الشموع المنطفئة.. لا تقاوم العتمة!
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
يسأل ابنى الصغير ذو الاثنى عشر عامًا: كم يبلغ راتبك الشهرى يا أبى؟ ويضيف: هذا المقال الذى كتبته، والدراسة النقدية -دراسات فى الحقيقة- التى نشرتها، والحلقات التليفزيونية التى تتحدث فيها كل مرة لنحو ساعة الا ربعًا.. وتذاكر قبلها كما طالب يستعد لامتحان، ألم تحصل على أموال منها، بما يكفى لتلبية احتياجاتنا، وشراء أنواع الطعام التى كنت تشبعنا منها.
انزعجت، تملصت من الإجابات بشتى الطرق، لكن رغبتى فى محاورة نفسى معه، وتمزقى من الأزمة الطاحنة التى يعيشها المجتمع -خاصة الكتاب والصحفيين- أعادتنى لمحادثته؛ هذا مجتمع لم يعد يقدر قيمة الكِتَاب والجريدة! فى عصور سابقة كان المجتهدون منا يتقاضون رواتب مالية جيدة، واغلبية المؤسسات تساعد فى الحصول على شقق وعلى أراض وتمنح بدلات وتأشيرات للحج والعمرة.. اغلب محررى وكتاب الصحف المسماة بالقومية (وهى ليست تسمية دقيقة) كانوا يتمتعون بامتيازات بالجملة تتيح لهم حياة كريمة. وكان الكتاب يكتبون الكتب وينشرونها ويتكسبون منها آلافًا مؤلفة، ويحققون نجومية هائلة، ويبيعون كتبهم قبل نشرها لصحف عربية.. ويتكسب الناشرون أيضا؛ صنعوا ثروات هائلة.. بمرور الوقت تغيرت المنظومة كليًا. افلست المؤسسات أو تكاد واستدانت، وتراجعت المهنة وتراجع الكتاب ولم تعد دور النشر تدفع للكتاب، بل يدفع الكتاب لينشروا ابداعهم، واذا اتفقوا على أجر، فإنهم يرمون لهم بضع نسخ من كتابهم!! هل يجوز للناشرين اليوم سرقة جهد وابداع المؤلفين؟
كتاب كبار بلغوا فى نهاية مشوارهم مناصب براقة اسمًا، يتقدمون -مثلي- لطلب قرض حسن من النقابة (١٠ آلاف ج فقط)! مصيبة أن تتدنى رواتب وبدلات الصحفيين، إلى حد يضطرهم لطلب القرض الحسن الضئيل!
النقابتان (الصحفيون واتحاد الكتاب) ومؤسسات الصحافة واتحاد الناشرين والحكومة مطالبون بمناقشة هذه الأوضاع المزرية!
لا استحى وانا الذى اكتب «ببلاش» منذ عام ٢٠١٨ -تاريخ عودتى من الكويت- حتى الآن، من أن اطلب عملا فأنا اكتب وأقرأ منذ السابعة صباحا وحتى منتصف الليل، مجانا، بل كنت ادفع من مالى الخاص لإقامة ثلاثة ملتقيات ثقافية شهريًا ( ملتقى الشربينى الثقافي).
حكاياتنا المأساوية يندى لها الجبين، نصرخ عساها تجد طريقها نحو المجتمع، فينتصر لحقوق ضميره الحى؛ كتابه ومبدعيه وصحفييه. وينقذ هذه الفئة المغبونة، حتى لا يظل «فجر ضمير» العصر الحديث يحترق بين أربعة جدران، يخوض معارك الوطن ضد الارهاب والفساد والتخلف والبيروقراطية والعادات والتقاليد البالية، مكسورا امام نفسه قبل اولاده. الأزمة تشتد والظلام يخيم.. الشموع المنطفئة لا تقاوم العتمة!
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: البانيه
إقرأ أيضاً:
الهند وباكستان.. ودرس أن تكون قويا
ما أهم درس فى المواجهة العسكرية الأخيرة بين الهند وباكستان، والتى انتهت بقبول الطرفين وقف إطلاق النار بعد حرب خاطفة ومحدودة ومنضبطة الى حد ما، استمرت نحو خمسة أيام؟!
الدروس والعبر والعظات كثيرة، لكن سوف أركز اليوم على درس واحد وهو أنه حينما تكون قويا فإن الجميع يخافك ويقدرك بل ويحترمك حتى لو كنت عدوه، والعكس صحيح تماما.
لأنه حينما تكون ضعيفا فسوف يتجرأ عليك الجميع ويحولونك إلى «ملطشة».
لمن لم يتابع تفاصيل الصراع فإن هجوما وقع فى بلدة باهالغام، فى الجزء الذى تسيطر عليه الهند فى كشمير قتل فيه ٢٦ شخصا معظمهم من السائحين الهندوس.
الهند اتهمت جماعة «ريزستنس فرونت» أو جبهة المقاومة المدعومة من باكستان بالمسئولية، وهو ما نفته الأخيرة تماما وطالبت بتحقيق دولى، لكن الهند شنت عملية عسكرية فى ٧ مايو الجارى استهدفت خلالها مواقع باكستانية قالت إنها تخص ما وصفته بـ«الجماعات الإرهابية» خصوصا «جيش محمد» و«لشكر طيبة» إضافة إلى مواقع تخص الجيش الباكستانى.
لكن باكستان ردت على الهجوم الهندى بعملية «البنيان المرصوص» وقالت إنها تمكنت من إسقاط مقاتلات هندية من طراز رافال فرنسية الصنع وروسية من طراز ميج وسوخوى ومسيرات وادعى كل طرف أنه دمر مواقع للطرف الثانى، وأن معظم الضحايا لديه من المدنيين.
لكن ربما الأخطر هو أن المواجهة أدت إلى تعليق معاهدات واتفاقيات طويلة المدى، خصوصا معاهدة مياه نهر السند التى تنظم توزيع المياه القادمة من المنابع الهندية إلى المصبات الباكستانية وكذلك اتفاقية سملا الموقعة بين البلدين فى ٢ يوليو ١٩٧٢بعد حرب صعبة بين البلدين وقتها، وتنص على احترام سيادة كل طرف وحل النزاعات بالطرق السلمية ورسم خط لوقف إطلاق النار فى كشمير، وعودة الأسرى والتطبيع بين الطرفين.
المهم بعد ٥ أيام من القتال بكل أنواع الأسلحة، وخصوصا المقاتلات والمسيرات والصواريخ وسقوط أكثر من ٦٠ قتيلا ونزوح مئات الآلاف فى كشمير وقرب حدود البلدين، تم وقف إطلاق النار فى وساطة قال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إن بلاده هى التى سعت إليها، فى حين أن ٣٠ دولة سعت للوساطة أيضا كما قال مسئول وزير خارجية باكستان إسحاق دار.
المهم أن القتال توقف وهو خبر طيب ومفرح للبلدين وللمنطقة وللعالم بأكمله.
السؤال هل كانت الهند ستقبل بوقف إطلاق النار إلا بعد أن شعرت أن باكستان قوية ويمكنها أن ترد الهجوم بهجوم مماثل وربما بصورة أكبر؟!
المؤكد أن الإجابة هى لا قاطعة.
والسبب أن لدينا نموذجا فى منطقتنا اسمه إسرائيل، فهى تواصل البلطجة فى المنطقة منذ عام ١٩٤٨، ولم يردعها أحد إلا باستثناءات قليلة كما حدث فى الانتصار المصرى العظيم فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣، لكن ومنذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ فإن إسرائيل تعربد فى المنطقة كما تشاء بدعم أمريكى كامل وفاضح!
هى ترتكب جرائم إبادة جماعية فى قطاع غزة وتتهيأ لضم الضفة الغربية، وتحتل مناطق مهمة فى لبنان، واحتلت مناطق جديدة فى سوريا بعد أن دمرت معظم قدراتها العسكرية، كما تقصف فى اليمن وإيران، وتقول إن يدها تطال كل مكان فى المنطقة، وتتحدى المجتمع الدولى والأمم المتحدة وسائر المنظمات الدولية.
أتصور أن الهند ربما حاولت استغلال عملية «باهالغام» مثلما استغلت إسرائيل عملية «طوفان الأقصى». لكن الفارق أن الرد الباكستانى كان مقنعا للهند لكى تقبل بوقف إطلاق النار، فحينما بدأت الهند هجومها وجدت ردا مماثلا من باكستان وربما أقوى، الصاروخ بالصاروخ والمسيرة بالمسيرة والمقاتلة بالمقاتلة.
والأهم أن السلاح النووى الذى تمتلكه باكستان رسميا منذ ٢٨ مايو ١٩٩٨ هو الذى يجعل الهند تفكر مليون مرة قبل أن تشن هجوما شاملا على باكستان، وهى التى امتلكت القنبلة النووية نظريا عام ١٩٧٤ ثم أجرت فى مايو ١٩٩٨ خمس تجارب نووية إضافية بعد أيام من الإعلان الباكستانى.
السلاح النووى قاتل ومدمر وخطر على البشرية، لكن فى عالم الغابة الذى نعيشه الآن، هو الذى يجعل صديقك يتودد إليك وخصمك يخشاك.
القوة الخشنة - وليست الناعمة - هى التى تمنع الآخرين من التجرؤ عليك واستضعافك، فهل يعى العرب هذا الدرس البديهى، ويفكرون فى استغلال ما لديهم من أوراق وهى كثيرة ولكنها معطلة؟!