إيقاف وإنهاء الحرب ولكن كيف؟ (2-4)
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
د. شمس الدين خيال
المانيا، في 18.03.2024
1- في الجزء الأول من هذه الورقة تم تسليط الضوء علي ما استخلصته أبحاث السلام والصراع (Peace and Conflict Research) من سيناريوهات أساسية لإيقاف وانهاء الصراعات، وعلي ما يرتبط باليات ايقاف القتال مثل الهدنة والتجميد للحرب من اشكاليات. وتم تقديم بعض الامثلة لمجري الصراعات في الماضي وفي الحاضر، بما فيهم الصراع المسلح الجاري الآن في السودان بين "الجيشين الرسميين".
1- الدبلوماسية السياسية
2- ضغوطات الانهيار الاقتصادي، أو، والانفجارات الشعبية السياسية العريضة والقوية
3- الانتصار العسكري لإحدى الفريقين المتحاربين على الآخر
التي تبلورت عبر الصراعات المسلحة في تاريخ البشرية، محور الجزء الأول.
مقدمة
هذه الحرب الجارية في السودان تعتبر حربا غير كلاسيكية، بمعني أنها ليست حرب بين دولتين، أو بين سلطة مركزية ومجموعة سياسية مسلحة لها اهدف سياسية واجتماعية وحاضنة سياسية في المجتمع المدني. كما هو معلوم، حرب السودان القائمة هي حرب بين المنظومة الدفاعية والامنية بقيادة الجيش السوداني التقليدي وبين جيش قوات الدعم السريع. وتم تكوين قوات الدعم السريع من ميليشيات قبلية أثنية، والتي سميت ب"الجنجويد"، بموجب قانون دولة خاص بها، في ظل نظام دكتاتوري شمولي بايدلوجية ترتكز علي "الهوية الدينية الاسلامية والثقافية العربية الجماعية". طبقا للوضع القانوني القومي لقوات الدعم السريع، لا تفرق جميع الجهات الإقليمية والدولية ومجلس الأمن، والاتحاد الأفريقي، والايغاد والدول المجاورة بينها وبين الجيش. لذلك تتحدث هذه الجهات الفاعلة في مبادرات مشتركة لإيقاف وأنهاء الحرب عن "طرفي الصراع".
* تبعاً لطبيعة الحرب هذه، لا يمكن أن تكلل أي عملية دبلوماسية لإيقاف ولأنهاء الحرب في السودان بالنجاح، من غير فهم حقيقي لطبيعة الجيشين الرسميين المتحاربين وللداعمين لهم في الداخل، ولأسباب حدوث واستمرار الحرب الي الآن. ويتم علي أساس هذا الفهم تنفيذ رؤية بخارطة طريق واضحة وواقعية متفق عليها بين قوي الثورة والتغيير الديموقراطي - وكل القوي المدنية المؤمنة بالانتقال السياسي الديمقراطي وتأسيس دولة سودانية ترتكز علي مبادئ المواطنة والقيم الإنسانية الكونية المتمثلة في الحرية والعدل والمساوة، وبناء جيش وطني واحد ذو عقيدة مهنية يخضع لسلطة مدنية، ليس له أي دور سياسي واقتصادي مدني.
1. طبيعة المنظومة الدفاعية والامنية والقناعات السياسية والاقتصادية للقيادات العليا
لفهم جزور الحرب القائمة، والتي تمثل استمرار للحروب الاهلية منذ الاستقلال، وتعتبر بذلك فقط "قمة جبل الثلج"، يجب معرفة أسباب تكوين هذا "الجبل الثلجي" – أي جزور استمرارية الحروب الاهلية المرتبطة ب"عسكرة" الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدولة السودانية الحديثة (كما كان سائدا في أوربا من بداية القرن الثامن عشر الي قيام الحرب العالمية الاولي). حيث تقلب منذ الاستقلال السياسي في عام 1956، نظام الحكم ثمانية مرات من نظام مدني ديمقراطي الي نظام عسكري دكتاتوري شمولي. وجرت في هذه الفترة أربعة انقلابات عسكرية ناجحة، سميت ثلاثة منهم نفسها "ثورة" وسمي كل قائد لها نفسه "قائد ثورة" و"قائد وطني". بموجب هذه الانقلابات حكمت الانظمة العسكرية الدكتاتورية البلاد لمدة 55 عاما من عمر الدولة السودانية البالغ 68 عاما، وبلورت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب السوداني.
بعد ثلاثين عامًا من حكم نظام عسكري دكتاتوري شمولي عقائدي إسلاموي، كرس كل جهده لتسخير اقتصاد وثروات البلاد الطبيعية والبشرية لبسط سلطته السياسية والاقتصادية، وبعد أكثر من خمسة أعوام من سقوطه في 19 ديسمبر 2018، لازالت المنظومة الدفاعية والأمنية، بقيادة القيادات العليا للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، التي أدلجها وهيئها النظام الساقط لخدمة تمكينه السياسي، وبنفس الهياكل والقيادات تتحكم في مصير ما تبقي من الدولة السودانية، بعد انفصال الجنوب في يونيو 2011. وتتم ممارسة هذه السلطة المطلقة، ليس بتكليف شرعي، بل بقوة السلاح والهياكل الأمنية والمادية والتنظيمية السياسية الموروثة من النظام الساقط. وحتي خلال الحرب القائمة تتحكم المنظومة الدفاعية والأمنية، سواء أن كانت قيادات الجيش أو الدعم السريع، على مفاتيح السلطة السياسية والاقتصادية، وتعمل علي تعزيزها بخلق تحالفات سياسية وعسكرية مع مكونات سياسية مسلحة، أو مدنية جهوية واثنية وعشائرية، معظمها مرتبط بالنظام الساقط. ورغم أن المنظومة الدفاعية والامنية تمثل الاساس والمسبب للازمات المتعددة، التي تعيشها البلاد منذ الاستقلال، يظهر قادتها للشعب السوداني وللعالم الخارجي، علي انهم الجهة الوحيدة التي في استطاعتها الحفاظ على أمن ووحدة البلاد، وتحقيق الانتقال السياسي والاقتصادي، والسلام مع المجموعات السياسية المسلحة، التي حاربت النظام الساقط لعشرات السنين.
وبعد انقلاب 25 اكتوبر 2021 اتضح جليا ما راح له بعض المراقبين أن "انقلاب" قادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع علي نظام البشير، لم يكن بدافع الانحياز للجماهير ولثورة ديسمبر، بل، وبعد أن وضحت حتمية سقوطه، مدفوع بالقناعات السياسية لدي القيادات العليا في القوات المسلحة، والمتمثلة في: أنهم الوريث الشرعي والطبيعي للنظام السابق، ومن واجبهم وأحقيتهم الوصاية على الدولة والشعب السوداني. في ذلك المضمار قال البرهان بحضور نائبه السابق في مجلس السيادة، وقائد قوات الدعم السريع في خطابه بمناسبة تخريج دفعة من "عسكر العمليات الخاصة" بمنطقة فتاشه العسكرية: "نحن أوصياء علي البلد دي". ومن أجل الحشد والتعبأة السياسية للحفاظ علي السلطة "الموروثة"، وضد السياسيين المدنيين الذين "يخططون" الي إنهاء هذا الوضع، يستغل القائد العام للقوات المسلحة ايضاً الحرب الجارية بينه وبين حليفه في الامس. حيث يصنف القوي المدنية الرافض للحرب، والمتمثلة في قوي الحرية والتغيير (قحت) وفي تنسيقة القوي الديموقراطية المدنية (تقدم) كحليف لقوات الدعم السريع في الحرب القائمة، ومسببا لها.
وكما معلوم، فإن مصدر دعاية تصنيف قوي الثورة والتغيير الديموقراطي كحاضنة سياسية لقادة قوات الدعم السريع، هو "معامل" الدعاية السياسية للقوى المعادية للانتقال السياسي الديموقراطي، والمتمثلة في فلول النظام الساقط داخل وخارج المنظومة الدفاعية والأمنية. وجاء ضمن حملة الدعاية لهذا التصنيف وصم قيادات الكيانات المنضوية تحت تحالف قحت بالخيانة الوطنية، والخروج عن الدين، وبذلك وجوب محاربتهم بموجب الشرع. في ذلك وضح أن الهدف الأساسي لهذا التصنيف والعداء لقوي التغيير الديموقراطي، هو تبرير الحرب على قوي الثورة المنظمة في الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية وفي لجان المقاومة، من اجل وئد ثورة ديسمبر والرجوع العلني للسلطة واحكام الهيمنة علي ثروات البلاد! في هذا المضمار صرح نائب القائد العام للجيش، الفريق أول ياسر العطا في 16 مارس في قاعدة عسكرية في أمدرمان، عند مخاطبته لقادة "تنسيقية القوى الوطنية"، التي تضم مجموعات سياسية وحركات سياسية مسلحة، كان لها موقف مؤيد لانقلاب العسكري في 25 اكتوبر 2021، برئاسة مالك عقار، وتهدف الي دعم الجيش في الحرب الجارية عبر ما تسمي "المقاومة الشعبية"، بإن "الجيش لن يسلم السلطة إلى قوى سياسية مدنية دون انتخابات، أما فترة الانتقال فإن رأس الدولة فيها سيكون قائد القوات المسلحة".
1.1 منابع وخلفيات القناعات السياسية والاقتصادية للمنظومة الدفاعية والامنية
إرتباطاً بتجذر القناعات السياسية والاقتصادية للمنظومة الدفاعية والأمنية اكدت القيادات العسكرية والأمنية الحالية في ممارساتها الأمنية أو سلوكها السياسي، سواء ان كان تجاه المواطنين المشاركين في المواكب السلمية، أو تجاه الصحفيين والمبدعين والناقدين لها، أو تجاه شركائها المدنيين في قيادة الفترة الانتقالية، فقدها لأي قناعات بمبادئ حقوق الإنسان في حرية الرأي والتظاهر والتجمع، وبذلك بالديموقراطية كنظام حكم مدني. ويرجع فقد هذه القناعات، خصوصًا داخل القوات المسلحة، الي الادلجة السياسية التي مارستها الأحزاب العقائدية بين القيادات العليا في القوات المسلحة منذ نيل الاستقلال السياسي، والي هياكلها الإدارية، والي نشاطها الاقتصادي المتزايد وما يرتبط به من امتيازات مادية وخدمية، والي العلاقات والانتماءات المحورية الإقليمية والعالمية التي نمت وتثبتت خلال حكمها للبلاد. ولعب دورا اساسيا في بلورة هذه القناعات السياسية والاقتصادية: تنظيم الأخوان المسلمون ثم الجبهة الإسلامية، ونظام الإنقاذ بعد الاستيلاء علي السلطة في 30 يونيو 1989 ثم سلطة حزب المؤتمر الوطني بموجب مشروع "الدولة الاسلامية" على أساس "أسلمة" مؤسسات الدولة الدفاعية والامنية والمدنية.
ومن أهم مفاهيم الادلجة الإسلاموية للقوات المسلحة ولباقي المنظومة الأمنية مثلت – سياسة اعتماد عقيدة "الجهاد الاسلامي" و"الدفاع عن الإسلام" وعن "دولة الإسلام" ...الخ، كعقيدة عسكرية، بدلًا عن العقيدة الوطنية، وخوض الحروب ضد مواطنين الدولة علي اساسها، سواء ان كان في جنوب السودان أو دارفور وجبال النوبة، أو ضد السياسيين المدنيين المعارضين. "لأسلمة" المنظومة الدفاعية والأمنية أتبع نظام الإنقاذ سياسة توظيف الكوادر الإسلاموية وأتباعهم والمقربين منهم، خصوصاً في الرتب العليا، ومنح الحوافز المالية بسخاء وغيرها من الخدمات المالية والصحية والاجتماعية. ولتأمين واستدامة هذه الامتيازات توسع النظام الساقط في بناء المؤسسات الإنتاجية والتجارية والخدمية المدنية التابعة للمنظومة الدفاعية والأمنية. وقادت كل هذه الامتيازات الي نشؤ "مصلحة فئوية" لمنتسبي المنظومة الدفاعية والامنية، ينعكس في التوجهات والمواقف السياسية وفي الوضع والسلوك الاجتماعي، ايضاً للرتب الصغيرة.
1.2 أهداف سياسة المنظومة الدفاعية والأمنية
ارتباطًا بخلفية قناعات قادة المنظومة الدفاعية والأمنية وتوسع دور مؤسساتهم في سياسة واقتصاد البلاد، ووضع محتسبيها المادي والاجتماعي المتميز -خصوصاً في الرتب العليا، ومقارنةً بقطاعات الشعب الأخرى-، تهدف السياسة الداخلية والخارجية لقادتها، علي التصدي لإي سياسة أو مجموعة سياسية تهدف الي تغيير الهياكل الاقتصادية والادارية لمؤسساتها. تحديداً تحارب القيادات العليا في الجيش وفي المؤسسات الأمنية أي برنامج سياسي يهدف الي هيكلة المؤسسات الامنية، وإيلاء الشركات التجارية والصناعية المدنية التابعة لها لملكية الدولة ووضعها تحت ادارة ومراقبة مدنية. في هذا الصدد جاء الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021، لمنع تولي المكون المدني لرئاسة مجلس السيادة، حسب ما نصت عليه الوثيقة الدستورية، وتوقيف عمل لجنة تفكيك هياكل التمكين السياسي والاقتصادي التابعة للنظام الساقط وإرجاع الأموال المنهوبة الي خزينة الدولة. وقبل والانقلاب لم يظهر قادة المنظومة الدفاعية والأمنية جدية لإظهار الحقائق في مجزرة فض اعتصام القيادة، او في حوادث قتل المتظاهرين بعد الانقلاب. وينطبق هذا السلوك من قبل المسؤولين في المنظومة الدفاعية والامنية والعدلية طيلة الفترة الانتقالية وبعد انقلاب 25 اكتوبر علي ملف تسليم مطلوبي المحكمة الجنائية الدولية، الي أن تم اطلاق سراحهم عشية اندلاع الحرب الجارية.
اما خارجياً، فيبذل قادة الجيش منذ سقوط نظام الإنقاذ، خصوصاً في ظل الحرب القائمة، كل جهدهم للحفاظ علي التحالفات والعلاقات العسكرية التي بنها نظام الإنقاذ خلال عزلته العالمية، مع روسيا والصين وتركيا ومصر. وترتبط العلاقات مع هذه الدول بمصالح عسكرية واقتصادية متبادلة. حيث ينطلق قادة الجيش من تطابق للمصلحة، مع هذه الدول، في استمرارية دورهم السياسي والاقتصادي في السودان. وقبل اندلاع الحرب في الخرطوم كانت العلاقات العسكرية مع روسيا هي القناة الاساسية للحصول على السلاح والتدريب العسكري. ويمثل لها مشروع القاعدة البحرية الروسية علي ساحل البحر الأحمر ورقة ضغط مهمة علي الإدارة الأمريكية من أجل الوصول إلى تغير في سياستها الداعمة للتغيير السياسي الديمقراطي والمناهض لأي دور السياسي والاقتصادي لها في مستقبل السودان.
وبسبب ضغوطات المؤسسات الاممية والاتحاد الافريقي والاوربي والولايات المتحدة علي دول الإقليم والدول التي تربطها علاقات ومصالح عسكرية واقتصادية مع الفرقين المتحاربين بهدف الامتناع عن تقديم أي دعم عسكري لهم، كثفت حكومة الأمر الواقع مجهوداتها الدبلوماسية لإعادة العلاقات مع جمهورية ايران الاسلامية، بعد قطيعة دامت لأكثر من 8 اعوام. وتشير تقارير اعلامية خارجية وداخلية الي ارتباط هذا الحدث باستخدام مكثف لطائرات بدون طيار في المعارك الأخيرة من قبل الجيش. وتطمح ايران في تعزيز نفوزها في البحر الأحمر، بخلق تحالف جديد مع حكومة الأمر الواقع، بجانب تحالفها مع جماعة الحوثي في اليمن.
1.3 الاستقطاب السياسي في سياسة المنظومة الدفاعية والأمنية
منذ سقوط نظام الإنقاذ تستخدم المنظومة الدفاعية والأمنية هيمنتها علي إدارة الدولة سياسياً واقتصادياً في سياسية الاستقطاب التي تمارسها بين المجموعات المسلحة المنضوية تحت "اتفاقية سلام جوبا" من اجل تامين "حقها" في وراثة السلطة السياسية من النظام الساقط. وتشمل سياسة الاستقطاب زعماء العشائر والطرق الصوفية، والأحزاب السياسية التي كانت متوافقة ومتعاونة مع نظام الانقاذ، وشخصيات من التنظيمات والأحزاب السياسية الإسلامية، والرأسمالية المرتبطة أيضًا بالنظام السابق من أجل خلق مكون سياسي مدني موازي "لقوى الحرية والتغيير، المجلس المركزي"، و"تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية" (تقدم)، والتي تكونت بعد اندلاع الحرب. وبعد توقيع تقدم مع قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، في الثاني من يناير هذا العام على وثيقة تفاهم، عرفت بإعلان أديس أبابا، تستهدف ايقاف وإنهاء الحرب، جاء رد الفعل لذلك الحدث من مجموعات سياسية وحركات سياسية مسلحة، كان لها موقف مؤيد لانقلاب العسكري في 25 اكتوبر 2021 بتكوين ما يسمي "تنسيقية القوى الوطنية"، برئاسة مالك عقار، تهدف الي دعم الجيش في الحرب الجارية عبر "المقاومة الشعبية". وحسب خبر نشر في جريدة الراكوبة الالكترونية في 13.03.2024، "..اعلنت أنها ستوقع ميثاق سياسي مع الجيش السوداني". وتعيد ظواهر الانشقاق بين القوي السياسية المدنية في ظل الحرب القائمة إلى الأذهان تشكيل "الكتلة الديمقراطية"، التي انشقت قبل انقلاب 25 اكتوبر عن قوى الحرية والتغيير، والتي انحازت حينها الي سلطة الانقلاب العسكري.
وقبل اندلاع الحرب الجارية بأيام قليلة، اعلنت القوى المعادية للانتقال السياسي المدني الديموقراطي بقيادة فلول النظام الساقط، "جهازيتها" بقوة السلاح لمنع تحقيق "الاتفاق الإطاري" الذي تم التوصل إليه بين قادة الجيش وقائد قوات الدعم السريع وقوي الحرية والتغيير. وفي أول يوم للحرب اعلنت هذه القوي مناصرتها ومساندتها للجيش. وتقدمت قوات الجيش علي جبهة القتال في الخرطوم الكتائب الإسلاموية المسلحة مثل "كتيبة البراء"، التي تضم المئات من مقاتلي الدفاع الشعبي (سابقا)، ويقوم ما تبقي من التنظيم الأمني لحزب المؤتمر الوطني، تحت شعارات الجهاد الاسلامي بتنظيم حملات تجنيد للشباب في ما تسمي "المقاومة الشعبية"، لإرسالهم الي الصفوف الامامية في جبهات الحرب. بينما ايضاً الي صفوف الجيش، عدد من كوادر "غاضبون بلا حدود"، الذين كان لهم تواجد بشكل قوي في الصفوف الأمامية للاحتجاجات الشعبية ضد نظام البشير، ولاحقا ضد الانقلاب العسكري في 25 اكتوبر 2021، وعرفت بتصديها لقوات الأمن والشرطة في خطوط التظاهر الأمامية.
وتعج وسائل التواصل الإجتماعي بأدلة كافية على التعاون والتداخل بين تلك المجموعات السياسية الداعمة للحرب وبين قيادات القوات المسلحة. وبعد خروج البرهان من الخرطوم، تقدم بالشكر الي الذين "وقفوا" مع الجيش، حسب تصريحه! وتجاه قرار مجلس الأمن في مطالبته للفرقين المتحاربين بإيقاف الحرب في شهر رمضان، أعلن أمين عام "الحركة الإسلامية" في السودان علي أحمد كرتي، رفضه القاطع لهذا القرار ولأي هدنة للقتال. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت علي أحمد كرتي المطلوب للعدالة في السودان في قائمة الأشخاص والكيانات التي تعوق مسيرة الحل السلمي في السودان، ما يعني وجود ادلة كافية وقناعة دولية بشأن تورط الإسلاميين في الحرب التي قتلت أكثر من 9 آلاف شخص مدني، وشردت ما يزيد عن 7.4 مليون مواطنة ومواطن سوداني.
2. طبيعة قوات الدعم السريع وجزور القناعات والطموحات السياسية والاقتصادية لقادتها
الخلفية السياسية لنشؤ ولتطور الدور العسكري الأمني لقوات الدعم السريع تمثل الاساس لنشؤ ولتعميق طموحات قادتها في لعب دور سياسي واقتصادي، كبقية مؤسسات وقادة المنظومة الدفاعية والامنية. وتم تكوين قوات الدعم السريع في عام 2013 كحرس حدود مع ليبيا ومصر، بقرار رئيس النظام عمر البشير. وقبل تكوينها كمؤسسة أمنية لحراسة الحدود، نشأت قوات الدعم السريع كميلشيات قبلية اثنيه تحت مسمى "الجنجويد"، تحت مظلة "جهاز الامن والمخابرات" وتحت ائتمار رئيس الدولة، عمر البشير، كوحدة قتالية لدعم القوات المسلحة في حربها ضد الحركات السياسية المسلحة في دارفور وفي جبال النوبة والنيل الأزرق. تابعاً لمصادر داخلية وخارجية، لعبت هذه القوات في دورها العسكري في الحرب في دارفور دورًا أساسيًا في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي جري ضد المجموعات الاثنية الداعمة للحركات السياسية المسلحة. ومع الوقت شرع البشير في تطوير قوات الدعم السريع كثقل معاكس للقوات المسلحة، ووضعها تحت قيادته الشخصية المباشرة. وهدف بذلك قفل الطريق أمام أي محاولات انقلابية ضده من داخل القوات المسلحة، وذلك لأن البشير كعسكري -وصل الي السلطة عبر انقلاب عسكري- يعرف ويخشي القناعات والطموحات السياسية الشخصية السائدة بين القيادات العليا في الجيش، خصوصا في ظرف تواجد ولاءات وتوجهات اسلاموية معارضة لخطه السياسي.
وفي عام 2015 أضيفت إلى مهامها مهمة الحد من الهجرة الغير الشرعية الي أوروبا عبر الحدود السودانية. وفي اتجاه المجتمع الدولي، وخصوصاً للدول الأوربية تقدم قيادة الدعم السريع، كجزء شرعي من المنظومة الأمنية، نفسها كقوي حليفة وقادرة للحد من "تجارة البشر" المرتبطة بالهجرة الغير شرعية، وتوقيف تدفقات اللاجئين الى أوربا عبر الأراضي السودانية. إرتباطاً بهذا الدور، كان قد أعلن قائدها حمدتي، في عدة مناسبات، آن قواته تحارب توقف المهاجرين عبر الحدود، وزعما انه يتحصل مقابل ذلك دعم مالي من أوربا! لكن نفيت سلطات الاتحاد الاوروبي في بروكسل هذه المزاعم! وتوسعت دائرة نشاطها العسكري الي خارج الحدود السودانية بمشاركتها في الصفوف الأولي في الحرب الأهلية في اليمن. وفتحت لها هذه المشاركة نوافذ للتعاون العسكري والاقتصادي، وبناء علاقات سياسية إقليمية وعالمية. وكسبت مالًا عبر إرسال آلاف من الجنود كمرتزقة في حرب اليمن وفي ليبيا! الأمر الذي رفع من مقدراتها المالية والعسكرية، واكسبها بذلك استقلالية متزايدة عن منظومة الدولة الأمنية وعن أجهزة الدولة الأخرى.
بدافع تقليل هذه الاستقلالية وتحجيم قواها العسكرية والاقتصادية، ووضع حداً للتجاوزات الأمنية لمحتسبيها في مناطق تواجدها، وارتباطا بتزايد الضغط العالمي علي نظام الإنقاذ المتمثل في قرارات محكمة الجنايات الدولية في طلب مثول رأس الدولة الجنرال عمر البشير وبعض رموز نظام حزب المؤتمر الوطني، اصدر برلمان النظام الساقط في يناير 2017 قانون يلزم تبعيتها للقوات المسلحة، وائتمارها بأمر قائد القوات المسلحة. ولم يلاقي هذا القانون قبول من قيادة قوات الدعم السريع، التي تمددت وبنيت سياساتها التجنيدية والتحفيزية والتحالفية وهياكلها السياسية والاقتصادية على الوضع المستقل لتنظيمها ولعملها. وبعد حوالي أقل من شهرين من "مجزرة فض اعتصام القيادة العامة" في 3 يونيو 2019، أقر الجنرال عبد الفتاح البرهان في 30 يوليو2019 إلغاء المادة 15 من "قانون قوات الدعم السريع"، التي تحدد تبعيتها للقوات المسلحة. وتم ذلك الإجراء من غير تسمية أسباب عسكرية أو سياسية تعلل ذلك. وبرهن قيام الانقلاب العسكري في 25 اكتوبر 2021 ودور قوات الدعم السريع فيه، ما راح له بعض المراقبون، في أن هذا الاجراء تم تلبية لرغبة قائد الدعم السريع في ارجاع الوضع المستقل لقواته، واراد قائد الجيش به كسب ولاء ودعم قائد الدعم السريع لتطلعاته في حكم البلاد.
طبقا لهذا الوضع القانوني لقوات الدعم السريع لذلك تتحدث اليوم الجهات الفاعلة في مبادرات مشتركة لإيقاف وأنهاء الحرب عن "طرفي الصراع". وقبل قيام الحرب كان قائد الفريق أول محمد حمدان دقلو يقوم بطرقية رسمية برحلات دبلوماسية في الخارج، اخرها وابرزها رحلته بصحبة وزير مالية حكومة الأمر الواقع، جبريل ابراهيم الي روسيا، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بأيام قليلة. وبموجب مبادئ القانون الدولي الإنساني وفق معاهدات جنيف وقعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع قوات الدعم السريع في منتصف ديسمبر في العام الماضي، مذكرة شراكة، بحضور قائدها و نائب رئيس مجلس السيادة.
وفي ظل الحرب القائمة تتعامل المؤسسات الاممية والاقليمية، والمجتمع الدولي عامة مع الدعم السريع كمؤسسة سودانية قومية، اسوة بالجيش. كذلك فتحت لها المشاركة والتعاون العسكري والاقتصادي، وبناء علاقات سياسية إقليمية وعالمية، كسب المال عبر إرسال آلاف من الجنود كمرتزقة في حرب اليمن وفي ليبيا امكانيات كبيرة لرفع مقدراتها العسكرية، والتي خلقت الفرق في الحرب الجارية، بينها وبين الجيش. وتشير تقارير اعلامية خارجية وداخلية الي استمرار التعاون العسكري بينها وبين الجيش الوطني الليبي والإمارات العربية المتحدة، ومجموعة فاغنر الروسية. واتهم الفريق ياسر العطا في تصريح له دولة الإمارات العربية بأرسل إمدادات عسكرية لها عبر أوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد، وشمل الاتهام ايضاً دولة جنوب السودان واثيوبية. ومن المعلوم، ان "الجبهة الثالثة (تمازج)" و"قوات درع السودان" كانت قد انخرطت مبكرا في الحرب الي جانب قوات الدعم السريع.
2.1 منابع وخلفيات القناعات السياسية والاقتصادية لقوات الدعم السريع
كما تم إيضاحه اعلاه، فإن، وبعكس مؤسسة "قوات الشعب المسلحة" التي تأسست ونشئت علي هدف حماية أرض الوطن وعلي مبادئ مهنية، تكونت قوات الدعم السريع كميلشيات من قبل نظام المؤتمر الوطني من اجل دعم ومساندة الجيش في حربه ضد المجموعات المعارضة والمسلحة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. وتم علي ارضية النزاعات القائمة بين المجموعات الاثنية في دارفور على الأرض والمراعي، استقطاب مجموعات قبيلة اثنية بعينها علي نهج "سياسة الهوية القبلية الاثنية الجماعية". وتم هذا الاستقطاب تحت استقلالية إدارية عن المنظومة الدفاعية والأمنية، وبموجب تقديم امتيازات مادية وتمليك للأراضي وتوزيع عريض للسلاح. وتمددت هذه الامتيازات مع الوقت لتشمل امتيازات في التعدين، وفي تجارة الحدود مع الدول المجاورة، وفي التجارة الخارجية والداخلية. ومع الوقت امتدا عمل مؤسسة الدعم السريع، مثلها مثل القوات المسلحة، الي قطاع استخراج وتجارة الذهب.
حيث تملك قوات الدعم السريع عبر شركة الجنيد و GSK أثنين من أكبر الشركات القابضة في السودان. ويغطي عمل الشركات التابعة لها المجالات الآتية: استخراج وبيع الذهب، ومجال البناء والتشييد، مجال التقنيات الإلكترونية المختلفة (IT Sector)، مجال تجارة المحاصيل، مجال السياحة والفنادق. وحسب بحث مشترك قامت به The New Zurich Times واخرين، عملت شركة أمنية خاصة تتبع لقوات الدعم السريع، حتي بعد اندلاع الحرب في الخرطوم، بحراسة مباني سفارات أوربية، مثل السفارة الألمانية والسويسرية والسويدية والنرويجية، ومنظمات تنموية وإغاثية أوروبية، بما فيهم German Society for International Cooperation (GIZ). وتقوم هذه الشركات المختلفة بتنفيذ مشاريع وأعمال لبعضها، أو لشركات وأفراد آخرين، (وقد أكد تسريب في نهاية العام الماضي من بنك السودان المركزي هذه المعلومات). واعتمد مجلس الاتحاد الأوروبي في قائمة الحظر الاقتصادي ثلاث شركات تنشط في شراء معدات عسكرية لقوات الدعم السريع وهي شركة (الجنيد المتعددة للأنشطة المحدودة، وتراديف للتجارة العامة، وجي أس كيه أدفانس كومباني ليمتد. وادرجت وزارة الخزانة الأمريكية والحكومة البريطانية شركتين مرتبطتين ايضاً بقوات الدعم السريع إحداهما تعمل في تعدين الذهب، في قائمة الحظر والمقاطعة الاقتصادية.
ارتباطا بتلك الخلفيات لنشؤ ولتطور قوات الدعم السريع كقوي عسكرية وسياسية واقتصادية، تكونت عند قادتها قناعات بانها تملك الحق والإمكانيات لتكون لاعبا مهما في الحياة السياسية والاقتصادية في سودان ما بعد سقوط نظام حزب المؤتمر الوطني. لتحقيق هذه القناعات والطموحات السياسية والاقتصادية يلعب هدف الحفاظ علي "الوضع المستقل"، الذي اكتسبته بموجب طبيعتها كميليشيا قبلية اثنية والأدوار التي كانت تقوم بها تحت نظام الانقاذ دوراً اساسياً في الموقف السياسي لقياداتها، قبل وبعد الحرب. حيث يعني دمجها تحت قيادة موحدة للقوات المسلحة السودانية: فقدانها لقاعدة سلطتها السياسية والاقتصادية. وتتمثل الاساسيات السياسية والاقتصادية، التي تريد قيادة قوات الدعم السريع الحفاظ عليها: الحق في استقلالية كاملة لإدارتها، واختيار منسوبيها وطريقة عملها الميداني وتحالفاتها وعملها خارج الحدود السودانية، واقتناء السلاح والتعاون العسكري الخارجي، والحق في النشاط الاقتصادي خصوصاً في مجال التعدين، والحق في إنشاء مؤسسات اقتصادية خاصة بها، والحق في الميزانية المنفصلة عن وزارة الدفاع. وتمثل كل هذه الاساسيات الادارية والسياسية والاقتصادية والمالية القواعد الاساسية لجاذبية هيكل مرتبات قوات الدعم السريع علي مستوي الرتب المتوسطة والدنيا، -بالمقارنةً بهيكل رواتب الجيش-، وبذلك مقدرتها علي جذب الشباب، ومستخدمين في الجيش وفي مؤسسات المنظومة الأمنية للعمل في صفوفها.
الآن، وبعد عشرة اعوام من تكوينها كميليشيا قبلية اثنية، وتطورها الي "جيش ثاني" بموجب قانون خاصاً بها، استطاع قائد قوات الدعم السريع، الجنرال محمد حمدان دقلو، من الصعود الى لاعب سياسي واقتصادي مؤثر في الدولة السودانية، وفي مستقبلها.
خلاصة
كما معلوم، نفذ طرفي الحرب القائمة انقلابا في 25 اكتوبر 2021 علي الحكومة المدنية الانتقالية، أدا إلى خروج المرحلة الانتقالية عن مسارها بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في عام 2019. وهدف الانقلاب الي وئد ثورة ديسمبر والانفراد بالسلطة السياسية والتحكم في ثروات البلاد. وفشلت سلطة الانقلاب طيلة الوقت في تكوين حكومة لتسير دولاب الدولة، وفي نيل الاعتراف الشعبي والاممي والاقليمي والدولي بسلطتها. وفي منتصف أبريل 2023 اندلعت الحرب الجارية بين "حليفي الامس" في ظل توترات بشأن خطة لاستأنف الانتقال السياسي إلى حكم مدني ودمج قوات الدعم السريع في القوات النظامية. وبينما يحارب قادة الجيش في هذه الحرب من اجل ورثة السلطة السياسية والحفاظ علي تحكمهم – الذي يقدر ب 80% - في ثروات واقتصاد البلاد بشراكة مع ما تبقي من شبكة مجموعات وافراد تربطها علاقات بسلطة النظام الساقط،، تحارب قوات الدعم السريع علي حسابها الخاص من اجل البقاء والحفاظ علي مكتسباتها السياسية والاقتصادية.
بغض النظر عن الاجابة علي سؤال: من المعتدي ومن المدافع، يعرف كلاً من الجانبين، الذي بداء الحرب والذي أجبر على الدفاع، آن الهزيمة في الميدان تعني نهاية الوجود الفيزيائي في اسوأ الحالات، ونهاية السلط السياسية والاقتصادية في أحسن الحالات! تبعاً لهذا التصور عند قادة الفريقين، يتزايد مع كل يوما جديد للحرب، العداء الشخصي بينهم، وتتزايد رغبات الثأر وافناء الاخر! إرتباطاً بهذه الحالة النفسية لكلا من القائدين وإتباعهم يمثل الحفاظ على القوي العسكرية والسلطة السياسية من أجل البقاء في الحياة والإفلات من المحاسبة، هدفا اساسيا. ارتباطا بذلك يسعي كلاهما لتوجيه العاطفة وتأطير الوعي الجمعي لخدمة مصالحه الخاصة والافلات من المساءلة على الجرائم المرتكبة خلال ثورة ديسمبر وعبر العقود الماضية، على أسوأ الفروض، والحفاظ على السلطة والثروة المنهوبة في أحسن الأحوال. وكلما كانت السيطرة السياسية والعسكرية على الارض عالية، كلما زادت فرصة تحقيق هذه الأهداف!
تبعاً لما تم سرده هنا عن طبيعة الجيشين الرسميين المتحاربين وعوامل واهداف الحفاظ علي الدور السياسي والاقتصادي لهم في الدولة، ولأسباب حدوث واستمرار الحرب الي الآن، يحتاج نجاح أي عملية دبلوماسية وسياسية لإيقاف وانهاء الحرب حزم للكل المبادرات الاممية والاقليمية والدولية في رؤية موحدة وفي منبر واحد، تتكثف خلاله كل الضغوطات السياسية والاقتصادية والقانونية لأجبار الطرفين علي إيقاف وانهاء الحرب، وقبول عملية سياسية تفضي الي قيام حكم مدني انتقالي وبناء جيش وطني واحد يعمل تحت ائتمار سلطة مدنية.
في الجزء الثالث والرابع والاخير من هذه الورقة سوف يتم التعرض للأوضاع العسكرية للفريقين، وللتداعيات الإنسانية والاقتصادية، التي افرزتها الحرب خلال 11 شهرا، وللتدخلات الخارجية لإيقاف القتال، ودورها كعوامل وشروط أساسية للوصول الي إيقاف وانهاء دائم للحرب.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قائد قوات الدعم السریع قوات الدعم السریع فی السیاسی والاقتصادی لقوات الدعم السریع الدولة السودانیة الانقلاب العسکری السلطة السیاسیة الحریة والتغییر المؤتمر الوطنی للقوات المسلحة القوات المسلحة الحرب القائمة الحرب الجاریة اندلاع الحرب نظام الإنقاذ ثورة دیسمبر عمر البشیر الحفاظ علی المسلحة فی قادة الجیش فی السودان فی دارفور الحرب فی الجیش فی فی الحرب من أجل فی حرب فی عام من اجل
إقرأ أيضاً:
سبعة أسئلة لكاميرون هدسون حول السودان والدبلوماسية وترامب
“ما زلتُ متشككًا في كيفية تحقيق السودانيين لقدرٍ من “الحرية والسلام والعدالة” التي دعت إليها ثورتهم الشعبية. لقد وقع السودان في دوامة من الانقلابات والحروب الأهلية والتحولات الديمقراطية منذ استقلاله. أشعر أن إبرام الصفقات على مستوى النخبة من إدارة ترامب لديه القدرة على إنهاء هذه الحرب الحالية وإعادة البلاد إلى مسار التحول الديمقراطي، لكنه لن يُسهم في نهاية المطاف في كسر الحلقة الأوسع التي تقود البلاد إلى انقلاب جديد وحرب أهلية في وقتٍ ما مستقبلًا.” كاميرون هدسون
نشر أليكس ثورستون، وهو كاتب ومحلل سياسي أمريكي درس الإسلام والسياسة في شمال غرب أفريقيا، مُركزًا على القرنين العشرين والحادي والعشري وأجرى أبحاثًا ميدانية في نيجيريا والسنغال ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو، مقالاً تحليلياُ، يوم الخميس الماضي(4 ديسمبر) قال فيه: “أرى أن ترامب يسعى إلى وقف إطلاق النار ويُسميه سلامًا، لكنه لا يُعالج فعليًا التصدعات الداخلية المعقدة العديدة في السودان والتي من شأنها أن تُمكّن من تحقيق سلام حقيقي طويل الأمد”.
وما كتبه ثورستون هو تلخيص لأسئلة طرحها علي السيد كامرون هديسون، الموظف السابق بالبيت الأبيض، و بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية،
ونُشرت الأسئلة والأجوبة في 4 ديسمبر 2025، على موقع سواحل- Swahil- الذي يُديره الكاتب، ويُقدم تحليلًا مُثيرًا للاهتمام للعديد من التطورات السياسية المتعلقة بالسودان، ولكن من منظور غربي.
ويقول الكاتب إنه ومع تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن إدارته ستسعى إلى وقف إطلاق النار في السودان، فقد سعى لطرح الأمر على كاميرون هدسون، وهو مراقب مخضرم للشأن السوداني، حول التطورات الدبلوماسية والسياسية الجارية، و يقول عن السيد هدسون أنه شغل مناصب في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، والمجلس الأطلسي، ومتحف الولايات المتحدة التذكاري للهولوكوست. كما شغل مناصب عدة في الحكومة الأمريكية، منها محلل في وكالة المخابرات المركزية، ومدير الشؤون الأفريقية في مجلس الأمن القومي ،خلال الفترة الثانية للرئيس جورج دبليو بوش، (ورئيس مكتب المبعوث الخاص إلى السودان) خلال الفترة الأولى للرئيس باراك أوباما، و في هذه المقابلة يشاركنا أفكاره حول بعض القضايا الشائكة المحيطة بالمفاوضات حول مستقبل السودان.
عن الرباعية:
يقول كاميرون هدسون: انبثقت الرباعية من إقرار الولايات المتحدة بأن الدول الإقليمية القوية هي المحرك الأساسية للحرب في السودان، وأن تنافسها على النفوذ يُزعزع استقرار المنطقة ويُقوّض أي فرصة لنجاح عملية السلام. وقد سرت شائعات بأن الرباعية نشأت لأن مصر و/أو المملكة العربية السعودية طلبتا سرًا من واشنطن تقديم مساعيها الحميدة لمساعدتهما ومساعدة الأطراف في السعي إلى وقف إطلاق النار وتسوية سلمية أوسع نطاقًا بوساطة.
داخل الرباعية، تواصل مصر والسعودية دعم انتصار القوات المسلحة السودانية على ميليشيا قوات الدعم السريع، التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة حصريًا.
وتتفق الدول الثلاث، على الأقل ظاهرياً، على ضرورة منع النظام الإسلامي السابق لعمر البشير، من العودة إلى السلطة. ومع ذلك، فإن الإمارات العربية المتحدة، أكثر من غيرها، هي التي ترى في عودة الإسلاميين تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وقد بذلت قصارى جهدها لمنع ذلك من خلال دعمها الساحق لقوات الدعم السريع. ويبدو أن كلاً من مصر والمملكة العربية السعودية تتبنى وجهة نظر أكثر شمولية تجاه الإسلاميين في السودان، إذ تُقرّ بتاريخهم السلبي، لكنهما تريان فيهم أيضاً قابلية للسيطرة تحت حكم عسكري أو مدني قوي، ربما على غرار هيكل السلطة في مصر.
في حين أعلنت الرباعية علناً أنه لا ينبغي لأيٍّ من الطرفين المتحاربين أن يلعب دوراً فاعلاً في حكم السودان بعد الحرب، يبدو أن مصر والمملكة العربية السعودية تعتبران القوات المسلحة السودانية جسراً لأي انتقال، ولا تُخفيان التهديدات الأمنية الوطنية التي يرونها في السودان تحت حكم قوات الدعم السريع. تشترك مصر والمملكة العربية السعودية في حدود مع السودان، الأولى برية والثانية على البحر الأحمر، وتعتبران نزوح المدنيين المصاحب لاستيلاء قوات الدعم السريع على الأراضي مزعزعاً لاستقرار سياساتهما الداخلية واقتصاداتهما. وبالمثل، تخشى الدولتان الآثار العابرة للحدود المزعزعة للاستقرار الناجمة عن جني الأموال غير المشروع من قبل قوات الدعم السريع، من الاتجار بالبشر إلى تهريب المخدرات والأسلحة، والتي تعتقدان أنها ستصاحب حكم قوات الدعم السريع؛ ناهيك عن مخاطر استغلال الإمارات العربية المتحدة لدولة سودانية تابعة لها في سعيها لتحقيق طموحاتها الإقليمية. لهذه الأسباب، تقف واشنطن وحدها كحَكَم بين أعضاء الرباعية أكثر من كونها وسيطًا بين الأطراف المتحاربة في السودان.
إتهامات البرهان للرباعية:
-سوال : رفض الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية، مؤخرًا اقتراح الرباعية لوقف إطلاق النار، منتقدًا الإمارات العربية المتحدة تحديدًا لدعمها للطرف المسلح الرئيسي الآخر في الحرب الأهلية السودانية، قوات الدعم السريع. كما انتقد البرهان وأنصاره مستشار الرئيس دونالد ترامب للشؤون الأفريقية، مسعد بولس. هل اتهامات البرهان للرباعية بالتحيز صحيحة؟
– كاميرون هدسون:تجدر الإشارة إلى أن إحدى أكثر أساليب السودان ثباتًا في مفاوضاته الخارجية هي إعلان تحيز الوسطاء الدوليين كجزء من مساعيه لكسب اليد العليا وتجنب تقديم أي تنازلات مؤلمة. على مدى عقود، استخدم السودان تهمة التحيز لإعلان، من بين آخرين، الممثلين المقيمين للأمم المتحدة من يناير 2011 أشخاصًا غير مرغوب فيهم. برونك (2006) إلى فولكر بيرثيس (2023). وبالمثل، اتهم السودان الرئيس الكيني ويليام روتو بالتحيز عندما حاول قيادة جهود الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية -إيغاد- للتوسط في وقف إطلاق النار في بداية الحرب، مؤكدةً قربها من كل من قوات الدعم السريع والإمارات العربية المتحدة.
كما اتهم السودان رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي السابق، موسى فكي، بالتحيز نظرًا لجنسيته التشادية وعلاقاته الوثيقة بالإمارات العربية المتحدة، ومُنع من القيام بدور وساطة للاتحاد الأفريقي.
ورغم هذا التاريخ، فإن اتهامات السودان بالتحيز من قبل الرباعية ليست بلا أساس، أولًا، من المهم أن نفهم أن الإمارات العربية المتحدة، من وجهة نظر القوات المسلحة السودانية، طرف فاعل في النزاع. وبصفتها الراعي الرئيسي لقوات الدعم السريع، يعتقد الجيش أنه ما كانت هناك حرب لولا الإمارات العربية المتحدة. وبالتالي، يرفض الجيش فكرة أن الإمارات العربية المتحدة يمكن أن تعمل في الوقت نفسه كطرف محارب فاعل ووسيط محايد كجزء من الرباعية، ومن هنا جاءت تهمة التحيز. ومما يؤكد هذا الادعاء، صور مسعد بولس وهو يزور أبوظبي مؤخرًا ويعرض جبهة موحدة مع الإمارات، بالإضافة إلى إدراج العديد من مطالب الإمارات الرئيسية في وثائق الرباعية. وتعكس الدعوة إلى رفض أي دور للجيش في الحكومة المستقبلية، إلى جانب اتهامات بتأثير الإخوان المسلمين على الجيش، مخاوف الإمارات تحديدًا. وقد بدأت الولايات المتحدة مؤخرًا في التعبير عن العديد من هذه المخاوف بشأن الدور المحتمل للإسلاميين في السودان، وفي سبتمبر فرضت عقوبات على وزير المالية جبريل إبراهيم، إلى جانب لواء إسلامي يقاتل إلى جانب القوات المسلحة السودانية (البراؤون) وقد ترددت شائعات بأن هذه العقوبات جاءت، جزئيًا، بسبب من حثّ الإمارات لامريكا وهذا هو السبب الرئيسي وراء ضغط البرهان على ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لطلب تدخل ترامب الشخصي في الوساطة، بدلًا من العمل من خلال الرباعية، لاعتقاده أنها ستحصل على نتيجة أقل انحيازًا وأكثر ميلًا إلى مصلحة الجيش.
إمكانية وقف لإطلاق النار:
-سوال هل تعتقد أن هناك حزمة وقف إطلاق نار مختلفة قد يقبلها البرهان؟ أم أنه ملتزم بالهزيمة العسكرية لقوات الدعم السريع؟
-كاميرون هدسون: يبدو أن الفريق برهان لا ينوي التفاوض مباشرةً مع قوات الدعم السريع، لأسباب تكتيكية وسياسية. حتى لو كان ميالاً للتفاوض مع قوات الدعم السريع بسبب الخسائر التكتيكية الأخيرة، فسيثير برهان استياءً شعبياً، ناهيك عن رد فعل عنيف محتمل من عناصر أكثر تشدداً وإسلاميين في صفوفه، وهو أمر لا يمكنه المخاطرة به. وقد أشار برهان مؤخراً إلى أنه إذا انسحبت قوات الدعم السريع من المدن والمناطق التي تسيطر عليها، وتجمعت في نقاط نزع السلاح، وسرّحت مقاتليها – أي أعادوا غالبيتهم إلى بلدانهم الأصلية – فسيكون ذلك أساساً لعملية تُفضي إلى تسريح مقاتلي قوات الدعم السريع المتبقين أو دمجهم في الجيش. ويرى أن المحادثات السياسية المباشرة في ظل التوزيع الحالي للقوات، كما تدعو إليه الرباعية، لن تؤدي إلا إلى رفع مكانة قوات الدعم السريع وإضفاء الشرعية عليها، وفتح الباب أمامها لبناء هوية سياسية لما بعد الحرب. هذا يتناقض تمامًا مع الاعتقاد الراسخ للجيش بأن حل قوات الدعم السريع لا يمكن أن يتحقق إلا لإنهاء الحرب وبدء عملية إعادة الإعمار والانتقال في نهاية المطاف. ومع ذلك، فإن احتمال قبول قوات الدعم السريع، وداعميها الإماراتيين، لموقف القوات المسلحة السودانية المتطرف لا يزال ضئيلًا للغاية.
بل يبدو أن القوات المسلحة السودانية تُدرك سرًا أن أي جهد لتسريح قوات الدعم السريع يتطلب أولًا نوعًا من التسوية التفاوضية بين الجيش والإمارات العربية المتحدة. ومن المرجح أن تتضمن هذه المناقشات، التي طلب الفريق أول برهان من المسؤولين الأمريكيين مرارًا وتكرارًا تنظيمها، والتي نجح أخيرًا في إقناع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بمناقشتها مع الرئيس ترامب، بنودًا لإنهاء الدعم الخارجي لأبوظبي، وتسريح قوات الدعم السريع وإعادة دمجها في الجيش، والموافقة على شكل من أشكال التعويضات المالية عن الدمار الذي سببته. في المقابل، قد يكون الجيش مستعدًا لمنح الإمارات حقوق تشغيل ميناء السودان الرئيسي، إلى جانب الامتيازات المعدنية والزراعية التي سعت إليها أبو ظبي منذ فترة طويلة. ومع ذلك، وبالنظر إلى الحرب الكلامية الحادة التي تخوضها الإمارات العربية المتحدة والقوات المسلحة السودانية حاليًا، فإن أي مفاوضات بينهما يجب أن تتم بعيدًا عن الإعلام، وأن تُتيح لكلا الجانبين سبيلًا يحفظ ماء الوجه لتهدئة الموقف. ومن المرجح أن يكون هذا هو الدور الذي طُلب من ترامب القيام به، ولكنه لم يفعله بعد.
ماذا عن الجرائم والانتهاكات ؟:
-سوال :في أكتوبر، جادل أمجد فريد الطيب في مقال رأي بموقع الجزيرة بأن “هناك ممارسة خبيثة بشكل خاص داخل الرباعية، أي مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن العاصمة، تتمثل في استحضار التكافؤ الأخلاقي والبلاغي، وتصوير قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية كخصمين متماثلين”. هل تتفق مع وصفه للخطاب في واشنطن؟
-كاميرون هدسون: ينظر الكثيرون في واشنطن إلى هذه الحرب بنظرة تفتقر إلى الدقة. حتى أولئك منا في مجتمع “مراقبي السودان” الذين يصفون أنفسهم بأنهم يأتون إلى هذا الصراع بتحيزاتهم الخاصة، والتي تشكل معظمها من خلال تجاربنا الخاصة في التعامل مع حكومة السودان في عهد عمر البشير لأكثر من 20 عامًا.
و لا يزال الكثير ممن تربطهم تلك العلاقة الطويلة بالسودان ينظرون إلى القوات المسلحة السودانية على أنها الذراع الرئيس لفساد الدولة والقمع والإسلاموية، مع أنني أعتقد أن دور الجيش كان دائمًا أكثر تعقيدًا من ذلك، وقد تطور بالتأكيد منذ إطاحة البشير عام 2019. ومع ذلك، يجادل المتشددون في واشنطن بأن قوات الدعم السريع هي ببساطة صنيعة القوات المسلحة السودانية، وبالتالي فإن الجيش يتحمل مسؤولية خطايا الوحش الذي خلقه. وبالمثل، يشيرون إلى انقلاب عام 2021 ضد الحكومة الانتقالية المدنية، الذي نفّذه الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بشكل مشترك، والذي أشعل سلسلة من النزاعات بينهما أدت إلى الصراع الحالي. لهذا السبب، دأبت واشنطن، في عهدي بايدن وترامب، على تصوير الطرفين على أنهما متساويان في المسؤولية عن الحرب وتجاوزاتها العديدة.
لكن هذا التحليل لطالما بدا لي مُختزلاً. فلا عجب أن يتحدث الجنرال برهان كثيرًا عن الحفاظ على وحدة الجيش، وأن تكون تحذيرات القوات المسلحة السودانية من تفككها وانقلاب القصر مصدرًا شبه دائم للتكهنات. فالقوات المسلحة السودانية كيان مُعقّد، يزخر بالعديد من النماذج المتنافسة – من المتشددين والإسلاميين الملتزمين إلى الجنود المحترفين الذين يُنفّذون تفويضًا دستوريًا.
ويزيد تحالف الجيش القتالي من تعقيده، إذ يضمّ متمردين سابقين من دارفور، وألوية إسلامية ذات هياكل قيادية موازية، ووحدات جنود مدنيين مُشكّلة حديثًا.
إن تصوير القوات المسلحة السودانية بضربات عريضة هو تحليل كسول. والأهم من ذلك، أنه لا توجد مقاييس موثوقة أو قابلة للقياس الكمي للانقسامات السياسية والأيديولوجية داخل الجيش أو توازن القوى بين هذه المعسكرات الداخلية المختلفة.
أولئك الذين يدّعون، وكثيرون منهم على يقين تام، أن الجيش خاضع بالكامل لسيطرة القوى الإسلامية والمتشددة، إما أنهم يتكهنون أو مدفوعون باضطراب ما بعد الصدمة الذي أصابهم في عهد البشير.
ولكن للتوضيح، ارتكب كلا الجانبين انتهاكات مروعة في الحرب، بما في ذلك جرائم حرب. ولكن هنا أيضًا، أميل إلى اتخاذ وجهة نظر أكثر دقة بشأن تلك التجاوزات، والأهم من ذلك، وجهة نظر الجمهور بشأن سلوك كل جانب. في رأيي، تنتهي المقارنات هنا. تميل العديد من المحاولات لقياس مستويات العنف من كلا الجانبين إلى نسب ما يقرب من ثلثي العنف ضد المدنيين إلى قوات الدعم السريع، بينما تتحمل القوات المسلحة السودانية مسؤولية حوالي خُمس الضحايا المدنيين. في رأيي، هذا أمرٌ لا يُقارن. وبالمثل، يُتهم كلا الجانبين باستخدام الغذاء كسلاح حرب ومنع وصول المساعدات الإنسانية. كل هذا صحيح، ولكن عندما ننظر إلى المناطق التي تعاني من أشد المؤشرات الإنسانية وقيود الوصول، نجد أن هذه المناطق تميل إلى أن تكون أكثر خضوعًا لسيطرة قوات الدعم السريع. من المؤكد أن القوات المسلحة السودانية مسؤولة أيضًا عن منع الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وهو تكتيكٌ استخدمته مرارًا وتكرارًا منذ الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب. ولكن على عكس الجيش، استهدفت قوات الدعم السريع بشكل ممنهج المستشفيات والقوافل الإنسانية وعمليات الإغاثة المختلفة، مما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي أصلًا.
بالإضافة إلى ذلك، عند مناقشة المسؤولية – من منظور سياسي لا قانوني – أعتقد أنه يجب دراسة طبيعة الجرائم المرتكبة، وليس فقط نطاقها. ارتكب الجيش عمليات قتل انتقامية واعتقالات جماعية، بل استهدف حتى فرق الاستجابة الأولية، مثل غرف الطوارئ في البلاد، لكن غالبية جرائم الجيش تأتي من الاستهداف العشوائي للمناطق المدنية بطائرات مسيرة مسلحة. إن سعي قوات الدعم السريع المتكرر للاحتماء داخل هذه المناطق المدنية ليس عذرًا لوفيات المدنيين، ولكنه تفسير.
على الجانب الآخر، يزخر السودان بقصص ومقاطع فيديو لجنود قوات الدعم السريع وهم يرتكبون مجازر وتعذيبًا واغتصابًا واستعبادًا جنسيًا وتطهيرًا عرقيًا واختطافًا على نطاق واسع في كل منطقة خاضعة لسيطرته. جرائمهم تتوالى بيتًا بيتًا، وشارعًا شارعًا، وشخصًا فردًا. لدرجة أن إدارة بايدن وصفت أفعال قوات الدعم السريع وحدها بالإبادة الجماعية.
وأخيرًا، عند تحديد المسؤولية، أعتقد أنه يجب علينا النظر إلى رد فعل السودانيين أنفسهم على التذبذب في السيطرة على الأراضي طوال الحرب، والاستماع إلى قصصهم عن الحياة تحت سيطرة قوات الدعم السريع أو القوات المسلحة السودانية. مرة أخرى، لا أعتقد أنه يمكنك القول بصدق إنهما متشابهان. أشعر أن معظم السودانيين العاديين يرون الجيش الكيان الوحيد المهتم بحمايتهم، على الرغم من الانتهاكات التي ارتكبها ضد من يُفترض أنهم معارضون. يكفي أن نشهد مشاهد ابتهاج السودانيين العاديين وهم يتدفقون إلى الشوارع، أحيانًا لأول مرة منذ شهور، عندما نجحت القوات المسلحة السودانية في تحرير مدنهم من سيطرة قوات الدعم السريع. لقد صوّت السودانيون بأقدامهم، ونحن…لا ينبغي أن نتجاهل تفضيلاتهم، حتى لو كانت مؤقتة. مرة أخرى، أظن أن معظم السودانيين لا يرغبون في العيش تحت الحكم العسكري ولو ليوم واحد أكثر من اللازم، ولكن إذا خُيّرنا اليوم بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، فإن خيارهم يبدو واضحًا، وينبغي لسياساتنا أن تُقرّ بذلك إلى حد ما.
هل تفضل واشنطن الجيش على الدعم السريع؟
-سوال : في الواقع، بدا لي أن المسؤولين في واشنطن (أي خبراء السياسة الخارجية داخل الحكومة وخارجها) يُظهرون تفضيلًا كبيرًا، أحيانًا مُعلنًا وأحيانًا أخرى غير مُعلنة، ولكنه واضح، للقوات المسلحة السودانية والبرهان على قوات الدعم السريع. من ناحية، فرضت إدارة الرئيس جو بايدن المنتهية ولايتها عقوبات على كل من البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”. من ناحية أخرى، التقى المبعوث الخاص آنذاك توم بيرييلو بالبرهان خلال زيارته للسودان في نوفمبر الماضي. هل تعتقد أن إدارة بايدن كانت ستُفضل البرهان على حميدتي؟ وماذا عن مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بشكل عام؟
-كاميرون هدسون: أعتقد أنه من الصعب القول إن واشنطن تُفضّل أيًا من الجانبين. بل أعتقد أن هذا ما جعل دبلوماسية واشنطن غير فعّالة منذ بداية الحرب. ولأننا ننظر إلى كلا الجانبين على أنهما طرفان سيئان، لم نكن قادرين على الدفع نحو نتيجة واضحة. وبينما لا شك في أن الديمقراطيين والجمهوريين لا يتقبلون فكرة قيادة قوات الدعم السريع للسودان، لا يمكن لأحد أن يأخذ على محمل الجد خطاب قوات الدعم السريع حول قتال الإسلاميين، أو استعادة الحكم المدني، أو حتى الموافقة على وقف إطلاق النار. فجرائمهم كثيرة، وتكتيكاتهم وحشية للغاية، وتاريخهم معروفٌ جدًا لدرجة أن أي شخص في واشنطن لا يستطيع قبول انتصار قوات الدعم السريع.
ومع ذلك، يصعب أن نُحب القوات المسلحة السودانية. سواءً بسبب تاريخهم وسمعتهم الإسلامية وانتهاكاتهم، أو استخدامهم المزعوم للأسلحة الكيميائية وجرائم حرب أخرى في الصراع الحالي، أو علاقاتهم المتقطعة مع منافسين خبثاء مثل روسيا وإيران، لم تجد واشنطن بعدُ سبيلًا أو سببًا للعمل مع القوات المسلحة السودانية لإنهاء هذا الصراع. وهنا أيضًا، أعتقد أن التاريخ عبء. فلأكثر من ثلاثين عامًا، اعتبر المسؤولون والمدافعون ووسائل الإعلام الأمريكية السودان، والجيش بالتبعية، مسؤولًا عن استضافة أسامة بن لادن، ورعاية الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء المنطقة، وتنفيذ الإبادة الجماعية في جنوب السودان ودارفور، وتطبيق نسخة متشددة من الشريعة الإسلامية شهدت اضطهاد المسيحيين وإساءة معاملة النساء. لا يزال تأثير واشنطن على حكام السودان قويًا، وقد ثبت أن التغلب عليه، حتى عندما يكون الخيار الآخر هو ميليشيات إبادة جماعية، صعب.
مدى قدرة ترامب على صنع السلام:
– سوال: سَبق ان قلت لشبكة CNN مؤخرًا بأن “[ترامب] مُهيأٌ لعقد صفقات النخبة بين كبار الشخصيات. ما لم يُهيأ له هو التشمير عن سواعده والانخراط في تفاصيل السياسة السودانية”. هل تتوقع أن يُقوّض إهماله للتفاصيل قدرة إدارته على صنع السلام؟
-كاميرون هدسون: أعتقد، كما هو الحال مع ترامب، أن قدرة واشنطن على صنع السلام في السودان تعتمد على أفقها الزمني. أعتقد أن ترامب مهتمٌّ بالعنوان الرئيسي القريب الذي يُشير إلى تحقيق السلام، وأن السودان يُمثّل نقطةً أساسيةً أخرى في طلبه لجائزة نوبل للسلام. لكن هناك فرقٌ بين وقف إطلاق النار والسلام؛ تمامًا كما يوجد فرقٌ بين عقد الصفقات وصنع السلام. يأمل المتحاربون في السودان أن يعيشوا للقتال يومًا آخر، تمامًا كما ستواصل الجهات الفاعلة الإقليمية الخارجية البحث عن سبلٍ لتشكيل مستقبل السودان بطرقٍ تُعزّز مصالحها الاستراتيجية ومصالحها الأمنية الوطنية بعد توقيع أي وقف إطلاق نار بوقتٍ طويل. يُمكّن وقف إطلاق النار جميع الأطراف من مواصلة السعي لتحقيق مصالحها الاستراتيجية بوسائل أخرى غير العسكرية. مع ذلك، يبدو أن عملية سلام حقيقية لا تصب في مصلحة أحد، إلا الشعب السوداني نفسه. فالسلام الحقيقي سيتطلب بالضرورة معالجة أوجه القصور في “دولة 1956″، بما في ذلك دور الدين والجيش، وبناء هوية وطنية، وإصلاح مؤسسات الدولة وإعادة بنائها. إنها عملية مكثفة تستغرق سنوات طويلة، تُطلق عليها واشنطن بازدراء اسم “بناء الأمة”، وهو ما لم نعد نملك الجرأة ولا الصبر الكافيين له. لهذه الأسباب، أرى ترامب يدفع باتجاه وقف إطلاق النار ويُسميه سلامًا، لكنه لا يُعالج فعليًا التصدعات الداخلية المعقدة العديدة في السودان، والتي من شأنها أن تُمكّن من تحقيق سلام حقيقي طويل الأمد يمكن أن يستمر بعد انتهاء ولايته.
دعم المسار الديمقراطي:
-سوال: في شهادتك أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب في مايو، اختتمت حديثك بالقول: “يستحق شعب السودان أن تدعم تطلعاته الديمقراطية وأن يتحقق وعد ثورته الشعبية”. ما الذي يجب أن يحدث حتى يكون هناك سودان ديمقراطي يحكمه مدنيون؟ ما هي الخطوات التي يتعين على الولايات المتحدة اتخاذها لدعم هذا المسار؟
-كاميرون هدسون: هذا سؤالٌ قديمٌ بقدم البلاد نفسها. يبدو أن الكثيرين اليوم، مثل الإمارات العربية المتحدة، يعتقدون أن السبيل الوحيد لوضع السودان على مسار الحكم المدني الديمقراطي هو إحراق الدولة ومؤسساتها والبدء من جديد. هذا هو جوهر ما تفعله قوات الدعم السريع – تدمير المؤسسات والمحفوظات والآثار والسجلات الإدارية – التي فُقد معظمها إلى الأبد، وبعضها عُرض للبيع على موقع إيباي (حرفيًا).
كما هو الحال مع معظم الأسئلة في السودان، أجد نفسي في صراع بين المثالية والواقعية. في الوضع المثالي، كان من المفترض أن تُكرّس الولايات المتحدة وشركاؤها الوقت والموارد لخلق مساحاتٍ للجهات الفاعلة الرئيسية في السياسة والمجتمع المدني في السودان لتنظيم وتطوير خططها الخاصة لما يبدو عليه توزيع السلطة في السودان بعد الحرب. دعا بيان الرباعية الصادر في سبتمبر إلى انتقالٍ مدته تسعة أشهر إلى حكم مدني، لكن هذا يبدو طموحًا للغاية في غياب خطة منسقة أو أي دعم خارجي مستدام. سنتخذ أيضًا خطواتٍ لمنع أيٍّ من الطرفين المتحاربين من ترسيخ سيطرتهما على السلطة على المدى الطويل، إما من خلال انخراط دبلوماسي منسق أو عقوبات ثنائية. وبالطبع، ستُصاغ جميع هذه الإجراءات ضمن استراتيجية أمريكية تجاه البلاد والمنطقة، تُحدد المصالح الأمريكية طويلة الأجل، ويقودها فريق رفيع المستوى يتمتع بمصداقية في جميع أنحاء المنطقة وإمكانية الوصول إلى كبار صناع القرار في واشنطن. أعتقد أنني كنتُ مشاركًا في السياسة الأمريكية السودانية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما اتُبع هذا المسار تحديدًا، وتمكنا من تحقيق قدرٍ ضئيل من النجاح في إخماد النزاعات التي عصفت بالبلاد آنذاك. لكن هذا لا يختلف أيضًا عن الإجراءات التي استخدمها ترامب في صراع غزة، إلا أن ضرورة الأمن القومي الأمريكي هناك أكثر وضوحًا مما هي عليه في السودان. وبالمثل، في عالم ما بعد الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حيث جُرّدت وزارة الخارجية نفسها من خبراتها، وكان الوسيط الأمريكي الرئيسي الحالي يبيع شاحنات مستعملة في لاغوس قبل عام، علينا أن نكون واقعيين بشأن ما يمكن تحقيقه وكيفية تعريف النجاح. أولاً، إن إنهاء القتال على المدى القريب، واستئناف المساعدات الإنسانية على مستوى البلاد، وتمكين الناس من العودة إلى ديارهم والبدء في إعادة البناء بسلام، لن يكون إنجازًا هينًا. أعتقد أن هذا ممكن. لكن ما زلتُ متشككًا في كيفية تحقيق السودانيين لقدرٍ من “الحرية والسلام والعدالة” التي دعت إليها ثورتهم الشعبية. لقد وقع السودان في دوامة من الانقلابات والحروب الأهلية والتحولات الديمقراطية منذ استقلاله. أشعر أن إبرام الصفقات على مستوى النخبة من إدارة ترامب لديه القدرة على إنهاء هذه الحرب الحالية وإعادة البلاد إلى مسار التحول الديمقراطي، لكنه لن يُسهم في نهاية المطاف في كسر الحلقة الأوسع التي تقود البلاد إلى انقلاب جديد وحرب أهلية في وقتٍ ما مستقبلًا. يبدو أن السودانيين سيفعلون ذلك بأنفسهم، على الأرجح بدعم أمريكي محدود.
المحقق – محمد عثمان آدم
إنضم لقناة النيلين على واتسابPromotion Content
أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك
2025/12/12 فيسبوك X لينكدإن واتساب تيلقرام مشاركة عبر البريد طباعة مقالات ذات صلة «السودان».. أكبر أزمة نزوح فى العالم..!2025/12/12 الخرطوم تنهض من تحت الركام2025/12/12 إقتراب موعد اقالة رئيس الوزراء كامل إدريس عبارة عن منقولات(ساذجة)2025/12/12 إقبال دبلوماسي كثيف نحو السودان.. كيف يمكن أن تتم ترجمة نتائجه على أرض الواقع2025/12/12 وداع إفريقيا في “أقصر حرب في التاريخ”!2025/12/11 «المستشارة التى أرادت أن تصبح السيدة الأولى».. قصة لونا الشبل مع النظام السورى بعد فيديوهات مسربة مع بشار2025/12/09شاهد أيضاً إغلاق تحقيقات وتقارير السيسي يحبط خطة “تاجر الشاي المزيف في السودان”.. كيف أفشل الرئيس المصري تحرك الموساد؟ 2025/12/09الحقوق محفوظة النيلين 2025بنود الاستخدامسياسة الخصوصيةروابطة مهمة فيسبوك X ماسنجر ماسنجر واتساب إغلاق البحث عن: فيسبوك إغلاق بحث عن