كيف تؤثر جريمة غسل الأموال على الاقتصاد الوطني العٌماني؟
تاريخ النشر: 11th, March 2024 GMT
أثير – بدرية بنت عبدالله الهنائية
باحثة ماجستير بجامعة السلطان قابوس
كلية الحقوق/القانون الجزائي
كثيرا ما نسمع بلفظ غسل الأموال؛ إلا أن المعنى لا يكون بذلك الوضوح لدى بعض فئات المجتمع، وخاصة غير المختصين بدراسة هذا النوع من القضايا، فإذا ما تطرقنا إلى تعريف جريمة غسل الأموال، فهي جريمة ظهرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وغالبا ما تنظمها عصابات إجرامية، لذلك تعتبر من الجرائم المنظمة العابرة للحدود الوطنية، حيث يمكن ارتكابها في إقليم أكثر من دولة، وببساطة المعنى يمكن تعرفيها على أنها (أموال قذرة ناتجة عن أعمال غير مشروعة قانونا، يتم إدخالها في عدد من العمليات المعقدة بهدف إضفاء المشروعية عليها، ومن ثم إعادة دمجها في الاقتصاد الوطني مع الأموال النظيفة والمشروعة).
وتعد سلطنة عُمان من الدول التي سعت وما زالت تسعى إلى مكافحة هذا النوع من الجرائم لما لها من آثار اقتصادية واجتماعية خطيرة على المستوى المحلي والعالمي، فقد انضمت سلطنة عُمان إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية المنعقدة في فيينا (1988م) في عام (1991م) بموجب المرسوم السلطاني رقم (29/91)؛ إلا أن هذه الاتفاقية تبنت تعريفا ضيقا لجريمة غسل الأموال، حيث حصرت الأموال غير المشروعة في الأموال الناتجة والمتحصلة عن جريمة الاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية دون غيرها من الجرائم الأخرى.
وواصلت سلطنة عمان سعيها لمكافحة هذه الجريمة بإصدار قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (17/99)، فقد خٌصص الفصل الثامن منه لمكافحة جريمة غسل الأموال؛ إلا أنه كذلك حصر الأموال التي يتم غسلها في الأموال المتحصلة عن جريمة الاتجار غير المشروع في المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية، ولم يتوسع ليشمل الجرائم الأخرى ذات العائد المادي، والجدير بالذكر أن سلطنة عمان استمرت في جهودها الحثيثة في هذا الشأن فأصدرت قانونًا خاصًا لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (34/2002)، ثم تبعه بعد ذلك القانون رقم (79/2010)، وآخر قانون صدر في هذا الصدد كان بالمرسوم السلطاني رقم (30/2016)، حيث يعد قانونا شموليا معدلا ومنقحا عن القوانين السابقة، تضمن إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والمركز الوطني للمعلومات المالية، كما تضمن القانون النص على أن نسبة (30%) من الأموال التي يتم مصادرتها من الجريمة يتم الاستفادة منها لتطوير نظم مكافحتها، وأبرز إضافة جاءت في القوانين الأخيرة أنها لم تحصر الأموال المستخدمة في جريمة غسل الأموال على الأموال التي تكون متحصلة من تجارة المخدرات والمؤثرات العقلية فقط، بل جعلتها شاملة لتضم الأموال المتحصلة من أي جريمة أخرى ذات عائد مادي، يمكن أن تكون مصدرا لجريمة غسل الأموال.
وتعد جريمة غسل الأموال ظاهرة قديمة حديثة تتجدد وتتطور من فترة زمنية إلى أخرى، ويتم فيها استخدام كافة الوسائل المهنية والتقنية لغرض تحقيق الأهداف التي يسعى إليها غاسلو الأموال، ومن أهمها الكسب السريع للمال الأمر الذي يترتب عليه آثارًا سلبية حادة، سواء على المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وحتى السياسية، وذلك من منظور الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات.
إن من أبرز الأهداف التي تسعى لها سلطنة عمان في مكافحة جريمة غسل الأموال هو حماية الاقتصاد الوطني، وهذا إن دل فإنه يدل على خطورة انتشار هذه الجريمة على الاقتصاد العالمي ككل، مما يؤثر على الاقتصاد المحلي، حيث أثبتت الدراسات أن انتشار جريمة غسل الأموال يؤدي إلى انخفاض الدخل القومي، ويؤثر على الاستقرار الاقتصادي، حيث تسهم عمليات غسل الأموال في نقل التضخم إلى المجتمعات المحلية، والذي ينتج عنه ارتفاع مستويات الأسعار، وهو ما يخلق الضرر بالمنافسة الشريفة ويؤثر سلبا على الأنشطة التجارية الأخرى، كما أنها تؤثر على المتغيرات النقدية كسعر الفائدة وسعر الصرف، فضلا على ذلك فإن ما يتخلل هذه الجريمة من كسب سريع لا يتطلب مؤهلا علميا لتنفيذه يؤدي إلى انتشار تجارة التستر؛ مما ينتج عنه تراجع النمو الاقتصادي للبلاد.
أما بالنسبة للآثار الاجتماعية فإنها من الممكن أن تؤدي إلى زعزعة القيم الإيجابية، وعدم الولاء والانتماء عند بعض الشرائح من المجتمع، والسيطرة على وسائل الإعلام بمختلف أنواعها والتحكم فيها، وتوجيهها حسب رغابتهم وميولهم، كما تؤدي إلى انتشار الفساد الوظيفي والرشوة، وشراء الذمم؛ الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم مشكلة البطالة وتدني الأجور للأيدي العاملة، وانخفاض مستوى المعيشة، وذلك كله بسبب لجوء الأفراد إلى هذا النوع من الجرائم اعتقادا منهم إنها أسرع كسبا عن غيرها من الأعمال، من غير تبصر لما ينتج عليها من آثار سلبيه على المجتمع.
وتشير إحصائيات جريمة غسل الأموال في سلطنة عُمان إلى قلة عدد هذا النوع من الجرائم بشكل عام مقارنة بغيرها من الجرائم الأخرى، حيث أنه حسب إحصائيات مؤتمر الادعاء العام السنوي لعام (2023)، فإن مجموع جرائم مخالفة قانون مكافحة غسل الأموال بلغت في عام (2022م) عدد (46 قضية)، بينما بلغت في عام (2023م) عدد (55 قضية) أي بفارق (9 قضايا)، مما يعني إن نسبة هذه الجرائم زادت في العام المنصرم بنسبة (20%) عما كانت عليه في عام (2022)؛ إلا أن سعي السلطنة وبذل جهودها للحد من هذه الجريمة في تواصل مستمر لما تقدمه من ورشات عمل، وسعي متواتر في استخدام أعلى مستويات التكنولوجيا والتطور لمراقبة التحركات للعمليات المالية داخل وخارج سلطنة عمان، وذلك للكشف عما قد يقع من شبهات تشكل جريمة غسل الأموال.
لذلك، فإنه وجب إعطاء مثل هذه الجرائم أهمية كبيرة لمكافحتها والحد من خطرها، لما تشكله من أخطار اقتصادية تنعكس على الاقتصاد الوطني، وكذلك أخطار اجتماعية تهدد أمن واستقرار المجتمع، وهذا فعلا ما تسعى إليه سلطنة عمان متمثلة في جهودها المستمرة للحد من هذه الجريمة، فمن أبرز جهودها في هذا الجانب هو إنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بموجب قانون عام (2016)، لذلك وجب إعطائها الدور الأهم، وتعزيز مهامها بشكل مستمر في تثقيف المجتمع ونشر الوعي اللازم بين أفراده، كما وجب التنسيق مع الجهات المختصة بالسلطنة والهيئات والمنظمات الدولية المختصة لوضع الضوابط اللازمة، والإجراءات التي تكفل مكافحة جريمة غسل الأموال عبر الوطنية (العابرة للحدود).
المصدر: صحيفة أثير
كلمات دلالية: مکافحة غسل الأموال والمؤثرات العقلیة جریمة غسل الأموال الاقتصاد الوطنی على الاقتصاد هذا النوع من هذه الجریمة من الجرائم سلطنة عمان فی عام إلا أن
إقرأ أيضاً:
وزير الاقتصاد يؤكد على أهمية التوعية بفوائد التأمين على التاجر والاقتصاد الوطني
الثورة نت/..
أكد وزير الاقتصاد والصناعة والاستثمار المهندس معين المحاقري، ضرورة التوعية بأهمية التأمين وتكريسه كثقافة لدى القطاع الخاص لما له من فوائد تسهم في تحقيق الاستقرار المالي ودعم التنمية الاقتصادية.
وأشار الوزير المحاقري في ندوة “التأمين البحري للبضائع حماية للمصالح التجارية والاقتصادية”، التي نظمتها الهيئة العامة للاستثمار والاتحاد اليمني للتأمين، ولجنة التنسيق بين القطاعين العام والخاص اليوم، إلى أن التأمين يقلل من المخاطر التي قد تواجه المستثمرين مما يشجع على زيادة الاستثمارات في مختلف القطاعات.
ولفت إلى دور شركات التأمين المحلية في الترويج لخدماتها والتوعية بأهمية التأمين وفق آليات مبسطة تجعل التاجر البسيط قادر على تكوين معرفة كافية بأهميته وأنواعه.. مبينا أن قيام هذه الشركات بالتوعية هو جزء من التسويق لخدماتها وتوسيع وتطوير أعمالها التأمينية.
وشدد وزير الاقتصاد والصناعة على ضرورة إعادة النظر في العلاقة بين الجهات ذات العلاقة لتوسيع وشمولية التأمين لدى القطاع الخاص ووضع قواعد عمل تستوعب المتغيرات ومعالجة المخاوف التي تدفع التاجر للتهرب من التأمين أو التأمين لدى شركات خارجية.
وبين أن الوزارة تعمل حاليا على تعديل وتحديث التشريعات والقوانين الخاصة بمنظومة الاقتصاد اليمني تواكب المتغيرات في الاقتصاد العالمي، ومنها تعديل قوانين الشركات، والعلامات والوكالات التجارية، والمحاسبين القانونيين، وحماية المستهلك، والتجارة الإلكترونية، وكذا قانون التأمينات والعمل التأميني بمشاركة كافة الجهات ذات العلاقة.
وأكد استعداد وزارة الاقتصاد للعمل مع الاتحاد، لتوطين خدمات التأمين وفق خطط منهجية تعمل على فهم أعمق للتأمين كمنتج مالي أساسي وليس تكميلي، واتخاذ قرارات تعزز التوعية والاستفادة من الخدمات التأمينية بطريقة مثلى تعرف المستفيد بحقوقه وواجباته وتحميه من الاحتيال، وتعزز الثقة بين التجار وشركات التأمين.
فيما أشار أمين عام الاتحاد اليمني للتأمين صلاح العبسي، أن الندوة تهدف إلى وضع خطة عمل لضمان أن تكون جميع البضائع المستوردة مشمولة بالغطاء التأميني للحفاظ على رأس المال الوطني من المخاطر، وتعزيز مكانة القطاع التأميني المحلي ومنع تسرب العملة الصعبة لشركات التأمين الخارجية.
من جهته أكد نائب رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية الصناعية محمد صلاح، على أهمية التعاون بين مختلف الجهات لتبسيط إجراءات التأمين البحري على البضائع وتنسيق الجهود لتطوير آليات التعامل مع الحاويات المؤمنة بما يضمن الكفاءة في التخليص والتفريغ.
بدوره أشار رئيس لجنة التنسيق بين القطاعين العام والخاص مهند الشامي إلى حاجة القطاع الخاص للتأمين وتعزيز التوعية بالمفاهيم السائدة في هذا الجانب، والاستفادة من تجارب بعض التجار الذين كانوا عرضة للإفلاس بسبب عدم التأمين على بضائعهم.
وخلال الندوة التي حضرها وكيل وزارة الاقتصاد لقطاع الصناعة أيمن الخلقي، ووكيل الهيئة العامة للاستثمار محمد الفرزعي، تم تقديم عرض حول أهمية التأمين البحري للبضائع وما يمثله من حماية للمصالح التجارية والاقتصادية لليمن، وكذا الاستماع إلى مداخلات المشاركين من القطاع الخاص وشركات التأمين والخبراء حول أهمية توطين التأمين البحري كخطوة استراتيجية لحماية الاقتصاد الوطني.
وخرجت الندوة بعدد من التوصيات، أكدت على أهمية تنفيذ القوانين ودفع المستوردين للتأمين بشكل طوعي على بضائعهم عبر شركات التأمين المحلية لما لذلك من أهمية في دعم الاقتصاد الوطني.
ودعت التوصيات إلى سرعة تطوير التشريعات المرتبطة بقطاع التأمين وتيسير إجراءاته وفقا للمعطيات الحديثة باعتباره خطوة استراتيجية لتعزيز بيئة الأعمال من أجل جذب الاستثمارات في القطاعات الواعدة.
وحثت شركات التأمين المحلية على التواصل مع المؤسسات الإقليمية والدولية المتخصصة بشؤون الاستثمار والتي يعتبر اليمن عضوا فيها للقيام بدور الوسيط بين هذه المؤسسات والمستثمرين للتأمين على المشاريع الاستثمارية ضد المخاطر غير التجارية وذلك بموجب الإجراءات المتبعة في هذه المؤسسات والقوانين النافذة في الجمهورية اليمنية.