديله العديدة
  • تصعيد أمني في الجنوب السوري.. ملاحقات في درعا وانفجار يستهدف سيارة إسعاف بالسويداء
  • عروس تُغادر زفافها لتشارك الفرح مع مطربها المفضل في القاعة المجاورة
  • السيد القائد عبدالملك: الله قدَّم لعباده الهداية الكاملة.. التي إن اتَّبعوها كانت النتيجة فلاحهم
  • اختفاء عروس بعد 10 أيام من زفافها في أفيون قره حصار
  • سوريا.. رئيس منظمة الإنقاذ يكشف لـCNN كيف تختلف المناطق التي كانت تحت سيطرة الأسد عن مناطق المعارضة وكيف ستزدهر البلاد؟