رمضان.. بين اختلاف الرؤية ووحدة الفلسفة
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
تحرى المسلمون أمس في مشارق الأرض ومغاربها هلال شهر رمضان المبارك، ورغم أن الجميع كان يتحرى هلالا واحدا إلا أن مرجعيات آلية الرؤية كانت مختلفة؛ فالبعض كان يشترط الرؤية البصرية سواء بالعين المجردة أم بالتلسكوب والبعض يستخدم آليات تصوير متطورة جدا لتصوير الهلال، والبعض الآخر كان يعتمد مرجعية الاقتران المركزي أو الاقتران السطحي، وكل مرجعية من هذه المرجعيات تعتمد على قراءة فقهية؛ لذلك أعلن البعض دخول الشهر فيما أعلن البعض أن اليوم الاثنين هو المتمم لشهر شعبان.
وتبذل سلطنة عمان ممثلة في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية جهودا كبيرة لا تخفى على أحد لتحري دخول الأشهر القمرية، وقد استأنست منذ فترة مبكرة بعلم الفلك بعد التيقن من دقته وتواؤمه مع الرؤية الشرعية للهلال، ووفرت في سبيل ذلك أحدث التلسكوبات التي تعين على رؤية الهلال، ولذلك اعتبرها الكثير من علماء الفلك في العالم أحد أدق الدول في ضبط دخول الأشهر القمرية في العالم الإسلامي، وهذا أمر يشعر الصائم بالكثير من الاطمئنان وهو يبدأ شهره الفضيل، كما يجعله يشتغل بشكل أساسي في صومه وفي عبادته وفي تأمل فلسفة الصيام التي تعد أعمق بكثير من مجرد الامتناع عن الأكل والشرب وسائر المفطرات إلى فكرة التجديد الروحي وضبط النفس وإعادة رسم مساراتها وممارساتها اليومية. وقد أفاض الكثير من العلماء في الحديث عن فلسفة الصوم التي تتجاوز الجانب القريب وهو الامتناع عن الأكل إلى جوانب كثيرة فيما يتعلق بعلم ترويض النفس وكذلك في الجوانب الاجتماعية عندما يشعر الإنسان بلحظات الجوع والعطش فيتذكر غيره ممن يعيشون هذه اللحظة كل يوم، فتتغير قناعاته في أمور كثيرة ومن بينها موضوع التشارك الاجتماعي.
وأثبت العلم الحديث أهمية الصوم في صحة الأجساد وفي التخلص من الكثير من الأمراض، وفي الحقيقة فإن فوائد الصوم لا حصر لها أبدا وفي كل مرحلة زمنية يكتشف الإنسان حقيقة الصوم التي تضاف إلى كونه ركنا أساسيا من أركان الإسلام.
ولأن كل هذه المشاعر وكل هذه الفلسفة التي ينطلق منها ركن الصيام واحدة لدى جميع المسلمين فمن باب أولى أن تكون مناسبة لأن تكون نظرة الأمة متحدة لإخواننا المسلمين الذين يعيشون خلال هذا الشهر الفضيل لحظات صعبة وخاصة من كان منهم في قطاع غزة، حيث يصبحون على وقع المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني، ويمسون على ألم الجوع في ظل حصار ظالم يمنع عنهم أبسط المواد الغذائية التي يمكن أن تبقيهم على قيد الحياة.. ورغم ذلك فإنهم يتمسكون بوعد الله أن ينصرهم على عدوهم.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تربية الأطفال والتوتر الزوجي…
صراحة نيوز- بقلم حنين البطوش
استشارية نفسية أسرية وتربوية
تربية الأطفال تجربة مليئة بالفرح والتحديات، لكنها قد تصبح أيضًا سببًا رئيسيًا للتوتر بين الزوجين إذا لم تُدار بحكمة، فخلال السعي لتنشئة أطفال سعداء، قد تنشأ عادات تربوية صامتة تهدد زواجك دون أن تشعر، وتؤثر بشكل مباشر على الحب والثقة بينكما.
فقد يظن الزوجان أن مجرد اختلافهما في أسلوب التربية لا يؤثر على العلاقة، لكن بعض العادات اليومية الصغيرة قد تتحول إلى ضغط نفسي مستمر، مثل الانشغال بالسيطرة على كل تفاصيل الأطفال، أو فرض قواعد صارمة دون تفاهم مشترك، أو مقارنة الطفل بآخرين، أو الاستجابة المبالغ فيها لكل طلباتهم، هذه الممارسات تعزز التوتر وتجعل الزوجين يشعران بأن أحدهما “يقصر” في المسؤولية، حتى لو كان الجهد متساويًا.
الضغط النفسي في الأسرة غالبًا ما يكون نتيجة تراكم الصراعات التربوية اليومية، وكل طرف يشعر بأن عبء المسؤولية يقع عليه أكثر، مما يولد شعورًا بالإحباط والغضب أو الاستياء الصامت، المسؤولية هنا ليست فردية، بل مشتركة: كلا الزوجين يتحملان تأثير أساليب التربية المختلفة، وينبغي أن يدرك كل منهما أن الشريك الآخر قد يتعامل مع المواقف وفق خبراته ومعتقداته الخاصة، وليس بنية الإساءة.
الاختلاف في أساليب التربية يمكن أن يكون سببًا مباشرًا لتراجع مستوى السعادة الزوجية، فمثلاً إذا كان أحد الزوجين يميل إلى الانضباط الصارم بينما يفضل الآخر المرونة والتسامح، قد يشعر كل طرف بأن احتياجاته وقيمه تُهمل، ويترتب على ذلك شعور بالاستياء أو عدم التقدير، هذه الاختلافات الصغيرة، إذا لم تُناقش بشكل صحي، قد تتفاقم وتؤثر على الحب والانسجام اليومي.
الخلافات التربوية الصغيرة قد تتحول إلى أزمات كبيرة عندما تُترك دون حل أو نقاش، تراكم سوء الفهم حول القرارات اليومية، أو الجدال حول المكافآت والعقاب، أو اختلاف الأولويات في تعليم الطفل وتوجيهه، كل ذلك يبني فجوات عاطفية بين الزوجين، ويؤدي إلى ضعف الثقة والتقليل من الدعم المتبادل، ومع الوقت قد تتحول هذه الخلافات إلى شعور مستمر بالضغط والاحتماء وراء الحواجز النفسية.
الحفاظ على الحب بين الزوجين رغم اختلاف أساليب التربية يتطلب وعيًا واستراتيجيات عملية واضحة، أولًا التواصل المفتوح هو المفتاح: ناقشا المواقف التربوية بصراحة وهدوء، دون لوم أو اتهام، مع التركيز على التعبير عن الاحتياجات والرغبات بوضوح، ثانيًا التفاهم على القيم الأساسية يخفف من الصراعات اليومية، عبر تحديد ما هو الأهم للطفل وللأسرة، ثالثًا المرونة والتنازل تمثل حجر الزاوية، حيث يقبل كل طرف بأن لزميله طريقته الخاصة، مع السعي لإيجاد حلول وسط توافقية، والأهم أن لا يغيب الدعم العاطفي المتبادل، من خلال تقديم الثناء والتقدير للجهود المبذولة مهما اختلفت، ما يعزز الحب ويقوي العلاقة رغم الخلافات التربوية
غالبًا ما تبدأ الأزمات من تفاصيل بسيطة: اختلاف في العقاب أو المكافأة، تباين في أوقات الأنشطة، أو طرق إدارة الوظائف المدرسية، إذا لم يُعالج الأمر بصبر وحوار، تتراكم الخلافات، ويشعر كل طرف بأن الطرف الآخر لا يحترم رؤيته، ما يؤدي إلى فقدان التقدير المتبادل، وتصاعد التوتر، وربما تأثير سلبي على العلاقة الزوجية بأكملها.
فكل قرار تربوي يُتخذ في غياب تفاهم مشترك يمكن أن يترك أثرًا على الحب والثقة، فالزوجان اللذان يتفقان على قواعد واضحة ويساعدان بعضهما على التعامل مع التحديات، يشعران بالدعم والأمان، بينما العكس يؤدي إلى شعور بالإقصاء أو التقليل من قيمة الشريك، فالعلاقة الزوجية هنا تتغذى على التنسيق والاحترام المتبادل، وليس فقط على الحب كعاطفة منفصلة عن المسؤوليات اليومية.
وتلعب الضغوط الخارجية مثل ضغوط العمل، الالتزامات الاجتماعية، والمشاكل المالية دورًا كبيرًا في تصعيد الخلافات التربوية بين الزوجين، فهذه الضغوط تجعل إدارة القرارات اليومية الخاصة بالأطفال أكثر توترًا، خاصة إذا كانت توقعات المحيط الاجتماعي أو الأسرة الممتدة تتعارض مع أسلوب الزوجين في التربية، كما أن اختلاف القيم والمعتقدات، سواء بسبب الخلفيات الثقافية أو الرؤى حول الطفل المثالي، يساهم في حدوث النزاع، لذا فإن التفاهم المسبق على القيم الأساسية للأطفال يساعد على تخفيف الكثير من الخلافات اليومية، التواصل العاطفي الفعّال يصبح هنا عنصرًا محوريًا؛ فلا يكفي مناقشة القرارات فحسب، بل ينبغي التعبير عن المشاعر والاحتياجات بصدق واحترام، مع استخدام عبارات إيجابية وتقدير الجهود المتبادلة لتعزيز التعاون وتخفيف الانفعال.
تقاسم المسؤوليات التربوية بشكل متوازن أيضًا يقلل من شعور أي طرف بالضغط أو الإحباط، ويضمن الاتفاق على أسلوب موحد في القرارات اليومية، ما يحمي العلاقة من الصراعات المتكررة، ومن جهة أخرى، تؤثر الخلافات التربوية المستمرة على العلاقة الحميمة بين الزوجين، لذا من المهم إيجاد وقت مشترك بعيد عن المهام التربوية لإعادة تنشيط الحب والتواصل العاطفي، فإن استراتيجيات التعلم المشترك والتطوير الذاتي، مثل حضور ورش أو قراءة كتب حول التربية، توفر لغة مشتركة تقلل من سوء الفهم، بينما يعزز التعلم المستمر من أخطاء الماضي المرونة وقوة العلاقة.
أهمية نموذج القدوة للأطفال لا تقل عن ذلك، إذ يلاحظ الأطفال كيف يتعامل الزوجان مع الخلافات بشكل صحي، ما يعلمهم مهارات حل النزاعات والتواصل الإيجابي، ووجود أسرة تُدار بعقلانية وهدوء ينعكس إيجابًا على نمو الطفل النفسي والاجتماعي، ويمكن تحويل التحديات التربوية من مصدر صراع إلى فرصة لتعزيز العلاقة الزوجية، من خلال مواجهة الخلافات بنهج تعاوني يطور التواصل، التفهم، والاحترام المتبادل، ما يجعل الشراكة الزوجية أقوى وأكثر متانة رغم اختلاف الأساليب التربوية.
فتربية الأطفال ليست مجرد مهمة يومية، بل اختبار مستمر لقدرة الزوجين على التواصل، التفاهم، والمرونة، فالوعي بالعادات التربوية التي قد تهدد العلاقة، وتقاسم الضغط النفسي، والتفاهم على الأساليب والقيم، يمكن للزوجين حماية الحب والثقة في زواجهما، وتحويل التحديات التربوية من مصدر صراع إلى فرصة لتعزيز التفاهم والسعادة المشتركة.