محمد نجيم (الرباط)

بترجمة الدكتور والأكاديمي المغربي إدريس الخضراوي، صدر ضمن منشورات دار الكتاب الجديد المتحدة ببيروت، الترجمة العربية لكتاب «العيش في مكتبة العالم» للناقد الفرنسي وليم ماركس، والذي يعد من بين أبرز الأسماء في عالم النقد الأدبي والأدب المقارن في أوروبا وخارجها. عمل وليم ماركس أستاذاً بالكوليج دو فرونس (Collège de France) خلال سنوات 2020 و2022، وقدّم خلالها مجموعة من المحاضرات التي سعى من خلالها إلى تجديد الأدب المقارن.

وأصل هذا الكتاب، كما جاء في تقديمه، محاضرة افتتاحية بعنوان «العيش في مكتبة العالم»، ألقاها الباحث في الكوليج دو فرانس بتاريخ 23 يناير عام 2020، في إطار كرسي الآداب المقارنة الذي أحدث له، لوليم ماركس، مجموعة من الأعمال المهمّة التي لفتت الأنظار إليه، ومن بينها أطروحته بعنوان: نشأة النقد الحديث: الأدب من منظور إليوت وفاليري (2002)، كما أصدر كتابين يندرجان في سياق النّقاش الجاري في الغرب منذ عقدين حول أفول الأدب أو احتضاره، هما: «في وداع الأدب» (2005)، و«معاداة الأدب» (2015). وخلال العام الماضي أصدر كتاب: «دروس في الشعرية» (2023).
ويشكّل كتاب «العيش في مكتبة العالم»، كما يقول الدكتور إدريس الخضراوي، رسالة موجزة تكشف عن الأهمية التي يكتسيها الفكر الأدبي لوليم ماركس، وبالتالي فهو يعدّ أحد النّصوص النقدية الجيدة التي تَحمِلُ نظرةً جديدةً إلى الأدب المقارن في مرحلة يتعرّض فيها هذا المبحث المعرفي لانتقادات عديدة بسبب نزعته المتمركزة التي لا ترى إلى ما هو أبعد من فضاء الآداب الأوروبية. يشدّد وليم ماركس على استبدال الأدب المقارن بالمكتبة العالمية، والمكتبة العالمية من منظوره هي كلّ الأعمال التي تَظهرُ على رفوفِ المكتباتِ في جميعِ أنحاء العالمِ، بما فيها الأعمال التي لم تقرأ أبداً. وبما أنّ هذه المكتبة هي من الثراء والتنوع، فإنَّ البحث عن الأعمال التي تكتنزها، يقتضي بذل جهد أكبر، كما يستوجب تحوّلاً داخلياً حقيقياً من جانب القارئ أو القارئة. لهذا السّبب يَتعيّنُ اعتماد منظور جديد للمقارنة، جغرافياً وتاريخياً، يُمكّنُ من احتضانِ آدابِ العالم كلّها في تنوّعها وتعدّد آفاقها، ويبقي في الوقت نفسه على فروقها وتناقضاتها. وهذه هي المهمّة الأساس للأدب المقارن.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: بيروت الأدب

إقرأ أيضاً:

الفكاهة في الأدب

مع هذا الحرّ القاتل، ومع شدّة قتامة الوضع العامّ، ومع الإرهاق النفسيّ الذي يعيشه العربيّ، من أخبار لا تسرّ الخاطر، وقتْلٍ يوميّ، وفقْر وجوع، وقلّة ذات اليد، وزحمة الكآبة المتوالدة من كلّ فجّ وصوبٍ، مع كلّ هذه التعاسة المحيطة نفتقد إلى حسِّ الفكاهة، الذي رافق الأدب العربيّ فـي مراحل مختلفة، وغاب عن الأدب إلى حدّ كبير اليوم، غير أنّه باقٍ فـي نفوس الطبقات الشعبيّة التي لا تجد ما تواجه به هذا السّواد، وهذا البؤس، سوى الفكاهة، والسخريّة التي قد تتحوّل أحيانًا إلى سوادٍ، وقد تمسُّ الذات السّاخرة نفسها، لذلك، أردتُ أن أثير مسألة كانت حاضرة بعمق وكثافة من قديمِ الأدب إلى حديثه. فالشعر العربي قد احتوى مظاهر متنوّعة من الفكاهة التي تُخرجه من معالجة المسائل الجادّة، وتجعله يُقاوم ثِقَل الواقع، أو سطوة شخص.

ومن أبواب الفكاهة الكبرى الهجاء، أو التعرُّض إلى الذات أو إلى الآخر بوصْفٍ أو بيانِ خِلالٍ تسيء للذات الموصوفة، وهو الأمر الذي نعرضُ له دونًا عن مواطن من الفكاهة مثل وصف المأكولات، أو إظهار الظرف أو استخراج موقف طريف ناتج عن سؤال أو عن أزمة. نركّز على الهجاء فـي الوصف الخلقي والأخلاقي، فمن ذلك مثال، ما أتاه الجاحظ صاحب النوادر، وهو الفكه، طالب الموقف الطريف، مبتدع النوادر ورأسها، وقد كان متّخذًا من ذاته وهيئته سبيلاً للتندُّر والتفكّه، واتّخذ أيضًا أصحابه من المعتزلة منه، موضوعًا للنظم فـي صورته، فقد قال أحد المعتزلة يهجوه فـي شكله ومظهره:

لو يُمْسَخُ الشيْطانُ مَسْخًا ثانيًا/ ما كانَ إلاَّ دُون قُبْحِ الجاحِظِ- رجلٌ يؤوب عن الجحيمِ بنفسه/ وهو القَذى فـي كلِّ طَرْفٍ لاحِظِ. والجاحظُ إضافةً إلى أنّه مصدرُ أخبارٍ ظريفة وطريفة، فقد كان لا يخجل من التندُّر بخلقته وما يقوله النّاس فـيه، وهي درجة عالية من التصالح مع النفس، وتجاوز العقد الذاتية، فقد ورد عنه أنّه قال: «إنَّه لم يُخجلني طيلة عمري أحد، كما فعلت امرأة ثريَّة، فقد لقيت امرأة فـي بعض الطُّرق، وسألتني أنْ أصحبها ففعلت، حتَّى أتت بي إلى مَحلِّ صانع للتماثيل وقالت له، مُشيرة إليَّ: كهذا. فبقيتُ حائراً مِن أمرها، ولمَّا انصرفتْ سألتُ الصائغ عن القِصَّة، فقال: لقد سألتني هذه المرأة أنْ أصوغ لها تِمثالاً للشيطان، فقلت لها: إنِّي لم أرَ الشيطان؛ كي أصوغ تِمثاله، فطلبت مِنِّي أنْ أنتظر حتَّى تجيء بتِمثاله، واليوم جاءت بك إليَّ وأمرتني أنْ أصوغه شبيهاً لمنظرك»، ولا يخرج الحُطيئة الشاعر المعروف بسلاطة لسانه ووفرة هجائه عن هذا السبيل تعرُّضًا للذات، وبيانًا لمواطن السُّوء فـيها، دون حرجٍ أو تحرُّجٍ، فقد هجا نفسه عندما أُمسِك لسانه عن الهجاء وهُدِّد بالسِّجن إن تعرَّض إلى أعراض النّاس، فقال:

«أَرى لِيَ وَجهاً شَوَّهَ اللَهُ خَلقَهُ/ فَقُبِّحَ مِن وَجهٍ وَقُبِّحَ حامِلُه». فلقد كانت الذاتُ محورًا منطلَقًا من محاور التندُّر والهجاء وبابًا وسيعا من تحقّق الفكاهة عند العرب، فكانوا يتندّرون شعرًا ونثرًا بالخِلقة والخُلُق، ومن ذلك أيْضًا ما عُرِف به أديبٌ له فـي الشعر الفكه، وفـي أخبار النوادر صيتٌ وأثرٌ، وهو أبو دلامة، الذي هجا نفسه قائلاً: أَلاَ أبْلغْ لَديْكَ أبَا دلامة/ فليْس من الكرامِ ولا كَرامَهْ- إذا لَبس العمامةَ كان قرْدًا/ وخِنْزيرًا إذا نَزَع العِمامَهْ- وإذا لبس العمامةَ كان فـيها/ كثوْرٍ لا تُفارقُه الكمامَهْ- جمَعْت دمامة وجمعْتَ لُؤْمًا/ كذاك اللُّؤمُ تتبعُهُ الدمامهْ- فإنْ تَكُ قد أصَبْتَ نعيمَ دُنْيَا/ فلا تَفْرَح فقد دنت القيامهْ»، ومن النوادر على تحويل الذات إلى بؤرة سخريّة، ما رواه أبو عيناء، إذ خطب امرأة فاستقبحته، فكتب إليها شعرًا يقول فـيه: «فإنْ تَنْفُري من قُبْحِ وجْهي فإنَّني/ أَريبٌ أديبٌ لا غبيٌّ ولا قَدْمُ» فأجابته المرأة قائلة: «ليس لديوان الرسائل أريدك».

وأمَّا فـي باب هجاء الآخر، فهنالك أيضًا جانبان يتركّز عليهما التندُّر، الخِلْقة والخُلقُ، ومن أهمّ أبواب التندُّر بالخُلق الهجاء بالبخل، ولنا فـي الأدب العربيّ كتابٌ مثالٌ هو كتاب البخلاء الذي خطّه الجاحظ، غير أنَّ عددًا من الشعراء تندَّروا ببخل مَن أرادوا هجاءهم، وركّزوا على هذه السِّمة التي كانت نقيصة كبيرة، تُقابِل قيمةً خُلقيّة بها تميَّز العرب وعُرفوا وهي الكرم. فهذا ابن الرومي يهجو بخيلاً فـيقول فـيه: «غَدوْنَا إلى مَيْمون نطلُبُ حاجةً/ فأوْسَعَنَا منْعًا جَزيلاً بلا مَطْلِ- وقال: اعذُروني إنَّ بُخْلي جِبِلَّةٌ/ وإنَّ يَدِي مَخْلوقَةٌ خِلْقَةَ القُفْلِ». وهذا أبو نواس يهجو الفضل بن ربيع واصِفًا بخله، فـيقول: «رأيْتُ الفضْلَ مُكتئِبًا/ يُنَاغِي الخُبْزَ والسَّمَكَ- فأسبَل دمْعه لمَّا/ رآني قادِمًا وبَكَى- فلمَّا أن حَلفْتُ له/ بِأنِّي صَائمٌ ضَحِكَا».

وأمَّا التندُّر بالخِلْقَة، فهو مبحثٌ ثريٌّ فـي تراثنا الشعريّ، ويدعو إلى الوقوف على أبعاده الفنيّة والتأثيريّة والاجتماعيّة ويُمكن النفسيّة، فمن ذلك ما قاله ابن الرومي فـي بيان قبح الخِلْقَة، واصِفًا امرأة: «دَحْدَاحةُ الخِلْقَةِ حَدْبَاؤُهَا/ قَامَتُهَا قامَةُ فُقَّاعَهْ- لَو أنَّها ملكي ولي ضيْعَةٌ/ جَعَلْتُهَا للطَّيْر فَزَّعَهْ». ابن الرومي الذي أبدع فـي رسم الصور الكاريكاتوريّة السّاخرة، الهازئة، التي تركّز على السخريّة من الملامح ومن الهيئة، وتجعلها المنطلق للتوسّع فـي الإساءة والهجاء، يقول: «يا أبَا القاسم الذي لَيْسَ يُدْرَى/ أرَصاص كيَانه أم حديد- أنتَ عندي كماءِ بِئْرِك فـي الصّيْـ/ ـفِ ثقيل يعلوه برد شديد»، ولعلّه قد بلغ أوج بلاغة السخريّة، فـي إحداث الممازجة بين الكلب والمهجوّ، وإعلاء شأن الكلْب مقابل المهجوّ، يقول: «وجْهُك يا عمرو فـيه طُول/ وفـي وجوه الكلابِ طُول- مقَابح الكلْب فـيك طرًا/ يزُول عنها ولا تزُول- وفـيه أشياء صالحَات/ حماكها اللّه والرّسُول- فالكلبُ وافٍ وفـيك غدر/ ففـيك عن قدره سفول- وقد يُحامي عن المواشي/ وما تحامي ولا تصُول- وأنت من بين أهل سوء/ قصّتهم قصّة تطول».

فنّ السخريّة وارتباطه بالفكاهة من جهةٍ، وبالهجاء من جهة ثانية، فنّ أبدع فـيه العرب، وقد أدَّى دور التخفـيف من ثقل واقع ضاغط، فلمَ غابت اليوم هذه الفكاهة التي بلغت أوجهَا فـي مجتمعاتنا العربيّة أواسط القرن العشرين، مع الصحافة الفكهة والصحافة السّاخرة، ومع النقائض، والثنائيّات؟

مقالات مشابهة

  • سوريا تكشف عن هوية بصرية جديدة.. فما الرسائل التي تحملها؟
  • تأملات من وراء القضبان.. نظرة إلى أعماق النفس البشرية
  • ربع نهائي مونديال الأندية.. «فايق» يعلن المواجهات التي ستنقل عبر قناة MBC
  • «أبوظبي للغة العربية» ضمن جولة الأدب العالمية لمنصة «OverDrive»
  • ما هي الكوارث التي ينذر بها التغير المناخي العالم؟
  • بنك الإسكان يطلق منظومة جديدة من خدمات إدارة النقد والسيولة للشركات
  • مش قادرة أنسى نظرة أولادي.. سيدة تروي تفاصيل سرقتها وضربها أمام منزلها
  • الفكاهة في الأدب
  • بوك ليفري.. خدمة جديدة من مكتبة مصر العامة لتيسير إعادة الكتب للمستفيدين
  • ترامب: ننظر في أمر ترحيل إيلون ماسك من أمريكا.. فيديو