«الصحاح».. ثورة في تأليف المعاجم
تاريخ النشر: 20th, March 2024 GMT
الشارقة: جاكاتي الشيخ
أبو نصر إسماعيل بن حمّاد الْجَوْهَري (332ه-393ه/1003م)، عالم وإمام لغوي وشاعر، أصله من فاراب في كازاخستان حالياً، كان مُحبّاً للسفر منذ بدايات حياته، فسافر إلى العراق شابّاً، وبدأ تعلَّم اللغة العربية على علمائها، ثم سافر بعد ذلك إلى الحجاز، وطوف بالكثير من قبائل البادية من بينها ربيعة ومضر، فأخذ اللغة العربية على أصولها مشافهة من العرب، وعاد إلى خراسان، وأقام في نيسابور مُدرسّاً ومؤلفاً.
درَس على الكثير من علماء اللغة، منهم خاله إبراهيم الفارابي، وأبو علي الفارسي، وأبو سعيد السيرافي، كما تتلمذ على يديه العديد من أعلام اللغة، منهم: أبو الحسين بن علي، وأبو إسحاق إبراهيم بن صالح الوراق، وكان حكيماً في شعره الذي يُذكر منه قوله:
لو كان لي بدٌّ من الناس
قطعت حبل الناس بالياس
العزُّ في العزلة لكنّه
لا بد للناس من الناس
وهو ثاني من حاول الطيران بعد عباس بن فرناس، ومات في سبيله، حيث يقول عنه ياقوت الحموي: «كان من أعاجيب الزمان، ذكاء وفطنة وعلماً»، ويَنقل عن عليّ بن فضّال المجاشعي في كتابه «شجرة الذهب في معرفة أئمة الأدب» قوله: «كان الجوهري قد صنّف «الصحاح» لأبي منصور عبد الرحيم بن محمد البيشكي (أديب وواعظ ت. 453ه)، وسمعه منه إلى باب الضّاد المعجمة، ثم اعترى الجوهريّ وسوسة فانتقل إلى الجامع القديم في نيسابور، وصعد إلى سطحه، وقال: أيّها الناس إني عملتُ في الدنيا شيئاً لم أُسبق إليه فسأعمل للآخرة أمراً لم أُسبق إليه، وضمّ إلى جناحيه مصراعي بابٍ وتأبّطهما بحبل، وصعد مكاناً عالياً من الجامع وزعم أنه يطير فوقع فمات».
ومن أشهر الكتب التي ألفها: «تاج اللغة وصحاح العربية» المعروف اختصاراً ب«الصحاح» أو «الصحاح في اللغة»، وله كتاب في العروض بعنوان «عروض الورقة»، وكتاب في النحو بعنوان «المقدمة في النحو».
«تاج اللغة وصحاح العربية» أو «الصِّحاح» أو «الصِّحاح في اللغة» معجم لمفردات اللغة العربية، وهو من أهم الكتب التي ألفت في هذا المجال، ويعد عند علماء العربية من أجود المعاجم وأنفعها وأكثرها دقة وضبطاً، يقول مؤلفه الجوهري في مقدمته: «أودعت هذا الكتاب ما صحّ عندي من هذه اللغة التي شرّف الله منزلتها، وجعل علم الدين والدنيا منوطاً بمعرفتها على ترتيب لم أُسبق إليه وتهذيب لم أغلب عليه»، فقد هدف من خلال تأليفه إلى جمع الصحيح من اللغة العربية والبعد عن الألفاظ الغريبة، وأحدث ظهوره ثورة في تأليف المعاجم، إذ خالف في ترتيبه نظام الخليل الفراهيدي في «العين»، الذي اعتمد مخارج الحروف، بينما اعتمد الجوهري في ترتيب «الصحاح» اتباع نظام القافية لسهولة هذا النظام على الباحث، فجعل الحرف الأخير باباً والأول فصلاً، كما أنه ترك نظام التقليبات واتبع النظام الهجائي العادي (أ ب ت ث... إلخ)، فإذا كانت الألف المهموزة هي أول حروف الهجاء فإنه يبدأ معجمه بباب يجمع فيه كل المفردات التي تنتهي بألف مهموزة، ثم يقسمه وفقاً لعدد حروف الهجاء، ولكنه جمع الواو والياء في باب واحد، وقدم الهاء على الواو واختتم معجمه بالألف اللينة، وكل ذلك سهّل البحث فيه، كما أبدى المؤلف عناية دقيقة بالمسائل النحوية والصرفية التي اعترضته، كما تميز بمنهجية نظامه وبساطته في نفس الوقت، وقد اشتمل على 40 ألف مادة.
ضبط الكلمات
ويرى الباحثون أن من أهم ما يميّز هذا المعجم أنه اهتم بضبط الكلمات خشية من التحريف والتصحيف، وأوجز في شرح المفردات وتفسيرها واكتفى بالمراد من اللفظ دون تطويل وبسَّط في شرح الألفاظ، وكان التزامه بالقافية مساعداً للشعراء في تقفية شعرهم وللكتاب في سجع نثرهم، كما أنه لم يرتب الأبنية الثنائية والثلاثية وما فوقها، بل وضعها داخل الأبواب والفصول حسب ترتيبها الهجائي، وتميّز كذلك باهتمامه الواضح بلهجات العرب وإشارته إلى الفصيح منها والرديء والمذموم والمتروك والنّادر، مثل عجعجة قضاعة، وهي إبدال الياء جيماً مع العين، ك«الراعي» التي يقولون فيها «الراعج»، كما شكّل عرضه لبعض المسائل اللغوية غنىً لهذا المؤلف.
ألهم هذا المعجم العديد من الأدباء واللغويين، مثل الإمام محمد بن أبي بكر الرازي الذي اختار بعض مواده وصنّفها في معجم سمَّاه «مختار الصحاح»، وابن منظور الذي يقول عنه في مقدمة (لسان العرب): «رأيت أبا نصر إسماعيل بن حماد الجوهري قد أحسن ترتيب مختصره وشهّره بسهولة وضعه، فخفّ على الناس أمره، فتناولوه وقرُب عليهم مأخذه فتداولوه وتناقلوه»، والفيرز آبادي الذي قال في مقدمة (القاموس المحيط): «رأيت إقبال الناس على صحاح الجوهري وهو جدير بذلك...»، ومحمد بن عبدوس النيسابوري الذي قال فيه:
هذا كتاب الصحاح سيّد ما
صُنف قبل الصحاح في الأدب
تشمل أبوابه وتجمع ما
فُرِّق في غيره من الكتب
وقد حققه السيد أحمد عبد الغفور العطار وطبع في ستة أجزاء سنة 1956 في مصر.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات كازاخستان العراق اللغة العربیة
إقرأ أيضاً:
حاكم الشارقة يتسلم تكريماً خاصاً من اليونسكو بمناسبة إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية وإدراجه في مكتبة اليونسكو
الشارقة - الوكالات
تسلم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة تكريماً خاصاً من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وذلك بمناسبة إنجاز المعجم التاريخي للغة العربية، وإدراج المعجم رسمياً في مكتبة اليونسكو.
جاء ذلك خلال حفل رسمي أقيم في مقر اليونسكو بالعاصمة الفرنسية باريس تحت شعار "اللغة العربية: جسر بين التراث والمعرفة"، بحضور سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة، والشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب.
وكان في استقبال سموه لدى وصوله إلى مقر المنظمة كل من: معالي أودري أزولاي المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، وفهد سعيد الرقباني سفير دولة الإمارات لدى فرنسا، وعبدالله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة، وجمال الطريفي رئيس الجامعة القاسمية، وأحمد بن ركاض العامري الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، وعلي الحاج آل علي المندوب الدائم للدولة لدى اليونسكو، ومحمد حسن خلف مدير عام هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، وطارق سعيد علاي مدير عام المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، وسفراء الدول العربية المندوبين لدى اليونسكو.
وألقى صاحب السمو حاكم الشارقة كلمة خلال الحفل، قال فيها // يشرّفني أن أقف بينكم اليوم في هذا المقام الثقافي الرفيع، في منظمة اليونسكو التي نُجِلُّ رسالتها النبيلة، ونعتز بشراكتها المثمرة، لنحتفي معا بإنجاز علمي وثقافي رائد، ألا وهو المعجم التاريخي للغة العربية، وما يزيد هذه اللحظة رمزية وعمقاً، أنها تتزامن مع اليوم العالمي للتنوع الثقافي للحوار والتنمية، هذا اليوم الذي أقرّته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، ليكون مناسبة سنوية لتعزيز التفاهم والاحترام المتبادل بين الثقافات، وترسيخ التقارب الإنساني //.
وأكد سموه أن اللغة هي الوعاء الأول للثقافة، قائلاً // لا شك أن اللغة أيَّ لغة كانت تعد الوعاء الأول للثقافة، والمعبّر الأصدق عن هوية الشعوب، وحين نحتفي اليوم بالمعجم التاريخي للغة العربية فإنما نكرّم بهذا الاحتفاء عنصرًا من عناصر هذا التنوع البشري العظيم، الذي تمثّله اللغة العربية بكل ما تحمل من ثقل حضاري وإشعاع علمي وإنساني //.
وحول أهمية المعجم في التأريخ لتطور مفردات اللغة العربية، قال صاحب السمو حاكم الشارقة // لقد ظلت اللغة العربية على مدى قرون من الزمان، لغة حية نابضة، حملت تراث أمة، واحتضنت علوماً ومعارف لا حصر لها، فهي لسان القرآن الكريم، وأداة التعبير لدى الفلاسفة والعلماء، ووسيلة إبداع الشعراء والمفكرين، وهي إلى يومنا هذا تُواصل أداء رسالتها في ساحات المعرفة، ومع ذلك كله كانت تفتقر إلى مشروع علمي يؤرخ تطور مفرداتها ودلالاتها عبر العصور كما هو في اللغات الأخرى، ومن هنا جاء المعجم التاريخي للغة العربية حلماً تحول إلى مشروع، ومشروعاً صار إنجازاً، بفضل تضافر الجهود، وتكامل الخبرات، وإرادة لا تعرف التراجع //.
وأوضح سموه دور الجهات المشاركة في إنجاز المعجم التاريخي، قائلاً // لقد أشرفت الشارقة من خلال مجمع اللغة العربية فيها، وبالشراكة مع اتحاد المجامع العلمية واللغوية بالقاهرة، والمجامع والمعاهد والمؤسسات اللغوية في العالم العربي، على إنجاز هذا المعجم الذي جاء في مائة وسبعة وعشرين مجلداً، كما ترونها مطبوعة أمامكم والمعجم متوفر في شكله الورقي والإلكتروني، فتحية لمئات الباحثين والمدققين من مختلف الأقطار العربية على جهودهم الكبيرة التي كانت سبباً في هذا الإنجاز //.
وأكد سموه أحقية اللغات في الوجود والتطور وعدم اختزالها في لغة واحدة، قائلاً // إننا حين نعيد للغة العربية تاريخها، ونبرز ملامح تطورها، فإننا في الوقت ذاته نؤكد للعالم أن لكل لغة حقًّا في الوجود والتطور والاحتفاء، وأن العدل الثقافي يقتضي ألا تختزل الإنسانية في لغة واحدة، ولا تختصر حضارات الشعوب في نموذج واحد، فكما أن التنوع البيئي ضمانة لاستمرار الحياة، فإن التنوع الثقافي واللغوي هو الضمانة لاستمرار الإبداع الإنساني وتجدّده //.
وأعرب صاحب السمو حاكم الشارقة عن خالص شكره وامتنانه إلى منظمة اليونسكو على احتفائها بالمعجم التاريخي للغة العربية، والمشاريع الثقافية المشتركة بين الشارقة والمنظمة، قائلاً سموه // إن احتفاءنا بهذا العمل في رحاب اليونسكو، هو رسالة واضحة مفادها أن الثقافة لا تعرف الحدود، وأن الجهد العربي حين يتحقق بإخلاص وبروح جماعية يحظى إنجازه بالتقدير والاحتضان العالمي، وإني من على هذا المنبر أعبر عن بالغ امتناني لمنظمة اليونسكو، والدول الأعضاء فيها على إيمانهم العميق بقيمة اللغة العربية، وعلى شراكتهم البناءة معنا في العديد من المبادرات، وفي طليعتها جائزة الشارقة ـــ اليونسكو للثقافة العربية، التي نرى فيها رمزاً للتلاقي الثقافي بيننا في الشارقة، وبين هذه المنظمة الدولية بكل دولها الأعضاء //.
واختتم سموه كلمته قائلاً // فلنواصل معاً أيها الأصدقاء، لنضع أيدينا بأيدي بعض، ولنعزز الحوار الثقافي بيننا، ولنعمل على صون الإرث الإنساني المشترك، ولنعمل معاً على أن يكون صوت كل ثقافة مسموعاً وكل لغة محترمة، وكل شعب متمسكاً بهويته وثقافته الأصيلة //.
وألقت معالي أودري أزولاي المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" كلمةً رحبت فيها بصاحب السمو حاكم الشارقة، وأعربت عن سعادتها بزيارة وفد إمارة الشارقة العاصمة العالمية للمعرفة والثقافة، والتي استثمرت ودخلت في مجالات متعددة في قلب صلاحيات اليونيسكو، وحصلت على ألقاب واعترافات ثقافية عالمية منها اختيار اليونسكو للشارقة عاصمةً عالمية للكتاب في العام 2019م، الذي يأتي تأكيداً على التزام الشارقة بالكتاب والتراث الثقافي والمعرفة والتعددية الثقافية وغيرها.
وأشادت معالي أودري أزولاي برؤية الشارقة بقيادة صاحب السمو حاكم الشارقة التي جعلت من كافة سياساتها مبنية على الثقافة والمعرفة ونظمت مختلف الفعاليات والمهرجانات والمعارض الثرية التي تشمل مختلف مجالات الثقافة والفنون والتاريخ، مشيرةً إلى أن هذه المبادرات والفعاليات الثقافية ومنها جائزة الشارقة - اليونسكو للثقافة العربية تدعم الحوار بين الثقافات وتجسد العلاقة الراسخة بين الشارقة واليونسكو منذ أكثر من 25 عام.
وثمنت المديرة العامة لليونسكو مبادرة الشارقة بتوقيع اتفاقية رقمنة أرشيف اليونسكو والتي تشكل دعماً كبيراً للحفاظ على الإرث الكبير من الكتب والوثائق وغيرها والتي تعود في عمرها إلى أكثر من 80 عام من تاريخ المنظمة الكبير والذي شهد الكثير من الأحداث والمواقف والاتفاقيات والمبادرات.
كما عبرت عن اعتزازها بإنجاز المعجم التاريخي للغة العربية الذي تحقق بمتابعة وإشراف صاحب السمو حاكم الشارقة وعمل عليه مئات الباحثين والمدققين و20 مؤسسة لغوية في العالم العربي، وحصل على شهادة موسوعة غينيس كأكبر معجم تاريخي بـ 127 مجلداً، وتم إضافته رسمياً إلى مكتبة اليونسكو، ليوفر للمعلمين والباحثين والطلبة وكل من يود تعلم اللغة العربية.
وأوضحت أن اللغة العربية ثرية وقيمة بمحتواها وعلماءها وأدباءها في مختلف المجالات، وهي لغة تتكيف مع العصور وتتطور ويتحدثها الملايين حول العالم، لافتةً إلى وقوفها على كلمة السلام ذات الجذر الثلاثي سين لام ميم في المعجم التاريخي للغة العربية والتي تتشابه في معناها مع كافة اللغات.
وتفضل صاحب السمو حاكم الشارقة بتوقيع نسخة من المعجم التاريخي للغة العربية وإهدائها إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو".