زنقة20ا الرباط

ترأس أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، مرفوقا بصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وصاحب السمو الأمير مولاي إسماعيل، اليوم الجمعة بالقصر الملكي بالرباط، الدرس الأول من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية لسنة 1445 هـ.

وألقى الدرس بين يدي أمير المؤمنين، السيد أحمد التوفيق، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، متناولا بالدرس والتحليل موضوع “تجديد الدين في نظام إمارة المؤمنين”، انطلاقا من الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”.

واستهل المحاضر هذا الدرس بالتأكيد على أن إمامة أمير المؤمنين قد أدت وتؤدي أمانتها في جميع المجالات، وأن هذا الأداء قد أثمر في شأن الدين، بمعناه الشامل لوجوه الحياة، مواصلة لحماية اختيارات الأمة وتجديدا في بابها بما يناسب المتغيرات.

واستعرض السيد التوفيق في هذا الصدد جوانب من تلك الحماية وذلك التجديد من خلال ثلاثة محاور همت مسألة تجديد الدين كما طرحت عند المسلمين وعند غيرهم في الماضي وفي عصرنا الحاضر، وتجديد الدين في نظام إمارة المؤمنين، وآفاق هذا التجديد على مستوى الأمة، استشرافا لنموذج يكون امتدادا لمساعي أمير المؤمنين في أداء الأمانة.

وأبرز المحاضر أنه قد يكون لدعاة التجديد داخل الإسلام في العصر الحاضر بعض الأثر، ولكن دعوتهم لم تقدم للمسلمين الجواب الذي ما يزال مطلوبا، وهو كيف يصلون بالتدين إلى الحياة الطيبة كما جاء الوعد بها في القرآن.

وفي معرض حديثه عن مسألة تجديد الدين في المغرب ماضيا وحاضرا، أكد السيد التوفيق أن الله تعالى قد امتن على المغرب بالنجاة من الفتن في هذا الباب، وذلك باختيار نظام إمارة المؤمنين مند عهد الأدارسة.

وأبرز في هذا الصدد، أنه إذا كانت كل الدول التي تعاقبت على المغرب على برامج إصلاح وتجديد، فإن الدولة العلوية قد قامت على إصلاحات ميدانية، مبرزا أن من علامات ذلك تلك النصائح السلطانية التي وقع استمدادها من روح الحديث النبوي الذي بني عليه هذا الدرس، ومن ضمنها رسالة جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، التي بعثها على رأس القرن الخامس عشر الهجري، وقال فيها إن الله قد أكرم المسلمين بدين صالح لكل زمان ومكان وشريعة لا تحتاج إلى إدخال أي تغيير على مبادئها.

وأبرز السيد التوفيق عمل إمارة المؤمنين منذ أزيد من عقدين من الزمن في باب حفظ الدين الشامل للحياة وتجديده من خلال عدة قضايا منها “تأصيل لقب رئيس الدولة (أمير المؤمنين)” الذي كتب الله أن يكون المغرب هو البلد الذي حفظ فيه هذا اللقب، ومشروعية الحكم على أساس البيعة، والتزامات الحاكم التي سماها الفقه السياسي بالضرورات الشرعية أو الكليات الخمس.

ومن هذه القضايا أيضا، يضيف المحاضر، الالتزام الأول ضمن الكليات، وهو حفظ الدين باعتباره الصلة مع الله بالنسبة للمؤمن، والالتزام بحماية النفس، و”حماية العقل”، أي حماية أوفاق المعروف الجماعي ضد سلوك الفوضى، وشرط حماية المال، الذي شرحه السابقون في حدود تصور عصرهم، بأنه حماية الممتلكات وإجراء العقود والمعاملات.

وأضاف السيد التوفيق أن من عمل إمارة المؤمنين في باب حفظ الدين وتجديده، هناك حماية العرض، بما هي أي حرص المبايع على ضمان الكرامة للناس، والحريات العامة التي استلزم تعقد الحياة أن تضمنها الدولة وتنظمها، وكذا الاجتهاد الذي أخذ نظام إمارة المؤمنين في بابه بكيفية تلقائية بكل ما هو مطابق للعقل من جهة المصلحة.

وتنضاف إلى ذلك، يضيف المحاضر، قضية الأسرة التي اهتم بها نظام إمارة المؤمنين في جوانب التجديد القانوني والدعم الاجتماعي والإصلاح الحقوقي، وقضية المرأة التي تحقق في نظام إمارة المؤمنين تعادلا واستحقاقا مطردا.

كما استحضر السيد التوفيق تجديد نظام إمارة المؤمنين في كل من باب التعامل مع الأبناك من خلال إحداث معاملات بنكية تسمت بالمالية التشاركية، والمسألة الاجتماعية التي تظهر الابتلاءات أن قيم الدين قد صقلت ضمير الأمة في هذا الباب، وأن إمارة المؤمنين قدوة فيه.

واسترسل السيد التوفيق في استعراض عمل إمارة المؤمنين في باب حفظ الدين وتجديده، مشيرا في هذا الصدد إلى المسألة الثقافية من خلال رعاية التعدد الثقافي لمختلف مكونات الأمة، وحماية القيم الروحية المعبرة عن عمق التدين، وحماية الخصوصية في إطار الانتماء للأمة الإسلامية والتعامل المادي والمعنوي مع قضاياها، ورعاية نهج الوسطية في العقيدة، وحماية الأرض، وصيانة الروابط العلمية والروحية مع بلدان إفريقيا، وتعزيزها بتدابير مكملة منها إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة وبتأطير رشيد يعد الأئمة فيه بمثابة حجر الزاوية.

وتوقف السيد التوفيق في المحور الثالث من هذا الدرس عند موضوع التدين الذي يتعلق بصميم التجديد. وأكد في هذا الصدد، أن وجود تفاوت بين كمال الدين والنقص في جودة التدين، يتطلب حضور عنصر في معادلة التغيير والتجديد وهم العلماء الربانيون المتمكنون الذين يكونون نماذج للناس في التواضع ومحاسبة النفس.

وأبرز في هذا الصدد أن وعي المؤسسة العلمية بهذا التفاوت هو الذي جعلها تقبل على مشروع مجدد عنوانه “تسديد التبليغ” الذي يتعين أن تستعمل فيه مختلف الوسائل المؤثرة واستعادة العلماء لدورهم كمؤثرين، ونزولهم إلى الميدان انطلاقا من المساجد، معانين بالأئمة والمرشدين والمرشدات.

وخلص السيد التوفيق إلى أن المأمول من تسديد التبليغ أمران أولهما التخفيف من نفقات التدبير السياسي، وأما الأمر الثاني، فهو اكتساب المناعة الجماعية ضد التشويش الداخلي والخارجي باسم الدين، وضد أنواع الفتنة، ومن ثمة تملك القدرة على مواجهة التحديات التي ستظل تظهر في الأرض بما كسبت أيدي الناس.

وفي ختام هذا الدرس الأول من سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، تقدم للسلام على أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، كل من الأستاذ الشيخ شوقي علام مفتي الديار المصرية، والأستاذ الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، وسمو الأمير أمينو أدو بايرو أمير ولاية كانو، والأستاذ جمهاري معروف رئيس الجامعة الإسلامية العالمية الأندونيسية، والأستاذ محمد ماثيو نبكومبو رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية ناميبيا ورئيس مجلس القضاء الإسلامي بجمهورية ناميبيا، والأستاذ عبد الله بن ادريس ميغا، رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية النيجر، ورئيس جامعة الدار متعددة التخصصات بالجامعة الإسلامية بالنيجر.

كما تقدم للسلام على أمير المؤمنين الأستاذ الشيخ المحفوظ بن عبد الله بن بيه، أمين عام منتدى أبوظبي للسلم، والأستاذ محمود عبده الزبير رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية مالي ومكلف بمهمات بديوان رئيس الجمهورية، والأستاذ علي محمد سالم رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية كينيا، والأستاذ عبد القادر شيخ علي إبراهيم، رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية الصومال الفدرالية، والأستاذ سليم هيتيمانا عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية رواند ومفتي الدولة ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بجمهورية رواندا، والأستاذ لانغا دولاني فنسنت زيد، رئيس فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية جنوب افريقيا.

إثر ذلك، قدم وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس كتابا بعنوان “وصايا دينية من ملوك الدولة العلوية إلى الأمة المغربية”، ويتعلق الأمر بنسخ لثمان رسائل بعث بها سلاطين الدولة العلوية، من عهد سيدي محمد بن عبد الله (1171 هـ – 1204 هـ) إلى عهد أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، إلى الأمة المغربية في موضوع حفظ الدين وتجديده.

المصدر: زنقة 20

كلمات دلالية: تجدید الدین فی السید التوفیق فی هذا الصدد هذا الدرس حفظ الدین عبد الله من خلال فی باب

إقرأ أيضاً:

حكم تعويض المماطلة في سداد الدين

حكم تعويض المماطلة في سداد الدين سؤال يسأل فيه الكثير من الناس فأجاب الدكتور وليد القاسم وقال فإن الله أمر بالوفاء بالعقود، وأداء الأمانات إلى أهلها، وحذر النبي صلى الله عليه وسلم من التهاون في أداء الحقوق، أو سداد الديون، وقال من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله عنه.

ومما انتشر بين الناس التهاون في سداد الديون، سواء كانت هذه الديون ناتجة عن سلف أو قرض حسن، أو كانت هذه الديون ناتجة عن معاملات ومعاوضات من بيع وشراء بأثمان مؤجلة، أو مقسطة.

 

وقد أمرنا الله تعالى بإنظار المعسر الذي لا يستطيع السداد، وهو مقتضى الأخوة الإيمانية، فإنما المؤمنون إخوة.

 

وأما من كان ذا مقدرة ويسار وتأخر في سداد ما عليه من ديون، فإنه يسمى في اصطلاح الشرع "مماطل"، وقد أخبر الشارع أنه ظالم، وأن فعله هذا يوجب عليه العقوبة، فقال صلى الله عليه وسلم: "مطل الغني ظلم، يحل عرضه وعقوبته"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لي الواجد يحل عرضه وعقوبته".

 

ومن هنا فقد اختلف الفقهاء في مدى إلزام المماطل بتعويض مناسب يعطى للدائن نظير ما لحقه من ضرر، وهذا الضرر يتمثل فيما لحقه من خسارة حقيقية نتيجة مماطلة هذا المدين، أو ما فاته من كسب نتيجة حبس المال وعدم السداد.

 

وقد اختلف الباحثون والفقهاء المحْدَثون في هذه المسألة، إلى ثلاثة أقوال:

 

القول الأول: أنه لا يجوز فرض تعويض على المدين المماطل نتيجة مطله؛ لأن ذلك سيكون ذريعة إلى الربا، وهذا ما كان شائعًا في ربا الجاهلية، حينما ينقضي الأجل، ويحل وقت السداد، يقول الدائن لمدينه: "إما أن تقضي وإما أن تربي"، وهذا الربا حرام بالكتاب والسنة والإجماع، وهو الذي توعد الله فاعله بالحرب والمحق.

 

وقالوا أيضًا: إن الله أمرنا بإنظار المعسر، وإثبات المطل ويسار المدين مما لا يمكن التحقق منه، فيكون ذلك متعذرًا من الناحية العملية، فإذا أثبتنا المطل بالظن والشك نكون قد دخلنا في الربا المحرم.

 

القول الثاني: ذهب بعض الباحثين والفقهاء المعاصرين إلى جواز فرض تعويض على المدين المماطل يتمثل في تعويض ما لحق الدائن من خسارة، وما فاته من كسب، وهو الذي يتفق مع قواعد الضمان، ورفع الضرر، ولأنه تسبب في إلحاق الضرر بالدائن، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه ظالمًا، وهذ الظلم يحل عرضه وعقوبته، فيكون فرض تعويض عليه هو المتوافق مع العدالة، ورفع الضرر؛ إذ لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

 

القول الثالث: ذهب بعض الفقهاء والباحثين إلى جواز فرض تعويض على المدين المماطل يتمثل في تعويض ما لحق الدائن من خسارة حقيقية فقط، ولكن لا يُعوض ما فاته من كسب، واستدلوا بأدلة القول الثاني.

 

ولكنهم لا يرون التعويض عن الكسب الفائت، لأنه غير متحقق الوقوع، وقد لا يحصل الكسب والربح، وقد يخسر التاجر، فيكون التعويض عن الكسب الفائت تعويضًا عن شيء متوهم، وغير متحقق الوقوع.

 

ويرى العبد الفقير في هذه المسألة: أنه يُفرَّق بين سبب الدين: فإن كان الدين ناتجًا عن قرض حسن، فإنه لا يفرض تعويض على المماطل في هذه الحالة؛ لأن الدائن أقرضه لوجه الله تعالى، وإخلاصًا ومحبة لله، فلا يأخذ عوضًا عن تأخر المدين، ويحتسب الأجر والثواب من الله تعالى.

 

وإن كان الدين ناتجًا عن عقد معاوضة، فيُفرض تعويض عادل على المماطل يتمثل فيما لحق الدائن من خسارة حقيقية، ويدخل في الخسارة الحقيقية: مصاريف الشكاية، وأتعاب المحاماة، وما يدخل ضمن هذا.

 

كما يشمل التعويض ما فات الدائن من كسب حقيقي محقق الوقوع، فإن الكسب الفائت يُلحق بالخسارة الحقيقية في عالم الاقتصاد اليوم.

 

وهذا في المدين الموسر القادر على السداد، وهو الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم "ظالمًا"، وأحل عقوبته، وهذا من العدالة، ورفع الضرر، وزجر المماطلين، وآكلي أموال الناس بالباطل.

مقالات مشابهة

  • لبحث الاستعدادات لامتحانات نهاية الفصل الدراسي الأول.. الدكتور محمد حسين يترأس اجتماع المجلس الأكاديمي لجامعة طنطا الأهلية
  • حرس الحدود يستعرض نظام «زالي» في «واحة الأمن» بمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل العاشر
  • إمارة منطقة تبوك تشارك ضمن معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن) في مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل بالصياهد
  • شوبير يكشف تطورات تجديد عقد حسين الشحات مع الأهلي
  • الفنون الشعبية تزيّن مشاركة إمارة الباحة في مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل
  • الأنبا توماس يترأس عيد تدشين كنيسة الملاك ميخائيل بمدينة السادس من أكتوبر
  • وضع حجر أساس مسجد نادي قضاة جنوب سيناء بالتجمع السادس
  • حكم تعويض المماطلة في سداد الدين
  • حكم الدين في عدم الإنجاب.. أزهري: الشخص الذي يرفض النعمة عليه الذهاب لطبيب نفسي
  • الأميرة للا أسماء تترأس حفل افتتاح المؤتمر الإفريقي الأول لزراعة قوقعة الأذن للأطفال