مسعود أحمد بيت سعيد

[email protected]

 

 

لم يعرف تاريخ العلاقات السياسية بين الدول سوى شكلين علاقة قائمة على القهر والتبعية، وأخرى قائمة على المبادئ والقيم الإنسانية المشتركة، وفي ظل التفاوت الحضاري التاريخي وعدم التكافؤ بين الأطراف تطلبت الأخيرة نضالات وطنية حارقة، من أجل استقلالية القرار السيادي والاختيارات الاجتماعية والسياسية بمظاهرها المتعددة.

وعلى ضوء هذه الحقيقة ولدت العلاقات العربية الروسية في ظروف ومناخات مضطربة، رغم أن المؤشرات الأولية كانت توحي بإمكانية واقعية لرحلة طويلة من العلاقة الاستراتيجية؛ حيث شكل انتصار الثورة البلشفية سنة 1917 حدث عظيم في التاريخ البشري المعاصر، غيَّرت نمط العلاقات الدولية، وأرست نموذحا اقتصاديا واجتماعيا وفكريا جديدا، وفتحت مجالات وأسعة أمام الشعوب المستعبدة، وكان من انعكاساتها المباشرة على الصعيد العربي إشهار اتفاقية "سايكس- بيكو" التي أعدتها الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية لتقسيم المشرق العربي ووراثة ما يعرف في الأدبيات السياسية بتركة "رجل الشرق المريض"، في إشارة إلى الدولة العثمانية. غير أن القوى الاستعمارية الغربية التي واكبت نشوء الكيانات العربية الحديثة على أنقاض وأشلاء الدولة العثمانية المنهارة، كانت قد وطّدت أركان وجودها مع القوى الإقطاعية التقليدية وكبلتها بسلسلة معقدة من الاتفاقيات العلنية والسرية المحمية بالقواعد العسكرية، لم تستطيع الفكاك منها الى الآن رغم عصف المتغيرات.

وقد رسمت نتائج الحرب العالمية الثانية مضامين التحالفات المقبلة المعبأة بالإيديولوجيات الطبقية المتناقضة، وكان من الطبيعي أن تتطلع الشعوب النامية المثقلة بالترسبات التاريخية المتراكمة والتي تَرسِفُ تحت أشكال من النير الاستعماري المتعدد الأوجه، إلى الاتحاد السوفيتي وسلطة البروليتاريا الثورية المناهضة للرأسمالية العالمية، وهو ما حدث لمعظم شعوب القارات الثلاثة التي حققت استقلالها الوطني تحت واقع موازين القوى الذي فرضه الاتحاد السوفييتي طيلة سبعة عقود. بينما لم تجرِ الأمور في المنطقة العربية بهذا الاتجاه؛ حيث اصطفت الحكومات العربية الرجعية، ولا تزال، في خندق الإمبريالية وخاضت معارك آيديولوجية، فكرية وسياسية وعسكرية في خدمة أهدافها وأجندتها الخاصة، وهي مسألة معروفة تاريخيًا. وقد أشار محمد حسنين هيكل إلى الدور العربي في تدمير الاتحاد السوفييتي؛ حيث بذل الغرب جهودًا جبارة في التضليل والترويج للخطر السوفيتي تحت عناوين مختلفة، ولاعتبارات مفهومة تُمكِّن من طمس الحقائق الحسية الملموسة رغم عنف الشواهد الماضية والراهنة، ودون تبرير الخطأ المبدئي الذي وقع فيه الاتحاد السوفيتي حيال قرار تقسيم فلسطين الذي يعزوه البعض لنفوذ الحركة الصهيونية في بنية الدولة السوفيتية، والتي استخدمت أحد مبادئها المتعلقة بحق تقرير المصير بخلاف مفهومه وشروطه وخارج مضمونة التقدمي بشكل انتقائي ولغايات محددة، ناهيك عن التقديرات الخاطئة للبيروقراطية الروسية التي عبَّر عنها الزعيم السوفيتي جوزيف ستالين بالقول "زرعنا خازوقًا لخوزقة الأنظمة الإقطاعية" بحسب نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

وفي السياق ذاته، يذكر خالد بكداش الأمين العام للحزب الشيوعي السوري أن "المندوب السوفيتي استنفد جهده في التنسيق مع الوفود العربية من أجل صياغة مشروع متكامل قبيل صدور القرار، إلذا أنهم لم يتجاوبوا معه؛ حيث كانوا يراهنون على الموقف البريطاني وأن الأنظمة العربية التي رفضت قرار التقسيم ليس لأنها ضده؛ بل لكي تفسح المجال أمام إسرائيل لاحتلال أراضٍ أوسع من تلك التي ينص عليها القرار نفسه".

وبعيدًا عن تلك الحيثيات والنوايا، فإن مجريات الأحداث اللاحقة تزكي الى حد كبير هذا الاستنتاج؛ اذ إن الأوساط الرجعية التي استغلت الخطأ الروسي كما لم تستغل غيره، ولم تمتد مواقفها القومية المتشددة نحو القوى الكولنيالية (الاستعمارية) الغربية التي تحتل أجزاءً من الأراضي العربية، إضافة لدورها الرئيسي في إنشاء الكيان الصهيوني؛ الأمر الذي أبقى العلاقات لسنوات بين المد والجزر. ويمكن اعتبار أن التأسيس الفعلي للعلاقات العربية السوفيتية المعاصرة بدأ أثناء العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر سنة 1956؛ حيث قدم الاتحاد السوفيتي حينها لمصر أسلحة متطورة عبر تشيكوسلوفاكيا عُرفت بصفقة الأسلحة التشيكية، والتي كسرت بموجبها الاحتكار الغربي للسلاح. وبصرف النظر عن ملابسات تلك المرحلة، فإن التاريخ يحفظ لموسكو سابقًا ولاحقًا مواقفها في المحافل الدولية لنصرة القضايا العربية العادلة وفي تسليح الجيشين المصري والسوري بعد نكسة يونيو سنة 1967، الذي مكنهما من خوض معركة 6 أكتوبر المجيدة سنة 1973.

الالتزام الأخلاقي يحتم في هذه اللحظة المفصلية دعم روسيا الاتحادية في مواجهة الإرهاب الإمبريالي الصهيوني، والإقلاع عن المناورات التكتيكية الانتهازية لاستدرار عطفها عندما نتعرض للنكبات وتضييق الخيارات. ويبقى السؤال الذي لا بُد من طرحه بعد سقوط كافة المسوغات والمحاذير السابقة وحصاد السنين العجاف: ماذا استفادت الأمة العربية من انهيار الاتحاد السوفيتي؟

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

متى بشاي: لدينا احتياطي كافٍ من السلع الاستراتيجية وعلى رأسها السكر والأرز والمكرونة

أكد متى بشاي، رئيس لجنة التجارة الداخلية بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن السوق المصرية تشهد حاليًا وفرة كبيرة في المعروض من السلع الاستراتيجية الأساسية، وفي مقدمتها السكر والمكرونة والأرز، مشيرًا إلى أن تلك السلع أصبحت تغطي احتياجات الاستهلاك المحلي بنسبة 100%، وهو ما يعزز الأمن الغذائي للمواطن المصري.

وأوضح "بشاي" أن هناك مخزونًا آمنًا وكافيًا من هذه السلع الاستراتيجية يكفي لفترات طويلة، نتيجة جهود وزارة التموين في تعزيز منظومة الإمداد وتحقيق استقرار في السوق، لافتًا إلى أن سلعة السكر تحديدًا باتت في موقع متميز من حيث الاكتفاء الذاتي، بل إن المعروض منها بات يفوق حجم الاستهلاك المحلي.

وزيرة التنمية المحلية تتابع مع محافظ القليوبية مشروعات حياة كريمة وتوفير السلعالتموين تطلق سوق "اليوم الواحد" بالجمالية.. أسعار مناسبة وسلع متنوعة لخدمة المواطنينالقاهرة التجارية: أسواق اليوم الواحد تطرح السلع بأسعار تقلّ عن الأسواق بـ 30%بأسعار أقل 50% وتوافر جميع السلع.. وزير التموين ومحافظ القاهرة يفتتحان سوق اليوم الواحد بالجمالية

وأضاف أن إنتاج مصر من السكر هذا العام، سواء من بنجر السكر أو قصب السكر، إلى جانب الكميات التي جرى استيرادها وتكريرها محليًا، تجاوز 3.5 مليون طن، بينما يبلغ متوسط الاستهلاك المحلي نحو 3.3 مليون طن سنويًا، وهو ما أدى إلى تحقيق فائض حقيقي في السوق.

وأشار إلى أن وزارة التموين والتجارة الداخلية تعمل حاليًا على شراء كميات إضافية من سكر البنجر المنتج في الشركات الحكومية لتكوين مخزون استراتيجي مستدام، خاصة في ظل تكدس المخزون في مصانع مثل الدقهلية والدلتا والنوبارية والفيوم مع قرب نهاية موسم الحصاد.

وشدد "بشاي" على أهمية الحفاظ على هذه المكاسب من خلال دعم الصناعة المحلية، وتنظيم حركة التداول، وتشجيع السياسات التي تعزز توازن السوق، بما يضمن استمرار وفرة السلع وتحقيق استقرار في الأسعار.


 

طباعة شارك متى بشاي لجنة التجارة الداخلية الاتحاد العام للغرف التجارية التجارة الداخلية السلع الاستراتيجية الأساسية إنتاج مصر السكر مخزونًا

مقالات مشابهة

  • متى بشاي: لدينا احتياطي كافٍ من السلع الاستراتيجية وعلى رأسها السكر والأرز والمكرونة
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • اجتماع لمناقشة مسودة الخطة الاستراتيجية لهيئة المواصفات والمقاييس
  • مناقشة مسودة الخطة الاستراتيجية لهيئة المواصفات والمقاييس
  • الجزائر تُفعّل قوانين التعبئة العامة.. جاهزية شاملة في وجه التهديدات الاستراتيجية
  • وزير الشئون النيابية يستقبل سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية مصر العربية
  • الصناعة السعودية تحقّق قفزات نوعية منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية للصناعة
  • بوتين: العلاقات الروسية القيرجيزية تسهم في استقرار الفضاء الأوراسي
  • وزير الخارجية: توجيه رئاسي بالاهتمام بغرب أفريقيا لأهميتها الاستراتيجية
  • منتخبات القوى تُكثّف تحضيراتها للبطولة العربية بمعسكرات داخلية وخارجية