ما المعايير؟.. منظمتان تتهمان مصر بعقد صفقات عفو غامضة مع دواعش
تاريخ النشر: 13th, March 2024 GMT
قالت "هيومن رايتس ووتش" و"مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان"، الأربعاء، إنه يبدو أن السلطات المصرية أبرمت صفقات عفو "غامضة" في السنوات الأخيرة مع أعضاء مشتبه بانتمائهم إلى تنظيم داعش في شمال سيناء، دون الإعلان عن المعايير التي اعتمدتها.
وبحسب بيان للمنظمتين، فإن الأدلة والتصريحات العلنية للمسؤولين تشير إلى أن السلطات منحت بعض أعضاء تنظيم "ولاية سيناء" التابع لـ"داعش" عفوا، مقابل إلقاء أسلحتهم وتسليم أنفسهم.
وتعتبر "ولاية سيناء" جماعة صغيرة نسبيا، أعلنت ولاءها لتنظيم داعش في 2014، واستهدفت الجيش المصري والقوات الحكومية الأخرى والمدنيين.
وتراجعت حدة النزاع المسلح تدريجيا، إذ فقدت "ولاية سيناء" معظم معاقلها بحلول 2020، ويبدو أنه قد تم القضاء عليها بالكامل تقريبا بحلول نهاية 2022، وفقا لتقارير إعلامية وروايات السكان والتصريحات الرسمية.
لكن الجيش والشرطة والميليشيات المتحالفة مع الجيش وولاية سيناء ارتكبوا انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي ربما ترقى في كثير من الحالات إلى جرائم حرب، بحسب المنظمتين.
ورغم الوضع الهادئ نسبيا، تواصل السلطات إبقاء شمال سيناء منطقة عسكرية مغلقة، كما استمر أيضا منع عشرات الآلاف من السكان، الذين هجّرهم الجيش قسرا منذ 2013، من العودة إلى أراضيهم، بحسب المنظمتين
وقال العقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ، المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية، في مقابلة هاتفية متلفزة في 15 مايو 2022 مع قناة "صدى البلد"، الموالية للحكومة، إن الجيش "يعامل جميع العناصر المشتبه بكونهم أعضاء في ولاية سيناء، الذين يسلمون أنفسهم لنقاط تفتيش أو وحدات الجيش بطريقة إنسانية".
وأضاف أن الجيش يوفر للذين يُسلمون أنفسهم "السكن والمأوى" بعد "التنسيق مع الجهات القضائية للتأكد من أنهم غير مطلوبين في أي قضية".
وذكر البيان أنه "بحسب تقارير موثوقة لوسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان ومقابلات مع السكان المحليين، عقد الجيش اتفاقا مع بعض شيوخ القبائل المحلية في شمال سيناء مفاده أنهم إذا أقنعوا الرجال الذين انضموا إلى ولاية سيناء بتسليم أنفسهم، سيتم استجواب هؤلاء الرجال على نطاق واسع، لكن لن تُوجَّه إليهم اتهامات أو يُسجنوا".
وأفاد موقع "مدى مصر"، وهو موقع مستقل، أن 23 مقاتلا في ولاية سيناء سلّموا أنفسهم بوساطة من قادة محليين في 2020، وقال إن الأجهزة الأمنية وعدت بإطلاق سراحهم بعد بضعة أشهر.
وفي 19 يوليو 2022، نشر "اتحاد قبائل سيناء"، وهو إحدى الميليشيات الرئيسية المتحالفة مع الجيش في شمال سيناء، على صفحته الرسمية على فيسبوك صورة لمنشور يبدو أنه منسوب للجيش المصري يُزعم أنه يُظهر زوجة وأطفال من يُشتَبه بانتمائهم إلى ولاية سيناء إلى جانب نص باللغة العربية يقول: "عائلاتكم تعيش حياة طبيعية، ولا ينقصهم سوى وجود رب الأسرة معهم".
ودعت النشرة أصحاب "العقول المخدوعة" إلى أخذ الورقة وتسليم أنفسهم إلى أقرب نقطة ارتكاز أمنية، ليضمنوا لهم "حياة آمنة".
وبحسب البيان "قابلت هيومن رايتس ووتش ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان العام الماضي 4 من سكان شمال سيناء قالوا إنهم، بين 2020 و2021، شهدوا ثلاثة من أقاربهم وسكان آخرين في قراهم، وهم أعضاء سابقون في ولاية سيناء، يعيشون علانية إلى جانب أسرهم في محافظة الإسماعيلية المجاورة والمناطق المجاورة.
وقال السكان الأربعة إن الأجهزة الأمنية قدمت لأولئك الأعضاء إعانات مادية شهرية وبطاقات هوية تسمح لهم بالتنقل بأمان داخل منطقة محددة سابقا".
ونقلت المنظمتان عن عنصر من الميليشيا الموالية للحكومة أن "قريبا له من عناصر ولاية سيناء، استسلم أواخر 2022 خلال عملية عسكرية في قرية المقاطعة قرب مدينة الشيخ زويد.
وقال أحد أفراد عائلة الرجل لعضو الميليشيا إنه اتصل بالعائلة في أوائل 2023 وأبلغهم أن قوات الأمن كانت تؤويه في مبنى سكني في الإسماعيلية لمدة ستة أشهر حتى يجيب على أسئلة ضباط الأمن، وبعد ذلك سوف يُطلَق سراحه لكن مع منعه من العودة إلى سيناء".
وفي قضية بارزة أخرى، في سبتمبر 2021، سلم قيادي بولاية سيناء يدعى محمد سعد، المعروف باسمه الحركي أبو حمزة القاضي، نفسه لقوات الأمن، بحسب بيان نشره "اتحاد قبائل سيناء".
وقال البيان إن الاتحاد، بالتنسيق مع الجيش وأجهزة المخابرات المصرية، وفر لم شمل آمن لسعد وزوجته وأطفاله الثلاثة. زعمت وسائل إعلام مصرية وتقارير أخرى أن سعد كان قد أفتى بارتكاب جرائم حرب.
وفي تسجيل صوتي منسوب إلى سعد بعد أشهر قليلة من استسلامه، دعا أعضاء ولاية سيناء إلى تسليم أنفسهم، قائلا إن القوات العسكرية والأمنية لا تحتجز المستسلمين.
ولم تُعلن السلطات المصرية ما إذا كانت النيابة قد حققت مع سعد أو اتهمته بأي جرائم.
وتعلق المنظمتان على هذه التقارير بأ،"قوانين الحرب الدولية تشجع على أوسع نطاق ممكن لعمليات العفو عند انتهاء النزاعات المسلحة غير الدولية، مثل النزاع في شمال سيناء، بهدف تعزيز المصالحة والسلام، لكن هذه القوانين تستثني من العفو على وجه التحديد أي شخص مشتبه به أو متهم أو مدان بارتكاب جرائم حرب أو غيرها من الجرائم الدولية الخطيرة".
وطالبت المنظمتان السلطات بالإفصاح عن المعايير المستخدمة لمنح العفو والتدابير المتخذة لضمان تقديم المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة إلى العدالة.
ويضيف البيان أنه "بينما منحت السلطات عفوا للمشتبه بهم، فإنها عمدت بشكل غير قانوني إلى احتجاز وإساءة معاملة النساء والفتيات من أقارب الذكور المشتبه بانتمائهم إلى ولاية سيناء، حسبما وثقت هيومن رايتس ووتش ومؤسسة سيناء لحقوق الإنسان في تقرير في مايو 2023"، معتبرة أن "احتجاز الأقارب كان على ما يبدو يهدف إلى الضغط على الرجال لتسليم أنفسهم".
وقال نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش آدم كوغل: "يتعين على الحكومة المصرية وضع معايير تفصيلية وشفافة وقائمة على حقوق الإنسان لأي عفو تمنحه لأعضاء ولاية سيناء السابقين. ينبغي لها أيضا تقديم خدمات إعادة التأهيل وإعادة الإدماج لمساعدة أولئك الذين يسلمون أنفسهم، والتحقيق مع مجرمي الحرب المشتبه فيهم ومحاكمتهم بموجب إجراءات تفي بالمعايير الدولية للإجراءات القانونية الواجبة".
ويعتبر المدير التنفيذي لـ"مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان"، أحمد سالم، أن "العفو عن أعضاء الجماعات المسلحة الذين يلقون أسلحتهم يجب ألا يشمل أبدا أولئك الذين ارتكبوا عمدا جرائم خطيرة، مثل استهداف المدنيين أو قتلهم عمدا".
وقال: "يتعين على السلطات المصرية وضع استراتيجية وطنية لمحاكمات ولاية سيناء، بما يضمن عدم إفلات المسؤولين المباشرين عن الجرائم الخطيرة من العقاب".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: سیناء لحقوق الإنسان هیومن رایتس ووتش فی شمال سیناء
إقرأ أيضاً:
عاصمة للثقافة المصرية.. شمال سيناء صحراء يولد فيها الضوء من بين حبات الرمال
في الركن الشرقي البعيد من خارطة الوطن، حيث تحتضن الأرض زرقة البحر وامتداد الرمال، تقف شمال سيناء كقصيدة قديمة لم تُقرأ بعد بكامل عمقها، مدينةٌ يولد فيها الضوء من بين حبات الرمل، وتتعانق فيها الذاكرة مع الحكايات البدوية، وتسكن في بيوتها رائحة التاريخ وأغاني الصحراء، وعندما أعلنت وزارة الثقافة اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026، بدا الأمر أشبه بإزاحة ستارٍ عن لوحة فنية ظلّت طويلاً تنتظر من يقدّر جمالها، لقد جاء هذا اللقب ليعيد إلى الواجهة ما تزخر به سيناء من ثراء ثقافي وفني وإنساني، ولينفض الغبار عن كنوز تراثية طالما حفظتها القبائل السيناوية في صدورها قبل متاحفها.
هذه المحافظة ليست مجرد أرضٍ حدودية؛ إنها منصّة مفتوحة للثقافة، معمل حي للتراث، ومتحف ممتد تحت السماء، تمتزج فيها أصوات الشعراء البدو، ونقوش التطريز السيناوي، وذاكرة المدن الساحلية التي شهدت أحداثًا صنعت تاريخًا لا يُمحى، وفيما يلي جولة في أشهر المواقع الثقافية، وأبرز الحرف التراثية، ومظاهر التميز الثقافي التي تجعل شمال سيناء جديرة بهذا اللقب.
المواقع الثقافية محطات مضيئة.. والحرف التراثية إبداع منسوج
يقف قصر ثقافة العريش كمنارة ثقافية وسط المدينة، ليس فقط بمبناه، وإنما بدوره الذي يتجاوز الجدران ليصل إلى كل بيت في المحافظة، القصر مساحة تجمع الأجيال، يحتضن مكتبة ثرية تعج بالكتب والدوريات، ويقدم مسرحه عروضًا فنية تعبّر عن الهوية السيناوية، من رقصات شعبية إلى أمسيات شعرية يتجلى فيها صوت البادية وحكمتها.
مركز ثقافة الطفل.. بذور الغد
من بين أهم المؤسسات الثقافية في المحافظة، يأتي مركز ثقافة الطفل بالعريش نموذجًا يُحتذى به في مدارس الإبداع، فهنا تُروى الحكايات الشعبية، وتُدرّب الأيدي الصغيرة على الحرف التراثية، ويتعلم الأطفال فنون الحكي والرسم والغناء، ليكتشفوا مبكرًا أن الثقافة ليست كتابًا يقرأونه فقط، بل حياة يعيشونها.
متحف التراث السيناوي.. خزانة الذاكرة
في صمت المتحف، تحكي المقتنيات قصصًا لا تنتهي: عباءات مطرزة، أدوات الحياة اليومية، صخورٌ منقوشة، وحُلي تحمل رموزًا موروثة من أجيال، متحف التراث البدوي أو السيناوي بالعريش يعد أحد أهم المعالم التي تصون تراث القبائل، وتوثّق نمط الحياة الذي منح سيناء فرادتها، هنا يتعرف الزائر إلى جوهر البيئة السيناوية التي شكّلت ملامح الشخصية البدوية.
البيوت البدوية التراثية.. معمار يحكي أجداده
تنتشر في العريش وبعض مدن المحافظة بيوت بدوية أُعيد ترميمها لتكون قاعات للحرف التراثية وفضاءات تعليمية لتاريخ سيناء الثقافي، فهذه البيوت ليست مجرد مبانٍ؛ إنها ذاكرة من طين، وشهادة على قدرة الإنسان السيناوي على صنع الجمال من أبسط عناصر البيئة.
التطريز السيناوي.. لغة المرأة على القماش
لا يمكن ذكر سيناء دون استحضار جمال التطريز السيناوي، تلك الزخارف الهندسية التي تحمل رسائل موروثة عبر أجيال، ألوانٌ مبهجة.. رموز لها دلالات.. وحكايات تُروى دون كلمات، تعتمد نساء سيناء في تطريزهن على خيطان حمراء وزرقاء وسوداء، تصوغها الأيدي بحرفية نادرة، لتخرج أثوابًا وحقائب وأغطية بات العالم يعترف بها كفن مستقل.
صناعة السجاد والكليم.. دفء الصحراء
على النول اليدوي، تنسج النساء السيناويات خيوط الصوف بألوان مستمدة من الطبيعة: الأصفر من الشمس، البني من الرمل، والأحمر من غروب البحر، السجاد والكليم البدوي ليسا مجرد منتج منزلي، بل هوية كاملة تتجلى فيها البيئة التي نشأت فيها هذه الحرفة، كل قطعة تحمل بصمة صانعها، فتغدو تحفة فنية تحتفظ بروح صاحبتها.
الحلي البدوية.. فضة تحمل تاريخًا
تشتهر سيناء بصناعة الحلي الفضية المزينة بالخرز، التي ترتديها النساء في المناسبات والأعراس، من أشهرها "الشنبرة" و"القلادة البدوية" و"الزمام". هذه الحلي ليست زينة فحسب، بل ترمز إلى الانتماء القبلي، وتعبر عن مكانة المرأة الاجتماعية.
الصناعات السعفية.. هدايا من النخيل
في القرى السيناوية، يمكن رؤية النساء وهن يشكلن من جريد النخيل سلالًا وأطباقًا وقبعاتٍ تحمل روح البيئة، إنها حرفة ارتبطت برحلة الصحراء، حيث يستغل السيناويون كل ما تمنحه لهم الطبيعة ليخلقوا منه جمالًا نافعًا.
الملامح الثقافية.. هوية لا يشبهها أحد
شمال سيناء ليست مجرد تراث جامد؛ إنها حياة نابضة، تتميز المحافظة بثقافة بدوية ذات جذور عميقة، يظهر أثرها في الشعر والغناء والأمثال الشعبية، ولعل الشعر النبطي من أهم سمات الهوية السيناوية، حيث يعبّر الشعراء عن الحب والوطن والحكمة بلغة صادقة وموسيقى تلامس الوجدان، كما تشتهر سيناء بالرقصات البدوية، مثل الدحية التي تتطلب تناغمًا جماعيًا يعكس روح القبيلة ووحدة أفرادها.
كذلك تُعد سيناء بوتقة تنصهر فيها ثقافات متعددة، بحكم موقعها الذي جعلها معبرًا للتجارة والحضارات، هذه الميزة انعكست على عادات سكانها وتقاليدهم وملابسهم وموسيقاهم، لتشكل لوحة ثقافية فريدة.
حتى المطبخ السيناوي يحمل طابعه الخاص؛ من الخبز المصنوع على الصاج إلى وجبات تعتمد على أعشاب الجبل، وكل طبق يحمل نكهة تاريخٍ لا يتكرر.
سيناء التي تستحق الضوء
بعد تتويجها عاصمة للثقافة المصرية 2026، تقف شمال سيناء على أعتاب مرحلة جديدة تفتح فيها أبوابها للعالم لتروي قصتها، فكل موقع فيها هو فصل من كتاب، وكل حرف تراثي هو سطر من ذاكرة، وكل أغنية بدوية هي صفحة من روحٍ لا تنطفئ، شمال سيناء ليست مجرد جغرافيا؛ إنها هوية متدفقة، وكنز تراثي، ومساحة نقية لحوار بين الماضي والحاضر.