لجريدة عمان:
2025-10-13@23:16:37 GMT

الواقع المحزن لِجَرَّاح في غزة

تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT

ترجمة: قاسم مكي -

في وقت مبكر من شهر فبراير كنت أجري عملية جراحية لفتاة تبلغ من العمر 17 عامًا تيتَّمت أثناء قصف جوي في غزة. خلف ستائر غرفة العمليات التي صنعناها من أردية الجرّاحين أمسكتُ شفرات مباضع الجراحة بملاقط لعدم وجود مقابض معقمة (وهذا يشكل خطورة على المصاب). حاولت دون جدوى إزالة الأنسجة المتهتكة بالشظايا.

كنت أعلم أن احتمال تلوث الجرح مرتفع جدًا في مثل هذه الظروف. لذلك اتخذنا الإجراء المعهود في هذه الحال وهو بتر ساقها بعد أيام قليلة لاحقًا.

قضيت أسبوعين كجرّاح متطوع في مستشفى غزة الأوروبي بالقرب من خان يونس والذي كان في الواقع آخر مؤسسة صحية تعمل في جنوب غزة. لم تكن تلك الفترة تشبه على الإطلاق أي شيء مرَّ في حياتي من قبل.

زرتُ القطاع المحتل أول مرة قبل 10 سنوات أثناء عملية «الجرف الواقي» التي شنتها القوات الإسرائيلية ضد حماس في عام 2014. ذهبت إلى هناك بغرض تدريس وتدريب الزملاء المحليين في فنون الجراحة الترميمية. وقتها صُدمت من بشاعة جراح مرضاي. لكني لم أشهد ما يماثل انهيار الأوضاع الإنسانية في غزة اليوم.

المستشفى الذي كنت أعرفه في يوم ما لا يمكن التعرّف عليه. لقد اختفى خلف حشد ضخم من الناس الذين جاؤوا بحثًا عن ملاذ آمن في مبانيه. كانت الممرات وآبار السلالم مكتظة بالأسر التي اتخذت منها ملاجئ. وكان الأطفال من كل الأعمار يتراكضون عبر الممرات خافتة الإضاءة. وفي قسم الطوارئ الفوضى لا تكاد تختفي. فهي سرعان ما تثور مع مجيء مصابين جدد بعد كل قصف.

وعلى الرغم من جهود الزملاء المحليين التي كرّسوها للمرضى كان هنالك تدهور مريع في المستلزمات الجراحية. فمعظم قواعد النظافة والتعقيم والعناية بالجروح التي سبق أن وصفتها فلورانس نايتنجَيل في حرب القِرْم تم التخلي عنها لانعدام المعدات المناسبة. (نايتنجيل 1820- 1910 ممرضة ومصلحة اجتماعية بريطانية ومؤسِّسة التمريض الحديث- المترجم).

كان مذهلا بالنسبة لي أن ما يشكّل أساس الجراحة الآمنة والذي كان يمارس أثناء كل حرب منذ معارك الخنادق في الحرب العالمية الأولى وإلى حرب أفغانستان تهاوَى تمامًا.

فمن دون تعقيم سليم لن يعيش المصابون بصرف النظر عن مهارة الجراح. وحتى إذا كانت الجراحة الفعالة ممكنة فالمشفى بالكاد يقدم رعاية ما بعد العمليات الجراحية بالنظر إلى قلة تجهيزات وحدة العناية الفائقة والنقص في الأعداد الكافية من الأطباء السريريين لمتابعة حالات المرضى. نتيجة لذلك كانت التهابات الجروح متفشية وحادة.

أما أعداد القتلى في أرجاء غزة (عند كتابة هذا المقال) والتي تقدر بأكثر من 29 ألف فصادمة بما فيه الكفاية. لكن حجم الإصابات التي تغير حياة المصابين من حروق إلى شظايا مغروسة في أجسامهم وأطراف مفقودة يصيب المرء بالدوار.

لقد أدركتُ لماذا تتجمع العائلات التي ليس لها مأوى عندما تتعرّض للهجوم. كانت تفعل ذلك لكي تحيا أو تموت معا. لقد فاقم فقدان العاملين في المشافي سواء بسبب الموت أو الإصابة أزمة الرعاية الصحية.

وسط المذابح والشقاء تعلَّم أفرادُ فرق العمل المتبقين في المشافي بعد تناقص أعدادهم استراتيجياتِ التماسك النفسي. ففي أثناء تناول فنجان من القهوة التي أعدت على اللهب في أرضية غرفة العمليات أخبرني جرَّاح كيف علَّم نفسه التركيز على المشكلة الطبية التي يواجهها أمامه وعدم الانشغال بالسؤال عن تفاصيل الخلفية المؤلمة للإصابة التي لحقت بالمريض.

في حالات عديدة كنت أشعر بالعجز. لكن وجود الأطباء الأجانب على الأقل طمأن فرق العمل المحلية بأن تعرّضهم لهجوم من الجيش الإسرائيلي أقل احتمالًا.

وعلى الرغم من عملي في مناطق النزاعات في الماضي فإنني لم أشهد أبدا مثل هذا القصف المستدام في غزة. صرتُ أكثر قلقا وفارقني النوم مع مر الأيام خلال فترة الأسبوعين التي قضيتها بالمستشفى. لكن الناس في غزة تحملوا هذه المعاناة لأكثر من أربعة أشهر.

منذ عودتي من هناك ظللت أفكر بشدة حول ما يمكن أن نفعله لاحتواء هذه الكارثة. فالحاجة مُلِحَّة للمعالجين والمعدات. وخطوط الإمداد الحالية غير كافية إلى حد بعيد والأرواح تُفقد في كل يوم تُحتجز فيها هذه الموارد ويُحال دون وصولها إلى غزة. هل لا يمكن لحكوماتنا إزالة العوائق البيروقراطية التي تعرقل تسليم المعدات المنقذة للحياة؟

في آخر أيام وجودي في المستشفى التقيت صديقا فلسطينيا. إنه طبيب شاب سبق لي أن عملت معه طوال عشرة أعوام. لقد اضطر إلى النزوح ست مرات منذ شهر أكتوبر. لكنه خاطر بزيارتي من رفح.

قال لي وأنا أصافحه: «أخذوا كل شيء دكتور تيم وأهم شيء أخذوه كرامتي». وعندما سألته كيف تمضي أموره وهل يثابر على علاج المرضى نظر إلى في حزن وقال: «يجب أن نتمسك بالحياة. علينا أن نستمر».

تيم جوديكار استشاري الجراحة التجميلية والترميمية ونائب رئيس سابق للكلية الملكية للجراحين في إنجلترا، سافر إلى غزة مع المنظمة الخيرية المعنية بالإغاثة الدولية في الكوارث والطوارئ مع الدعم طويل الأمد (آيديل).

عن صحيفة الفاينانشال تايمز

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

 انتخابات العراق: مرشحو الأحلام يغرقون الواقع بالوعود البرّاقة

12 أكتوبر، 2025

 

بغداد/المسلة: يتنقل الناخب العراقي بين وعدٍ يُطلق في الهواء وآخر يُكتب على لافتات ملونة، فيما تتصاعد حرارة الانتخابات المحلية التي تكشف عن وجوه مرشحين يبدعون في صياغة المواقف وتسويق الأحلام. وتتعدد الوعود بين توفير فرص عمل وتوزيع هدايا عينية، فيما يبقى السؤال: هل هي مسرحية انتخابية أم محاولات حقيقية لخدمة المواطن؟.

وعود تحت الأضواء: فرص العمل في مرمى الجميع

يطلق مرشح يُدعى ……. وعداً طناناً في ساحة عامة ببغداد، ويجزم أمام حشد من الناخبين بأنه سيوفر فرص عمل لكل عاطل في دائرته الانتخابية. وقال ….، وهو يلوح بيده بحماس: “نعرف أزمة البطالة، ونعدكم بمشاريع استثمارية ستفتح أبواب الرزق للشباب”.

وأضاف، بنبرة واثقة: “لن يبقى عاطل واحد في منطقتنا بعد فوزي”. يتردد صدى كلامه بين الحاضرين، لكن شاباً عشرينياً يهمس لصديقه: “كم مرة سمعنا هذا الكلام؟ يعدون ويختفون بعد الانتخابات”.

ويشارك مرشح آخر، يُدعى ….، في نفس السباق الانتخابي، ويرفع شعاراً مغرياً: “افتح أبواب التعيين لكل عاطل”.

وأعلن … خلال لقاء: “لدي خطة لتفعيل القطاع الخاص وإجبار الشركات على توظيف الشباب العاطلين بقوانين جديدة”.

و يثير وعده هذا جدلاً بين المواطنين، إذ يرى البعض أن هذه الوعود تفتقر إلى آليات تنفيذية واضحة، فيما يتمسك آخرون بالأمل. وتعلق سيدة في الأربعين من عمرها، وهي أم لثلاثة شباب عاطلين: “لو تحقق وعد واحد من هؤلاء، لكفاني ذلك”.

النائب الخدمي: بطل متعدد الأغراض

يبرز في المشهد الانتخابي من يُطلق عليه الناخبون لقب “النائب البرمكي”، وهو مرشح يُدعى …، يقدم نفسه كـ”خادم للمواطنين في عموم العراق”. ووزّع …. منشورات دعائية تبرز نشاطاته المتعددة، من افتتاح مشاريع صغيرة إلى توزيع مساعدات غذائية.

وقال ……  في لقاء مع ناخبين: “أنا لست مجرد نائب، بل أخ وصديق يقف معكم في السراء والضراء”. وأضاف، وهو يشير إلى مشروع لتأهيل طريق ريفي: “هذه بداية فقط، سأجعل كل قرية في العراق تنعم بالخدمات”.

ويصف المحلل السياسي علي التميمي، هذه الظاهرة بأنها “تسويق انتخابي يعتمد على العواطف”. وأوضح التميمي: “المرشحون يعرفون أن الناخب العراقي متعب من الوعود الفارغة، لذا يحاولون تقديم أنفسهم كأبطال خارقين متعددي المواهب، لكن التحدي يكمن في التنفيذ بعد الفوز”.

يبقى أمثال  هؤلاء ، محط أنظار الناخبين الذين يتساءلون: هل هو فعلاً “النائب الخدمي” أم مجرد بطل في مسرحية انتخابية؟

بطانيات وهواتف: تسويق الانتخابات بالهدايا

تتصدر مرشحة تُدعى….  المشهد بأسلوب لافت، إذ تقف وسط جمع غفير في إحدى ضواحي بغداد، وتوزع بطانيات فرو فاخرة تحمل شعار حملتها الانتخابية. وتقف إلى جانبها شاحنة ممتلئة بالأدوات المنزلية والهواتف الصينية الرخيصة، في محاولة لجذب الناخبين.

وقالت … ، وهي تبتسم: “هذه الهدايا رمز لاهتمامي بكم، وستتبعها مشاريع كبرى لتحسين حياتكم”. يتفاعل الحشد معها بحماس، لكن سيدة مسنة تتذمر قائلة: “بطانية اليوم لن تحل مشكلة الكهرباء غداً”.

ويثير هذا الأسلوب جدلاً واسعاً، إذ يرى البعض أنه محاولة لشراء أصوات الناخبين. وعلق المحلل السياسي التميمي: “توزيع الهدايا ليس جديداً، لكنه يعكس ضعفاً في البرامج الانتخابية، إذ يعتمد المرشح على جذب الناخب عاطفياً بدلاً من تقديم حلول جذرية”.

وتتساءل الناخبة أم حيدر، وهي تحمل بطانية جديدة: “هل ستتذكرنا هذه المرشحة بعد الانتخابات؟”.

نعيم الوعود: شعارات تُباع بالكيلو

وتبرز هذه الشعارات كجزء من مسرحية انتخابية تجمع بين الكوميديا والتراجيديا.

ويؤكد  التميمي أن “الشعارات الرنانة تستهدف الناخب البسيط الذي يبحث عن الأمل، لكنها غالباً لا تعكس رؤية سياسية واضحة”. ويضيف: “الناخب العراقي بدأ يدرك أن الوعود الكبيرة غالباً ما تكون مجرد هواء”.

ديمقراطية المفاجآت: بين الجد والهزل

وتتكشف الانتخابات العراقية عن مفاجآت لا تخلو من الغرابة، إذ يتنافس المرشحون في تقديم صورة مثالية تجمع بين الخدمة والكرم والطموح. ويبقى الناخب هو الحكم الأخير في هذا المسرح السياسي.

ويرى مراقبون أن هذه المواقف، رغم طرافتها أحياناً، تعكس تحديات عميقة تواجه العملية الديمقراطية في العراق، من ضعف الثقة بين الناخب والمرشح إلى غياب برامج انتخابية واقعية.

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • عقد لاستكشاف المحروقات بين الجزائر والسعودية قرب الحدود الليبية
  • "ترامب" في الكنيست: على إيران أن تحدد ما إذا كانت مستعدة للسلام
  • الرئيس الأمريكي: شخصيتي في الواقع تتمحور حول وقف الحروب
  • ترامب: هذا فجر لشرق أوسط جديد.. ودول جديدة ستنضم للمعاهدات الإبراهيمية
  • ترامب: شخصيتي في الواقع تميل إلى إيقاف الحروب
  • جراحة دقيقة 4 ساعات.. فريق طبي بمستشفى جامعة الأزهر بأسيوط ينقذ حياة رضيع
  •  انتخابات العراق: مرشحو الأحلام يغرقون الواقع بالوعود البرّاقة
  • بعد التداول على الفسبوك.. الداخلية تنفى القبض على أطباء يتاجرون فى الأعضاء
  • سلطات مطار عدن تحبط محاولة تهريب قطع أثرية كانت في طريقها إلى الخارج
  • لأول مرة.. مستشفى ابشواى بالفيوم تجرى 10 عمليات ليزر شرجى